إن أكرمكم عند الله أتقاكم
هيمنت العصبية على الحياة الاجتماعية في العصور القديمة، فكرست الظلم والبغضاء، والكبر والحسد، وبثّت روح العنصرية المنتنة داخل الطبقات المتصارعة، واتخذت أشكالًا عدوانية، فتسببت بحروب كثيرة وكوارث عظيمة، حتى أصبحت المعيارَ الذي يفرز الناسَ ويصنفهم، والأساسَ الذي يقوم عليه التباهي والتفاخر، وأغمضت عين الإنسان وطمست على قلبه، وأصبحت ثقافةً قطيعيّةً مترسخةً تتحكم بالأقوال والأفعال والمشاعر، لا يتحرك المنتمي إليها إلا من أجل القبيلة والعشيرة والعرق، ولا يهمه إن كان ذلك في سبيل حقّ أو باطل، وفي ذلك قال الشاعر الجاهلي دريد بن الصمّة (ت8 هـ):
وما أنا إلا من غزيّةَ إنْ غوتْ غويتُ وإنْ ترشدْ غزيّةُ أرشدِ
وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم خطورة هذا الداء على الفرد والمجتمع، وعلم أن النظم القبلية والعرقية التي تقوم على مبدأ العنصرية تتناقض مع نظام الدولة الإسلامية، وأنه لا يمكن تشييد دولة معززة الجانب متينة البنيان في ظل الجاهلية ورواسبها، فوضع للمسلمين قواعد بناء الأمة المتماسكة القادرة على النمو والتطور، وقواعدَ بناء الحضارة المتسامحة والمدنية المتحضرة، فقال صلى الله عليه وسلم: "ليس منَّا مَن دعا إلى عصبيةٍ، وليس منَّا مَن قاتلَ على عصبيةٍ، وليس منَّا مَن ماتَ على عصبيةٍ" (رواه أبو داود في سننه) ، وعدَّ التفاخرَ بالنسب والعرق من أمور الجاهلية المنتنة حين قال لأبي ذر الذي عيّر رجلا بأمه الأعجمية : "إنك امرؤ فيك جاهلية".
فكانت رسالة الإسلام نظامًا جديدًا يعيد إلى المجتمع الإنساني توازنه ويرفع الظلم والجور عن الخلق، فضرب على يد الظالم وأخذ بيد المظلوم، واستبدل أخوة الإسلام بالروابط القبلية... اقرأ المزيد