عضو الأمانة العامة في المجلس الإسلامي السوري د. حسين عبد الهادي لـ (نور الشام):
"حضارتنا قائمة على ثلاثة أسس: الحرية والكرامة الإنسانية والتعارف.. والكرد مسلمون ولا يرضون بغير الإسلام بديلا"
تعدّ القضية الكردية في سورية أبرز ما يتصدر ساحة الأحداث اليوم، وإحدى القضايا الشائكة، بسبب الخلط بين مفهوميْ القومية والوطنية، وبسبب ما تحمله بعض الأحزاب من برامج تقسيمية تتخطى الحقائق الجغرافية والتاريخية، إضافة إلى العمليات العسكرية ضد الميليشيات الكردية الانفصالية التي كان آخرها عملية (غصن الزيتون) التي استطاعت التقدم إلى مدينة (عفرين) والسيطرة عليها.
في حوار هذا العدد من مجلة نور الشام نستضيف د. حسين عبد الهادي عضو مجلس الأمناء في المجلس الإسلامي السوري وإحدى الشخصيات الكردية الفاعلة، للحديث عن المشروع الكردي في سورية والوقوف على إشكالياته وتعدد الأحزاب الكردية واتجاهاتها المختلفة، وعن دور الأكراد الإيجابي في الثورة السورية.
من النافذة القرآنية نستلهم مفهومنا للظاهرة القومية من حيث كونها ظاهرة اجتماعية، وفطرة إنسانية مشروعة في حدودها التي شرعها الله لها. ولكن القومية ليست عقيدة، ولا بد لها من عقيدة تستلهمها وتستهدي بها، وعندما تتحول هي بذاتها إلى عقيدة تقضي على نفسها كما فعلت النازية وغيرها.
وإذا كان القوميون قد أخطؤوا بتحويل القومية من ظاهرة إلى عقيدة وعصبية فإن بعض الإسلاميين أخطؤوا أيضا عندما تجاوزوا الحقيقة وألغوها نهائيًّا كأنها لم تكن، ووضعوا الإسلام في حربٍ معها دون مبرر.
قال تعالى {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}(13 الحجرات) ويمكن أن نستنبط من هذه الآية نظرية تعارف القوميات والحضارات، نحن أمة واحدة، ولكنها مشكلة من قوميات مختلفة، ولا بد من التفريق بين قوميتين: القومية الجنسية كظاهرة اجتماعية لغوية، والقومية كظاهرة سلبية في المجتمع الإنساني، فأما الأولى فقد اعترف بها الإسلام، وأما الثانية فقد حاربها الإسلام، وقال عنها صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها منتنة". وقال: "ليس منَّا من دعا إلى عصبية، وليس منَّا من قاتل على عصبية، وليس منَّا من قتل على عصبية".
لا بد من توحيد كل قومية في إطارها الطبيعي ثم التطلع إلى تكوين رابطة إسلامية أعمّ من القوميات الشقيقة في إطار دار الإسلام والولايات الإسلامية المتحدة التي هي أرحب من أي نظام سياسي. هذا هو الحل حتى لا نعود إلى تجارب جديدة يشلها صراع القوميات من جديد.
أليس في طرحنا الذي سبق ما يوفق بين القومية والدين ويؤدي إلى تجنب الصراعات القومية واللغوية المتداخلة التي أدت إلى تفكيك الأمة؟!
خلقت المشكلة الكردية بأيدي المستعمرين ورعاها وكلاؤهم في الأنظمة القومية التي قامت وفق مخطط (سايكس بيكو)، فمسحت اسم كردستان من الجغرافية والتاريخ.
إن الشعوب عندما تحصل على حقوقها ستحافظ على وحدة الأرض ووحدة الأمة وسيادة الاستقلال، أما وحدة الأرض المزعومة اليوم فهي لا توحد الأمة ولا تحافظ على سيادة الاستقلال، وخير دليل هو واقعنا المؤلم. نحتاج اليوم لتصحيح المسار بجعل التاريخ مفتوحًا وواضحًا لكافة أبناء الأمة بكل جرأة ووضوح وشفافية، وإلا فسيبقى التاريخ أحداثًا متفرقة وعرضة للاستغلال من قبل الأعداء.
إن الحل السياسي يحاول إعادة التفاعل داخل الأمة عبر توضيح ماهية الأمة وإبراز الهوية داخل العناصر المكونة، ثم يأتي الأمر الحقوقي ليثبت توازنًا في الحقوق والواجبات ويزيل كافة أشكال اللبس، فالأمة بدون الجامع العقدي تصبح قطعانًا بشرية تتحكم فيها النزوات المريضة والإرادات الخارجية، وهذا ما حصل بعد سقوط الخلافة وتقسيم (سايكس وبيكو). لا يمكن فهم الأمة بتعدد الولاءات لأن الأمة الواحدة تفرض الولاء الواحد على أي ولاء آخر، وعندما تتعدد الولاءات في أمتنا نجد أن النكبات جعلت منها أجزاء متباينة ما بين الولاء الطائفي والعشائري والقبلي والأسري والحزبي مما يفكك حقيقة الولاء الواحد.
مواقف الأحزاب الكردية القومية مختلفة، وارتباطاتها مختلفة، ولذلك تكون مواقفها متباينة، بغض النظر عن الصراع القومي الذي تغذيه دول خارجية أو إقليمية أو محلية منذ مخطط (سايكس بيكو)، وإلى الآن فإن الكرد مسلمون ولا يرضون بغير الإسلام بديلا، ولذلك أيَّد 80% في كردستان العراق تطبيق الإسلام، وما تشاهده من مظاهر هي رد فعل للفتنة القائمة، وأيضًا تسقط القناع عن الكثيرين الذين يرفعون راية الوطنية أو القومية من العرب والكرد وغيرهم.
أما في الماضي فعاش الكرد مع إخوانهم من العرب والترك دون أي تمييز لأن الحقوق كانت محفوظة للجميع، لأن حضارتنا كانت قائمة على ثلاثة أسس: الحرية والكرامة الإنسانية والتعارف، وكان الناس يعيشون دون تمييز على أساس الحقوق والواجبات إلى أن استُورِدت القومية من الغرب بفلسفة نازية، فأدى إلى تفكك الأمة. ولذلك لا بد من الرجوع إلى هذه الأسس لإقامة الولايات المتحدة الإسلامية.
يوجد تيار إسلامي كردي ولكن دون قيادة ظاهرة في الداخل السوري بسبب القمع والتنكيل بالإسلاميين، حسب ما أسمع هناك (جبهة العمل الوطني لكرد سورية) و(جمعية علماء الكرد)، ولكنهم ممنوعون من النشاط.
إذا سقط الاستبداد وعادت الحرية فإن الشعب الكردي سيختار الحل الإسلامي دون غيره، وما نسمعه عن لافتات وإعلانات غير إسلامية في الساحة الكردية، فهي مؤقتة، لأنها سراب.
كما قلت نشأت القضية الكردية بأيدي المستعمرين، وما زالوا يستغلونها لصالحهم، ولكن هذا لن يستمر عندما يعيش الكرد في جو الحرية وعندما تتحرر المنطقة كلها من التدخل الخارجي، فالمعركة اليوم هي معركة الحرية لشعوبنا، وستنتصر إن شاء الله، وستُسقط المستبدين في المنطقة الذين كانوا سببًا في كوارثنا ومآسينا. وأقول بكل صراحة لم تحصل الشعوب على استقلالها الحقيقي منذ سقوط الخلافة، وتبذل الشعوب الآن كلَّ ما في وسعها لنيل الحرية والاستقلال الحقيقي.
وبالنسبة إلى الكرد فإنهم مغلوبون على أمرهم في هذه الفتن التي تشاهدونها، ولذلك يجب ألا نتهم جميع الكرد، وإنما نلقي اللوم على حزب أو تيار معين.
البعثيون لم يقدموا للكرد شيئا، وإنما بالعكس جردوا الكثيرين من جنسياتهم، وصادروا أراضيهم وعاملوهم معاملة مواطني الدرجة الثالثة. فقط سمح البعثيون للكرد بالاحتفال بعيد النيروز لتخديرهم، وأيضا من منطلق (فرّق تسد) بين مكونات الشعب السوري.
أما الذين تعاملوا مع النظام فهم أفراد أقاموا علاقات معه من منطلق المصلحة الشخصية ليس إلا.
حسب معرفتي وقناعاتي أقول إن الكرد في سورية لم يطالبوا بالانفصال، وإنما يطالبون بحقوق ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية بحيث يكونون مثل غيرهم من المكونات في المجتمع السوري. هم يريدون المساواة مع غيرهم، وأن تعود إليهم حقوقهم وأملاكهم التي سلبت منهم في الماضي.
بعض الأحزاب الكردية تطالب بالفيدرالية اللامركزية ويرفضون المركزية، وأنا أقول عندما تعود إليهم حقوقهم كاملة فَسَتُحَل كثير من المشاكل وتنتهي، أما رأيي فقد بينته، وهو (الحرية والكرامة والتعارف) إذا طبقت فستحل مشاكلنا جميعها، وبغيابها سنستمر في الضياع.
عملية غصن الزيتون بدأت وانتهت، ونأمل عدم الوقوع في الفتنة القومية، ويجب معاملة الناس من منطلق إنساني والتفريق بين (PYD) وبين الكرد حتى لا تختلط الأوراق.
ولا بد من توضيح نقطتين: الأولى هي أننا طلاب حرية، ولا نريد الاعتداء على المدنيين، ويجب محاسبة كل من انتقم أو أساء إلى المدنيين حتى لا تشوه صورة الثورة {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ}(164 الأنعام)
والنقطة الثانية مهمة إعلاميًّا، وهي عدم التعبير عن (PYD) بالكرد، وهذا ما يقع فيه بعض الناس فيثيرون الأحقاد والفتنة القومية.