الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد شرع الله -تعالى- الجهاد في سبيله لمقصدٍ عظيمٍ وهو أن يكون الدين لله، قال تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193].
وقد جعل لهذا الجهاد أسبابًا عديدة، من أهمها: استنقاذ المستضعفين ودفع العدوان على الأنفس والأعراض والأموال، والدفع عن فتنة الناس في دينهم، قال تعالى: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء: 75].
وكثيرًا ما يعترض المسلم أثناء جهاده مفاوضات وطلب هدن ومصالحات، تارةً لحاجته لذلك، وتارة بطلبٍ من الأعداء، والمفاوضات نوعٌ من الجهاد، ما لم يأخذها المجاهد بحقها فإنها ستقوده لمزالق قد تقضي على جهاده وتفسده.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد جاهد في الله حق جهاده، ولما عجز المشركون الناس عن صرف الناس عن دعوة الإسلام جربوا أسلوباً آخر يجمع بين الترغيب والترهيب، بمفاوضته على مواقفه ومبادئه، وتفريغ دعوته من مضونها.
فقد فاوضته قريش على ترك الدعوة مقابل شيء من متاع الدنيا من مال أو زوجة أو مُلك، فصدع بالحق مبينًا دعوته ورسالته: {حم... اقرأ المزيد