اللعب عند الأطفال
لاشك أن الطفل هو رجل الغد، وأمل المستقبل الذي يعول عليه في بناء المشروع الحضاري المنشود، ولا يمكن أن نحقق آمالنا دون تربية الطفل تربية رشيدة وتشكيل عقليته ونفسيته وفق المبادىء والقيم الحضارية الذاتية لأمتنا، وأعتقد أن اللعبة خير ما يوصل هذه المفاهيم لأطفالنا بما يتناسب ومستواهم العقلي .
كثير من الناس، مع ما تشهده الساحة التربوية من تطور ونضوج، يعتقدون بأن اللعب مسلٍّ، والساعات التي يقضيها الأطفال فيه هي وقت ضائع لايسهم في تربية الطفل أو تثقيفه مما يدفعهم للطلب من أطفالهم أداء الواجبات المدرسية وعدم اللعب إلا أثناء العطل أو حين انتهاء الدراسة، بل وربما ذهب البعض أبعد من ذلك بتحويل العطلة إلى فرصة تسنح للاستزادة من النهم العلمي لتحصيل العلامات وبلوغ المجاميع التي تؤهله لدخول أعلى الكليات في ظل عصر أضحت الرغبات فيه مقرونة بالدرجات.
معما للألعاب من أهمية في حياة الطفل من الناحية التربوية والنفسية والعقلية فاللعب يؤدي وظيفة مهمة في حياته، فهو يشغل مكانًا كبيرًا في نمو الأطفال، و يوفر لهم الراحة النفسية ،ويسهل عليهم الاندماج في المجتمع وتكوين علاقات مع أقرانهم، كما يمنع عنهم الملل الذي يجعل الطفل سيئ الخلق ومؤذيا، بل أصبح اللعب في السنوات الحالية وسيلة من أجل التعلم والتعليم.
إن مما ينبغي معرفته لكل والد ومربٍّ ومشتغل في ميدان الطفولة فهم حياة الطفل والعوامل التي تحكم عملية نموه، ولن يتيسر لنا ذلك إلا بدراستنا لتلك القوى المختلفة التي تدفعه لأن يعبر عنها في أشكال مختلفة من السلوك والنشاط الذي يقوم به الطفل بمختلف صوره سواء أكان في اللعب أم في الرسم أو في حله وتركيبه للأشياء أو لصياغته لموضوعات معينة بالرمل أو الصلصال أو غير ذلك من صور النشاط، إنما كلها تعبير عن نفس الطفل وشخصيته، ومن ثم فهي تقتضي منّا كلَّ تشجيع واهتمام.
لذا نجد رجال التربية يذهبون في تعريف اللعب بأنه "نشاط موجه أو غير موجه يقوم به الأطفال من أجل تحقيق المتعة أو التسلية ، ويستغله الكبار ليسهم في تنمية سلوكهم وشخصياتهم بأبعادها المختلفة الجسمية والعقلية والوجدانية".
من أجل ذلك كله كان علينا أن نعي حقيقة ما يقوم به الطفل من ألعاب وأنشطة، وأنه ليس نوعًا من العبث الصبياني الذي لا غرض من ورائه ولا فائدة فيه فنعمد إلى إيقافه، بل الأمر على خلاف ذلك، فالطفل من خلال لعبه ونشاطه إنما يحقق ذاته بجوانبها المختلفة:
-
فمن خلال لعبه نستطيع أن نكتشف ميوله واتجاهاته ومهاراته وتطوير طاقاته الإبداعية، فهناك من الأطفال من يميل إلى فك وتركيب لعبته مرات عديدة وقد يحاول إصلاحها كمهندس ماهر أو تطويرها وابتكار أشكال جديدة، ومنهم من يميل إلى إقامة الأشكال أو يظهر اهتماما خاصا بالرسوم وأشغال الصلصال، ثم هناك من يظهر ميلا لأن يسلك كقائد لجماعة من الصبية، فيصدر إليهم الأوامر والتعليمات، ويقيم من نفسه رئيسًا عليهم، وهكذا نجد الطفل إنما يتخذ الدور الذي يعبر عن ميوله وقدراته، وإيقافنا له يعني إضرارنا بشخصية الطفل، ومنعنا هذه الميول أن تنمو نموًّا سليما يحرم الطفل من أن يكون ذا أثر في مستقبل حياته كشخص له دور معين في الحياة المهنية، وكفرد في المجتمع له ميوله واتجاهاته.
-
كما يسهم اللعب في النمو الاجتماعي المتزن بعيدا عن الانغلاق والسلبية، فإن أنشطة اللعب تساعد الطفل على الخروج من التمحور حول ذاته نحو الجماعة والرفاق والتعاون معهم، كما يعزز روح المشاركة مع الغير لحل المشكلات إضافة لتعلمه محبة الآخرين وتنمية روح المنافسة الإيجابية بقبول الخسارة بروح رياضية عالية وتقبل الفوز، لأنه يعبر عن نظام اللعب وقوانينه، كما تخلق أنشطة اللعب حسَّ الانتماء والولاء إلى الفريق أو الجماعة، ويظهر ذلك كله من خلال ألعاب عديدة لا نأبه لها، كلعبة الكرة بأشكالها المختلفة والعديد من الألعاب الشعبية التي يمارسها أطفال الحي على شكل جماعات موزعة تتخللها المنافسة والتعاون .
-
كما ينمي الطفل من خلال الكثير من الألعاب ملكة التعبير للتواصل مع الآخرين بسبب ما يتطلبه اللعب من الكلام الكثير، كما يستخدمه أطفال للتعبير عن ذواتهم وانفعالاتهم وإظهار مشاعرهم نحو الآخرين بصورة غير مباشرة، فيصبح اللعب مخرجًا لانفعالاتهم، يحررهم من عدوانيتهم ويفرغونها بدلًا من توجيهها نحو الأطفال الآخرين، فالطفل الذي يلعب بسياراته نجده إنما يقلد حادثًا شاهده، أو يقلد أباه أو أخاه الأكبر أثناء قيادتهم للسيارة وتفاديهم السيارات الأخرى، وهو حينما يتحدث مع السيارات إنما يخاطب جمهورًا في خياله يحكي له عن مهارته في قيادة السيارة، ويظهر براعته في تقليد مثله الأعلى (أبيه أو أخيه) في الحركة بالسيارات. أما الطفلة التي تؤنب عروستها فهي تصب غضبها على نفسها وعلى والدتها التي تؤنبها عادة بنفس الألفاظ على نفس الأخطاء، وكأنما ترغب في التنفيس عن هذا الغضب ضد النفس وضد الأم، (وهو شعور متعب نفسيا)، فتراها تؤنب العروسة على قبحها، ولأنها وسخت يدها، وبذلك يتحول كلّ غضبها إلى هذه العروسة المستسلمة المستكينة للإهانة وللضرب، وبذلك تستريح نفسيا، ولو راعت الأم ذلك لاستطاعت تقويم سلوكها التربوي، فتعمد إلى مدح الفتاة إذا عملت عملا طيّبًا يستحق ذلك بدلا من تأنيبها فقط على الخطأ، مما يسهم لدى الطفلة بتحقيق نوع من التعادل النفسي، فتدرك الطفلة أن هناك ثوابًا بجانب العقاب وأنها لا تؤنب باستمرار فقط، وسنجد لذلك انعكاسًا على تصرفاتها مع عروستها، فستدللها أحيانا وستؤنبها أخرى، كما تأتي رسوم الأطفال تبعًا للحالة الانفعالية، فحينما يرسم الأيدي كبيرة وطويلة فهو تعبير منه عن العقاب الذي يلقاه من والديه عن طريق الضرب بالأيدي، وقد يتناسى أجزاء أخرى من جسم الوالدين، فهو يريد تأكيد العناصر ذات الأهمية بالنسبة إليه، فعلى الأب أن يراعي ذلك ويعدل من أساليبه التربوية للوصول إلى نفسية مستقرة عند أطفاله.
-
كما يوفر اللعب للطفل نموًّا سويًّا سواء في ذلك الجوانب الحسية أو الحركية، وذلك من خلال المهارات اليدوية والتآزر العضلي والمران الفكري، فكل ذلك إنما هو نتاج لتلك النشاطات التي قد لا يكون لها معنى لدى الباحث السطحي، وإن كانت في حقيقة الأمر ذات وظائف حيوية مهمة، حيث تحقق ألعاب الجري والمشي والقفز والتسلق والتزحلق والتأرجح مرانًا وتدريبًا لسائر الوظائف العقلية كانت أو الجسمية، فتجد الطفل الذي أعطي مجالا لممارسة تلك الأنشطة قد تناسقت حركاته واشتد عوده وحسن سمعه وبصره وسائر حواسه.
-
ويقوم اللعب أيضًا بدور كبير في نمو الجانب الإبداعي والجمالي والقدرة على التذوق الفني من خلال ألعاب الرسم والتلوين والقص واللصق وألعاب التأمل في الطبيعة، فيصقل ذلك كله لديه الحس والذوق الجمالي، مما يدفعه نحو الملاحظة والاهتمام بمظهره إضافة للابتكار والإبداع.
وتبدو الحاجة إلى اللعب عند الأطفال في غضبهم عندما نتحكم بشكل واضح في ألعابهم وقفزهم وتسليتهم وجريهم، فاللعب وممارسة النشاط الحر يمكن الطفل من إظهار مواهبه وقدراته المختلفة.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال أن الألعاب التي نتحدث عنها هي تلك الألعاب التي تخدم تلك الأهداف وتسهم في تحقيق التربية المثالية التي تسهم في تنشئة جيل متوازن آخذين في الحسبان رغبات الأطفال واحتياجاتهم ومدى تطورهم وعمرهم وجنسهم حين اختيار أدوات اللعب، ولعل من المستحسن أن يخضع اختيارك لألعاب أطفالك للأسس التالية:
-
أن تكون مناسبة لأعمار الأطفال وجنسهم.
-
أن تضمن سلامة الطفل وصحته حين اللعب بها، فلا تسبب أذى أو جروحًا أو غير ذلك من الأضرار.
-
أن تتمتع بجاذبية الألوان وخفة الوزن وسهولة التنظيف.
-
أن يتم تقديم ألعاب تلبي حاجة الطفل في وقت محدد دون إغراقه بالألعاب من جهة أو حرمانه من جهة أخرى، لإن الإكثار منها يسبب الاستهتار وعدم الإحساس بالمسؤولية تجاه الحفاظ عليها أو الملل منها، وقلّتها تولّد لديه الحرمان وحب تملك ألعاب الغير.
-
أن تكون هادفة وتربوية تخدم أغراضًا متعددة بالوقت نفسه وتفسح المجال للطفل للإبداع والتخيل .
-
أن تتيح الفرصة لمحاكاة الكبار وتقليدهم وتمثل أدوارهم، أي تسهل على الأطفال تقليد سلوك الكبار واستخدام أدواتهم (أدوات المهن والمنزل) لأنها من واقع الطفل وحياته.
-
أن توفر له فرص التسلية والمتعة على المدى القصير والبعيد من خلال تشكيل أشكال متعددة منها تولد السرور والسعادة للطفل.