أحكام الحوالات المالية
السؤال:
كثيراً ما نحتاج لإرسال مبالغ مِن المال لأهلنا في سورية، وبسبب الظروف الحالية قد نرسلها عن طريق وسيطٍ في دولة أخرى، أو عن طريق مبادلتها بمبالغ تكون عند بعض الأشخاص في الداخل.
وخشية مِن الوقوع في الحرام نأمل بيانَ الطرق الجائزة لهذا التحويل، وجزاكم الله خيراً.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالحوالاتُ النقديةُ المعاصرة صورُها متعدّدة، والأصلُ أنَّه لا حرج في تحويل الأموال مِن بلدٍ إلى آخرَ مقابلَ أجرةٍ معلومة، فإذا كان التحويلُ بعملةٍ نقديةٍ، والاستلامُ بعملةٍ نقديةٍ أخرى: فيُشترط إجراءُ عقد الصَّرف أولاً، والتقابضُ حقيقةً أو حكماً في مجلس العقد قبل التحويل، وتفصيلُ ذلك فيما يلي:
أولاً : التحويل والتّسلُّم بعملة نقدية واحدة.
بحيث يدفع راغبُ التحويل إلى شركةٍ أو جهةٍ مصرفية مبلغًا مِن المال لتُسلِّمَها لشخصٍ معيَّن في بلدٍ آخر، بالعملة نفسها مِن خلال فرعِها في ذلك البلد أو شركة أخرى متعاقدة معها تكون وكيلةً عنها، مقابلَ أجرةٍ محدَّدةٍ معلومة.
فهذه الصورةُ لا حرجَ فيها، وهي أسلمُ صور الحوالات مِن الناحية الشرعية.
والأجرةُ التي تأخذها الجهةُ المصرفية إما مِن باب "التوكيل بأجر"، فهم موكَّلون بنقل المال إلى ذلك البلد بأجرةٍ معلومةٍ، أو تكون مِن باب "الإجارة"، فالعميل الـمُحوِّل هو المستأجِر، والشركة القائمة بالتحويل هي الأجير، والمستأجَر عليه هو خدمة التحويل، وما تتقاضاه الجهةُ المصرفية مِن العميل هي أجرةُ تقديم تلك الخدمة.
ثانياً: التحويل والتسلّم بعملة نقدية مختلفة.
فهذه الحوالة يكون فيها الدفعُ بعملةٍ نقدية، والاتفاقُ على التسليم بعملةٍ نقدية أخرى، مقابلَ أجرة معلومة، بأن يدفع مريدُ التحويل للجهة المصرفية مالاً، فتقوم الجهةُ بصرفه إلى عملةٍ أخرى، ثم تقوم بالتحويل، ومخاطبة فرعِها أو جهةٍ أخرى متعاقدة معها لدفع المبلغ بالعملة الجديدة إلى الشخص المقصود فى ذلك البلد، فهذه العمليةُ تجمع عقدين معاً: الصّرف ثمّ التحويل.
وفي هذه الحال يشترط لصحة عقد الصرف "التقابض في المجلس"، بحيث يتسلّم الشخصُ ما يقابل مالَه مِن العملة الأخرى، ثم يوكّل الجهة المصرفية بتحويلها، فإن حصل تأخيرٌ في التقابض فقد وقع المتعاملان في نوعٍ مِن المعاملات المحرمة، وهو ربا النسيئة (أي التأجيل والتأخير).
قال صلى الله عليه وسلم: (إِنْ كان يدًا بِيَدٍ فلا بأسَ، وإِنْ كان نَساءً فلا يَصلحُ) رواه البخاري.
والأصلُ في التقابض أن يكون حقيقياً يداً بيدٍ، ولكن ألحق به العلماءُ القبضَ الحكمي، ومِن صوره المعاصرة: قبضُ الشّيك المصدَّق، والتقييدُ في الحساب البنكي للعميل، أو تسلُّم وصلٍ أو ورقةٍ رسميةٍ مِن جهة التحويل يَثبتُ فيها المبلغُ بالعملة الأخرى، فيقوم تسلُّم هذا الوصل مقامَ تسلّم النقد.
فإذا تسلّم الشّخصُ مريدُ التحويل سندًا بمبلغ التحويل، ومقدارِ العملة الأخرى، وسعرِ صرفها: فالتحويلُ جائزٌ، وأخذُ الأجرةِ عليه جائزٌ أيضًا.
ثالثاً: إذا كان التحويلُ عن طريقِ جهةٍ لا تُقدِّم مستنداً رسمياً، أو مِن خلال بعض التجار والمعارف والأصدقاء، فالطريقة الشرعية تكون بأحد أمرين:
1- أن يقوم الشخصُ بصرف العملة المرادِ تحويلُها، ثم يسلّمُها له، ويطلب منه تحويلَها مقابلَ أجرةٍ محدَّدة معلومة.
2-أن يكون لكلِّ واحدٍ مِن المتعاملين وكيلٌ في البلد الآخر، ثم يتفقان على وقتٍ محدَّدٍ يجتمعان فيه، بحيث يدفع الراغبُ بالتحويل المالَ لهذا الشخص، وفي الوقت نفسه يقوم وكيلُه في البلد الآخر بتسليم وكيلِ المحوِّلِ المالَ بالعملة الأخرى قبل افتراق المحوِّل والتاجر عن مجلس التعاقد.
قال في "كشاف القناع": "ولو وكّل المتصارفان مَن يقبض لهما فتقابض الوكيلان قبل تفرُّق الموكِّلَين جاز العقد, أي: صحَّ؛ لأنَّ قبضَ الوكيل كقبض موكِّله".
فإذا تعذَّر كلُّ ذلك بعد السعي لتحقيقه بسبب ظروف الحرب في سورية، وصعوبة التحويل إليها، وتعقُّد إجراء بعض المعاملات المالية: فيُرجى في هذه الحال أنْ يُخفَّف مِن شرط التقابض نظراً للضرورة أو الحاجة الملحة، ولكن لا بدّ أن يتفقا على سعر الصرف أو على قدر المبلغ الذي سيُسلَّم بالعملة الأخرى؛ تجنُّباً للوقوع في جهالة سعر المبيع.
وربا النسيئة في البيوع إنما حُرِّم سداً لذريعة الوقوع في ربا الدّيون.
قال ابن القيم في "إعلام الموقعين": "أنه حرّم التفريق في الصرف وبيع الربوي بمثله قبل القبض؛ لئلا يُتخذ ذريعةً إلى التأجيل الذي هو أصلُ باب الربا، فحماهم مِن قربانه باشتراط التقابض في الحال".
وما كان كذلك فيُرخَّصُ فيه عند وقوع الحرج والمشقة الشديدة.
قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "ما كان مِن باب سدِّ الذريعة إنما يُنهى عنه إذا لم يُحتج إليه، وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تحصل إلا به فلا يُنهى عنه ".
ويُقتصر في الترخيص على حالات الضّرورة والحاجة المؤكّدة دون توسعٍ إلى حالاتٍ لا ضرورةَ فيها ولا حاجة.
نسألُ اللهَ تعالى أن يفرّج عن إخواننا في سورية، وييسرَ لهم الخيرَ، ويكفيهم ما أهمَّهم وأغمّهم، والحمد لله رب العالمين.
ربا الدّيون: وهو كلُّ دينٍ يُشترط فيه أن يردَّه المستدينُ زائداً عن قدْر الدَّين.
ربا البيوع : وهو ربا يجري عند التبايع بين أصناف محددة مِن الأموال وهي:
-الذهب والفضة، ويلحق بهما العملات النقدية .
-القمح والشعير والتمر والملح، ويلحق بهما كلُّ طعام يُكال.
وينقسم ربا البيوع إلى قسمين (ربا النسيئة، وربا الفضل).
ربا النسيئة : بيعُ مالٍ ربوي بمالٍ ربويٍّ آخر يشاركه العلة ( كنقد بنقد، أو طعام بطعام)، دون تقابض في مجلس التعاقد.
ربا الفضل: بيعُ مالٍ ربويٍّ بمال ربوي آخر مِن جنسه ( أي ذهب بذهب، أو فضة بفضة، أو قمح بقمح...)، دون تماثلٍ في الوزن أو الكيل.