السبت 19 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 21 ديسمبر 2024 م
بين النظرية والتطبيق
الاثنين 6 رجب 1435 هـ الموافق 5 مايو 2014 م
عدد الزيارات : 26277

 

بين النظرية والتطبيق

 

كنت يوماً من أيام الشباب في حلقة من حلقات العلم المباركة مع أحد العلماء ممن التف حوله شباب الصحوة وطلبة العلم لحسن تأصيله وتفصيله وقوة عبارته واستدلالاته.
وكنت قرأت وسمعت منه قبل ذلك تأصيلا متميزا للخلاف بين العلماء، أسبابه وصوره، وكيف نتعامل معه، وكان من أنفس الدروس العلمية التي تدارسناها بيننا نحن الشباب.
في تلك الحلقة العلمية ذكر له سائل امرأةً متحجبة تغطي جسمها كله وتكشف الوجه والكفين، فقال الشيخ: لا يجوز لها أن تكشف الوجه والكفين، قال السائل: يا شيخ، هي طالبة علم، وتأخذ برأي الشيخ الألباني،  قال الشيخ بحدة: الشيخ الألباني ليس نبياً ! لا يجوز لها أن تكشف الوجه والكفين. 
في ذلك اليوم عدت إلى البيت مشوشاً، أليست هذه مسالة خلافية منذ القدم؟ ألم يذكر السائل أن المرأة تأخذ برأي معتبر؟ لماذا هذا الجواب الحاد من الشيخ إذن؟
إنه الفرق بين النظرية والتطبيق.
هل نطبق كل ما ننظّر له؟
عادت إلي هذه الصورة بعد عودتي من جلسات تأسيس المجلس الإسلامي السوري في اسطنبول، وبعد أن ووجه بنقد حاد من البعض بسبب تركيبته وتشكيله، ولأنه ليس على الصورة التي يحبون.
من هؤلاء الناقدين من يؤكدون في كل مناسبة أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين وتبعد شر الشرين، وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين، باحتمال أدناهما، ويحفظون كلام شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: "لا ينبغي لرجل أن يعيب نورا فيه ظلمة إلا إذا حصل له نور لا ظلمة فيه"، وغير ذلك . فأين هم عن تطبيق هذه القواعد في الواقع؟
إن مشروع المجلس الإسلامي السوري مشروع موازنات بين المصالح والمفاسد بامتياز. هناك تيارات و مدارس في المجتمع السوري، بينها تباين، بل اختلاف، بل تضاد أحيانا، وهناك مصلحة ظاهرة  في التقائهم و تحالفهم لتشكيل مرجعية اعتبارية - على الأقل - ضمن الدائرة المتفق عليها بينهم، في خضم هذا البحر المتلاطم من الفتن والأزمات. ثم قد ينجح المشروع وقد لا ينجح، شأنه شأن كل التحالفات السورية التي تتشكل منذ انطلاقة الثورة.
ليس المطلوب أن ينكر الناس خلافاتهم القديمة، ولا أن تدغدغهم العواطف ليهمشوا هذه الخلافات ويقللوا من أثرها، فهذا غير ممكن، ولو فعلوه ليوم أو أسبوع، فسرعان ما سيفرض الخلاف نفسه عليهم.
المطلوب أن تقبل كل مدرسة بأن تجلس مع مخالفيها من المدارس الأخرى ولو كانت ترى في هذا مفسدة، مراعاة لمصلحة تشكيل مجلس شامل لا تشعر فيه مدرسة بالإقصاء، وذلك حرصا على حشد الأكثرية وراء المجلس، للمّ الشعث وجمع الشتات. وحتى لو كانت مدرسة ما قادرة على الاستحواذ على المجلس فالمصلحة ألا تفعل ذلك في هذه الظروف التي نعيشها.
ليس المطلوب أن يزكي كل طرف الأطراف الأخرى المشاركة له في المشروع حتى يقبل بالعمل معه، ولكن المطلوب أن يتقبل ما يراه مفسدة من العمل مع بعض من لا يحب ولا يريد بسبب منهجه أو أسلوبه الفظ أو المراوغ أو المداهن، من أجل مصلحة توجيه " بوصلات" الجميع نحو اتجاه متقارب، أو على الأقل أقل تنافرا.
وهذا الأمر – القبول بالمفسدة لأجل مصلحة أكبر – سهل على اللسان قوله، عسير على النفس فعله  !
القبول بالمفسدة وارتكابها لأجل تحقيق مصلحة أكبر منها ليس يسيرا أبدا.
يقول ابن القيم في التعليق على أحداث صلح الحديبية، وماكان من عمر رضي الله عنه من اعتراض على الصلح في أول الأمر: "كُلُّ مَنِ الْتَمَسَ الْمُعَاوَنَةَ عَلَى مَحْبُوبٍ لِلَّهِ تَعَالَى مُرْضٍ لَهُ، أُجِيبَ إِلَى ذَلِكَ كَائِنًا مَنْ كَانَ، مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى إِعَانَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَحْبُوبِ مَبْغُوضٌ لِلَّهِ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَهَذَا مِنْ أَدَقِّ الْمَوَاضِعِ وَأَصْعَبِهَا وَأَشَقِّهَا عَلَى النُّفُوسِ، وَلِذَلِكَ ضَاقَ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ ضَاقَ، وَقَالَ عمر مَا قَالَ، حَتَّى عَمِلَ لَهُ أَعْمَالًا بَعْدَهُ".
الأيسر على النفس أن ترفض كل ما ترى فيه مخالفة شرعية وتستريح ! لكن هل هذا هو الصحيح شرعا؟
قد يبرر الإنسان لنفسه هذا الرفض العام بأنه لا يقبل بالمنكر مطلقا، ويحاول أن يدلل لموقفه بالأدلة الشرعية، لكن السؤال : أليس ذلك إذن نسف لقاعدة المصالح والمفاسد !؟
لعل من المهم لهؤلاء أن يعلموا أن من يرتكب المنكر لأجل مصلحة أعلى، فلا يعد الأمر في حقه منكراً، وأنه إذا ازدحم واجبان لا يمكن جمعهما فقدم آكدهما لم يكن الآخر في هذه الحال واجباً، ولم يكن تاركه لأجل فعل الأوكد تاركاً لواجب في الحقيقة، وإذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمهما إلا بفعل أدناهما لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً على الحقيقة، وإن كانت المنازعة في مجرد التسمية فهو خلاف يسير لا يضر ولكن المقصود هو نفي الإثم عن هذا وذاك.
 يقول شيخ الإسلام ابن تيمية موضحا لهذه المسألة: " وإذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمها إلا بفعل أدناها، لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً على الحقيقة"
ويقول: " إن الأمر والنهي وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به بل يكون محرماً ، إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته"
إن في تعلم العلم وتعليمه خير كثير ونفع للناس، لكن الأكمل أن يظهر أثر العلم والفقه في العمل والتطبيق.  
روى أبو موسى الأشعري – رضي الله عنه – عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنَّ مثلَ ما بعثَني اللهُ به عزَّ وجلَّ من الهدَى والعلمِ كمثلِ غيثٍ أصاب أرضًا . فكانتْ منه طائفةٌ طيِّبةٌ . قبِلتِ الماءَ فأنبتتِ الكَلأَ والعشبَ الكثيرَ . وكان منها أجادِبُ أمسكتِ الماءَ . فنفعَ اللهُ بها النَّاسَ . فشرِبوا منها وسقَوْا ورعَوْا . وأصاب طائفةٌ منها أخرَى . إنَّما هي قيعانٌ لا تمسكُ ماءً ولا تُنبتُ كلأً . فذلك مثل من فقِهَ في دينِ اللهِ ، ونفعَهُ بما بعثَني اللهُ به ، فعلِمَ وعلَّمَ . ومثلُ من لم يرفعْ بذلك رأسًا . ولم يقبلْ هدَى اللهِ الَّذي أُرسلتُ به" رواه مسلم
 
أبومجاهد | السعودية
الثلاثاء 7 رجب 1435 هـ الموافق 6 مايو 2014 م
أحسنت وأجدت يا دكتور .. زادك الله فقها ونفع بك
حامد السحلي | سورية
الأربعاء 8 رجب 1435 هـ الموافق 7 مايو 2014 م
الكلام النظري صحيح لكنه ليس في موضعه
المجلس الإسلامي السوري هو مأسسة لمرجعيات الفتوى في سورية أي عمليا بالنتيجة مأسسة للدين وخلق لشخصية اعتبارية مرجعية لأهل السنة في سورية
عدا عن الخطر الكبير لهذا الأمر من ناحية سهولة الضغط على هذه المؤسسة.. لكن الأهم أنه بالنتيجة سيتم تسييس الفتوى وإقصاء المخالف
أي تطبيق ديمقراطية ضمن المجتمع العلمي بحيث يصبح الرأي المختلف عما تتبناه هذه الهيئة شاذا ومخالفات بنظر الجمهور وبالتالي يجوز إقصاؤه
ومحاربته
ولنا في الأزهر وهيئة كبار العلماء في السعودية مثالين واضحين على هذا الأمر بحيث بات الدين مجرد أداة بيد السلطة تستخدمه حتى لخدمة ما يناقض
الدين تماما
الشام التي أكبرت ابن تيمية الذي كان أقلية في مواجهة الأغلبية الساحقة ثم تلاميذه ابن القيم والذهبي وابن كثير من بعده.. وخرج منها النووي الذي
وقف في وجه بيبرس قامت مكانتها الدينية ومدرستها أو منهجها إن صح التعبير على رفض مأسسة الدين وعلى منح المخالف فرصة مماثلة وليس تجريمه
باعتباره أقلية.. والمأسسة تقضي تماما على هذا العرف
في الحقيقة المأسسة تمهد لأمر أخطر إذ تخلق إكليروس وما يشبه الكنيسة داخل الإسلام
فالمجلس العلمي يعترف بمن لهم باع في العلم الشرعي وأتباع وبالتالي هو عصي على أمثال الرنتيسي الطبيب واسماعيل هنية وليس أدل على ذلك من تمثيلها
غالبا لأولئك الذين هم تحت الأضواء أضواء النظام الساقط أو غيره من الأنظمة المهيمنة على الأقاليم الإسلامية الأخرى أو الذين قدمتهم قوى
إسلامية فاعلة كممثلين لها ((وهم قلة)) وبالتالي فهو يعبر عن استمرارية نفس اللعبة التي ما كان للنظام أن يقوم بدونهها أي تحالف رجال الدين والمال
ليشكلوا ركيزة لنظام كان من الطبيعي أن يستأثر به الأقليات التي تحالف معها هؤلاء الذين لا يستقيم وجودهم ضمن اللعبة إلا بإقصاء الكتلة السنية
الكبرى وتمثيلها أو ادعاء تمثيلها
العبد المسلم | السعودية
الأربعاء 8 رجب 1435 هـ الموافق 7 مايو 2014 م
رحم الله الإمام الألباني: عاش ومات وهو يفرق بين مسلكين ( ثقف ثم كتل ) و (كتل ثم ثقف ) وطبعا كافح ونافح عن المسلك الأول رحمه الله وجعله هو
الغاية والوسيلة في نشر الدين
وكأن في هذا المقال -بارك الله فيكم- إحياء لمسلك بعض الجماعات الإسلامية القديمة الإنشاء (كتل ثم ثقف) ولكن من وجه آخر ، تكون الذريعة فيه تحت
عنوان المصلحة والمفسدة. وكأن هذه المصلحة والمفسدة باتت ذريعة لأي تحرك يشعر فيه صاحبه حيادا ما عن المنهج.. مع ملاحظة أن العمل على مبدأ المصلحة
والمفسدة يشاركه العمل ، بل إن لم يكن قائده فيه (العقل) وهنا لا يأمن على العقل وحده الدخول في هذا المبدأ.. بل لا بد أن تكون السيرة حاضرة والسنة
حاضرة .. إلخ ، وإلا تاه بنا العقل وأخرجنا من نفس مخرج جماعات سابقة ونحن لا نشعر.
وفقنا الله جميعا لما فيه الخير والصلاح
باسل | الكويت
الجمعة 10 رجب 1435 هـ الموافق 9 مايو 2014 م
أستاذي الفاضل تمثيلك بهذا المثال في أول المقال على أنه من الخلاف المعتبر غير صحيح، فليس القول بكشف الوجه قول معتبر، مع تقديري واحترامي
لمن قال به أياً كان، فالنصوص من الكتاب والسنة واضحة وصريحة في المسألة، ويبقى من اجتهد وقال بجواز كشف الوجه له احترامه وسابقته في العلم
والدعوة، ولا يجوز بحال انتقاصه.
مع شكري وتقديري لك على المقال الرائع جدا جدا
د. معن عبد القادر | سوريا
الجمعة 10 رجب 1435 هـ الموافق 9 مايو 2014 م
الأخ حامد وفقه الله:
قدمت لكلامك بأن الكلام النظري صحيح، إذن لا خلاف بيننا بحمد الله على أهمية أن نطبق ما تعلمناه من سلفنا وعلمائنا عن موازنة المصالح والمفاسد
فيما نستقبل من أمرنا.
بقي الخلاف في الموضع والتنزيل على الحادثة، وهذا أمره يسير.
 
الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وأنت تصورت المجلس على صورة معينة فحكمت بأنه مفسدة خالصة، فأخذت موقف المعترض عليه، ولو كان عندي مثل تصورك لوصلت
إلى مثل نتيجتك.
 
لكن لابأس بالاستطراد قليلا في بعض ما ذكرت.
 
يبدو لي من عباراتك – وقد أكون مخطئا – أنك ترى أن أي مجلس علمي هو "مأسسة للدين" و"يخلق ما يشبه الكنيسة داخل الإسلام".
 
 إذن أنه يتم الضغط عليه بسهولة، وتصبح الفتوى مسيسة، وسيصبح مجرد أداة بيد السلطة.
 
واستدللت بذلك بحال الأزهر وهيئة كبار العلماء.
لكن هل كان كل تجمع للعلماء على هذه الشاكلة؟
لقد كانت هناك تجمعات وروابط علماء في أكثر البلاد العربية في بدايات القرن الماضي، وكانت لها أثر كبير في قيادة المجتمعات، ومحاربة الاستعمار،
وكانت السلطة تحسب حسابها.
جمعية العلماء بدمشق في الثلاثينيات من القرن الماضي وما بعدها، جمعية العلماء في الجزائر، السنوسية التي منها عمر المختار، بل وحتى المؤسستان
اللتان استشهدت بهما كانتا مرهوبتين دهرا طويلا.
فمن الظلم أن نقدم الأمر وكأن الأصل في روابط العلماء التسييس والتملق للسلطة.

نعم، قد يكون كلامك صحيحا حين تقوم سلطة غاشة لشعبها في تكوين مجالس للعلماء على عينها، وعلى مقاسها، لكن لا ينبغي أن نرتاب في كل دعوة للالتقاء
بين العلماء.

أما أن مجلسا علميا سيحتكر الفتوى، ويصبح ما عداه شاذا، فمتى كان هذا ونحن أمة الدليل؟
حتى في مصر والسعودية، ألا تسمع عشرات المشايخ يفتون بما يرونه حقا ولو خالف الفتاوى الرسمية، ولهم أتباع لا يحصون.
أما ماذكرته عن ابن تيمية وإخوانه من الأعلام، فليس الأمر أقلية مقابل أغلبية ساحقة. لقد كان ابن تيمية عالما يصدع بالحق، سواء كان الحاكم في صفه
أم لا، وكان يناصح الحكام، ويلتقي بهم، وشارك معهم مرات عديدة في قيادة المجاهدين ضد المغول من أشهرها معركة شقحب، وكان فيها نعم الناصح والمشير
للسلطان، .. بينما كان في مواقف أخرى صادحًا بما يرى أنه الحق ولو خالف السلطان، فضرب أصدق مثال في التجرد للحق أينما كان.
 والخلاصة أننا متفقون على رفض المجالس المسيسية والتي يستخدمها الحكام الأشرار مطية لأهدافهم الدنيئة، ولمحاصرة خصومهم من العلماء الشرفاء،
لكننا مختلفون أن هذا هو توصيف المجلس الإسلامي السوري، على الأقل فيما ظهر منه حتى الآن.
 
وأنا لا أدري ما سيكون حال المجلس السوري، ولم أسق المقال تأييدا له، بل قلت فيه" ثم قد ينجح المشروع وقد لا ينجح، شأنه شأن كل التحالفات السورية
التي تتشكل منذ انطلاقة الثورة"
 لكن الإنصاف يدعوني ألا أحكم عليه بافتراضات وأحكام مسبقة، والواجب الشرعي يدعوني أن أنصح له.
الدِّينُ النَّصيحةُ الدِّينُ النَّصيحةُ الدِّينُ النَّصيحةُ. قالوا : لمنْ يا رسولَ اللهِ ؟ قال : للهِ ولكتابِهِ ولرسولِهِ ولأئمَّةِ
المسلمينَ وعامَّتِهم.
ولا يخرج المجلس الإسلامي عن أن يكون من أئمة المسلمين أو عامتهم.
والله أعلم
د. معن عبد القادر | سوريا
الجمعة 10 رجب 1435 هـ الموافق 9 مايو 2014 م
زائري الكريم (العبد المسلم):

أتفق معك أن المصلحة والمفسدة تكون أحيانا – وربما كثيرا – ذريعة للحياد عن المنهج، وهذا من الإفراط في إعمال القاعدة.
 
ولعلك تتفق معي أن التوجس من كل حديث عن المصلحة والمفسدة خشية أن تكون ذريعة للحياد عن المنهج هو أيضا غير صحيح، ونوع من التفريط في إعمالها.
 
والضابط في ذلك أن ننظر في المصالح هل هي معتبرة شرعا، وفي المفاسد هل هي متوهمة، وما قدر كل منهما، إلى غير ذلك من الضوابط التي فصلها أهل العلم.
 أما الحديث عن كلام شيخنا الألباني - رحمه الله ورفع درجته في عليين – فلم يتبين لي مكانه هنا، فالمجلس الإسلامي في أصله ليس مشروع "دعوة" بين
مكوناته، تدعو كل مدرسة غيرها إلى منهجها، ولكنه "حلف" على القدر المشترك بينها. 
والله أعلم.
 
العبد المسلم | السعودية
الأحد 12 رجب 1435 هـ الموافق 11 مايو 2014 م
أخي الكريم الدكتور معن -بارك الله فيك- : 
وجه إدراج كلام الشيخ الألباني رحمه في معرض انتقاده على أي تشكل جماعي يبدأ فيه التكتل قبل التثقيف، والمجلس الإسلامي السوري من هذا القبيل بدأ
فيه التكتيل قبل التثقيف بدليل أنه جمع خليطا من مناهج شتى (طبعا المناهج منبثقة عن خلفية المشاركين فيها)وهذا قفزة بالمنهج إن لم تكن عليه فإنها
ستشوب صفاءه بشائبة التحزب.
وأما فيما يتعلق بالمصلحة والمفسدة أخي الدكتور معن : إن قضية المصلحة والمفسدة لعب فيها العقل حتى أخرجها عن طورها الذي نسجه قدماء الجهابذة من
أهل العلم.. مما يحدوا بنا حادي النظر العلمي التريث والوقوف عند مبدأ المصلحة إن لم يكن الاتهام حتى يأتي دليل البراءة (ولكل وجهة هو موليها)
واسمح لي -بارك الله فيك - بالتذكير بشرط العمل بالمصحلة "العمل بها في غير مورد النص" هذا فضلا عن أن تعود على النص بالإبطال.. وللتذكير بمثال سريع
يضرب على العمل بالمصلحة "جمع القرآن الكريم في عهد الصحابة"
وبناء عليه: فإن التجمع الكمي المبني على غير إيضاح للمناهج يعود على المنهج الحق بتمييعه وفقدان ملامحه .. وبالتالي إنهيار أسسه. وعندها يتوقف
العمل بحديث "الافتراق" ولو من وراء وراء.
ولعل في هذا التكوين من بنى حياته العلمية على العداء للسلفية بكل صورها الحق منها والمفالي فيها.. فهل يصلح الانخراط وقتها والتحام هذين
المنهجين؟
وحتى لا أطيل عليك وفقني الله وإياك ، لئن قبلنا بهذا النسيج الفسيفسائي من المناهج فقد يتعذر علينا عندها الإنكار على تكوينات أخرى أخذت بنفس
المبدأ (المصلحة) وإن كان خطوؤها في سوء استخدام هذا المبدأ.
القضية لها ما وراءها وعليها تبعاتها 
عبد الفتاح | سورية
الأربعاء 15 رجب 1435 هـ الموافق 14 مايو 2014 م
بارك الله بك يا دكتور على طرح هذا الإشكال بين النظرية والتطبيق. ولكن الفارق الهام بين النظرية والتطبيق - من وجهة نظرنا نحن كمسلمين نعيش في
المناطق المحررة - هو كون الهيئات الإسلامية السورية المشكلة بعيدة بشكل عام عن واقع حياتنا بإشكالياتها وتعقيداتها. فنحن - في ريف حلب الشمالي
مثلاً - لا يوجد عندنا علماء قادرين على الإفتاء في النوازل المتتالية التي نعيشها (من آخرها القتال مع داعش مثلاً) فضلاً عن الفصل في الخصومات
والإشكاليات التي يعيشها الناس، وتثقيف الناس والمجاهدين بالثقافة الإسلامية الصحيحة.
إننا يا دكتور بحاجة ماسة لعلماء أصحاب باع في العلم الشرعي، بحاجة لهم أن يعيشوا بيننا، ويشعروا بشعورنا، وأن يعملوا الناس ويختلطوا بهم، وأن
يخرجوا مع المجاهدين، ويربوهم على المنهج الصحيح والإسلام القويم. كفانا ضياعاً بين التيارات الإسلامية، اكتفينا من من ظهور العلماء على
القنوات والمواقع الإلكترونية. نريدهم أن يعيشوا واقعنا، وأن يطبقوا فيه نظرياتهم.
وأذكر هنا بأنني حاولت شخصياً، وبالتعاون مع الهيئة الشرعية عندنا التواصل معكم، ولكن بدون جدوى. وأرجو في النهاية ألا لا يتم تجاهل تعليقي كما
تم تجاهله في المرة الماضية. 
سددكم الله ووفقكم
د. معن عبد القادر | سوريا
الاثنين 20 رجب 1435 هـ الموافق 19 مايو 2014 م
الأخ عبد الفتاح:
 
وبكم بارك الله. أتفق معكم تماما على دور العلماء بين المجاهدين والمرابطين، ليس فقط للإفتاء في النوازل فهذه تتم حتى لو لم يحضروها، لكن لتثبيت
المجاهدين وشد أزرهم وتقوية عزائمهم.
وبعض العلماء وطلبة العلم قد هداهم الله لهذا.
على أننا نلتمس العذر لمن لم يستطع ذلك منهم، و الله أعلم بحال كل منهم. ثم أن وجود بعض العلماء خارج سوريا يمكنهم مما لا يستطيعون فعله لو كانوا
داخلها، وأدوار الثورة متعددة ومتكاملة.
أما عن محاولتكم للتواصل فلا أعلم عنها شيئا، أو ربما سهوت عنها الآن، وبإمكانكم التواصل معي أو مع من تشاؤون من الهيئة عن طريق بريد الهيئة
contact@islamicsham.org  وسيقوم المشرف على البريد بتحويله إلى من يخصه، ويصلكم الجواب بإذن الله.  
أما تعليقات القراء فنحن نعتز بها، فكيف نتجاهلها، وإن كان حدث شيء من هذا في السابق فلم يكن مقصودا، والعذر من شيم الكرام.
مجاهد ديرانية | السعودية
الأربعاء 22 رجب 1435 هـ الموافق 21 مايو 2014 م
جزاك الله خيراً أخي الفاضل أبا أسامة على هذا التعليق القيّم.

كأني لاحظت أن بعض المعلّقين فاتهم إدراكُ أن المجلس السوري ليس مؤسسة دائمة، وإنما هو تشكيل ثوري مؤقت هدفُه جمعُ الهيئات والروابط الإسلامية
دون إلغاء شخصياتها أو إذابة هُويّاتها، وهو لا يطمح إلى سياسة ورياسة في الثورة، ولا يُتوقَّع أن يكون للسياسيين سيطرة عليه أيضاً. وأنّى،
والمعارضة السياسية في سوريا لا سلطانَ لها على كتيبة من عشرة مقاتلين؟ فكيف يكون لها سلطان على تجمّع عريض يضم كبار علماء البلاد؟

إن الثورة بحاجة إلى جسم شرعي جامع حاجتَها إلى جسم سياسي وجسم عسكري وجسم إغاثي وإعلامي وحقوقي... وحيث إننا في ثورة لا رأسَ لها فإن المسؤولية
تنتقل إلى أهل كل فن لسدّ الثغرة التي يستطيعون. فإذا قصّر الأطباء في تكوين مؤسسات صالحة للرعاية الطبية فإنهم يلامون، وكذلك أهل كل اختصاص،
وعلى رأس هؤلاء في المسؤولية علماء الأمة، فليس اجتماعهم في كيان شرعي واحد نفلاً بل إنه من واجبات الوقت، ومهما بدا فيه من سلبيات فإن إيجابياته
أعظم بما لا يقاس، وهذا أمر جَلَته المقالة خير جلاء.

ختاماً أقول كما قال أخي أبو أسامة: كم بين النظرية والتطبيق! كيف طابت نفوس بعض إخواننا الكرام من علماء سوريا ودعاتاها ومجاهديها بأن يتخلَّوا
عن هذا الكيان وما وصَلْنا إليه إلا بعد طول عناء وطول رجاء؟ كيف وهو ليس حقاً لهم بل هو حق لسوريا وللسوريين جميعاً؟ مهما تكن الاعتراضات
والتحفظات فإن المصلحة ينبغي أن تكون غلاّبة وأن تَستأصل من النفوس حظوظَ النفوس، وكل دعوى يدّعيها مَن حارب المجلس ولم يضع يده في يد إخوانه
لإنجاحه فإنها تَلبيس وليست من هَدي الرحمن. أسأل الله أن يؤلف بين القلوب وأن يجمع أهل الخير على ما فيه الخير للدين والناس.