السؤال:
ما حكم ترك الأطباء السوريين لأعمالهم، وهجر المستشفيات، وخروجهم من البلد، مع أن الحاجة ماسة إليهم في المناطق المحررة وغير المحررة، وفي جميع التخصصات؟
مع العلم أن الأطباء والمستشفيات الميدانية قد تعرضت للاستهداف المتعمد من قبل النظام، ونتج عنه استشهاد عدد كبير منهم.
________________________________________
الجواب:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد :
أولاً: إن طبابة المرضى والجرحى وعلاجهم من فروض الكفايات، إذا قام بها من يكفي سقط الإثم عن الباقين، وإذا لم يقم بها من يكفي أثم من تركها بغير عذر من القادرين عليها.
وتكون الطبابة فرض عين على الطبيب إذا كان قادراً على العلاج أو إسعاف المرضى والجرحى وإنقاذ حياتهم، ولم يوجد غيره ممن تتحقق به الكفاية ، كما هو الحال أثناء الحروب والكوارث غالباً .
ثانياً :العمل على إسعاف الجرحى ومداواتهم لا يقل عن عمل المجاهد والمقاتل في سبيل الله، بل هو من صلب الجهاد في سبيل الله .
قال الكمال ابن الهمام –رحمه الله- معرِّفاً الجهاد بأنه : "بَذْلُ الْوُسْعِ فِي الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ: مُبَاشَرَةً، أَوْ مُعَاوَنَةً بِمَالٍ، أَوْ رَأْيٍ، أَوْ تَكْثِيرِ سَوَادٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ"، قال ابن عابدين –رحمه الله- في "الحاشية": "قَوْلُهُ (أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ) كَمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى، وَتَهْيِئَةِ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ".
وقال ابن تيمية –رحمه الله- في "الفتاوى الكبرى": "وَالْجِهَادُ مِنْهُ: مَا هُوَ بِالْيَدِ، وَمِنْهُ مَا هُوَ بِالْقَلْبِ، وَالدَّعْوَةِ، وَالْحُجَّةِ، وَاللِّسَانِ، وَالرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ، وَالصِّنَاعَةِ، فَيَجِبُ بِغَايَةِ مَا يُمْكِنُهُ".
وقال أبو الفضل الموصلي الحنفي –رحمه الله- في "الاختيار لتعليل المختار" : "وَالْمَرْأَةُ عَاجِزَةٌ عَنِ الْقِتَالِ طَبْعًا، فَتَقُومُ مُدَاوَاةُ الْجَرْحَى مِنْهَا مَقَامَ الْقِتَالِ، لِمَا فِيهِ مِنْ مَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ".
وكذلك الأطباء يقوم عملهم مقام القتال في سبيل الله لما فيه من عظيم النفع للمسلمين، ولهم في ذلك الأجر العظيم، فإنهم يخففون عن الناس مصابهم، ويفرجون كربتهم، ويستنقذون الأنفس المعصومة، قال سبحانه وتعالى : {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، قال مجاهد رحمه الله: " أَيْ: أَنْجَاهَا مِنْ غَرق، أَوْ حَرق، أَوْ هَلكة"، نقله عنه في "تفسير ابن كثير".
وقال ابن يونس المالكي رحمه الله: "وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ خَافَ عَلَى مُسْلِمٍ الْمَوْتَ، أَنْ يُحْيِيَهُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ "، نقله عنه في "منح الجليل ".
ثالثاً: الواجب على الأطباء احتمال ما يجدونه في سبيل ذلك من المشقة والمخاطرة، ومن قُتل منهم وهو يؤدي واجبه ثابتاً محتسباً فهو شهيد بإذن الله تعالى.
ولا ينبغي لهم ترك مواقعهم التي يحتاج الناس إليهم فيها إلا مضطرين ، فإن اضطروا لذلك فليكونوا في أقرب موقع يتأتى لهم من خلاله خدمة الناس وتلبية حاجاتهم؛ فإن "الميسور لا يسقط بالمعسور".
وينسحب هذا الحكم على كل من يحتاجهم الأطباء في عملهم، كالمساعدين والممرضين وأخصائي الأشعة والمختبرات وغيرهم.
نسأل الله تعالى أن يمن علينا بالنصر العاجل، وأن يشفي مرضانا، ويداوي جرحانا، ويرحم شهداءنا، ويكبت عدونا إنه وليّ ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.