السؤال : أصحاب الفضيلة في هيئة الشام نرجو تفصيل المسألة في موضوع قصر الصلاة للمجاهدين في الحضر دون السفر ، والجمع بين الصلوات وهم فرادى ، ولو لم يكونوا في الثغور ، فهذه حال أكثر المجاهدين عندنا، علما انهم يستدلون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في صلاة الخوف في ذات الرقاع وفي غزوة نجد، وبقوله تعالى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: 101] أفتونا مأجورين وجزاكم الله خيًرا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجواب :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فإنَّ قصر الصلاة من أحكام السفر لا الحضر، أما صلاة الخوف فتؤدى على صفات مخصوصة تتناسب مع الحال التي يكون فيها المقاتلين من المرابطة أو الاشتباك، وتفصيل ذلك كما يلي:
أولاً: لا يجوز قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين في الحضر بأي حال من الأحوال عند عامة علماء الأمة، ومنهم المذاهب الأربعة، وسواء في ذلك حال الأمن أو الخوف .
قال الكاساني –رحمه الله- في "بدائع الصنائع": " وَلَا يَنْتَقِص عَدَدُ الرَّكَعَاتِ بِسَبَبِ الْخَوْفِ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ ".
وقال النووي –رحمه الله- في "شرح مسلم": "صَلَاةُ الْخَوْف كَصَلَاةِ الْأَمْن فِي عَدَد الرَّكَعَات ، فَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَضَر وَجَبَ أَرْبَع رَكَعَات , وَإِنْ كَانَتْ فِي السَّفَر وَجَبَ رَكْعَتَانِ ، وَلَا يَجُوز الِاقْتِصَار عَلَى رَكْعَة وَاحِدَة فِي حَال مِنْ الْأَحْوَال".
وقال ابن قدامة –رحمه- الله في "المغني": "الخَوْفُ لَا يُؤَثِّرُ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ جَمِيعًا".
وقد تعرَّض النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه لأشد الخوف وأعظمه وهم في المدينة في غزوة الأحزاب، كما قال تعالى : {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 10_11].
ومع ذلك لم يَنقل أحدٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قَصَرَ شيئاً من الصلوات الرباعية في المدينة، وإنما كان يقصر في غزواته إذا كان مسافراً .
وما ورد في السؤال عن أنَّه –صلى الله عليه وسلم- قَصَرَ الصلاة في ذات الرقاع وفي غزوة نجد: فهذا حق، وقد كانت في سفر، ولم تكن في حضر.
ثانياً: ليس في الآية المذكورة: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ...} دلالة على قصر عدد الركعات في حال الخوف حضراً؛ لأن الخطاب في الآية للمسافرين لا المقيمن، قال تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا}.
قال ابن كثير –رحمه الله- في "تفسيره": "{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأرْضِ} أَيْ: سَافَرْتُمْ فِي الْبِلَادِ".
وقال القرطبي–رحمه الله- في "تفسيره": " وَالضَّرْبُ: السَّيْرُ فِي الْأَرْضِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: ضَرَبْتُ فِي الْأَرْضِ إِذَا سِرْتُ لِتِجَارَةٍ أَوْ غَزْوٍ أَوْ غَيْرِهِ".
وقال شيخ الإسلام في فتاواه: "الْقَصْرُ الْكَامِلُ الْمُطْلَقُ هُوَ: قَصْرُ الْعَدَدِ، وَقَصْرُ الْأَرْكَانِ .
فَقَصْرُ الْعَدَدِ: جَعْلُ الرُّبَاعِيَّةِ رَكْعَتَيْنِ .
وَقَصْرُ الْأَرْكَانِ: هُوَ قَصْرُ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَمَا فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ الشَّدِيدِ، وَصَلَاةِ الْخَوْفِ الْيَسِيرِ
فَالسَّفَرُ سَبَبُ قَصْرِ الْعَدَدِ، وَالْخَوْفُ سَبَبُ قَصْرِ الْأَرْكَانِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ: قَصَرَ الْعَدَدَ وَالْأَرْكَان، وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ: انْفَرَدَ قَصْرُهُ".
ثالثًا: الأصل أن تُصلى كل صلاة في وقتها، فإن شق على المجاهدين أداء كل صلاة في وقتها المحدد؛ لانشغالهم بالقتال، أو المرابطة، فيُرخَّص لهم في الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، جمع تقديم أو تأخير، حسب الأيسر لهم.
ومتى أمكن أداء الصلاة في وقتها دون حرج ومشقة، فلا يجوز جمعها مع غيرها، ولا ينبغي التساهل في هذا الأمر، لأن الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر ، وقد سبق بيان هذا وغيره من التفاصيل في فتوى سابقة بعنوان (صلاة الجمعة والجماعة في ظل القصف والحصار) فليرجع إليها.
والحمد لله رب العالمين.