الأحد 22 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 24 نوفمبر 2024 م
ضابطُ المنفعةِ المحرَّمة في القروض
الثلاثاء 22 جمادى الآخر 1443 هـ الموافق 25 يناير 2022 م
عدد الزيارات : 46993

ضابطُ المنفعةِ المحرَّمة في القروض

السؤال:

هل قاعدة (كلُّ قرضٍ جرَّ نفعًا فهو ربا) صحيحة، وهل كلُّ منفعة تستفاد مِن القرض محرمة؟

الجواب:

الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلامُ على رسول الله، وبعد:

فالمنافع التي يجرُّها القرض كثيرةٌ ومتنوعةٌ، والمحرَّم منها بالاتفاق هو: المنفعة الزَّائدة المشروطة، المتمحِّضة للمُقرض، وأمَّا غيرها من المنافع فهي إمَّا مباحة أو محلُّ بحث ونظر بين العلماء، وبيانُ ذلك فيما يلي:

أولًا:

اتفق عامةُ العلماء على صحّةِ القاعدة الفقهية (كلُّ قرضٍ جرَّ نفعًا فهو ربًا)، وهي مأخوذةٌ مِن عموم النصوص الشرعية وقواعدها، والقصدُ منها ضبط التعاملات المالية المتعلقة بالقروض حتى لا تكون ذريعة للربا.

ولعلّ أقدم مَن ثبتت عنه هذه الجملة: التابعي الجليل إبراهيم بن يزيد النخغي، فقد روى ابن أبي شيبة في "المصنف" عنه أنه قال: " كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً: فَهُوَ رِبًا".

قال ابن حزم في "المحلى بالآثار": "وصحَّ النَّهيُ عن هذا عن ابن سيرين، وقتادة، والنَّخَعيِّ".

وقد يذكرها بعضُهم على أنها حديث نبوي، ولكنها لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحدٍ مِن أصحابه.

قال بدر الدين الموصلي في "المغني عن الحفظ والكتاب": "بَاب كل قرض جر نفعا فهو رَبًّا: لم يَصح فِيهِ شَيْء عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم".

وهذه القاعدة ليست على عمومها وإطلاقها؛ فإنّ عقد القرض إذا تمَّ ترتَّبت عليه منافعُ لكلا الطرفين، فالمقترضُ يحصل على منفعةِ استخدام المال واستهلاكه، والـمُقرض يحصل على منفعةِ ضمان ماله عند المقترض وحفظه، وهي منافع لا ينفكّ عقدُ القرض عنها.

وكذا يترتب عليه منافعُ معنوية، كحصول المقرض على الأجرِ والمثوبة مِن الله إن أحسن النية فيه، وشكرِ المقترض للمقرض ودعائه له وثنائه عليه.

قال ابنُ حزم الظاهري في "المحلى": "ليس في العالَم سَلَفٌ إلَّا وهو يجرُّ منفعةً، وذلك انتفاعُ الْمُسَلِّفِ بتضمين ماله، فيكون مضمونًا - تلِفَ أو لم يتْلَفْ - مع شُكْرِ المُسْتَقْرِضِ إيَّاهُ، وانتفاعِ المُسْتَقْرِضِ بمالِ غيره مُدَّةً مَا".

فالمنافعُ المستفادةُ مِن القروض لها صورٌ متنوعة ومختلفة، منها ما هو محرّمٌ، ومنها ما هو مباحٌ، ومنها ما هو محلُّ بحثٍ ونظرٍ.

وقد تكون المنفعةُ لصالح المقرِض، أو لصالح المقترض، أو مشترَكَةً بينهما، وقد تكون مشروطةً في العقد أو غيرَ مشروطةٍ فيه، وقد تأخذ صورةَ الهدية أو العمل أو البيع أو الزيادة في صفة البدل أو قدْرِه أو غير ذلك.

ثانيًا:

ضابطُ المنفعةِ المحرَّمة في القرض بالاتفاقأن تكون منفعةً زائدةً، مشروطةً قبل السداد، ومتمحضةً للمقرِض.

وقد أجمع العلماء على تحريم المنافع المختصة بالمقرض التي يشترطها على المقترض، سواء:

- أكانت زيادةً في قدر القرض، بأنْ يشترط ردَّ ما هو أكثرُ وزنًا أو عددًا.

- أم كانت زيادةً في الصِّفة، بأن يردَّ عليه المستقرضُ ما هو أجودُ وأفضلُ أو أكثرُ قيمة مما أقرضه.

- أو أن يشترط المقرِضُ لنفسه استيفاءَ منفعةٍ تخصُّه، كأن يركب سيارته أو يستعملها في حوائجه، أو أن يسكن داره، أو يعينَه المقترضُ في عملِه ونحو ذلك.

-أو أن يشترط منفعةً ترجع إلى طرفٍ ثالثٍ يخصُّ المقرضَ، مثل أن يشترطَ عليه أن يُعلِّم ولده، أو يُسكن قريبَه في داره، أو أن يهَبَ المقترضُ قريبَ المقرض شيئًا، أو أنْ يشفعَ له ونحو ذلك مِن المنافع.

-أو أنْ يقرن عقد القرض بعقدِ معاوضة مثل البيع والإجارة، فيقرضه بشرطِ أنْ يبيعَه عينًا ما، أو أنْ يستأجرَ منه أو أن يؤْجِره، وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً: (لَا يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حسن صحيح.

فهذه المنافعُ المشروطة التي ترجع للمقرض: محرمةٌ باتفاق العلماء؛ لأنَّ القرضَ عقدُ إرفاقٍ وقُرْبةٍ، فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه.

قال ابن المنذر في كتابه "الإجماع": "وأجمعوا على أنْ المسْلِفَ إذا شرط عُشْرَ السلَفِ هديةً أو زيادةً، فأسلفه على ذلك، أنّ أخذَه الزيادة ربا".

وقال ابن عبد البر في "الاستذكار": "وَكُلُّ زِيادَةٍ مِنْ عَيْنٍ أو مَنْفَعَةٍ، يَشْتَرِطُها الْمُسَلِّفُ على الْمُسْتَسْلِفِ: فَهِيَ رِبًا، لا خِلافَ فِي ذلكَ".

وقال ابن قدامة في "الكافي": "لا يجوز أن يشترط في القرض شرطًا يجرُّ به نفعًا، مثل أن يشترط ردَّ أجود منه، أو أكثر، وأنْ يبيعَه وأن يشتري منه، أو يؤْجِره أو يستأجر منه، أو يُهدي له، أو يعمل له عملًا ونحوه".

ثالثًا:

مِن المنافع المباحة في القرض:

1-المنفعةُ غيرُ المشروطة التي يحصل عليها المُقرض عند وفاء القرض وسداده.

فإذا وفى المستقرضُ القرضَ وأعطى للمقرِضِ زيادةً على قرْضِه دون طلبٍ أو شرطٍ سابقٍ منه، فهي منفعةٌ مباحة.

ويدلُّ على ذلك: ما رواه البخاريُّ مِن حديث أبي هريرة رضي اللَّهُ عنه قال: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنٌّ مِنْ الإِبِلِ فَجاءَهُ يَتَقاضاهُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْطُوهُ، فَطَلَبُوا سِنَّهُ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ إِلا سِنًّا فَوْقَهَا، فَقَالَ: (أَعْطُوهُ، إِنَّ خِيارَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضاءً).

قال الإمام الشافعي في "الأم": "وَمَنْ أَسَلَفَ سَلَفًا فَقَضَى أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ وَالْوَزْنِ مَعًا: فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْطًا بَيْنَهُمَا فِي عَقْدِ السَّلَفِ".

وقال ابن قدامة رحمه الله في المغني: "فَإِنْ أَقْرَضَهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَقَضَاهُ خَيْرًا مِنْهُ فِي الْقَدْرِ، أَوْ الصِّفَةِ، أَوْ دُونَهُ، بِرِضَاهُمَا: جَازَ ...، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمَشْرُوطَةِ".

وقال اللَّخميُّ في "التَّبصرة": "فبان بهذا أنَّ النَّهيَ عن سلَفٍ جرَّ منفعة فيما كان بشرط، وأنَّه لا بأس به إذا لم يُشترطْ على أيِّ وجه كان، قياسًا على فعلِه، ولعموم قوله: (فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً) فمَن زاد في العدد أو في الوزن فيما كان أخذه على الوزن فقد أحسن القضاء".

2-المنافع المعتادة غير المشروطة في مدة القرض.

كأنْ يبذل المقترضُ للمقرض منفعةً غير مشروطة أثناء مدة القرض -قبل الوفاء-، مثل: الهدية، والاستضافة، وركوب السيارة، والمساعدة على عمل مِن الأعمال، ونحو ذلك من المنافع التي يبذلها المقترض قبل الوفاء.

وهذه الصورة فيها خلافٌ قوي بين العلماء: فذهب جماعة منهم إلى جوازها مطلقًا (وهو مذهب الحنفية والشافعية)، ومنعها البعض إذا كان الغرض منها أن يؤخره المقرِض بدينه (المالكية)، وقال بعضهم بعدم جوازها إن لم ينو المقرض احتسابها من دينه أو مكافأته عليها إلا إذا جرت عادة بذلك بينهما قبل القرض (الحنابلة).

والأحوط للإنسان التورع عنها خروجًا من الخلاف.

جاء في "الفتاوى الهندية": "وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَوَرَّعَ من قَبُولِ الْهَدِيَّةِ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يُعْطِيه لِأَجْلِ الْقَرْضِ، وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُعْطِيه لَا لِأَجْلِ الْقَرْضِ بَلْ لِقَرَابَةٍ أو صَدَاقَةٍ بَيْنَهُمَا لَا يَتَوَرَّعُ عنه، وَكَذَا لو كان الْمُسْتَقْرِضُ مَعْرُوفًا بِالْجُودِ وَالسَّخَاءِ ...، وَإِنْ لم يَكُنْ شَيْءٌ من ذلك فَالْحَالَةُ حَالَةُ الْإِشْكَالِ، فَيَتَوَرَّعُ عنه حتى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَهْدَى لَا لِأَجْلِ الدَّيْنِ".

3-المنافع المشروطة المتمحّضة للمقترض.

المنفعة الأصلية من القرض هي منفعة المقترض، فهو يأخذ المال ليسد حاجته، سواء كانت استهلاكية بإنفاقه على نفسه وأهله، أو انتاجية باستثمار القرض لتنمية المال، وأيُّ منفعةٍ زائدة عن ذلك تعود للمقترض لا حرج فيها، سواء كانت مشروطة أم لا، كاشتراط رد القرض بأقل منه قدرًا أو صفةً.

قال ابن شاس المالكي في "عقد الجواهر الثمينة": "متى تمحضت المنفعة للمقترض: جاز، وإن تمحضت للمقرض مُنع؛ لأنه سلف جر نفعًا".

وقال ابن عبد البر في "الكافي في فقه أهل المدينة": "ولا بأس أن يشترط المستسلف ما ينتفع به من القضاء في موضع آخر ونحو ذلك".

وقال ابن جزي في "القوانين الفقهية": "فَإِن كَانَت الْمَنْفَعَةُ للدافع منع اتِّفَاقًا ...، وَإِن كانَت للقابض: جازَ".

ولو تورَّع المقترض عن ذلك كان حسنًا؛ لأنَّ مِن العلماء مَن منع مِن هذه المنافع؛ لأنَّ اشتراط النُّقصان ينافي مقتضى العقد وهو المماثلة بين القرض وبدله.

رابعًا:

إذا كانت المنفعة المشروطة تعود للطرفين، وليست متمحضة للمقرضفقد تنازع العلماء في حكمها، فذهب بعضُ العلماء إلى تحريم هذه المنافع ولو كانت مشتركةً بين الطرفين.

والأقربُ: أنَّ المنفعة إذا كانت تعود على كلا الطرفين: لا حرج فيها، وليست مِن الربا؛ لأنّ المنفعةَ لا تختص بالمقرض، بل ينتفعان بها جميعًا.

قال ابن قدامة في "المغني": "والصَّحيحُ جوازُه؛ لأنَّه مصلحةٌ لهما مِن غير ضررٍ بواحد منهما، والشَّرعُ لا يَرِدُ بتحريم المصالح التي لا مضرَّة فيها، بل بمشروعيتها.

ولأنَّ هذا ليس بمنصوص على تحريمه، ولا في معنى المنصوص، فوجب إبقاؤه على الإباحة".

وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: ": "إذا أقرضه دراهم ليستوفيَها منه في بلدٍ آخر: مثل أنْ يكون المقرض غرضُه حمل الدَّراهم إلى بلدٍ آخر والمقترض له دراهم في ذلك البلد وهو محتاج إلى دراهم في بلد المقرض، فيقترض منه ويكتب له (سَفْتَجةً) -أي: ورقة إلى بلد المقترض- فهذا يصحُّ في أحد قولي العلماء.

وقيل: نهي عنه؛ لأنَّه قرضٌ جرَّ منفعة، والقرضُ إذا جرَّ منفعة كان ربًا.

والصَّحيحُ الجواز؛ لأنَّ المقترضَ رأى النَّفع بأمن خطر الطَّريق في نقل دراهمه إلى ذلك البلد، وقد انتفع المقترض أيضًا بالوفاء في ذلك البلد وأمْن خطر الطَّريق، فكلاهما منتفعٌ بهذا الاقتراض، والشَّارع لا ينهى عمَّا ينفعهم ويصلحهم، وإنَّما ينهى عمَّا يضرهم".

وقال ابن القيم في تهذيب السنن: لو أفلس غريمُه فأقرضه دراهم يوفِّيه كلَّ شهر شيئًا معلومًا مِن ربحها جاز؛ لأنَّ المقترضَ لم ينفرد بالمنفعة.

ونظيره ما لو كان عليه حنطة فأقرضه دراهم يشتري له بها حنطة ويوفِّيه إيَّاها.

ونظير ذلك أيضًا إذا أقرض فلَّاحه ما يشتري به بقرًا يعمل بها في أرضه أو بذرًا يبذره فيها.

والصَّحيح جوازُه، وهو اختيار صاحب المغني؛ وذلك لأنَّ المستقرضَ إنَّما يقصد نفعَ نفسِه، ويحصل انتفاع المقرض ضمنًا، فأشبه أخذَ السَّفْتجة به وإيفاءه إيَّاه في بلد آخر مِن حيث إنَّه مصلحةٌ لهما جميعًا.

والمنفعة التي تجرُّ إلى الرِّبا في القرض هي التي تخصُّ المقرض، كسكنى دار المقترض، وركوب دوابِّه، واستعماله، وقبول هديَّته؛ فإنَّه لا مصلحة له في ذلك، بخلاف هذه المسائل فإنَّ المنفعةَ مشتركةٌ بينهما وهما متعاونان عليها فهي مِن جنس التَّعاون والمشاركة". 

  ومن صور المنافع المشتركة المعاصرة:

1-إصدار المصرف بطاقةَ الصراف الآلي ودفتر شيكات للعميل، فالمنفعة في هذه المسألة مشتركة للطرفين - المقرض والمقترض- فكلاهما منتفع، فتتقابل المنفعتان.

2- "جمعية الموظفين"؛ لأنّ المنفعة مشتركةٌ بينهم، وفيها مصلحة لهم جميعًا مِن غير ضرر على واحد منهم، أو زيادة نفع لآخر.

قال القليوبي في "حاشيته": "الجَمْعَةُ المشهورة بين النساء بأن تأخذ امرأةٌ مِن واحدة من جماعة منهن قدراً معيناً في كلِّ جمعة أو شهر، وتدفعه لواحدة بعد واحدة إلى آخرهن جائزة، كما قاله الولي العراقي".

خامسًا:

إذا شرط المقرض على المقترض منفعةً تعود إلى شخص ثالث، كأن يشترط عليه دفعَ زيادة أو تقديم منفعة له:

-فإن كان هذا الطرف الثالث يخصّ المقرضَ كابنه أو قريبه أو أجيره ونحو ذلك، فهي زيادةٌ ربويةٌ محرمة؛ لأنّ المنفعةَ إذا انتفع بها الأجنبي مِن جهة المقرض فكأنه هو الذي انتفع بها.

-وإن كان الطرف الثالث لا يخصه، كأن يشرط عليه التصدقَ بمبلغٍ معينٍ على الفقراء، أو كفالة يتيم أو جمعية خيرية، ونحو ذلك.

فهذا الشرط محلُّ نظرٍ وتأمّل:

-فظاهر كلام بعض الفقهاء أنه كشرط المنفعة لنفسه فهو ممنوع، كما يؤخذ مِن كلام بعض فقهاء المالكية.

ففي شرح مختصر خليل للخرشي: "وَقَصْدُ نَفْعِ ‌الْأَجْنَبِيِّ كَقَصْدِ نَفْعِ نَفْسِهِ".

وقال التسولي في البهجة في شرح التحفة: "‌وَشَرطه -أَي الْقَرْض -: أَن لَا يجر ‌مَنْفَعَة ‌للمقرض أَو ‌الْأَجْنَبِيّ فَإِن جرها لأَحَدهمَا أَولهمَا امْتنع".

-ومفهوم كلام بعض الفقهاء أن المنع قاصر على اشتراط النفع للمقرض.

قال ابن قدامة في العمدة: "ولا يجوز شرطُ شيء ‌لينتفع ‌به ‌المقرض".

وقال الرافعي في الشرح الكبير: " المنهي عنه جرُّ المقرض النفعَ إلى نفسه".

وقال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: "ويبطل قرضٌ بشرطِ جرِّ منفعةٍ، أي يجرها إلى المقرض ...؛ والمعنى فيه: أن موضوع القرض الإرفاق، فإذا شرط فيه لنفسه حقًا خرج عن موضوعه، فمنع صحته".

والأقربُ: أنّ الزيادةَ المشروطةَ التي ترجع لغير المقرض ومَن يخصه ليست ربًا؛ لأنه لم يأخذ شيئًا زائدًا على قرضِه، ولأنّ هذا مِن عمل الخير الذي تعود منفعتُه المعنوية للمقترض، فإذا اتفقا على ذلك كان عقدُ القرض صحيحًا، وهذا الشرط غيرُ ملزم شرعًا، وللمستقرض الخيار بين فعله أو تركه.

وقريبٌ مِن هذا ما ذكره بعضُ الشافعية من اشتراط المستقرض على المقرض أن يُقرضه قرضا آخر، فقالوا: "ولو شرط أن يقرضه شيئا آخر غيره: لغا الشرط فيهما، ولم يجب الوفاء به، ولا يفسد العقد؛ لأنّ ما جره مِن المنفعة ليس للمقرض بل للمقترض، والعقد عقد إرفاق، فكأنه زاد في الإرفاق ووعده وعدًا حسنًا"، من نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج بتصرف يسير.

والحاصلُ:

أنّ قاعدة (كلُّ قرضٍ جرَّ نفعًا فهو ربًا) صحيحة، والمقصود بها المنافع التي تخص المقرض وتكون مشروطةً في عقد القرض، وأما المنافع التي ترجع للمستقرض، أو تكون مشتركة بينهما، أو غير مشروطة في عقد القرض: فليست محرمة.

والله أعلم