توفي زوجها وهي في بلد آخر، فهل ترجع إلى بلدها لإكمال العدة؟
السؤال:
امرأةٌ ذهبت لزيارةِ ابنِها المقيم في السعودية، ومكثت عنده سنة، ثم توفي زوجُها أثناء إقامتها عند ابنها، وتريد العودة إلى سورية للوقوف إلى جانب عائلتِها وإكمال العدة في بيت زوجها عند أولادها، فهل يجوز لها السفر؟
الجواب:
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
أما بعد:
فبيتُ الزوجية هو مكانُ العِدَّة الذي يلزم المرأةَ المكثُ فيه، فإذا كانت مسافرةً أثناء وفاة زوجِها، فلها أحوالٌ وأحكام، وفيما يلي بيانُ ذلك:
أولاً:
الأصلُ أن تعتدّ المرأةُ في بيت الزوجية الذي كانت تسكنه عند وفاة زوجها، سواء أكان مملوكًا له أم مستأجَرًا أم مستعارًا، ولا تنتقل منه إلى غيره إلا عند الضرورة والحاجة الملحة.
لحديث الفُريعة بنت مالك رضي الله عنها: أنها جاءت إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تسأله أنْ ترجعَ إلى أهلِها في بني خُدرة، بعد أن توفي زوجُها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (امْكُثِي في بَيتِكِ حتّى يبلُغَ الكتابُ أجَلَهُ)، رواه مالك في الموطأ.
قال الإمام الشّافعي في الأم: "دَلَّتْ سُنَّةُ رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم على أنّ على المتَوفَّى عنها أنْ تمكُثَ في بيتِها حتّى يَبلُغَ الكتابُ أجلَه"، -أي تنقضي العدة-.
ثانياً:
إذا مات الزوجُ والمرأةُ في بلدٍ آخر، فلها أحوالٌ:
1-أن تكون قد انتقلت إلى بلدٍ آخرَ للسُّكنى والإقامة والاستقرار بإذن زوجِها، ففي هذه الحال تعتدُّ وجوبًا في البيت الذي تقيم فيه وقتَ وفاة زوجها، ولو كانت تزور زوجَها بعض الأوقات في حياته.
قال النووي في روضة الطالبين: "وإذا انتقلت بالإذن، ثمّ طلَّق أو مات: اعتدَّت في المنتقَل إليه؛ لأنه المسكنُ عند الفراق..، ولو أذن لها في الانتقال إلى بلد آخر، ثم طلَّقها، أو مات، فحكمُه كما ذكرنا".
2-أن يكون زوجها أذن لها بالسفر مدَّةً محددةً، فلها أن ترجع أو تبقى إلى نهاية الوقت المأذون لها فيه.
قال ابن قدامة: "وإِنْ قدّرَ لها مُدّةً، فلها إقامتُها؛ لأنّ سفرَها بحُكمِ إذنِه، فكان لها إقامَةُ ما أذِن لها فيه".
وأما لو أذن لها بالإقامة مطلقًا دون تقييد بمدة معينة، فإن لها الرجوع أو أداء العِدَّة في المكان الذي هي فيه.
3-أن يكون سفرُها لمُهِمّةٍ تُنجزها، ومات زوجُها قبل الفراغ منها، فلها الخيارُ في أن ترجعَ لبلدِ زوجِها لإتمام العدَّة أو تعتدَّ في البلد الذي هي فيه حتى تُكملَ المهمة التي سافرت لأجلها، ثم ترجع وجوبًا لإتمام العدة إن بقي منها شيء.
وسواء كانت هذه المهمة: حجًّا أو عمرةً، أو تجارةً، أو إنجازَ معاملةٍ، أو متابعةَ قضيةٍ، أو عقدَ عملٍ، أو غير ذلك.
قال البهوتي في كشاف القناع: "وإذا مضت المعتدةُ إلى مقصدِها فلها الإقامةُ حتى تقضي ما خرجت إليه وتقضي حاجتَها مِن تجارة أو غيرها؛ دفعًا للحرج والمشقة".
4- أن يكون سفرُها لزيارةٍ قصيرة أو للنُّزهة والسِّياحة: فيجب عليها في هذه الحال أن ترجعَ لتعتدَّ في منزل الزوجية، وليس لها أن تبقى في مكانها أكثر مِن ثلاثة أيام (مدة إقامة المسافر).
قال الإمام الشافعي في الأم: "إنْ كان أذِنَ لها في زيارةِ أهلِها أو غَيرِهم أو النُّزهةِ إلى مَوضِعٍ في المِصرِ أو خارجًا مِنهُ، فَخرجَتْ إلى ذلكَ الموضِعِ الّذي أذِنَ لها فيه، ثُمّ ماتَ عنها أو طَلَّقها طلاقًا لا يَملكُ فيه الرّجعةَ: فعليها أنْ تَرجعَ إلى منزلِه فتعتدَّ فيه؛ لأنّ الزّيارةَ ليستْ مُقامًا".
وقال الماوردي في الحاوي: "فعليها بعد الوصولِ أَنْ تعودَ لوقتِها؛ لحصولِ الزّيارةِ والنّزهةِ عند الوصولِ، فلا تُقيمُ إلّا مُقامَ المسافرِ، ولا يُجعلُ للزِّيارةِ والنُّزهةِ حَدًّا زائدًا على مُقامِ المسافرِ".
وقال ابن قدامة في المغني: "وإنْ كان خُروجُها لنُزهةٍ أو زيارةٍ... فإنّها تُقيمُ إقامةَ المسافرِ ثلاثًا".
وقال في الكافي: "فلها إقامةُ ثلاثة أيام؛ لأنه لم يأذن لها في المقام على الدَّوام".
ثالثًا:
إذا اختارت المرأةُ العودةَ لبيت الزوجية لإكمال العِدَّة أو وجب عليها الرجوع، فشرطُ ذلك: تحقّقُ الأمن في طريقِها ومكان وصولها، ووجود مَحْرمٍ يسافر معها.
فإن اختل شرطٌ منهما: لم يجز لها السفر، وتعتدّ في المكان الذي هي فيه.
وذكر البهوتي في كشاف القناع أنه إذا لم يمكنْها الرجوعُ لخوفٍ أو عدمِ مَحْرمٍ: "أتمَّت العدّةَ في مكانها للعذر"، وقال: "وكلُّ موضعٍ يلزمها السفرُ فهو مشروطٌ بوجودِ مَحْرمٍ يسافر معها".
والحاصل:
أنّ لهذه المرأة التي قدمت للإقامة المؤقتة عند ابنِها الخيارَ بين أن تعتدَّ في بيته، أو أن ترجعَ إلى بيتِها في سورية لإكمال العدَّة هناك إذا كانت آمنةً على نفسِها، ومعها محرَمٌ يصحبُها.
والله أعلم.