الخميس 19 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 21 نوفمبر 2024 م
كيف يعالج المربون أخطاء المتعلمين
الأحد 2 محرّم 1441 هـ الموافق 1 سبتمبر 2019 م
عدد الزيارات : 42201


كيف يعالج المربون أخطاء المتعلمين


مما لاشك فيه أن هناك أخطاء مختلفة المشارب يقع فيها المتعلم، وهذا أمر لا جدال فيه، فكل بني آدم خطاء، ولاشك أن الخطأ يزداد عكسا مع عمر الإنسان، وهنا يكمن دور المربي لمعالجة تلك الأخطاء بالصورة التربوية المناسبة، فيبني علاج الخطأ على أسس تربوية علمية بحيث ينعكس أثرها لدى المتعلم فيستفيد من خطأه فلا يرتكبه مرة أخرى، ولنرى الآن كيف يمكن للمعلم علاج أخطاء المتعلمين بالصورة المثلى المستفادة من هدي معلم البشرية صلى الله عليه وسلم في معالجته لبعض الأخطاء.


أ. الإرشاد إلى معالجة خطأ المتعلم بالتوجيه المباشر:

عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: كنت غلاما ًفي حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم (أي تحت رعايته) ، وكانت يدي تطيش في الصفحة ، فقال لي رسول الله  صلى الله عليه وسلم :((يا غلام سم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك)).
فما هي الفوائد التربوية التي نستفيدها من هذا التوجيه النبوي؟
1- كان رسول صلى الله عليه وسلم يأكل مع الصغار، وهذا يدل على قوة الامتزاج النفسي بين المربي والمتعلم، فيستطيع أن يفتح الحوار معهم ويناقشهم ويصحح أخطاءهم، ولهذا ما أحرى المعلم أن يجلس مع أبنائه الطلاب أثناء الطعام في الفسح حتى يشعر الأبناء بأهمية المعلم لهم، وهذا مما يؤدي إلى تقبل الأبناء إلى ما يميله عليهم معلمهم من توجيهات سلوكية وإيمانية وتربوية.
2- لقد اختار الرسول صلى الله عليه وسلم التوقيت المناسب لعلاج خطأ عمر بن أبي سلمة، وذلك عندما كان الخطأ مستمراً فيه، فيجب تصحيحه مباشرة قبل أن يتحول الخطأ إلى عادة مكتسبة، وعندما يتحول إلى عادة فمن الصعب معالجتها، وإن عالجناها فإننا نحتاج إلى وقت طويل من الوقت والجهد لتصحيحه. لهذا نلاحظ أن الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ بمباشرة علاج الخطأ أثناء استمراريته، وهذه لفتة تربوية يجب أن يستفيد منها المعلمون والمربون في وقتنا الحاضر.
3- بدأ ( الرسول صلى الله عليه وسلم المعلم ) بمناداة ( المتعلم ) بصيغة (يا غلام ) وهذه المناداة محببة لنفس المتعلم ، فيكون ذلك أدعى لانتباهه واستجابته للنصيحة ، بينما مع الأسف الشديد في وقتنا الحاضر يخطأ الكثير من المعلمين عندما يرون سلوكاً غير  سوي من تلامذتهم فإنهم يغضبون أشد الغضب وينادونهم بأقبح أسمائهم .وهذا بلا شك يؤدي إلى نفور التلاميذ من تقبل نصائح معلميهم  .
4- لم يعالج الرسول صلى الله عليه وسلم طيشان يد عمر بن أبي سلمة بالإناء فقط، إنما أراد عليه الصلاة والسلام أن يشمل التصحيح منذ البداية الأولى، وهي الجلوس للأكل فقال عليه الصلاة والسلام: (يا غلام ، سم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك) ، ولهذا يجب على المعلمين  والمربين في وقتنا الحاضر إذا أرادوا معالجة أخطاء المتعلمين والأبناء ، فعليهم علاج أساس المشكلة وجذورها .
5- استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم الترتيب الصحيح عند العلاج، فقد قال عليه الصلاة والسلام (يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك)
أولاً: التسمية. ثانياً: الأكل باليمين. ثالثاً: الأكل مما يلي.
ترتيب موضوعي وعلمي، والترتيب الموضوعي والعلمي في حل المشكلة يساعد على الإتقان الصحيح لتصحيح الخطأ.
6- ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب الغلام بخالقه عند ابتداء الأكل، فقال يا غلام سم الله، وهذا توجيه فطري لفكر الصغار لحب الله وإشعارهم بأنه هو الذي رزقهم هذا الطعام ولولا رزقه لهلكنا من الجوع والعطش، ولهذا يزداد حب الأطفال لله تبارك وتعالى، وعندما يحبونه يتكون لديهم الاستعداد النفسي والفكري لتلقي ما يأمر به تبارك وتعالى، وبذلك نجح المربي بإيصال المتربي بخالقه.


ب. الإرشاد إلى خطأ المتعلم بالتعريض:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ؟ ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
ومن الفوائد التربوية لهذا التوجيه ما يلي:
1- معالجة خطأ المتعلم بالتعريض يحفظ درجة شخصية المتعلم عند أصحابه، فلا يقل شأنه ومرتبته بينهم، وهذه فائدة تربوية تفيد بعدم إصابة المتعلم بالإحباط الذي يترتب عليه أمراض نفسية معقدة.
2- عندما يصحح المعلم بأسلوب التعريض لخطأ المتعلم فإن ذلك يؤدي إلى زيادة روابط الثقة والمحبة بين المعلم والمتعلم، لأن المتعلم أحس بالطمأنينة والارتياح النفسي عندما عالج المعلم خطأه دون أن يذكره أمام الآخرين، وهذا مما يؤدي بالتالي إلى استعداده النفسي والفكري لتصحيح خطئه.
3- من فوائد معالجة الخطأ بالتعريض أنه يصحح أخطاء تربوية موجودة في متعلمين آخرين، فمثلاً عندما يقول المعلم (ما بال أقوام يغتابون الناس) فلعل هناك تلاميذ آخرين واقعين في الغيبة من غير الذين يقصدهم، فيتهيأ هؤلاء والمقصودون إلى خطئهم فيعالجونه، وبهذا يقضون على سلوك غير مرغوب به.


ج. الإرشاد إلى خطأ المتعلم بالتوبيخ:

عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سببت رجلاً فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم (يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية)
الآثار السلبية الناتجة عن انتشار السب والشتيمة:
1- السباب قد يتأصل في المتعلم إن لم ينبه منذ الوهلة الأولى، فيغلب على لسانه السب والشتم، وبالتالي يؤدي إلى التقليل من ذكر الله تعالى ويقلل أيضاً المحاسبة النفسية.
2- السباب يولد الضغينة والتكبر، فعندما يشتم أحدهم الآخر، فكأنه يبين له أنه أفضل منه مكانة ووجاهة، وهذا ما ينتج عنه رسوخ الكراهية في النفوس، وانتشار هذا السلوك فإنه يعتبر باباً من أبواب إفراز الطبقية الممقوتة.
3- قد تؤدي أمثال تلك الشتائم والمعايرة إلى تطوير النقاش إلى التشابك بالأيدي، مما يؤدي إلى نتيجة لا يحمد عقباها وأيضاً قد تنتج قضية كبيرة نتيجة لخطأ بسيط بدأ بالشتم والمعايرة.