الخميس 19 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 21 نوفمبر 2024 م
إدمان الأبناء مسؤولية مَن؟!
السبت 1 محرّم 1441 هـ الموافق 31 أغسطس 2019 م
عدد الزيارات : 41168

إدمان الأبناء مسؤولية مَن؟!

 

لا شك أن كثيرا من الأسر أصبحت تعاني من شرود أبنائها حيث إن حياة الابن المدمن الأسرية لا تشكل مأساة على والديه فقط بل على كل أفراد الأسرة، وربما تلقي بظلالها على المجتمع كله، وذلك بما تعانيه الأسرة بأكملها من الأوضاع المزعجة التي يحدثها ذلك الابن لها.
فقد يُعَرّض ذاك الابن المدمن أبويه للانهيار النفسي ثم المالي بسبب استنزافه بكل الأشكال، وقد يخترع الابن أكاذيب مختلقة، وطرقا متعددة لاختلاس ما يمكنه من الأموال، فقد اتفق عامة الأطباء النفسانيين أن أول سلوك للمدمن إذا لم يجد ما يشتري به مخدراته هو السرقة من أقرب الناس إليه.
وتكون الأم هي الضحية الأولى عادة، حيث يستخدم سلاح العاطفة التي تتصف به كل أم حتى يجردها من كل ما تدخر لديها من أموال، وعندما يستنفد كل ما لديها يبدأ في الاتجاه لكل ما تملك من حلي دون معرفتها، ولم يكن ذلك بلاؤها فقط بل الذي تتعرض له أيضاً هو الاتهام الذي يوجه إليها، فقد يخص الأب هذه الأم وحدها بالاتهام بأنها المسؤولة الوحيدة عن انحراف الأبناء.
إننا لا ننكر دور الأم الذي لابد أن تقوم به بين أبنائها خاصة في الصغر حيث هي المدرسة التي تلاحظ كل سلوكيات أبنائها فتربيهم على أساس ثابت وقوي، وتغرس في نفوسهم حب الله تعالى والخوف منه وحب الإصلاح والمسارعة في تقديم الخير لكل من حوله. فالطفل في الصغر يتأثر بأمة ويتعلم منها الكثير، لكنه عندما يبدأ في الصعود لمراحل نموه يبدأ بمخالطة صور مختلفة من الأشخاص حيث العالم الجديد خارج البيت، ومن ذلك تتكون صحبته الجديدة، تلك الصحبة التي قد تكون من خلال المدرسة أو الدروس أو النوادي أو غير ذلك من أماكن تجمع الشباب.
والأم لا يمكنها أن تلاصق أبناءها خارج البيت وأن تتتبع سلوكياتهم خطوة بخطوة، إنما دورها ههنا هو دور البناء الأولي الراسخ الذي يعتبر مرجعاً نفسياً مستقيماً يمنع انحراف الابن عند تعرضه للخارج، وكذلك دور المتابع في الداخل.
وفي نفس الوقت إننا لا ننكر دور كل أب ومدى البذل والعناء الذي يعيش فيه كي يوفر لأبنائه ولأهل بيته أرغد حياة، لكن إذا كانت حاجتنا للطعام والشراب والملبس من أهم ضرورات الحياة فلا تقل عنها حاجة الأبناء للعناية والتربية والتوجيه والإرشاد، وقد نجد بعض الآباء يفتقدون الموازنة بين العمل وبين البيت الذي يعود إليه مساء فيجد كل من فيه على مشارف النوم.
إن مسؤولية الأبناء يجب أن تقسم بين الأبوين، فالأم دورها الملاحظة داخل البيت وتتبع سلوك أبنائها، بل عليها مراقبة الأبناء دون أن يشعروا بتلك المراقبة، وأيضا عليها ألا تمدهم بمصروف مالي زائد إلا بإذن زوجها حتى لو كان ذلك المصروف من مالها الخاص، فالملح الكثير يفسد الطعام.
كما أن عليها أن تراقب علاقة كل ابن بربه سبحانه، وذلك في حالة وجوده في البيت، وعليها أن تعطي الأب التقرير بكل تغير تلحظه على ولدها بطريقة طيبة مع اختيار الوقت المناسب لذلك.
أما دور الأب فقد يعد الدور الأول والأساس في حماية ابنه من خطر الانحراف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) لذلك عليه أن يبدأ مع الابن منذ الصغر بتوطيد علاقة الصداقة والصحبة ومصاحبته في الخروج والزيارات ولابد أن يصطحبه معه إلى المسجد حتى يشب محبا ومعتادا للمساجد.
وعليه أن يبحث له عن الدروس الدينية المناسبة لعمره، وعلى الجانب الآخر عليه الاهتمام بانتقاء أصدقاء يجد فيهم الصحبة الصالحة لقوله صلى الله عليه وسلم (المرء على دين خليله)، أو على الأقل يتابع أنواع صدقاته متابعة حثيثة.
وعلى الأب أن يدرك سهولة إبعاد الابن عن صديق سوء يجده غير مناسب له عندما تكون هذه الصحبة في بدايتها، لكن إذا غفل الأب عن ابنه وتوطدت علاقة الابن بصديق سوء فسيصعب جدا على الأب منعه عن مقابلة ذلك الصديق والارتباط به.
لذلك فمتابعة الأب ابنه أولا بأول أمر واجب يقدم على أي شيء، لأن ذلك الابن هو ثمرة السنين وجهد حياة ذلك الأب، فعليه أن يتعهد رعاية الثمرة كي تزهر، أما إن نسيها ذبلت وانحنت فعندئذ يندم حيث لا ينفع الندم.
لكننا نجد أن بعض الآباء لا ينتبه لابنه إلا بعد غرقه ووقوعه في شراك الانحراف، و يبدأ بعد ذلك بتوبيخ الأم ببعض كلمات من قبيل: (هذه هي تربيتك). وتبدأ السعادة تخرج من البيوت ويدخل بدلا عنها الاضطراب والحزن والهم لكل أفراد الأسرة، فقلوب الأبوين تنزف عندما يجدون فلذة كبدهم يدمر يوما بعد يوم.
إننا لا نريد أن نضع الأم أو الأب في قفص الاتهام لأن ما يعانونه من ذلك الابن المنحرف لهو أشد العقوبات، وكفاية في عقابهم على تقصيرهم تجاهه.
ولابد أن نعرف أن تربية الأبناء سلسلة متصلة الحلقات فبداية حلقاتها تتصل بآخرها. فعلى الأبوين الاشتراك معاَ دون تخلي أحدهما عن الآخر في ذلك الدور، بل عليهما أن ينتبها لعدة أمور منها:
1-  الالتزام بالصفات الحسنة حيث إنهما القدوة لذلك الابن، والابن ههنا مقلد.
2- المحاولة الدائمة لضبط النفس والتحلي بالصبر في معالجة أي مشكلة تواجه الأبناء، والصبر أيضا في تعليمهم أمور دينهم، فقد قال تعالى (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها).
3- لكي يعبر الآباء ذلك السن الخطر عليهم أن يتحلوا أيضاً بالعطف والحنان والخبرة في آن واحد.
4- استبعاد أسلوب القسوة والعنف والنقد الجارح، حيث إن النظام القاسي يولد قلوباً قاسية، ونظام الشورى المبني على احترام الآخرين يولد قلوبا معتدلة سوية.
5- تجنب التفرقة في المعاملة بين الأبناء.
6- يجب إفساح المجال للأبناء لإبراز طاقتهم والاهتمام بتنمية مواهبهم، مما يملأ كثيرا من فراغهم في أشياء هادفة نافعة أو البحث عن عمل لهم، فالعمل وقاية من الملل والرذيلة والفقر، فبذلك تستخدم ساعات الفراغ ولا يسأم الابن من فراغه.
7- البحث عن أساليب جديدة للتوعية بدلا عن الأساليب التقليدية، وذلك عن طريق اصطحاب الأبناء مع مجموعة من أصحابهم في رحلات منظمة يجمع فيها اللعب والمرح والتوعية والتذكرة بالله في آن واحد.
8- توسيع الاطلاع بشكل عام وتزويد الأبناء بالمعرفة في جميع المجالات عن طريق الاهتمام بالقراءة والذهاب للمكتبات وتقديم الكتب الإيجابية البناءة لشخصية الابن والبعد عن الكتب الهدامة.
9- إن من أبرز ما يعصم أبناءنا أيضا من الانحراف الاهتمام بحل قضاياهم، فذلك يسهم لحد كبير في احتوائهم من شر ذلك الطريق.
10- حماية أبنائنا من المجموعات المنحرفة وتوجيهه توجيها سليما.
11- إن الدفء العائلي من مسؤولية الأبوين حيث يعيش الأبناء في هذه المرحلة في دوامة عنيفة فقد يكونون في أشد الحاجة إلى المرشدين الذين يأخذون بأيديهم ليخلصوهم من أزمات هذه المرحلة.
12- وقد توجد بعض المؤثرات النفسية تدفع بأبنائنا لطريق الإدمان، يجب علينا متابعتها ومحاولة إزالة تأثيرها فورا، مثل شعور الابن بالاكتئاب، وقد يلجأ إليها الابن الذي يعاني من التفكك الداخلي واضطراب علاقته بالآخرين، وقد يقع فيها الأبناء الراغبون في تحقيق الاستقلالية الفارغة والإحساس بالذات، وقد يستخدمها البعض للتغلب على الأفكار التي تسبب له الضيق، أو يستخدمها حباً في المغامرة ورغبة في التجريب مع حب الاستطلاع وملء للفراغ، وقد يستخدمها عند الإحساس بالاغتراب والقهر الاجتماعي.
13- وقد توجد أيضا بعض العوامل الاجتماعية التي تدفع بالأبناء لاتباع طريق الإدمان أيضا كتعاطي الأبوين أو أحدهما للمخدرات، أو تأثير جماعات الأصدقاء على الابن فينجرف في تيارهم، أو وجود المخدرات وتسهيل تداولها.
 
علامات الخطر:
نستطيع ههنا أن نضع عدة علامات تدق ناقوس الخطر في بيوتنا ولدى أبنائنا لا يمكننا أن نهملها، قد تكون بدايات بعيدة لمستقبل مؤلم، ومنها:

  • حب الانعزال عن الأسرة في معظم خصوصياته.
  • كثرة السكوت والصمت الطويل بغير داع ولا سبب ظاهر.
  • عدم النظر في عين من يكلمه.
  • ملازمة الكمبيوتر أو التليفزيون لفترات طويلة.
  • كثرة الغضب وسرعة التعصب وسهولة التغير.
  • كثرة المرض والإرهاق والظهور بمظهر المتهالك.
  • طول السهر والأرق وكثرة النوم في النهار.
  • إهمال الدروس والتأخر في التعلم.
  • كثرة الغياب عن المنزل وخصوصاً في الليل.
  • بداية اكتساب السلوكيات السيئة كعلاقات بفتيات وشرب السجائر وغيرها.
  • إهمال شأنه وملابسه وغرفته واحتياجاته الخاصة.
  • ثقل اللسان وبطء الاستجابة في الحوار مع احمرار العين.
  • الاكتئاب النفسي وتقلب المزاج.

وننصحك ههنا إضافة لما سبق من نصائح بما يلي:

  1. النقاش الهادئ مع الابن، مع الشفقة والرفق وإشعاره بالمشاركة.
  2. البعد عن النصح المباشر والتجهيل والتعنيف.
  3. محاولة الوقوف على الأسباب، هل هي نفسية أو من الصحبة أو بسبب فتيات أو غيره.
  4. يجب وضع خطة عمل متكاملة يشترك فيها أهل البيت كلهم والأقرباء المهتمون به، وكذلك مدرسوه ومعلموه والمربون والدعاة القريبون من أهل البيت، مع تقسيم الأدوار عليهم.
  5. محاولة تغيير الحالة البيئية للابن حتى لو احتاج الأمر إلى تغيير السكن في بعض الأحيان لإبعاده عن صحبة السوء.
  6. محاولة تغيير الحالة الذاتية بتذليل العقبات النفسية خطوة خطوة، وأهم علاج فيها هو الارتباط بالله سبحانه.
  7. محاولة إشغال الابن بالأنشطة والمشغوليات البسيطة في أدائها والتي تستغرق وقتا وتحتاج جهدا وحركة، مع رعايته من آخرين وعدم تركه وحده.
  8. يجب متابعة الطبيب متابعة جيدة وإن احتاج الأمر إلى المكوث المؤقت في مصحة أو مستشفى متخصصة فلا تتردد .

 
وفي النهاية يجب على الأبوين عدم اليأس من ملازمة النصح ومتابعته تارة باللين، وبالحزم تارة أخرى؛ فلابد من الجمع بين الحزم والمرونة، كما عليهم ألا ييأسوا من رحمة الله تعالى، وعليهم الإكثار من الدعاء لله

سبحانه أن يهدي لهم ذلك الابن ويرده لهم رداً جميلاً؛ فإنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء .

 

المصدر: موقع المسلم