ما حدود مسؤولية الأخ الكبير تجاه إخوته وأخواته؟
الاستشارة
تجد بعض الأمهات صعوبة في ضبط تدخل الإخوة الكبار في شؤون أخواتهم وإخوانهم الأصغر منهم، مما يسبب كثيراً من الخلافات بين الإخوة وحتى ربما يؤجج مشاعر الكره والحقد بينهم.
برأيكم ما حدود مسؤولية الأخ الكبير تجاه إخوته وأخواته، وكيف يمكنني ضبط هذه الحدود، وتدريب أولادي على احترامها.
الرد:
أسماء المحيميد
استشارية تربوية في مكتب شؤون المرأة بهيئة الشام الإسلامية
ينبغي للإخوة أن يرحم كبيرُهم صغيرهم، وأن يوقِّر صغيرُهم كبيرهم، وأن يجمع بينهم التآلف والتحاب والتناصح، وعدم الاختلاف.
عن أنس عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا"
إن تصرف ابنك الكبير مع إخوانه الأصغر يعتبر تصرفاً شبه طبيعي، إنه بهذه التصرفات يسعى للتخلص من القيود، ولإثبات الذات وإثبات الرجولة، ولو كان هذا بالطريقة الخاطئة كضرب الإخوة والأخوات الأصغر سناً منه، كما يسعى لتجربة أمور طالما نهي عنها، خاصة إذا صاحب ذلك قلة الرقابة من الأهل، والعنف السلطوي من قبل الوالدين، وانعدام روح التفاهم المفترض أن يسود داخل أسوار البيت، وزيادة الثقة بالنفس، ووجود صحبة سيئة تزيِّن له الوقوع في شرك هذه الأوحال وتبسِّطها وتسهِّلها في عينيه.
إن أحسن جرعة دوائية سوف تجنين ثمارها بإذن الله هي البعد كل البعد عن العنف مع هذا الابن الكبير، بل على العكس يجب أن تكون العلاقة بينك وبينه علاقة ودية جداً وعلاقة صداقة، وأحذرك كل الحذر من عملية العنف، فهذه لم تكن أبداً علاجاً، وكل الذين عمدوا إلى فعلها ندموا أشد الندم فيما بعد، لأنهم باختصار اختزلوا المراحل العلاجية وأتوها من النهاية.
نعم، نحن ندرك أن بعض الأبناء الأكبر سناً في البيت يجلبون الهم والنكد بأخلاقياتهم الهوجاء مع الأصغر منهم، ولكن هذا لا يعني مطلقاً أن تقابل مثل هذه السلوكيات السيئة بسلوكيات مماثلة لها..
علينا أن نعي بعض الأمور المهمة لوضع حدود للابن الأكبر لا يتجاوزها مع إخوته الأصغر منه؛ لكي نتجنب حدوث المشكلات:
الخطوة الأولى: أن يسعى الأب ليجعل ابنه ولياً لعهده.
الخطوة الثانية: وهي احترام ولي العهد، لأنَّ أيَّ قيمة إيجابية كانت أم سلبية يزرعها الوالدان في الابن ستنعكس على الإخوة فيما بعد، إذ ستظهر هذه القيم في التعامل معهم.
وإعداده معنوياً، وذلك بالتقليل من الدلال وتكثيف التوجيه، ذلك سينعكس على شخصيته، وسيتعامل مع الجميع من هذا المبدأ، مع ضرورة منح الابن الأكبر الثقة بإشراف مباشر وغير مباشر، ومن ذلك تكليفه بحل بعض المشكلات العالقة في المنزل، إلى جانب الثناء عليه ومدحه وتشجيعه؛ لكي يصبح لديه القدرة على حل المشكلات.
إنَّ الإشراف غير المباشر يكون حينما يتدخل الابن من تلقاء نفسه لحل مشكلة ما حدثت بين إخوته في حال كان أبوهم غائباً عن المنزل، فإذا كان الحل جيداً وخرج بنتائج مرضية فلا بد للوالدين أن يشكراه على مبادرته تلك، أما في حال أخطأ عبر إبداء حلول تسهم في تفاقم المشكلة، فإنَّ عليهما ألا يوبخانه؛ لكيلا يسهم ذلك في كسر إعداده، بل يجب أن يستخدما كلمة "المفترض" في العلاج، كقول: "يُفترض أن تتأنى" و" يُفترض ألا تسمع من طرف واحد"، وذلك لكي يصبح هذا الأسلوب واقعاً يعيشه الابن في المشكلة القادمة.
وبإمكان الوالدين تشكيل الابن في صغره بالاتزان في التربية؛ لكيلا تصبح شخصيته مهزوزة، وتجنب تدليل الطفل لأن المدلل حينما يكبر فإنَّ الوالدين يفقدان السيطرة عليه والقدرة على تعديل سلوكه.
وإليك بعض الخطوات لضبط حدود مسؤولية الأخ الأكبر والحد من تسلطه. وستساعدك بإذن الله مجتمعة على رفع مستوى ثقة ابنك بنفسه، وستكون بإذن الله المفتاح لتغيير شخصيته وتعامله مع إخوته للأفضل:
1- ركزي على النقاط الأهم، مثل الصلاة والعنف مع إخوته، حتى لا يشعر أن كل ما يفعل سينتقد فيه.
2- اتركي له فرصة لإظهار شخصيته، من خلال اختيار ملابسه، وتنظيم وقته، ولا تتدخلي في كل هذه الأمور بل أوضحي له أنه هو المسؤول، وأن له الحرية في اختيار الطريق الذي يراه مناسباً بشرط أن يتحمل النتائج.
3- اظهري إعجابك ببعض قراراته، ولكن يجب أن تكون صائبة إلى حد معقول، وحاولي أن تجعليه يشعر بهذا الثناء بشكل غير مباشر، مثل أن تنقلي هذا الأمر بالهاتف إلى بعض أخواتك أو صديقاتك وهو يسمع. مثل أن تقولي: "كنت أريد أن أفعل كذا ولكن ابني عبد الله اقترح كذا فغيرت رأيي"، حتى يشعر أنك تقدرين رأيه وتفتخرين به.
4- اعتمدي عليه في بعض الأمور، وأثني عليه حتى يستعيد ثقته بنفسه، ولا تخافي عليه من الأخطاء المعقولة، فهذه لابد منها حتى يتعلم الطريق الصحيح بنفسه.
5- أظهري له أنه رجل البيت، وأنه السند لك بعد الله، ورددي الكلمة على مسامعه حتى ترفع من ثقته بنفسه.
6- حاولي إشراكه في بعض الأنشطة التي يفرغ فيها طاقاته بشكل إيجابي، وتسهم في رفع ثقته بنفسه، مثل حلقات تحفيظ القرآن والمراكز الصيفية التي تنمي بعض المهارات كالتعامل مع الحاسوب والخطابة وغيرها.
7- الدعاء، ثم الدعاء إلى الله تعالى في كل حال بأن يصلح حال ابنك، ويريك فيه ما يسرك.