السبت 21 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 23 نوفمبر 2024 م
الشيخ حارث الضاري.. علم من أعلام أهل السنة
الثلاثاء 4 ربيع الآخر 1440 هـ الموافق 11 ديسمبر 2018 م
عدد الزيارات : 13919

 

الشيخ حارث الضاري.. علم من أعلام أهل السنة

 

وُلد الضاري في قضاء أبو غريب التابع لمحافظة بغداد عام 1941، وهو أمين عام هيئة علماء المسلمين العراقية، كان يُقيم في العاصمة الأردنية عمان منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، وهو من أكبر المُناهضين للاحتلال الأمريكي ولطريقة الحكم الحالية في العراق.
على الطريق السريع الرابط بين الحدود الأردنية والعراق توجد لافتة تشير إلى موقع يسمى خان ضاري في المنطقة الواقعة بين الفلوجة وأبو غريب غرب بغداد. ودلالة التسمية تشير إلى أنه مقام آل ضاري زعماء عشيرة الزوبع المنحدرين من قبيلة شمر المنتشرة عبر الجزيرة العربية والشام والعراق.
نشأته:
بدأ تعليمه في مدرسة لتحفيظ القرآن، والتحق بعد ذلك بالمدرسة الدينية التي أكمل فيها الدراسة الأولية، وحصل على الشهادة الثانوية منها، ثم التحق بجامعة الأزهر سنة 1963م، حيث حصل على شهادة الليسانس العالية بكلية أصول الدين والحديث والتفسير، ثم دخل الدراسات العليا وحصل على شهادة الماجستير في التفسير سنة 1969م، وبعدها سجل في شعبة الحديث، فأخذ منها أيضاً شهادة الماجستير سنة 1971م، وبعد ذلك سجل رسالة الدكتوراة في الحديث، وحصل عليها سنة 1978م، وبعدها عاد إلى العراق وعمل في الأوقاف، ثم بعد ذلك نُقل إلى جامعة بغداد بوظيفة معيد، فمدرس، فأستاذ مساعد، فأستاذ.
قضى في التعليم الجامعي أكثر من 32 عاماً، وتقاعد بعد أن عمل في عدة جامعات عربية، كجامعة اليرموك في الأردن، وجامعة عجمان في الإمارات المتحدة، وكلية الدراسات الإسلامية والعربية في دبي أيضاً بالإمارات العربية المتحدة، وقد عاد إلى العراق بعد احتلاله في 1 تموز/يوليو 2003.


معارضته للحكم:
هاجم الضاري حكومة نوري المالكي، وحمله هو وحزب الدعوة الذي يترأسه، مسؤولية ما يجري في العراق منذ توليه رئاسة الوزراء عام 2006، واتهمه في تصريحات صحفية متكررة بأنه يستخدم كافة المسؤوليات الموكلة إليه ضد معارضيه "تحت ذريعة الإرهاب، حيث قتل وهجر مئات الآلاف منهم وغيّب مئات الآلاف رجالا ونساء في السجون، متوهماً أنه بصبرهم وتحملهم قد وصلوا إلى حد لا يستطيعون فيه الدفاع عن أنفسهم، وأنه يمكن القضاء عليهم واقتلاعهم من العراق كما استغل فرصة خروج أهل المحافظات الست في تظاهرات سلمية للمطالبة بحقوقهم وكف الظلم الواقع عليهم لمدة عام كامل، للتشكيك في نواياهم، وعدّ مطالبهم غير مشروعة."
لذلك تعتبره الحكومة العراقية إرهابياً وأصدرت مذكرة اعتقال بحقه، وهو يعتبر نفسه من الخط الوطني الذي يدافع عن وحدة الشيعة مع السنة، ويعتقد أن الشيعة ليسوا مسؤولين عن حوادث القتل الجماعي التي تعرض لها السنة بعد الاحتلال في 2003. ويركز على قضية وحدة العراق.


إرث المقاومة:
يحمل الرجل إرث مقاومة تسلسل إليه من جده لأبيه، فهو ابن سليمان بن الشيخ ضاري الحمود أحد أهم قادة ثورة العشرين، الذي قطع مع رجاله خط الإمداد عبر الفرات للقوات البريطانية وأوقعها تحت الحصار وتولى تمويل الثورة بالرجال والسلاح والمؤونة.
وانتقم الإنجليز من الرجل وقبيلته فاعتقلوا رجالها وضايقوها في معايشها وعندما صدر العفو عن رجال ثورة الـ1920 عام 1927 استثني الجد الذي توفي لاحقا في المعتقل عام 1928 وكانت جنازته يوما مشهودا في تاريخ العراق.
ويتكرر المشهد اليوم فيرفع الحفيد عقيرته ضد الاحتلال وينتقم الاحتلال منه في قصف عشيرته في مختلف المناطق وفي طائفته السنية وفي قومه العرب وفي وطنه بتدمير ما لم يدمر منه حتى الآن.
يعتبر حارث أبرز رموز السنة العرب اليوم، وقد ملأ الفراغ مستفيدا من تاريخ أسرته ومن مكانته العلمية بوصفه أحد علماء الحديث والتفسير والفقه.


الدعوة للثورة:
سفّه الشيخ الضاري اعتماد "يوم احتلال بغداد يوم عيد, من قبل الحكومة وقال إنه يوم حزن وألم شديد، وانتقد السكوت على الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب العراقي، وقال بأن هذه الحكومة لا تمثل إرادة الشعب العراقي وإنهم يمثلون إرادة الاحتلال فإنهم يتبعون إرادته".
دعا حارث الضاري في أبريل/ نيسان 2012 الشعب العراقي إلى القيام بثورة شعبية سلمية ضد حكومة نوري المالكي. ووصف حينها رئيسَ الوزراء بالاستبدادي والمغرور، متهما إياه بالسعي إلى إنشاء دولة الحزب الواحد والشخص الواحد والمذهب الواحد مثلما هو الشأن في إيران، على حد تعبيره. واعتبر حينها أن العراق محكوم لجهتين أجنبيتين هما الولايات المتحدة وإيران، وحذر من عواقب استمرار الهيمنة الأميركية والإيرانية على بلاده.
كما انتقد سياسات المالكي، مشيرا إلى الفساد المالي وارتفاع نسبة البطالة في صفوف العراقيين وتدني مستوى عيشهم، واكتظاظ السجون بالنزلاء لا سيما أهل السنة، إضافة إلى الاعتقالات العشوائية والإعدامات والتهجير.


هيئة علماء المسلمين:
ترأس هيئة علماء المسلمين التي تأسست بعد أسبوع من سقوط بغداد، وكانت وعاء عاما انضوى تحته علماء السنة وربط علاقات وطيدة برموز الشيعة وحفل نشاطه تعميرا للمساجد وتوعية بمخاطر استهداف الوطن قيما وأرضا ووحدة، فجسدت المرجعية الشرعية للسنة ولعبت الدور السياسي والثقافي والاجتماعي في مختلف مناطق ما اصطلح على تسميته بالمثلث السني.
ولم تختلط على الرجل والهيئة استراتيجيات التوجه ولا تكتيكات المرحلة، فأكد على المقاومة حقا مشروعا وواجبا لا ينتظر الفتوى، وشارك في العمل السياسي رفدا للجهود الأخرى ودرءا لمفاسد الانعزال عن ساحة أراد الاحتلال من أول يوم تهميش القطاع الذي تمثله الهيئة والرجل.
ويدفع الرجل عن السنة الاتهام بمعارضة الانتخابات ويتمسك بالانتخاب بعيدا عن الاحتلال مدركا أن ظلال حرابه تصنع الحدث لا أصوات الشعب المكلوم، ويرد صفة الأقلية عن السنة فهم أغلبية لا تقل حسب تقديره عن 60%، معتبرا الحديث عن غالبية شيعية بالعراق "دعاية ادعوها وسكتنا عن مجاراتها لأسباب وطنية".
أصبحت هيئة علماء المسلمين -التي أسسها الضاري عقب الغزو الأميركي للعراق- من بين أهم القوى العراقية المناهضة للاحتلال وللعملية السياسية وكذلك للطائفية ومشاريع الأقاليم الذي دعت إليه أطراف سنية، واعتبرت أنها مشاريع تفضي إلى تقسيم البلاد.


وفاته:
توفي الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق الدكتور حارث الضاري، الخميس، بحسب ما أعلنت الهيئة في بيان نشرته على موقعها الرسمي.
وجاء في البيان "تنعى هيئة علماء المسلمين إلى أبناء الشعب العراقي، والأمتين العربية والإسلامية، وفاة أمينها العام الشيخ المجاهد والعالم الرباني حارث سليمان الضاري - رحمه الله - وأسكنه فسيح جناته." وأشار البيان إلى أن الوفاة حدثت صباح الخميس.
وقالت الهيئة إن أمينها العام الذي توفي عن 73 عاما إثر مرض عضال ألم به، كان قد عاش "حياةً حافلة بالعطاء، ابتدأها بتحصيل العلم الشرعي، وتربية الأجيال وتخريج العلماء، والدعوة إلى الله، وأنهاها بالجهاد في سبيل الله، والوقوف بحزم أمام مخططات الأعداء الذين كانوا وما زالوا يتربصون بأمتنا الدوائر، ويسعون للنيل منها، وقاد في هذه السبيل مؤسسة كبيرة أوقفت جهدها وجهادها لتحرير العراق من الاحتلال وهيمنة الظلم، وعدوان الظالمين."
وفي ختام بيانها، جددت هيئة علماء المسلمين العهد لله عز وجل أن تبقى متمسكة بثوابتها ومنهجها ومواصلة لمسيرة الشيخ وجهاده حتى تحرير العراق، وإعادته إلى أهله وأمته بإذن الله تعالى.