الدكتور عدنان محمد لمجلة نور الشام:
" إن العودة إلى أراضينا دَيْن، ونحن على يقين بأن الظالم لن يبقى"
شهدت الساحة السورية جملة من الاضطرابات المتلاحقة أدت إلى سيطرة النظام السوري على كثير من المناطق المحررة، جاء ذلك بعد حملة روسية ضخمة ساندتها قوات النظام والميليشيات الطائفية، فهُجِّر قسم كبير من أهالي تلك المناطق، ليتركوا ديارهم مرغمين، وليضاف ألم التهجير والغربة والبعد عن الديار إلى جانب آلام القصف والحصار والتجويع التي عاشوها.
وصلت أعداد كبيرة من المهجَّرين من مدينة حلب وريف حمص وريف دمشق وحوران إلى مناطق من الشمال السوري بعد رحلة قاسية لم يصطحب فيها المهجرون من لوازم الحياة الأساسية إلا القليل، فغصت تلك البقعة الصغيرة بالنازحين والمهجرين، وازداد حجم المعاناة والمسؤولية على كاهل الثورة، إذ لم يكن الشمال السوري قد قام بالتجهيزات المناسبة لاستقبال هذا العدد الضخم من المهجرين وإمدادهم بأساسيات المعيشة، خاصة فيما يتعلَّق بمراكز الإيواء والعناية الضرورية بها، فنشطت كثير من الجمعيات والمؤسسات، وكان للمهجرين أنفسهم دور في التنظيم والمساعدة وخدمة أنفسهم. وقد رسموا مع أبناء المنطقة الأصليين واقعًا مختلفًا ونسيجًا اجتماعيًّا قد يضع بصمته ويشكل ولادة ثورية جديدة في تلك المناطق.
في هذا العدد من مجلة نور الشام نستضيف الدكتور عدنان محمد، الطبيب المهجر من الغوطة والناشط في مجال مساعدة المهجرين في الشمال السوري، ليحدثنا عندور المهجرين في المجتمع الجديد ونشاطاتهم المتنوعة، والأوضاع المعيشية هناك.
-
بعد أن احتضن الشمال السوري أبناء الثورة المهجرين إليه كيف ترون الحالة المجتمعية والثورية في هذهالمنطقة؟
الشمال السوري مقسم، فعندنا منطقة درع الفرات ومنطقة غصن الزيتون، وهناك اختلاف كبير بينهما، وهما من المناطق التي تعاني من مشاكل كثيرة، ولكن بشكل عام، وبالنسبة لما كان يجري في الغوطة فإن الشمال السوري لا يعيش حياة ثورية، الناس هنا بأريحية كبيرة، والتجارة موجودة، وهناك ثوار، إلا أن حالة الحصار التي كنا نعيشها في الغوطة، وحالة الاحتكاك المباشر مع قوات النظام جعلت حالة الثورة والجهاد في أعلى درجاتها، فالمناطق هناك كانت محصنة تحصينًا كبيرًا مثل جوبر ودوما وحرستا، والرباط كان أربعًا وعشرين ساعة ، يبقى المرابط ثلاثة أيام لا يرى فيها أهله.
هذا الأمر لم نره في الشمال السوري، فلكي أكون واضحًا أقول: إن مستوى الثورية في الغوطة الشرقية بسبب الحصار الذي كان مفروضًا عليها جعلت الحالة الثورية أعلى.
-
كيف يمكن جعل عمليات التهجير الأخيرة انطلاقة وولادة جديدة للثورة؟
لا بد من الانطلاقة الجديدة وتجميع الناس من جديد، وتجميع كوادر الثورة والنخب، وهذا ما عملنا عليه فورَ وصولنا، قمنا بتجميع النخب الطبية والعلمية من مهندسين وأطباء ومعلمين، وكانت هناك تجارب فريدة بالغوطة، وهي فرع جامعة حلب التي تحوي كليات الطب وطب الأسنان والاقتصاد، والتي ضمت الطلاب المنقطعين عن الدراسة، عملنا في الجامعة على فصول مكثفة، فتخرج فيها قسم كبير من الطلاب، وكلهم كانوا يعملون في نقاط طبية، فهذه تجربة فريدة جدًا في الغوطة على مستوى التعليم العالي.
فيجب علينا تجميع الكوادر ضمن منظومة معينة من جديد، وضخ روح الثورة في الشمال، وتحييد القوى المفسدة التي لا ترى في الثورة غير التجارة، ويمكن أن نعطي دفعة جديدة للثورة من جديد، من خلال وضع الشخص المناسب في مكانه المناسب وإعطاء كل ذي حق حقه، وإبعاد المتسلقين وتجار الثورة، يمكن أن نقوم بثورة جديدة تكون نموذجًا يُحتذى، ولكن لا بد من مساعدة الإخوة الأتراك في هذا الأمر حتى نكون واقعيين.
-
-
ما الإضافة التي حققها المهجرون للثورة السورية في الشمال السوري؟ وكيف يوصف دورهم ونشاطهم في المجتمع الجديد الذي انتقلوا إليه؟
ضمن منطقة وجودنا في منطقة عفرين وريفها اتفقنا بمجرد وصولنا أن نشكل تكتلا لمهجري الغوطة الشرقية، فقمنا بمجموعات من الأساتذة والمهندسين، كانت المنطقة شبه خالية، تسلمنا المشفى وفعّلناه بشكل سريع، وبدأت الخدمات الطبية تنتشر، وفعّلنا العيادات بشكل تطوعي، وعملنا على تشكيل فريق تطوعي في عفرين قام بتنظيف الشوارع والمدارس، كما فعّلنا مدرسة وأهلناها وعمرنا الأماكن المهدمة فيها، وبدأنا بدورات التدريب، وفتحنا معهدًا لتحفيظ القرآن الكريم يضم علماء من الغوطة الشرقية.
إضافة إلى ذلك أقمنا مركز إيواء استقبلنا فيه العائلات، ووزعنا عليهم الطعام واللباس والبيوت ضمن عقود إيجار نظامية، وعملنا مكتب إحصاء بحكم تجاربنا السابقة في الغوطة ونزوحنا الداخلي المستمر، فاشتغلنا على التجربة ذاتها، وأحصينا المهجرين حتى أهالي عفرين الأصليين، وقد كانت هناك إضافة واضحة من الخبرة المتراكمة خلال السنوات السابقة في الغوطة الشرقية للمناطق التي وصلنا إليها.
-
شهدنا سابقًا حالات عودة المهجرين إلى مناطقهم التي هُجّروا منها وهي تحت حكم النظام، هل يمكن أن نشهد إعادة لهذه الحالة بسبب سوء الأوضاع الإنسانية؟
هذا يتعلق بعدة عوامل، العامل الأول هو مقدار الثورية عند الشخص نفسه ومقدار الانتماء إلى القضية، والعامل الثاني مقدار سوء الأوضاع المعيشية، فالشخص الذي لديه أطفال ويعيش في مخيم غير الشخص الذي يسكن ضمن شقة، ولا أخفيك أن الأوضاع الأمنية سيئة جدًا في الشمال السوري، فهناك خطف ومفخخات وتفجير، وكذلك الأوضاع الاقتصادية سيئة، والمنظمات الإغاثية لا تستطيع أن تستوعب بشكل سريع الأعداد القادمة من المهجرين قسرًا، فدخول مئة ألف خلال أسبوعين تعجز عنه دول، وأظن أن استقرار الوضع خلال الأشهر القادمة يمنع الناس من التفكير بالعودة.
حالة الصدمة الأولية قد تدفع الناس إلى التفكير بالعودة، لكن العودة إلى حضن مجرم كان يقتلنا بالبراميل سبع سنوات فكرة غير مقبولة، لا يمكن أن تكون ذاكرتنا كالسمك ونعود إلى النظام المجرم، الأمر يحتاج إلى تعب وكوادر ونخب تعمل، وتحتاج إلى أن تستقر المنطقة سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، ليعود الناس للتأسيس من جديد بإذن الله.
-
-
عمد النظام السوري إلى اتباع سياسة التهجير القسري لأبناء الثورة لأهداف كثيرة منها بث اليأس وإجراء عملية تغيير ديموغرافي، هل ترون أن فكرة الثورة والإيمان بها تراجعت عند المهجرين؟هناك جزء من المهجرين لم يكن يحمل فكر الثورة، وهم نسبة قليلة، وهناك من يحمل فكرًا ثوريًّا إلا أن المشاكل التي مر بها في الغوطة ثم التهجير الذي تعرض له ثم حالة اللااستقرار التي يعيشها جعلت فكرة الثورة تغيب عنه.الآن مَن المسؤول عن إعادة الثورة إلى عقول الناس وتذكيرهم بأن لدينا وطنًا يجب أن نسترجعه؟ النخب هي المسؤولة، ويجب أن تتصدر من جديد، وأن تكون ضمن الأماكن اللازمة في الشمال السوري، وهي قادرة على أن تقوم بنهضة من جديد بإذن الله.
-
كيف ترون مستقبل المنطقة بعد حملات التهجير الأخيرة وهل هناك أمل بالعودة برأيكم؟
أمل العودة نحيا عليه، ولا نقاش في هذا الموضوع، هو بالنسبة إلينا دين، فالنظام اغتصب أرضنا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد". هذه أرضنا وأموالنا وأهلنا، لا يمكن أن نرضى بسهولة أن نبقى في خيمة وأن يستولي الظالمون على بيوتنا وأموالنا وأملاكنا، ولكن نحن أمام عمل صعب وهو تجميع الناس والنخب والمفكرين، وتجميع العسكريين على رأي واحد.
إن العودة بالنسبة إلينا دين، ونحن على يقين بأن الظالم لن يبقى، قضيتنا مختلفة عن أي قضية أخرى، ولا يمكن تشبيهها بقضية فلسطين، مع الاحترام للقضية الفلسطينية، فهي قضيتنا كلنا وقضية كل مسلم، نحن لدينا أرض أخذها ظالم غاصب، ونحن مجتمع كبير موجود داخل سورية، وهناك نواة لثورة جديدة عند الجميع، فحالة التشيع التي كانت مفروضة في دمشق وحلب لا يقبل بها السوريون الشرفاء، كثيرون ألجمهم الخوف، ولكن في يوم ما سيتضافر الشمال مع الوسط والجنوب وتعود الثورة من جديد.