الخرس الزوجي
لماذا يقلُّ الكلامُ بين الزوجين بعد الزواج؟!
كثيرًا ما يُطرح ذلك السؤال، وتكون الإجابات مُحبِطة!
قبل الزواج يكون هناك شوقٌ لاكتشافِ المجهول، ورغبةٌ من كل طرف في التعبير عن المشاعر للآخر وهو بعيد، لقاء وفرحة ربما مرة كل أسبوع، وفراق لأيام طويلة، يتخلَّلها رسائل هاتفية ومكالمات طويلة، شيء يشبهُ انسكابَ الماء وتدفُّقه من إناء ممتلئ، فقد تكدَّست المشاعر لسنوات.
أما بعد الزواج، وبالتدريج، فتتحوَّل الجمل الطويلة لترجمات تُختَصر في شيء أعمق، تربيتة على كتف الزوجة بحنان وهي تسير ببطء وقرةُ عينه ينمو في داخلها وَهْنًا على وهن، ونظرة رحمة في لحظة صمت منه وهي تتوجَّع، أو التفاتة كل دقيقتين ليبحث عنها في البيت، لغة من نوع آخر!
انتظارُها طوال الليل خلف زجاج النافذة بقلقٍ على الزوج الحبيب، وساعات في المطبخ لإتقان صنفٍ ما من الطعام يحبُّه زوجُها، لغة من نوع آخر!
يقول الرافعي في إحدى كتاباته الرائعة:
"تتكلَّمُ ساكتة، وأردُّ عليها بسكوتي، صمتٌ ضائع كالعبث، لكن له في القلبين عمل كلامٍ طويل".
هناك شخصيات ﻻ تُجيد التعبير عن نفسها بالكلمات، شريك حياتك الهادئ يحبك، فلا تتهمه بالبرود ولا بجمود المشاعر، وفتِّش عن حبه لك في صمتِه ونظراته وأفعاله.
نحتاج أحيانًا - بل كثيرًا - أن نفهم الطرفَ الآخر الذي نعيشُ فيه ويعيش فينا، ففي لحظة الحبِّ تنفتح بوابة الروح، ويحدث الامتزاج والانسجام، هي تفهمُكَ من نظرة، كما تقرؤها ككتابٍ مفتوح أمام عينَيْك، لا طلاسم بعد اليوم، ستتلاشى اللغة التي نعرفها، ويتلاشى الزمان والمكان، ردود أفعالك ومواقفُ لك تدعمها فيها بحضورك، لغة من نوع آخر!
ولحظات أخرى له تحترمين رأيه وترضينه، يراقبك فتقرُّ عينه ويفرح، لغة من نوع آخر!
تلك السكينة بينكما والصحيفة بين يديك؛ لأن جوارها راحة لنفسك، وكيف لا ترتاح وهي منك وأنت منها؟!
وتلك الأُلفة التي ﻻ تحتاج إلى الكلام الكثير، والثرثرة المتكلفة ليترجماها؛ فالقلب بجوار القلب؛ لأن التعارف قد تمَّ بحق، وانسكبت روحك في دمها، والعكس بالعكس، {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم: 211]، هو ليس خرسًا زوجيًّا، بل هو الهدوء، أَوَ لَيْسَ السكنُ هدوءًا؟!
وإن غابت المواقف، وغاب معها الكلام في بيتٍ تحتاج فيه الأنثى لمن يُسمعها كلامًا حلوًا، فهنا دقَّ ناقوس الخطر، قد يكون الكلام غيرَ مهم لك؛ لأنك لا تحتاجه، لكنها تحتاجه، فلا تبخلْ عليها بكلمات بسيطة، خصِّص لها من وقتك ساعة، أو حتى نصف ساعة، تُخبرها فيها عن أي شيء.
ولكن دعونا نناقش أسبابَ الصمت في تلك الحالات التي يغيب فيها الكلام، وتغيب أيضًا المواقف الحلوة، واللغاتُ الأخرى:
• قد يكون سبب الصمت ظنَّ بعضِ الأزواج أن ملاطفة الزوجة، والحديث معها، وملاعبتَها - يعد انتقاصًا لرجولته، أو سقوطًا لهيبته، وهذا مخالف لهَدْي نبيِّنا صلى الله عليه وآله وسلم، الذي كان يُداعِب أزواجه، ويُضاحِكُهن، ويُلاطِفُهن، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "كلُّ ما يلهو به الرجل المسلم باطلٌ إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهنَّ من الحق" رواه الترمذي (1637)
• أو ربما لوجودِ فارقٍ عمريٍّ كبير بينهما؛ هي من جيل وهو من جيل، اختلفت التنشئة والبيئة والظروف، فاختلف الفكر، واختلفت الشخصيتان؛ لهذا لا بد من احتواءِ الزوج لزوجته، والاجتهاد لكي يقيم جسرًا فكريًّا بينهما ويتم التواصل، أو ربما بسبب التكبُّر والتعالي من أحد الزوجين على الآخر؛ لأنه أكثر تعليمًا، أو أكثر ثقافة، أو يُجيد لغةً ما، أو حتى لوجود فارق اجتماعيٍّ بينهما، فينظر إليه بازدراءٍ فيضطر الطرفُ الآخر - الأقل - للانصرافِ عنه؛ تفاديًا لتلك الطريقة المنفِّرة، أو قد يفهمُ بعض الرجال مفهومَ القوامة على غير وجهِه الصحيح، فيظن أن القوامة تعالٍ على الزوجة، ووضعُ الحواجز بينه وبينها!
وكيف هذا وقد قال ربُّنا عز وجل في كتابه: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي"
انعدام الكفاءة سببٌ، الشعورُ بالإحباط واليأس لوجود ظلمٍ مستمرٍّ سببٌ، سوءُ خُلُق أحد الطرفين سببٌ، الملل والرتابة بالبيت سببٌ، الهمُّ سبب، المرض سبب، موقف واحدٌ تخذل شريك حياتك فيه وتُظهِره بمظهرٍ غيرِ لائق أمام الأهل أو الأقارب قد يكون سببًا!
ولا بد من طرح الحلول، والبحث عما يضمد الجروح، والسعي لتصفية النفوس، المهم ألا تيأس طالما تحب زوجتك، وطالما تحبين زوجك، وأما عن الحلول:
1- تجنبوا الجدال عند الغضب:
قال أبو الأسود الدؤلي ناصحًا زوجته:
خذي العفوَ مني تستديمي مودَّتي ولا تنطقي في سَوْرتي حين أغضبُ
والسَّوْرة هي الغضب الشديد، فلا يخاطب أحدُكما الآخر ويجادله وهو غضبان، اصبِرَا بعضكما على بعض، فالصبر جميلٌ.
وكان الشيخ علي الطنطاوي يقول لزوجته: "إذا وجدتِني غاضبًا، فلا تقولي أي شيء، حتى إذا مرَّت ساعة، وآنستِ مني الهدوء والنسيان، قولي ما شئتِ، وسوف أسمع لقولك، والفرق بينهما أنك في الحالة الأولى كمَن يصبُّ البنزين على النار، وأما في الثانية، فأنت بلسمٌ وشفاء، وأنت ناصح أمين، يأمر بالمعروف وينهَى عن المنكر".
2- ليشارِك بعضكما بعضًا في الاهتمامات والهوايات:
إن كان زوجُكِ يحب متابعة الأخبار، فاجلسي بجواره، وأنصتي، وأظهري اهتمامك بما يتابعه بعد أن ينتهي، إن كانتْ زوجتُكَ تحب القراءة، فاسألها عما تقرأ، أخبِرْها عن خطبة الجمعة، حدِّثيه عن ذكرياتِكِ ودَعِيه يخبرك عنها، أنصِتا معًا لشيء ما، اخرُجا معًا لأي مكان، تناولا طعامكما معًا، استمتِعا بقهوتكما معًا.
3- ابتَعِدا عن الانتقاد المباشر:
ليس هناك داعٍ لجرحِ الكرامة، أو لتبادل الاتهامات بالتقصير، أو الدق على رأس المشكلة مباشرة والإشارة للصمت وقلة الكلام، بل حاوِلَا حلَّ المشكلة من بعيد، بطريقة غير مباشرة، فأنتَ تستطيع استفزازَ الطرف الآخر ليتحدث معك بذكاءٍ ولطفٍ، ونصفُ الحل في الإنصات.
4- ثقافة الاعتذار:
أحيانًا نخطئ فنجرحُ دون أن نلتَفِت، فمن الجميل عقدُ جلسة ودِّية من آنٍ لآخر؛ لتصفية أي خلافات؛ "أنا آسف عن أي شيء جرحتُكِ فيه"، جملةٌ تريح النفس، قد يبوح لك الطرف الآخر بما آلَمَه وأوجعه، فأنصِتْ باهتمام، وإن لم تقصد فاعتذر، نعم اعتذرْ، حتى وإن لم تكن تعلم أن هذا الأمر أزعجه، الاعتذار بين الزوجين ليس انتقاصًا للكرامة، بل هو أمرٌ يزيد من تماسُكِ الأسرة، ويعزِّز الترابط بين الزوجين، وعندما تصفو النفوس يحلو الكلام.
5- تصرَّفي مع زوجك كمذيعة:
كوني أنتِ البادئةَ بالحديث معه بلباقة، فالزوج أحيانًا تكون لديه مشاغلُ وهموم قد تشغله عن الحديث، أرأيتِ كيف تتعامل المذيعة مع ضيفِها؟! ابتسامة، وأناقة، وأسلوب عذب، فتدفعه للكلام والتعبير عن النفس، ولا تنتقديه بصورة مباشرة؛ حتى لا يتعلل بهذا ويمتنع عن الحديث معك.
6- عاملها كطفلتِك:
دلِّل زوجتك، وعاملها أحيانًا كابنتك، اهتمَّ بها كما تهتم بطفلة صغيرة، الدلال من حق الزوجة، اترُكْها تتحدَّث على سجيَّتِها، أنصِتْ إليها ولو تحدَّثتْ عن أمرٍ تافه، اجعلها تشعر أنها أميرتُك وأنك متيَّم بها.
7- كن خفيف الروح:
ابتسم يا أخي، أَدْخِلي يا أختي على أهلِ بيتك الفرحة، زيِّني بيتك بروحك الحلوة، حاوِلا معًا إضفاءَ جوٍّ من البهجة والمرح داخل البيت؛ صوتُ الضحك، المفاجآت، الحفلات البسيطة بلا سبب، والهدايا على غفلةٍ، تلك الكروت الحلوة، والخطابات التي تُخبَّأ تحت الوسادة أو على الطاولة، تعني الكثير، والوجه الباسم يعني أكثر، وكلمة "أحبك" اختصرت كلَّ المسافات، فردِّدوها لكي تصلوا بسرعة.
منارة حب
الحب هو أﻻ تتركها صامتةً فتعاني، ولا تتركيه لصمتِه فيتغرَّب، وأن تراها عندما تغيب عنك بقلبك وتَرَيْه، وترحمَها وإن لم تشتكِ إليك وترحميه، وتشعر بآلامها وتُبكيك أوجاعه، ويخفُق قلبُك في صدرها، وتجُول روحها في نفسك.