السبت 21 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 23 نوفمبر 2024 م
مقياس النجاح الحقيقي
الاثنين 21 ربيع الآخر 1439 هـ الموافق 8 يناير 2018 م
عدد الزيارات : 5226

 

مقياس النجاح الحقيقي
 

لو أننا عَرَفنا أنفسنا جيدًا، وحرَصنا على أن نتصوَّر أنفسنا دائمًا في موضعِ الذين نتعامل معهم، وقدَّرْنا ظروفَهم، لكَسَبْنا قلوبَ الكثيرين، وذلَّلنا كثيرًا من المشاكل، ولما بقيت انفعالات الناس النفسيَّة كتابًا مغلقًا علينا.

والكفاية في العمل - إذا اقتَرَنَت بالقدرة على التعامل مع الناس ومسايرتهم - تُحقِّق لك حتمًا النجاحَ المرغوب في عملك، ثم إنَّ هناك طرقًا عمليةً عديدةً يستطيع بها الرجال والنساء أنْ ينفعوا المجتمع الذي يعيشون فيه بالخدمة العامَّة، والتزام الخُلُق الفاضل، وتنشئة الجيل الجديد تنشئةً طيبةً فاضلةً.

إننا لسنا في حاجةٍ إلى تنشئةِ جيلٍ خيالي مثالي، ولكنا في أشدِّ الحاجة لتنشئة جيلٍ من الرجال والنساء ليسوا أرقَّاء لغرائزهم البهيميَّة، تسيِّرهم وتوجِّههم في سلوكهم مع الناس.

نعم، إنَّ الحياة تُعلِّمنا الكثير عن وسائل التعامل مع الناس، ولكن مدرسة الحياة قاسية، ولو اعتمدنا على تجارِبنا وحدها، فإننا قد نصل إلى نتيجة في النهاية، ولكن بعد أن نكون قد فَقَدْنا الكثير من الفُرص، والكثير من الأصدقاء، ودفعنا الثمن غاليًا من سلامنا الداخليِّ.

إنَّ مقياس النجاح الحقيقي للمرء، ليس فيما يبلغه دَخْله مِن عمله، أو مقدار رصيدِه في المصارف، وما يملك من عقارات وعمارات؛ لأنَّ عنصر التوفيق يلعب دورًا مهمًّا في كسب المال، كما أنه قد يكون على حساب الشَّرَف والكرامة والأخلاق، ولكن مقاييس النجاح تتوقَّف على مدى استغلالِ المرء لمواهبه، ومدى إفادته من الفُرَص، وتغلُّبه على ما يصادفه من متاعبَ وعقباتٍ.

إنَّ كثيرًا من رجال الأعمال الذين تحسُدهم وتَعجَبُ لما أحرزوه مِن تقدُّم ونجاح في أعمالهم - أشقياء فعلًا، وأبعدُ ما يكونون عن السعادة وسلامة النفس؛ لأنهم ركَّزوا كلَّ جهودهم واختَصوا بكلِّ أوقاتهم ناحيةً واحدةً، وتركوا النواحي الأخرى.

يُعلِّق على ذلك دايل كارنيجي في كتابه (كيف تكسب الثروة والنجاح) فيقول: إنَّ مثل هؤلاء مثل دينامو تشابَكَت الأسلاك المتصلة به، فلم يعد إنتاجه الوافر من الكهرباء يضيء سوى مصباح واحد، فهُم يُحسِّون بمرارة الحرمان والخيبة في نواحي الحياة المهمَّة الأخرى.

وعلى النقيض من ذلك، يندر أنْ تجد شخصًا نجح نجاحًا كبيرًا في حياته؛ كزوج أو والد أو إنسان، قد فشل فشلًا ذريعًا في جميع ميادين الحياة الأخرى، والسبب في ذلك أنَّ النجاح في هذه النواحي يستلزم كثيرًا من الصفات التي تعزِّز النجاح في ميادين العمل؛ فالشخص الذي ينجح في حياته الزوجية، لا بد أنه قد نجح في تنمية شخصيَّته، وفهم نفسه، وعَرَف كيف يتحكَّم فيها، وهو حريٌّ أنْ ينجح كوالد، وما لم تعاكسه الظروف يغلب أن ينجح كإنسان.

ولكي نعيش كما ينبغي، لا يكفي أنْ نعيش لأنفسنا؛ وإنما يجب أن نعيش في انسجام مع البشرية التي نحن  منها، فلو أنَّ الإنسان كان جسمًا فحسب، لكفانا من الحياة الناجحة المحافظةُ على ذلك الجسم وإمتاعُه، بغَضِّ النظر عمَّن يعيشون معنا وحولنا، ولو كان جسمًا وعقلًا فحسب، لكانت الحياة الناجحة هي العنايةَ بهما، ومراعاةَ الانسجام بينهما، بغضِّ النظر عن جميع الاعتبارات الأخرى، ولو كان جسمًا وعقلًا ورُوحًا فحسب، لما استلزمت منا الحياة الناجحة سوى المحافظة على سلامة الجسم والعقل والروح؛ ولكن الإنسان شيء أكبرُ من هذا.

وأول ما نفعله في هذا الصدد أنْ نوفِّر الانسجام بين الجسم والعقل والروح، ونوزِّع اهتمامنا بها ورعايتنا لها بالعدل والقسطاس؛ فإنَّ إهمال إحدى هذه القوى الثلاث أو كَبْتَها سيؤدِّي إلى صراعٍ نفسيٍّ يظهر بصورٍ شتى؛ فالذين يهملون الجانب الرُّوحيَّ كي يوزِّعوا كلَّ جهودهم على الناحيتين الجسميَّة والذهنية، يحسون بشقاءٍ داخليٍّ، ونوبات من عدم الرضا، يَعجِزون عن فَهم أسبابها، والذين يهملون تغذيةَ عقولهم، تنحرف طاقتُهم الذهنية إلى سُبُل الشرِّ، وإذا أهملوا حقَّ أبدانهم عليهم، انتقمت منهم أبدانُهم بمئات الصور المَرَضيَّة المعروفة.

ولكي نظفر بالنجاح المرغوب في حياتنا العملية، علينا أن نسعى أولًا للتمكُّن من جميع نواحي العمل الذي نقوم به، وما لم نعرف كيف نعامل الناس، فإنَّ المهارة الفنيَّة وحدها لن تحقِّق ما نصبو إليه، إلا في نواحي العمل الروتينيِّ، فسواء كنا نشغل وظيفةً كبيرةً أم صغيرةً، فإننا نقضي أكثر أوقات عملنا في الاتصال بالناس، وكلما أرضيناهم ونجحنا في اكتساب قلوبِ أكبرِ عدد منهم، زاد احتمالُ نجاحنا في عملنا وحبنا له.