الثلاثاء 1 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 3 ديسمبر 2024 م
الشعور بالوحدة عند الأطفال وعلاقاتهم فيما بينهم
الاثنين 21 ربيع الآخر 1439 هـ الموافق 8 يناير 2018 م
عدد الزيارات : 22071

 

الشعور بالوحدة عند الأطفال وعلاقاتهم فيما بينهم


الاستشارة
تعاني ابنتي في المدرسة من تصرفات زميلاتها في الصف تجاهها، وهي تشعر بالوحدة، وتشتكي منهن باستمرار، وقد باتت تشعر بالظلم وأنها منبوذة، كيف أتعامل مع شكوى ابنتي؟ هل أحثها على مواجهتهن والرد عليهن بالمثل، أم أشجعها على التقرب منهن ومقابلة الإساءة بالصبر.


الجواب:
عزيزتي، اسمحي لي أن أقول إنني لا أوافق على الكثير مما ورد في السؤال عن ابنتك، فمن الصعب القول إن الصغيرة تشعر أنها "منبوذة"، لأننا بهذا نعزز عندها هذه الصفات، ونوجهها، ولو دون قصد منا، للوصول لهذه الحال التي نخشاها.
وكيف نقول إن "تصرفات جميع زميلاتها في الصف، تشعرها بالظلم وتدفعها للتشكي منهن..."؟
هل تعلمين أيتها الأم الفاضلة أننا نحصّل من أطفالنا ما نتوقعه منهم، فإن توقعنا السعادة والنجاح، فسيصلون للسعادة والنجاح، وإن توقعنا غير ذلك فهذا ما سنحصله في نهاية المطاف.
حاولي في الأسابيع القادمة أن تري، وتعززي، وتشجعي أي خطوة إيجابية في الطريق الصحيح، مهما كانت صغيرة، فإذا لعبت ابنتك مع صديقة أو طفلة أخرى، ولو لدقائق، فعززي عندها هذا، وأبدي سعادتك بهذا السلوك، وما هو إلا وقت قصير حتى تري الطفلة تنسجم وتضحك، وتلعب مع الأطفال الآخرين.

وكل الذي عليك كأم وكمربية هو أن تعملي على إتاحة الفرص الطبيعية لالتقاء ابنتك مع الأطفال الآخرين في جوّ آمن ومريح، ولا تخشي على الأطفال، فالله تعالى قد وضع فيهم قدرة عالية على التكيّف مع الأطفال الآخرين ومع الحياة بشكل عام، إلا أننا نحن الكبار نضع أحياناً أمامهم الموانع والعقبات المادية أو المعنوية ونخيفهم، مما يجعلهم يترددون ويشكُّون في إمكاناتهم وفطرتهم السليمة، والرسول الكريم يقول: "كل مولود يولد على الفطرة..."
أرجو ألا تُظهري الانزعاج من الوضع الحاصل ولا تجهدي نفسك بحمايتها أكثر من اللازم، وشجعيها بطريقة مباشرة وغير مباشرة، فإنا نبحث عن فتيات مؤدبات وسوف نجد بلا شك.

لا تتصرفي نيابة عنها ولا مانع من توجيهها وتشجيعها، ومن الممكن أن تعطيها شيئاً من الحلوى أو بعض الأشياء الجميلة وتطلبي منها إعطاء بعض البنات المؤدبات، ثم رددي عندها مع والدها: "فلانة تحسنت وأنا متأكدة أنه سوف يكون لها صديقات صالحات"، ثم حاولي ربطها ببعض زميلاتها خارج وقت المدرسة، فقد تكون بعضهن من بنات الجيران، وفي هذه الحالة يُفضل أن تذهبي معها حتى يحصل التعارف ثم التآلف.

أما بالنسبة للتعامل مع المستهزئات أو المعتديات فأرجو أن توجهيها إلى رفع الأمر إلى الجهة المختصة في المدرسة حتى تتعلم احترام الضوابط والقوانين، وذكريها بالعفو قبل ذلك وبعده.
أما الدفاع عن النفس فينبغي أن تخصصي له وقتاً خاصاً آخر غير الوقت الذي تشكو فيه من زميلاتها، مع ضرورة التحقق من حقيقة ما يحصل، لأن بعض الأطفال يحاولون لفت نظر الأسرة بمثل هذه الأمور وقد يكررونها طمعاً في الفوز باهتمام الأسرة ولذلك أدعوكم إلى الاهتمام بها أكثر.

ولا يخفى عليك أن بعض الشجار مفيد، وهو من طبيعة الأطفال في هذه السّن وسوف تأخذ الأمور وضعها الصحيح بحول الله وقوته، وأشعريها بأنها كبيرة وعاقلة وذكية وأنها تجيد التصرف.

احرصي على زياراتك للمدرسة واستثمريها في التعرف على بعض البنات والجلوس معها في الصف لبعض الوقت حتى تساعديها في اختيار بعض الصديقات، وهذا بلا شك أفضل من كثرة الشكوى لإدارة المدرسة خاصة مع عدم تفهمهم لوضع البنت.
وإذا كانت ذكية ومحبوبة لدى معلماتها فهذا فيه دافع كبير، وقد يجلب لها بعض الغيرة من زميلاتها، ولكن عليها أن تحسن التعامل مع المؤدبات وتتواضع لهن.

وأكرر لك التوجيه بعدم إظهار الحزن والانزعاج، وأدعوك لوضع الأمور في إطارها المقبول، وبيّني لها أن قوة الإنسان ليست في عدوانه، وإنما في صبره وقهره لنفسه، وذكريها بأن الناس سخروا حتى من الرسل، فما تضرر الأخيار، ولكن الضرر لحق بالأشرار.
ووصيتي الأخيرة لك، بتقوى الله وكثرة اللجوء إليه..