نتج عن رفض الموارنة الوجود الفلسطيني في لبنان والذي أرسى أسسه اتفاق القاهرة عام 1969حالة من الانقسام في المجتمع تطورت إلى حرب أهلية بين المسيحيين ورئيس الجمهورية من جهة وبين الفسلطينيين والحركات الوطنية اللبنانية من جهة، أدى إلى انقسام بيروت إلى شرقية مسيحية وغربية مسلمة، واشتعلت حرب استمرت 16 سنة، تجمع مسلمو لبنان والفلسطينيون تحت منظمة التحرير والحركة الوطنية و جيش لبنان العربي، وشكل هؤلاء تحالفاً ضد الكتائب المارونية والجيش اللبناني، وسيطر جيش لبنان العربي بقيادة الملازم أول المنشق أحمد الخطيب مع باقي القوى الوطنية والسنية على أكثر من 70% من لبنان في أبريل 1976م.
اقترتب الميليشيات المارونية من الهزيمة، فسارع الرئيس سليمان فرنجية بطلب إلى حافظ الأسد للتدخل بحجة أن ميناء لبنان سيغلق وهو مصدر أساسي للمنتجات الواردة إلى سوريا. ( في ظل موافقة غربية وإسرائيلية ) وردت سوريا بإنهاء دعمها لجبهة الرفض الفلسطينية وبدأت دعم الحكومة ذات الأغلبية المارونية. الأمر الذي جعل سوريا في نفس صف إسرائيل والغرب، الذين دعموا الميليشيات المارونية بالسلاح والدبابات والمستشارين العسكريين.
مجزرة تل الزعتر (1976):
مخيم فلسطيني، يضم عشرات الآلاف من الفلسطينيين، يقع شمال شرق العاصمة اللبنانية بيروت، عجزت الكتائب المسيحية المحاصرة للمخيم عن اقتحامه خلال الحرب الأهلية، حتى جاء التدخل والدعم من الجيش السوري.
خمسون يوماً من الحصار، و55,000 قذيفة صاروخية أمطرت المخيم والتجمعين المجاورين له، جاع وعطش سكانه بأبنائهم ونسائهم، حتى أكلوا الكلاب والقطط، وطالبوا بفتوى تبيح لهم أكل جثث الشهداء، كل ذلك بالشراكة بين الكتائب المسيحية والجيش الأسدي بدعم صهيوني.
ثم سقط مخيم تل الزعتر في 14-8-1976، بعد أن كان قلعةً حصينة أنهكها حصار استمر خمسين يوماً تقريباً. ودخلته الكتائب اللبنانية تحت غطاء حليفها الجيش السوري، وارتكبت فيه أفظع الجرائم، قاموا بعدة كمائن ونادوا على المحاصرين بالخروج وأعدموهم رمياً بالرصاص ثم اقتحموا المخيم وتسابقوا في هتك الأعراض، وبقر بطون الحوامل وذبح الأطفال والنساء والشيوخ وهدم البيوت وسلب الأموال! وشملت فظاعاتهم هذه مخيم تل الزعتر وتجمعي "جسر الباشا " و "الكارنتينا " المجاورين للمخيم، ووصل عدد قتلى مخيم تل الزعتر إلى 3000 شخص.13
وفي ذلك كتب أحد الشعراء:
“.. والآن تكفِّنُهُ عيني .. فدعوني آكلُ من ابني .. كي أنقذَ عمري .. ماذا آكل من ابني ؟!! من أين سأبدأ ؟!
لن أقربَ أبداً من عينيه .. عيناهُ الحدُ الفاصل .. بين زمانٍ يعرفني .. وزمانٍ آخر ينكرني..
لن أقرُبَ أبداً من قدميه .. قدماهُ نهايةُ ترحالي .. في وطنٍ عشتُ أطاردُهُ .. وزمانٍ عاشَ يطاردني..
ماذا آكلُ من ابني ؟! يا زمنَ العار .. تبيعُ الأرض، تبيعُ العرض .. وتسجدُ جهراً للدولار..
لن آكل شيئاً من ابني يا زمنَ العار .. سأظلُّ أقاومُ هذا العفن .. لآخرَ نبضٍ في عمري .. سأموتُ الآن .. لينبُتَ مليون وليد.. وسطَ الأكفان على قبري .. وسأرسم في كل صباح .. وطناً مذبوحاً في صدري.. ”
مجزرة صبرا وشاتيلا الأولى (1982) :
خلال الحرب الأهلية اللبنانية اجتاحت إسرائيل لبنان مرتين لمسح الوجود الفلسطيني من لبنان، وكان الاجتياح الثاني عام 1982، إذ قام شارون – وزير الدفاع الإسرائيلي – بنقل 200 مقاتل من ميليشيا القوات اللبنانية بقيادة إيلي حبيقة لاقتحام مخيمي صبرا وشاتيلا، وكان دور إسرائيل حصار المخيمين وتأمين الرؤية طوال الليل عبر القنابل المضيئة، فيما تكفلت القوات اللبنانية باقتحام المخيمين وقتل مايقارب من 3,500 فلسطيني.
الجدير بالذكر هنا أنه بعد ذلك كان إيلي حبيقة على قوائم حزب الله في الانتخابات البرلمانية وعين عدة مرات فيما بعد كوزير يمثل التيار الموالي لسوريا في مجلس الوزراء، والذي اغتيل في يوم 24 يناير 2002 عن طريق سيارة مفخخة عندما قرر الذهاب إلى محكمة العدل الدولية في هولندا للإدلاء بشهادته حول الحرب الأهلية ودور إسرائيل.14
وفي النتيجة .. أنقذ تدخل الجيش السوري الكتائب المارونية من هزيمة محققة، كما حجم دور منظمة التحرير الفلسطينية والقوى الوطنية من أهل السنة، إذ جرى على قدم وساق محاربة التحالف من القوى الوطنية والإسلامية، و تم توجيه أوامر للضباط الشيعة بالتخلي عن الجيش العربي بقيادة أحمد الخطيب، كما تخلت حركة أمل عن الحركة الوطنية، واعتقلت القوات السورية عدداً من الضباط والقادة للحركات الوطنية والفلسطينية، و تم تأمين حدود إسرائيل الشمالية، حيث صفيت المقاومة الفلسطينية عبر عدة مجازر قامت بها الميليشيات المسيحية ( والشيعية لاحقاً ) بمساندة النظام السوري، إضافة لغزو إسرائيل للبنان مرتين خلال الحرب الأهلية.
واستطاع نظام الأسد عبر تواجده في لبنان جعل لبنان حديقة خلفية لنظام الأسد ومخابراته، إذ شهدت فترة تواجده قمعاً للحريات وإرهاباً واعتقالاً وتعذيباً دون أي رقيب، وكان المتحكم بالدولة والمجتمع.
بوكس:"رئيس وزراء العدو الصهيوني إسحق رابين: إن إسرائيل لا تجد سبباً يدعوها لمنع الجيش السوري من التوغل في لبنان، فهذا الجيش يهاجم الفلسطينيين.. ويجب علينا ألا نزعج القوات السورية أثناء قتالها للفلسطينيين، فهي تقوم بمهمة لا تخفي نتائجها الحسنة بالنسبة لنا" 17
________________________________
13 كتاب (الصراع العربي الإسرائيلي) لمحمد عبد الغني النواوي ـ جريدة السفير(تل الزعتر الرواية غير المحكية)، وكالة معا الإخبارية، موقع شباب الشرق الأوسط: مجزرة تل الزعتر..من صفحات الحرب الأهلية اللبنانية، موقع قصة الإسلام، موقع التاريخ. كتاب (أمل والمخيمات الفلسطينية)
14 موقع التاريخ ، موقع قصة الإسلام. "مجزرة صبرا وشاتيلا" ، مركز المعلومات الوطني الفلسطيني. "شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا 1982". وصل لهذا المسار في 14 يناير 2014.
17 (الصراع العربي الإسرائيلي: ص 478 وما بعدها).