الاثنين 4 ربيع الآخر 1446 هـ الموافق 7 أكتوبر 2024 م
على الفصائل أن تتعظ من درس حلب وتعيّن كيانات موحدة لإدارة المناطق المحررة
الاثنين 14 جمادى الآخر 1438 هـ الموافق 13 مارس 2017 م
عدد الزيارات : 2581

 

القيادي صهيب درباس:
على الفصائل أن تتعظ من درس حلب وتعيّن كيانات موحدة لإدارة المناطق المحررة

لعل من أسوأ التجارب التي قد يعيشها إنسان ما هي تجربة الحصار مصحوباً بقصف جوي لا يرحم، ولا يفرق بين كبير ولا صغير، ومن ثم الإخراج من البلد، تماما كما حدث في حمص وداريا وغيرهما.. ثم في حلب مؤخرا.
ما حل في حلب كان كارثة بكل ما تعنيه الكلمة، وكان أكبر انتكاسة تُمنى بها الثورة السورية، خاض هذه التجربة الأليمة عشرات الآلاف من أهالي الشهباء المنكوبة، ولدى كل فرد منهم روايات تشيب لهولها الولدان، ودروس لم يتعلمها الطاعنون في السن في أماكن أخرى من هذا العالم.
وفي سبيل إلقاء الضوء على شيء من هذه التجربة الأليمة، التقت مجلة (نور الشام) أحد الذين عايشوا أحداث حصار المدينة ومن ثم سقوطها تحت الاحتلال الروسي المجرم، وهو صهيب درباس المسؤول العسكري العام لمدينة حلب لجيش الإسلام، الذي تحدث عن أوضاع حلب في أواخر أيامها، وملابسات السقوط وأسبابه، إضافة إلى الدروس المستقاة من هذه التجربة الأليمة، مع الحديث عن جوانب عديدة ذات علاقة بالموضوع.. فإلى الحوار:

- صف لنا وضع حلب المحاصرة في الأيام الأخيرة من سقوطها.. كيف كان وضع ومشاعر المجاهدين والمدنيين؟

- كانت الأيام الأخيرة من سقوط مدينة حلب أياما عصيبة جداً، الخوف بدأ يظهر على المدنيين، والتعب والإرهاق بدءا يظهران على المجاهدين، والقصف كان عنيفا جداً، القتلى والجرحى أمامك ولا يمكن أن تفعل لهم أي شيء بسبب توقف المشافي وفقدان المواد الطبية، الناس تحت الأنقاض وهم أحياء ونسمع أصواتهم ولا أحد يستطيع إخراجهم لتوقف عمل الدفاع المدني بسبب استهداف كل مراكزهم وفقدان معظم آلاتهم والقصف الشديد الذي منع الحركة والوصول للمناطق المستهدفة.
أضف إلى ذلك فقدان كل مقومات الحياة من ماء وكهرباء وتدفئة وطعام ودواء وحليب الأطفال.

- ما الآلية التي اتبعتها روسيا وحلفاؤها في احتلال حلب؟

- اتبعت روسيا وحلفاؤها سياسة الأرض المحروقة؛ فبدأت بقصف الجبهات بمعظم أنواع الأسلحة - ومنها المحرم دولياً - وضغطت على المجاهدين بقصف عائلاتهم "المدنيين" في الأحياء المكتظة سكنياً، ودمرت كل البنى التحتية والمراكز الحيوية، فقصفت المشافي والأفران ومستودعات الطعام ومحطات المياه والكهرباء ومراكز الدفاع المدني.
كل هذه الأمور تم استخدامها، وتبعها البث الإعلامي والضغط المعنوي على المجاهدين والمدنيين داخل حلب المحاصرة.


- هل صحيح ما يقال من أن انسحاب كثير من المقاتلين في حلب والتحاقهم بـ "درع الفرات" كان له أكبر الأثر في سقوط المدينة؟

- غير صحيح، حلب لم تكن بحاجة مزيد من المقاتلين، ولكنها كانت بحاجة الصادقين، هناك أعداد كبيرة من المقاتلين كانت متوافرة لدى الفصائل، ولكن لم يكن هناك صدق، وعاشت هذه الفصائل بوهم كبير، وفي النهاية اكتشفنا أنها فصائل كانت تصرّح بأعداد وهمية، ومقاتلوها مرتزقة.
فحلب كانت بحاجة للصادقين وليست بحاجة الأعداد الكبيرة لأن هذا كان من أهم عوامل السقوط.

- بعد موافقة الفصائل على الخروج من حلب مع الأهالي، ومع بدء التنفيذ تمت عرقلة الخروج أكثر من مرة.. لماذا؟

- أسباب عرقلة خروج المقاتلين والأهالي كان بسبب الخلاف الروسي والإيراني على الأرض واختلاف الهدف العسكري والسياسي لكل منهما، أضف إلى ذلك تصرفات بعض الفصائل التي أثرت على هذا الموضوع، فعلى سبيل المثال: حرق باصات كفريا والفوعة أثناء خروج النساء والأطفال من حلب المحاصرة أدى إلى توقف المفاوضات ومن ثم عودتها لاحقا.


- أين توزع المهجرون؟ وكيف هي أحوالهم الآن؟

- أغلب المهجرين توزعوا على الحدود السورية التركية، ومنهم من لجأ إلى المخيمات، ومنهم من يقيمون في سكن جماعي، وهناك قسم توزع بالريف الغربي لحلب وريف إدلب.
وبشكل عام: كل المهجّرين خرجوا وليس معهم أي أغراض شخصية أو منزلية، والكل بدأ يعيد بناء عائلته من جديد.

- برأيك: ما الذي أجبر روسيا – رغم أنها في حالة انتصار – على الرضوخ لخروج المجاهدين والمدنيين من المدينة ولم تسمح للنظام وعصاباته بالفتك بالناس؟

- الذي أجبر روسيا على إخراج المجاهدين والمدنيين هو كسب الضغط السياسي على المعارضة وحلفائها، وإنهاء مشروع إيران بالمنطقة، وألا يكون لها يد في سوريا في الأيام المقبلة، والسبب الرئيسي هو نية روسيا إنهاء الحرب وظهورها بمظهر المنتصر بعد سنة من قتالها في سوريا، الأمر الذي أثر سلبا على اقتصادها نتيجة خسائرها المادية الهائلة إضافة لخسائرها البشرية.

- كيف هي أوضاع أهالي حلب في بقية أحياء المدينة؟

- الوضع الحالي في أحياء حلب يفتقر للأمن والاستقرار، فالسرقة والنهب منتشران بشكل واسع من قبل الميليشيات التابعة للنظام، وهناك حالة ترهيب وتخويف للناس، وحملات اعتقال يومية، وعمليات توطين أسر شيعية في مناطق المهجرين.

- ما العوامل التي ترى أنها لو توافرت لما سقطت حلب؟

- هناك عوامل كثيرة لو كانت متوافرة لما سقطت حلب – والله أعلم- أهمها: الصدق والإخلاص، ولو تحقق هذا الأمران لتوحدت الفصائل وأنقذت الساحة.
وأيضاً هناك عوامل عسكرية مثل: التحصين، وتنظيم نقاط الرباط، وتجهيز خطوط الدفاع، وإعداد المقاتلين، ووضع آلية محاسبة للمقصرين.
كل هذه الأمور كان عدم وجودها من أهم عوامل السقوط

- حينما اشتدت الحملة الهمجية على حلب سمعنا عن توحّد الفصائل.. أين هذا التوحد؟ هل كان حقيقيا؟

- لم يكن توحدا حقيقياً، بل صورياً؛ لأن أغلب الفصائل -صاحبة الإمكانيات القليلة- لم يكن لها دور في التوحد، بل هي كانت تنفيذية فقط.. أقصد أنها كانت تُستنزف، وتسد الثغور، وتدافع بشراسة، ولم تتدخل في تقسيم الكعكة في غرف العمليات.
أما الفصائل - صاحبة الإمكانيات الكبيرة – فقد كان لها الدور التنظيري، وانصبت معظم جهودها في كيفية حل الفصيل الآخر، وفي التدخل بالشؤون المدنية رغم عدم الفهم بها.
طبعاً: لا أتحدث عن كل الفصائل، لدينا مجاهدين صادقين في مختلف الفصائل كانوا – وما زالوا - من أفضل المقاتلين على مستوى سوريا.

- ما الدروس التي نتعلمها من قصة حلب: من بداية التحرير وحتى الخروج؟

- هناك دروس عديدة اكتسبناها من تجربة حلب أهمها: أنه يجب إنشاء مؤسسة عسكرية ومدنية قوية تحكم المناطق، وتنهي التفرق والتشرذم، كما يجب الاهتمام بإعداد المقاتلين بشكل جيد في النواحي العسكرية والشرعية، وإعداد أشخاص يقودون الأمور المدنية، ويُحاط هذا كله بالإمكانيات الإعلامية والسياسية والاقتصادية وغيرها.
لو كان هناك كيان واحد يحكم في حلب لما سقطت ولم يحصل الذي حصل.
إذن: يجب علينا أن ندرس هذه التجربة، ونعتبر منها في الأيام المقبلة؛ لأن هذه التجربة دفعنا ثمنها دماءً وأعراضاً وأرضا ودينا، ووقتا من حياتنا بذلنا الغالي والنفيس من أجلها.. فمن الخسران المبين أن تذهب هذه التجربة أدراج الرياح.