الجمعة 19 رمضان 1445 هـ الموافق 29 مارس 2024 م
الشيخ محمد محمود الحامد الحموي (1328ه- 1910م / 1389ه- 1969م)
الأحد 23 جمادى الآخر 1436 هـ الموافق 12 أبريل 2015 م
عدد الزيارات : 5660


ولادته ونشأته:
ولد في مدينة حماة سنة 1328هـ 1910 م، لأسرة متديّنة فاضلة، ونشأ يتيمًا  فقيرًا، فقد توفي والده وعمره ستة أعوام، ثم ما لبثت أن توفيت والدته في السنة نفسها.
أنفق عليه أخوه الأكبر بدر الدين  البالغ من العمر خمس عشرة سنة حتى أكمل دراسته الابتدائية سنة 1922 م، ثم اشتغل في محل خياطة نهارًا، وتابع طلب العلم الشرعي في المساجد ليلًا.
تعليمه:
تلقى العلوم الشرعيّة على خاله الشيخ سعيد الجابي، والشيخ محمد سعيد النعساني، وتوفيق الصباغ وغيرهم، ثم التحق بدار العلوم الشرعيّة بحماة سنة 1342ه – 1924م. فكان ذا نبوغ لفَتَ أنظار علمائها، حتّى قال فيه الشيخ أحمد الشّماع: "بحرٌ لا تنزحه الدلاء".
ثم توجّه إلى المدرسة الخسرويّة الشرعيّة بحلب سنة 1346ه- 1928م وكانت تضمّ جماعةً من العلماء أمثال: الشيخ أحمد الزرقا، وأحمد الكردي مفتي الحنفيّة، وعيسى البيانوني، وإبراهيم السلقيني، وراغب الطباخ، ومحمد الناشد.
أخذ الطريقة النقشبنديّة عن الشيخ أبي النصر سليم خلف الحمصي، وسلك طريقة التصوّف.
رحل إلى القاهرة، لإكمال دراسته في الأزهر، ونال العالميّة في العلوم الشرعيّة سنة 1362/1942م وتخصّص في القضاء.
واتصل خلال إقامته في مصر بحسن البنا، وصحبه وتتلمذ عليه في العمل الحركي الدعوي إلى سنة 1364ه- 1944م، وكان رفيق رحلته في مصر الشيخ مصطفى السباعي.

حبّب الله إليه طلب العلم فكان لا يقتصر على الكتب المدرسية المقرّرة بل يُقبل بشغف عظيم على كتب العلم ومعارفها.
دعوته:
عاد من مصر في سن الخامسة والثلاثين، وتزوّج بعدها بفترة يسيرة، وكانت المدّة التي قضاها بعد رجوعه حتّى توفي، هي الفترة الذّهبية في إنتاجه، وكان لها مظاهر ثلاثة:
أولها: ثباته في وجه مظاهر الإلحاد والعلمانية التي خلّفها المستعمر قبل رحيله.
حيث لم يخرج المستعمر حتّى خلَّف من يتابع طريقه في محاربة الإسلام وأهله باسم الفكر، فانتشرت موجات الإلحاد متمثلةً بالمد الاشتراكي بقيادة أكرم الحوراني، الذي اجتذب الأقليات الطائفية التي تتركّز الأرياف، وقلّة من الفاسدين من أبناء المدينة، فعمل على التصدي لها  في جميع الميادين الفكرية والعقدية والفقهية، والأخلاقية والسلوكية، عبر مقالات صحفية ورسائل علمية، وعلى منبر المسجد، وفي قاعات التدريس، وفي المحافل العامة، وغيرها، فدافع عن الإسلام وكشف كثيرًا من الشبهات.
ثانيها: كتاباته في شؤون شتّى، بيانًا  لحكم شرعي، ونصيحة للأمّة، وجلاء للحقيقة.
فكتب عن الاشتراكية، وعن المرأة، وعن المسكرات، وعن الغناء، وكتب دفاعات مختلفة عن الإسلام ومصادره وكشف كثيرًا  من الشبهات.
الثالث: الإسهام في تكوين جيل  مؤمن  واع  مستقيم.
فاستلم مهام التدريس والخطابة في جامع السلطان، كما تسلَّم تدريس التربية الإسلامية في "التجهيز الأولى" والتي تغير اسمها إلى "ثانوية ابن رشد" فمكث فيها حتى تقاعد قبل وفاته بأقل من سنة.
وكان يُعطي مساء درسًا  في جامع السلطان يتناوب بين تفسير القرآن الكريم والفقه والحديث، أو السيرة أو المواعظ والرقائق، وصباح كلّ يوم درسًا  في غرفةٍ في "مسجد الجديد"، يحضره بضعة تلاميذ، فيكون الدرس غنيًّا  بالبحث والتحقيق، واللفتات اللغوية والبلاغية.
كما حمل السلاح في وجه الاستعمار الفرنسي، وكان في مقدّمة المطالبين بالاستقلال والحريّة لبلاده.
صفاته:
كان الشيخ محمد الحامد ذا فكر ثاقب، وعاطفة الجياشة، وتواضع، وحياء وأدب، وورع، وغيرة على دين الله، داعية خير ووئام، يكره الفتن، ويحارب الانحراف، حريصًا  على وحدة المسلمين.
وكان محققًا، شاعرًا،  فصيحًا إذا خطب، عف اللسان، متأدّبًا  مع العلماء، وكان لا يسكت على مخطئ يقول أمامه كلمة بل كان ينصح ويصحّح.
كان يخشى من دعوى الاجتهاد وما يترتّب على ذلك من فوضى في الفتوى؛ فكان متشدّدًا  في الفتوى، لا يفتي إلاّ إذا درس ودارس واطمأنّ.
قال عنه الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله في رحلة صحبه فيها إلى مصر: "وجدته صاحب نكتة، وفي روحه خفّة على القلب، وفي سلوكه أنس للنفس، وأنا أكره المتزمّتين الذين يتكلمون الجدّ دائمًا ، أو يحرصون على (المشيخة) والمشيخة غير العلم، وغير التدريس والتهذيب".
من مؤلفاته:
- نقد كتاب اشتراكية الإسلام للسباعي.
- (ردود على أباطيل) في جزئين وهو مجموعة رسائل، ومقالات، ومجموعة أسئلة فقهيّة وأجوبتها.
- التدارك المعتبر لبعض ما في كتاب القضاء والقدر.
- رسالة حكم الإسلام في الغناء.
- حكم اللحية في الإسلام.
- القول في المسكرات.
- حكم الإسلام في مصافحة المرأة الأجنبية.
- نكاح المتعة حرام في الإسلام.
مرضه ووفاته:
كان لأحداث قصف جامع السلطان  عام (1384هـ-1964م) تأثير كبير على الشيخ محمد الحامد، فبدأ المرض يدبّ في جسمه، وتشمّع كبده، وتفاقَمَ حتى كان يقيء الدم في نوبات حادة، ولمّا اشتد به المرض ذهب إلى لبنان للعلاج وأُجريت له عملية جراحية ثمّ أُعيد إلى حماة فمكث ثلاثة أيام ثمّ فاضت روحه ليلة التاسع عشر من صفر بعد العشاء، وكان ذلك عام 1389هـ الموافق لمساء 5 من أيار 1969م، رحمه الله.