الخميس 10 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 12 ديسمبر 2024 م
إيثار (حُرٍ) يتيم
الأحد 23 جمادى الآخر 1436 هـ الموافق 12 أبريل 2015 م
عدد الزيارات : 2725


حدث في فصل الشتاء البارد أني كنت عائدة مع طفلتي ذات الأربع سنوات للمنزل بسبب توقف الأمطار لهذا اليوم، فالشوراع والطرقات مبتلة تشكو الامتلاء بالمياه المعجونة بالطين..

 


وفجأة !! زلقت قدم طفلتي  لتسقط بجسدها الصغير في بركة طين مشبعة بالأوساخ، فتغطت ثيابها بالسواد، وهي المعروف عنها الاهتمام بنظافتها حتى حازت على جائزة النظافة الشخصية بجهدها الدائم، وماهي ثوانٍ حتى امتصت الصدمة وبدأت  تشكو القذارة التي تعلقت في يديها وثيابها، وأنا أحاول تهدأتها وصرف انتباهها لـأمور أخرى، وبغمرة انشغالنا يظهر بجانبنا ثلاثة أطفال يغطي السواد والتراب وجوههم وثيابهم، أوقفني أحدهم قائلًا :
خالة الله يحفظلك هذه الصغيرة أريد فقط (ليرة)، لم أعره انتباهًا بداية الأمر، لكن فجأة دار في ذهني خاطر،  وقلت له مداعبة :
" ما رأيك أن تبدل ثيابك بثياب ابنتي؟ ونبرة صوتي تدل على أنني أمازحه!
تعجب! ف كررت على مسامعه ما قلت.
ضحك ونظر إلي وكأنه يتأكد أني لا أمازحه، وبدأ بخلع كنزته الرقيقة التي لا يلبس غيرها،
هنا انقلبت اللعبة!
أوقفته وأنا في حالة صدمة، وسألته: أترضى أن تلبس ثياب فتاة ؟!
قال لي وشفتاه ترتجف بردًا وبصره لا يتزحزح عن عينيّ: لا، بل سآخذهم لأختي.
قلت له والحيرة تأكلني: وأنت تبقى بلا ثياب !!
أجابني بصوتٍ مبحوح ضعيف: إلي الله خالة .
بدأت معه بلعبة نويت فيها أن أعلمه أن لا يطلب من الناس شيئا، فأنهى اللعبة معي بدرسٍ ما زلت لليوم أتعلمه من أطفال سوريا.
ودعته بقبلة طبعتها على خده المغطى بالسواد، ووعدته أني سأزوره في معهد القرآن الذي يدرس به وأسلمه بيدي ثيابًا تدفئه هو وأخته (حياة).
هو طفلٌ حُر، عمره 6 سنوات ونصف، سوريٌ من إدلب.