هو أحد أبرز علماء السنة في سوريا، اعتبره الكثيرون أنه صاحب أكبر نهضة علمية في بلاد الشام.
تعريفه ومولده:
هو الشيخ محمد علي بن عبد الغني الدقر، الحسيني الدمشقي. ولد في دمشق عام 1294 هـ الموافق 1877م، لأسرة دمشقية عريقة، معروفة بالصلاح والإحسان، كان والده تاجرًا، ومن أكرم الناس، وأوسعهم جودًا. وورث الشيخ عن والده هذه الخصال.
كان الشيخ علي جميل الصورة، أبيض، أزرق العينين، حلو التقاسيم، له لحية بيضاء كبيرة تزيده جمالاً، وكان يتخذ العمامة التجارية من القماش الهندي المطرّز.
تعليمه:
تعلّم في الكتّاب القراءة والكتابة وشيئًا من القرآن الكريم، ثم انتقل إلى مدرسة الشيخ عيد السفرجلاني، وأمضى فيها بضع سنين، أفاد منها شيئًا من علوم اللغة العربية، وعلوم الدين، ثم لازم الشيخ محمد القاسمي، وقرأ عليه من علوم العربية والدين ما أهّله لتدريس شيء من علم النحو ومن الفقه الشافعي. صحب المحدّثَ الشيخ بدر الدين الحسني، وكان من أحبّ تلاميذه إليه، وأقربهم منه، وقرأ عليه الكتب الخمسة، كما قرأ على غيره من علماء الشام كالشيخ أمين سويد، ما جعله عالماً فقيهاً يشار إليه بالبنان.
أخلاقه:
كان الشيخ علي الدقر رحمه الله حسن الصلة بالله تعالى، صاحب عبادة تعبّد، ورعًا؛ حيث كان راتب من الأوقاف لكنه لم يكن يأخذ منه شيئاً بل يصرفه في الفقراء والمساكين من طلابه.
جوادًا؛ فكان له مزرعتان في المزة وداريا، يؤمّهما الفقراء والمحتاجون، ليأخذ كل واحد منهم ما يحتاجه منهما، دون استئذان، وعندما يمد الموائد، يفرح بازدحام المساكين عليها.
وكان الفقراء يزورونه في بيته فيخرجون ومعهم أكياس الحنطة والدقيق والسكر والزبيب والعدس والأرز والشاي والسمن والزيت.
وفي أيام الحرب العالمية الأولى حصلت المجاعة فكان الشيخ ينفق إنفاق مَن لا يخشى الفقر.
كان شجاعًا قويًا في الحق، كما يتجلى ذلك في العديد من المواقف ضد الاستعمار الفرنسي كما ستأتي الإشارة إليه.
دعوته:
كان الشيخ علي الدقر نشيطًا في الدعوة، في مساجد دمشق وغيرها من المدن والقرى السورية، وكان عظيم التأثير في النفوس، فازدحم على دروسه العلمية والوعظية كبار تجار دمشق وصالحوها، وكان يدعوهم إلى التعاون والتحابب والإيثار، وينهاهم عن الغش والاحتكار، ويرسخ قواعد التعامل بينهم في سائر علاقاتهم الأسرية والاجتماعية والتجارية، ويحضّهم على التمسّك بتعاليم الإسلام العظيم.
كان الشيخ علي الدقر صاحب أضخم نهضة علميّة في بلاد الشام في القرن الرابع عشر الهجري، والعشرين الميلادي. فقد كان التعليم الرسمي في سورية بعيدًا وعن تعاليم الإسلام ومبادئ الأخلاق، وتأثر بالغرب وعلومه. فأنشئ الشيخ العديد من المدارس والمعاهد الشرعية، التي تعلم العقيدة، وأحكام الإسلام، والعلوم الشرعية، والعلوم العربية.
ولإنشاء هذه المدارس كان لابد من إنشاء جمعية تمده بالأموال والرجال والنظام، فقرر بالتعاون مع التجار الذين يحبّونه، ويثقون به، وبصلاحه، وبسداد رأيه، وبالتعاون مع بعض العلماء أيضاً، كالشيخ هاشم الخطيب، وبمباركة محدّث الشام الشيخ بدر الدين الحسني، فقرّر إنشاء (الجمعية الغراء لتعليم أولاد الفقراء) سنة 1343هـ - 1924م ثم انطلق يحشد الطلاب لدراسة العلم الشرعي من أولاد الفقراء في حوران، والأردن، وبعض المدن والقرى السورية.
وعاونه في ذلك بعض العلماء كالشيخ هاشم الخطيب وكان تحت نظر محدث الشام بدر الدين الحسني، فصار الطلاب يتعلمون في تلك المدارس العلوم الشرعية واللغوية، حتى نشأ جيل من طلبة العلم والعلماء ليس للشام بكثرتهم وتفوقهم عهد في تاريخها الحديث، حتى صار الشيخ علي الدقر يُعد صاحب أكبر نهضة علمية في بلاد الشام في العصر الحديث.
وكان من مزايا هذه المدارس أنها تُعلِّم علوم الدين واللغة والعلوم الأخرى الدنيوية، وأنها تُعلِّم الفقراء مجاناً، بل توفر لهم الطعام والكساء والمبيت.
وبلغ عدد مدارس الجمعية ثلاث مدارس ابتدائية للذكور واثنتين للإناث، أما المدارس الثانوية فهي ست للذكور والإناث، وفي كل مدرسة من تلك المدارس مئات الطلاب، وخرجت تلك المدارس آلاف الطلاب والطالبات، وبهذا حصلت النهضة العلمية الشاملة في بلاد الشام على يديه.
وكان الشيخ يرسل مئات من الطلاب إلى البلدات والقرى لتعليم الناس أمور دينهم خاصة في رمضان.
ولم تكتف الجمعية بالتعليم بل كانت مقراتها ملتقيات لرجال السياسة ووجهاء دمشق وعلمائها، وكانت قوائم المرشحين للانتخابات يُتفق عليها فيها.
وكانت مدارسه حرباً على الفساد والبدع والخرافات، وهي التي تصدّت للمنفرين المُنَصّرين، وكانت حرباً على التعصب المذهبي، وقد كاد الحساد للجمعية واتهموها وشيخها بتهم كثيرة لكن الله نجاه جل جلاله ونجى جمعيته.
جهاده:
شارك الشيخ علي الدقر في جهاد الفرنسيين ، والتي كان المحرض عليها هم العلماء، وعلى الأخص الشيخ بدر الدين الحسني والشيخ علي الدقر والشيخ هاشم الخطيب، فقد ارتحلوا سنة 1343هـ -1924م في رحلة طويلة شملت مُدن الشام وقراه من دمشق إلى دُوما ثم النبك فحمص وحماة وحلب، فكانوا كلما دخلوا مدينة قصدوا الجامع فيتكلمون فيه ووعظوا وحَمّسوا، وأثاروا العزة في النفوس، وحرضوا على الجهاد فكانت هذه الرحلة هي العامل المباشر لقيام الثورة السورية بعد ذلك على الفرنسيين.
وفاته:
توفي في دمشق يوم الثلاثاء في 25 صفر سنة 1362 هـ الموافق 1943م وصلي عليه في الجامع الأموي ودفن في مقبرة الباب الصغير.
قال عنه الشيخ علي الطنطاوي "الرجل الذي هزّ دمشق من أربعين سنة هزّة لم تعرف مثلها من مئتي سنة، وصرخ في أرجائها صرخة الإيمان، فتجاوبت أصداؤها في أقطار الشام، واستجاب لها الناس، يعودون إلى دين الله أفواجاً، يبتدرون المساجد، ويستبقون إلى حلقاتها.. وهو علامة الشام.. بل هو في الشام علم الأعلام، أعطي من التوفيق في العمل، والعمق في الأثر، ما لم يعط مثله الشيخ بدر الدين ولا غيره من مشايخ الشام في تلك الأيام".