من الدارج أن تسمع خلال أي حوار حول الصراعات المختلفة في المنطقة عبارة أن مشكلة السنة هي أنه ليس لهم مشروع موحد كما للشيعة، سيقول لك قائلهم إنه بينما يتمتع الشيعة بنظام هيكلي يوفر مشروعًا متماسكًا للطائفة الشيعية يتشرذم السنة في دوائر تحالفات وصراعات مختلفة ويتوزعون على انتماءات قطرية وفكرية متناحرة، ما يجعلهم لقمة سائغة لكل المشاريع الأخرى سواءً من داخل المنطقة أو خارجها.
ابتداءً لا بد من التحقق من وجود مشروع شيعي، هناك بلا شك مشروع إيراني في المنطقة يستفيد من الاتفاق المذهبي مع المكونات الشيعية في العالم العربي، في اليمن وفي لبنان وسوريا والعراق تقوم إيران بدعم هذه الأقليات بدرجات متفاوتة ضمن مشروع يهدف إلى تحقيق الهيمنة من خلال الوكلاء، لكن هل هذا المشروع حقيقة شيعي؟
هذا التمدد الإيراني وإن استفادت منه أطراف شيعية في المنطقة إلا أن أطرافًا أخر تنتمي للمذهب ذاته وجدت أنفسها متضررة من هذا المد، مثلًا وجد قسم غير بسيط من القيادات الشيعية في العراق أنفسهم مطاردين من قبل القوى الشيعية المدعومة إيرانيًا والكثير منهم تم التخلص منه سواء عبر أجهزة الاستخبارات الإيرانية أو عبر أنصار التشيع الإيراني في العراق، كذلك في لبنان مارس حزب الله شيئًا من الإرهاب تجاه المكونات الشيعية المعتدلة الرافضة للاستقطاب المذهبي وتم إقصاء بعض المراجع الشيعية فقط لأنها لم تتماهَ مع التوجه الإيراني.
على المستوى الآخر لم يكن اختيار إيران للحلفاء دائمًا على الأساس المذهبي، العلويون في سوريا مثلًا يكفرون "الإثنا عشرية" في الأصل والعكس صحيح والزيود في اليمن الذين تحتضنهم إيران اليوم يختلفون عن "الإثنا عشرية" كثيرًا والبعض يعتبرهم أقرب للسنة من الشيعة من ناحية مذهبية، وأكثر من ذلك دعمت إيران أرمينيا «المسيحية» في حربها مع أذربيجان ذات الغالبية «الشيعية» رغم أن الأذر يشكلون نسبة غير بسيطة من سكان شمال إيران، هذا الدعم جاء لدواعٍ سياسية بحتة لها علاقة بالمصالح الاقتصادية وصراع النفوذ مع تركيا، ناهيك عن إحجام شيعة أذربيجان عن انتهاج المنهج السياسي لنظرائهم الإيرانيين.
كذلك قامت إيران بدعم «حماس» السنية لفترة طويلة أيضًا لاعتبارات سياسية بحتة وما زالت العلاقة وإن تأثرت سلبًا بأحداث سوريا قائمة وما التصريحات الحمساوية الودية التي صدرت مؤخرًا تجاه إيران وحزب الله إلا تأكيد على وجود واستمرار العلاقة والدعم.
إذن ليس المشروع الشيعي إلا مشروعًا إيرانيًا مختبئًا تحت عمامة شيعية، المشروع الإيراني يستفيد بلا شك من الامتداد الشيعي في المنطقة ولكنه يستخدم المكونات الشيعية وغيرها حسب اعتبارات السياسة والمصلحة لا انطلاقًا من إحساس بوحدة المصير مع شيعة العالم، السنة في المقابل مشكلتهم ليست في عدم وجود مشروع «سني» بقدر ما إن هناك صراع مصالح بين الدول السنية الكبرى، هذا الصراع أدى إلى اضمحلال للصوت السني مكن الطرف الآخر من التحرك في الفراغ وملئه، ولكن من بإمكانه اليوم إعادة الاعتبار للعالم «السني» ومواجهة المشروع الإيراني في المنطقة؟
على مستوى العالم العربي ومحيطه الإقليمي وباستثناء الدول التي تمكنت إيران من اختراقها عبر مشروعها كل الدول ذات غالبية سنية، لكن الدول هذه تنقسم إلى حالات ثلاث، دول محدودة بجغرافيتها وحجمها الإقليمي، دول كبيرة ومحورية ولكنها غير مستقرة وضعيفة اقتصاديًا ، ودول كبيرة مستقرة ومزدهرة، الصنف الأخير من الدول هو القادر على قيادة المنطقة في أية مواجهة مع مشروع مضاد.
المشكلة هي أن هذه الدول حتى الآن كانت أطرافًا في صراع نفوذ وأفكار في المنطقة، أتحدث هنا طبعًا عن المملكة العربية السعودية بمكانتها الدينية المركزية وقدراتها الاقتصادية الضخمة وتركيا المارد الاقتصادي الضخم الذي يحكمه نظام سياسي قوي ومتماسك، هاتان القوتان لا ثالث لهما في المنطقة من ناحية القدرة على قيادة المنطقة وإعادة ترتيب الأوراق السياسية فيها.
جاءت صور استقبال الملك سلمان بن عبدالعزيز للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ملهمة للجماهير العربية خاصة والسنية عامة لما تمثله من حلم مفقود، هذا الحلم الذي يجمع بين الشتيتين ليشكل جبهة لا بأس من تسميتها «بالسنية» في مواجهة مشروع إيراني يعصف بالمنطقة وعبث غربي صهيوني يتلاعب بمقدراتها.
لا شك أن التفاؤل المفرط ليس مناسبًا هنا؛ فالسياسة ليست ميدان الأحلام والحلول السريعة فالعلاقات التركية السعودية مرت بمراحل صعبة خلال السنوات الأخيرة وضعت البلدين في مواجهة بعضهما في ملفات ساخنة إقليميًا ، اليوم يبدو أن المملكة وتركيا تقتربان من بعضهما ولو قليلًا ، ما يشكل مصدر قلق لكل المستفيدين من الصراعات والتناحر في المنطقة، نقف على مفترق طرق خطير، إما العودة بالمنطقة لاستقرار نسبي وتعافٍ تدريجي أو المضي نحو الهاوية، والأول لن يتحقق إلا بشراكة تركية خليجية تقودها السعودية لاستثمار القوة المشتركة بين الطرفين في إنتاج منطقة جديدة عصية على المشاريع الخارجية.