الجمعة 20 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 22 نوفمبر 2024 م
هموم و همم
الكاتب : لبابة كوسا
الأحد 20 جمادى الآخر 1435 هـ الموافق 20 أبريل 2014 م
عدد الزيارات : 4345

 

هموم و همم 

 

في تلك المدينة الصغيرة .. بأبنيتها القديمة والحديثة، وأروقتها الصغيرة ..
نزح لها أعداد كبيرة من السوريين، باحثين عن الأمان، وقليل من الرزق تستمر به حياتهم .
أسر وأفراد من طبقات متفاوتة بكل الجوانب .. كلهم يحملون همًا واحدًا .. أن تستمر الحياة
حياتهم ..أو حياة الأمة الإسلامية ..
و مع هذا الهم تظهر الهمم ..
الكل يعمل هنا .. كل بما يتقنه.. كثير منهم يكمل مسيرته التي كانت في سوريا.. 
التاجر فتح دكانًا صغيرًا.. و الخباز تجده على ركن الشارع يسكنه من طلوع الشمس إلى غروبها..
مدراء المدارس أنشؤوا مدارسًا .. و المعلمين و المعلمات يستمرون في التعليم .
همومهم لاحتواء الأمة واصلاحها .. تنبثق منه همة عظيمة تدفعهم لعمل دؤوب متفاني كلٌ بما تيسر له..
اِنطلق صباحًا إلى مدرسة ابتدائية من المدارس القليلة التي حرصت على التأصيل المنهجي السليم شرعًا.
يستقبلك الجميع بالترحيب والتحايا والابتسامات وفنجان القهوة الذي لا يُنسى حتى في أكثر الأوقات انشغالاً.
يباشر الجميع عمله... و لساعات الكل يعمل في مكانه بتفانٍ .. روح التعاون و التكاتف تستشعرها بينهم .
نشاطهم ينسيك أن هؤلاء مهاجرون .. تركوا خلفهم أرضًا، و ماضٍ..
لكن لو توقفت قليلاً تلمح في أعينهم عمق حكايا وألم ..
وما إن يهدأ العمل يجلس الجميع على فنجان القهوة .. وتبدأ الاحاديث الأخوية، أشعر بأني أعرفهم منذ زمان .
ثم ينصرف الجميع .. و تبقى واحدة تنتظر تلك اللحظة..
تقول: بدي أسألك سؤال .. و تبدأ في سرد حكايتها منذ فارقت أرض الوطن، ما كان قبل وإلى ما صار. في حديثها تتضارب المشاعر، تأخذني معها في أحداثها و كأنني أعيشها .
ثم تقول: و للمرة الثانية أقولها اليوم .. مشتاقة أروح عند الله !
و في يوم آخر بعد انصراف الجميع تقف أخرى عند طرف الباب.. أسألها: عم تستني حدا؟
و تجيب: ما بعرف ..كل ما قلت بدي احكي لك ببطل.. احكي لك و لا لأ .
 
ادعوها للجلوس .. و تبدأ قصة مأساة أخرى ..
وتمضي الأيام و تنتهي أيامي معهم.. حلوة جدًا .
قبل أن اودعهم .. يرجوننا أن نبقى (و الله في كتير داعيات بالسعودية، بدنا نخليكم عنا)....  محاولة أخيرة قبل أن يودعونا هم..
ما قدمنا إلا القليل .. و لكن .. (لا تحقرن من المعروف شيئًا)..
تتداخل كلمات الوداع بين حزن للفراق إلى أجل، وبين فرح بما مضى من أيام, يضيع نصفها مع صوت البكاء المكبوت .
تدير ظهرها لي و تمشي.. وما زالت ممسكة بيدي إلى حيث يجتمع الجميع .. وتكمل الحديث عن غد
بعد هذه الثمانية أيام..
نمضي و نرجو أن يتقبل الله منا .. أن نكون قد أفدنا بفضله سبحانه.. وما استفدناه أكبر..
نعود نحن إلى ديارنا .. إلى الأمان و الرخاء .
إلى الرفاهية و الترف، نعود لنقبل أطفالنا ونغرقهم بنعيم من الدنيا ..
و يبقوا هم هناك لتستمر الحياة ..
لم نترككم .. علمتونا أن يدفعنا همنا لهمة و عمل .. و كبر همنا مع همكم .. ومن همتكم نستقي همتنا.. و أمام ثباتكم أتضاءل ..
ولا زال هناك الكثير لنقدمه .. و نعمل له سويًا بعون الله حتى يكتب الله لنا نصرًا و عزًا..
فنحن أنتم .. أيدينا بأيديكم..
و للصغار رواية ..