عقيدة المسلم (6) - الركن الرابع من أركان الإيمان
الركن الرابع من أركان الإيمان: الإيمان بالرسل
الرسل: جمع (رسول) بمعنى: (مُرسَل) أي مبعوث بإبلاغ شيء.
وهو من أوحى الله إليه من البشر، وبعثه لهدايتهم للحق.
وأول الرسل نوح _عليه السلام_ وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} [النساء: 163] .
وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- في حديث الشَّفاعة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أن الناس يأتون إلى آدم؛ ليشفع لهم، فيعتذر إليهم ويقول: (ائْتُوا نُوحًا فَإِنَّهُ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ) وذكر تمامَ الحديث، أخرجه البخاري، ومسلم.
وقال الله –تعالى- في محمد صلى الله عليه وسلم: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبيِّينَ} [الأحزاب:40] .
ولم تخلُ أمةٌ من رسول يبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلى قومه، أو نبي يوحى إليه بشريعة من قبله؛ ليجددها، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال: {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 36] .
والرسل بشر مخلوقون، ليس لهم من خصائص الربوبية والألوهية شيء، قال الله –تعالى- عن نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو سيد الرسل، وأعظمهم جاهًا عند الله: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [ الأعراف: 188] .
وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا} [الجن: 21، 22] .
ويلحقهم ما يلحق البشر من المرض، والموت، والحاجة إلى الطعام، والشراب، وغير ذلك، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي) أخرجه البخاري، ومسلم.
وقد وصفهم الله –تعالى- بالعبودية له في أعلى مقاماتهم، وفي سياق الثَّناء عليهم؛ فقال –تعالى- في نوح صلى الله عليه وسلم: {إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3] وقال في محمد صلى الله عليه وسلم: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [الفرقان: 1] .
وقال في إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب صلَّى الله عليهم وسلَّم: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} [ص: 45، 47] .
وقال في عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم: {إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ} [الزخرف: 59] .
والإيمان بالرسل يتضمن أربعة أمور:
الأول: الإيمان بأن رسالتهم حق من الله تعالى، فمن كفر برسالة واحد منهم؛ فقد كفر بالجميع، كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 150_ 151].
الثاني: الإيمان بمن علمنا اسمه منهم تفصيلاً مثل: محمد، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ونوح -عليهم الصلاة والسلام- وهؤلاء الخمسة هم أولو العزم من الرسل، وقد ذكرهم الله –تعالى- في قوله: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: 13] .
وأما من لم نعلم اسمه منهم؛ فنؤمن به إجمالاً، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} [غافر: 78] .
الثالث: تصديق ما صحَّ عنهم من أخبارهم.
الرابع: العمل بشريعة من أرسل إلينا منهم، وهو خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم المرسل إلى جميع الناس، قال الله تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65] .
وللإيمان بالرسل ثمراتٌ جليلة منها:
الأولى: العلم برحمة الله تعالى، وعنايته بعباده، حيث أرسل إليهم الرسل؛ ليهدوهم إلى صراط الله تعالى، ويبينوا لهم كيف يعبدون الله؛ لأنّ العقل البشري، لا يستقل بمعرفة ذلك.
الثانية: شكره تعالى على هذه النعمة الكبرى.
الثالثة: مَحبَّةُ الرسل -عليهم الصلاة والسلام- وتعظيمهم، والثَّناء عليهم بما يليق بهم؛ لأنهم رسل الله تعالى، ولأنهم قاموا بعبادته، وتبليغ رسالته، والنُّصحِ لعباده.
الرابعة: الاقتداء بهديهم، والعمل بشرائعهم التي أنزلها الله عليهم هداية للبشرية.