الخميس 16 شوّال 1445 هـ الموافق 25 أبريل 2024 م
شتاء قاس ـ قصة قصيرة
الكاتب : مؤمنة قشوع
الأربعاء 14 ربيع الأول 1435 هـ الموافق 15 يناير 2014 م
عدد الزيارات : 6212

 

برق .. ورعد .. .. مطر .. وثلج .. .. 
شتاءٌ قاسٍ وبردٌ ينخر عظامهم نخرًا!
أطلقت تنهيدةً طويلة رافقها بخارٌ خرجَ من فمها.. تمنّت أن تخرج همومها كلها مع تلك التنهيدة!
لكن أنّى لأحلامها التّحقق! امرأةٌ مثلها بدل التّمنِّي عليها أن تؤمّنَ شيئًا تغطي به أطفالها في هذا البرد!
لكن وحتى هذا يُعدّ حلمًا من أحلامها .. تركت لدمعاتها مجالًا لتشقّ طريقا مُعتادًا!
لم تتوقف عن البُكاء طوال الليل .. أتبكي زوجًا مُعتقلًا أم أبًا مفقودًا، أتبكي بكرهَا الذي أدخلوه ذات يوم عليها شهيدًا !
أم تبكِي أمها التِي قُتلت أمامَ ناظريها برصاصِ ذاك القنّاص الذي يستمر ليلًا ونهارًا بالقنص وكأنه يصطادُ أرانبًا ؟!
هل تبكِي على وطنٍ بات يقسو على أبنائه بالتشريد؟
أم تبكي على أبنائه الذين وقعوا ضحيةً لتآمر أشقائهم من كل مكان عليهم !
نادتها جارتها التي تقطُن على بُعد خيمتين من خيمتها: يا أُم أحمَد .. يا أمّ أحمد !
مشت بتثاقلٍ إلى مدخل خيمتها: نعم يا أم محمود ..
- ما بكِ؟ أناديكِ منذ دقيقتين ولم تجيبي؟ (سألتها بصوتٍ يرتجف من البرد)
- اعذريني لم أعتد مناداتي بـ أم أحمد بعد !
- لا بأس، (مدّت يدها) تفضلي ..
- ما هذا؟! (سألتها وهي تأخذ الكيس من يدها)
- رغيفان من الخبزِ، جلبَ زوجي بعض الخبز وتذكرتكِ فأحضرت لكِ رغيفين علّها تُشبعكم !
- أجابتها بامتنان: جزاكِ الله كُل خير ! لا أعلم كيف أشكركِ فقد احترت ماذا أطعم الصغار حتى يناموا ..
- لا بأس، نحن جيران ! (قالت بابتسامة)
استدارت حيث يجلس صغيريها: ماذا يريد أن يأكل أميري الصغير وأميرتي الصغيرة؟
أجابتها أميرتها الصغيرة (الفقيرة) بعد تفكيرٍ لم يَدم طويلًا: ماما .. أنا أريد عروسة جبنة !
لطالمَا أحبّت فتاتها الوحيدة "عروسة الجبنة" ولكنها أصبحت تُطعمُها جبنة وهمية !
- حسنا يا جُمان .. وماذا عنك يا أحمد ؟
- ماذا يوجد لدينا يا ماما؟ (سألها وهو يظنّ بأنها ستعُد عليه أصنافا مختلفة من المأكولات) 
- أتحبّ الزعتر؟ (سألته وهي تنظر إليه بألم)
- نعم نعم أريد زعتر (أجابها بحماس)
قامت من مكانها وقد اغرورقت عيناها بالدموع مُجددا ....
استخدمت رغيفًا وخبأت الآخر للغدِ فلرُبّما غدًا لا تجد ما تُطعمهم إياه ..
أعطت كل واحد منهما عروسة "زعتر" ..
حقيقةً هي لا تملكُ شيئًا سوى الزعتر ولكنها توهِم الفتاة بأكلها للجبنة !
- ماما .. لمَ طعم الجبنة هُنا يختلف عن الجبنةِ التي كنا نأكلها في منزلنا ؟! (سألت الصغيرة أمها باستغراب وهي تأكل عروستها الجبنة الوهمية)
- لأننا لسنا في منزلنا .. هيّا أكملا أكلكما لتناما .. 
لقد اعتادت على سؤال طفلتها ذات الثلاث أعوام عن سبب اختلاف طعم الجبنة !
أنهى الصغيران أكلهما وذهبا للنوم ..
واحد عن يمين أمه والأخرى عن يسارها ..
- أمي .. لقد قلتِ أن جهاد وأبي سيزوروننا غدًا !
سألها أحمد ببراءة طفل لم يتجاوز الخامسة بعد ! 
- لم يأتِ غدًا بعد يا أحمد !
- ولكنه كان يأتي بسرعة في منزلنا (قالت جُمان)
- أنا لا أحب جهاد ! لقد قال لي بأنه ذاهبٌ ليأتي لنا بـ [الحرية] ولكنه ذهبَ ولم يعد .. يبدو أنه أكل الحرية لوحده ! لم يُطعمني وجمان منها ! (قال أحمد بحزن)
لم تعلم ما تفعل ..
هل تضحك من كلام طفلها البريء ؟ لقد ظن أن الحرية هي حلوى !
إنها حلوى .. ولكن من نوع آخر وفريد ..
غالية .. وغالية جدًا .. لا أحد يستطيع شراءها بسهولة مهما كان فاحش الثراء !
- لم ترض الحريّة أن تأتِي مع جهاد يا أحمد .. .. .. لذا قد ذهب هو إليها ! 
قالت جملتها الأخيرة وقد ارتجف صوتها ونزلت دمعتان على خديها ..
ليست دمعتان يتيمتان كما في القصص ..
لا ..
فقد تبعتاها أخوات كثُر أنجبتهن عينيها !
- إذن لمَ لا نذهب نحن أيضا إلى حيث جهاد وحلوى الحريّة ؟!
وكعادة طفليها استمرا بالأسئلة ..
سؤالٌ يتبعه سؤال .. يتبعه سؤال آخر ، حتى استسلما للنوم !
غرقت ككل ليلة في ذكريات وأشخاص ما نسيتهم لحظة !
تعبت من البكاء وأغلقت جفنيها نائمة ككل ليلة ..
ليلةٌ طويلة ككل لياليها مرت .. لم تعُد تُميّز ليلها من نهارِها !
باتت أيامها كلها ليلية ..
لم تُشرق شمسُ يومها بعد .. ولا أظنها ستُشرِق يومًا !
نامت ولم تستيقظ .. ونام طفلاها ولم يستيقظا ..
في اليوم التالي:
على شريطٍ أحمر كُتب: العثور على ٣ جثث لامرأة وطفليها غطتهم الثلوج وهم نائمون !
انتهت .،