الثلاثاء 7 شوّال 1445 هـ الموافق 16 أبريل 2024 م
كلمة العدد الخامس عشر
السبت 27 محرّم 1435 هـ الموافق 30 نوفمبر 2013 م
عدد الزيارات : 2375
 
وترجل الفارس :
{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا مَا عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}.
لاتزال سوريا تلقي بفلذات أكبادها من أبنائها البررة، الذين باعوا كل غالٍ ونفيس في سبيل الله تعالى؛ لتحريرها من الظلم والاستعباد، وتودّع كل يوم عشرات الشهداء على درب الكرامة والفداء.
لقد عرفت الثورة السورية قادة ناصحين وأمناء مخلصين، كانوا ولايزالون لها حصناً منيعاً تتآلف حولهم النفوس، وتجتمع حولهم القلوب، يجمع الله بهم الشمل ويوحّد الصف وتُدرأ الفتنة. فلله درّهم ما أبرّهم لدينهم ووطنهم! هكذا شهد لهم الناس وإنما نحن شهود الله في أرضه.
 
وقد رُزئت سوريا بقائدٍ همام، فاتح حلب وقائد لواء التوحيد، عبد القادر الصالح رحمه الله. الذي ما فتئ يطلب الشهادة ويبحث عنها مظانّة حتى حان موعد الرحيل ويوم الشهادة.
لم يكن خبر استشهاد عبد القادر الصالح كغيره من المصائب والأحزان -على كثرتها- فهو القائد الذي شارك في الثورة منذ بدايات مظاهراتها السلمية، ثم قام مع بداية العمل العسكري بتشكيل كتيبة صغيرة لحماية أهله وعرضه في مدينة مارع، والتي ما لبثت أن أصبحت لواءً يحسب له العدو آلف حساب، ويرصد المبالغ الكبيرة للقضاء على قائده.
 
وكانت لـ "حجي مارع" محطات كثيرة في الجهاد السوري، حتى إنه لم يتخلف عن معركة في حلب، وكانت محطته في نصرة القصير مشهورة مشهودة.
أحبه الكبير والصغير، لما كان يتمتع به من إقدام وتواضع ودماثة خلق، وخصال قلّ أن تجتمع في رجل،  وبلغ من المكانة في نفوس الناس وساحات الجهاد -رغم أنه لم يجاوز الثالثة والثلاثين من عمره- مبلغًا كبيرًا، وكان يسعى حتى آخر لحظات حياته في وحدة الصف وجمع الكلمة. حتى ترك من الأثر ما يكون سبباً لإحياء الأمة ووحدتها بإذن الله.
 
إن فقد القادة ليس كفقد غيرهم من عامة الناس، لكنّه في الوقت نفسه ليس توقفاً لمسيرة الجهاد، بل هو دفعة لسدّ مكانهم وتعويض ثلمة الأمة بفقدهم.
وبفقد القائد نستذكر دروساً لا غنى للأمة عنه، فمنها:
- ضرورة أخذ الحذر والتنبه لمكر الأعداء، فمع إيماننا بأن الآجال مكتوبة، فإن الله أمرنا بقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ}.
- أهمية تعقّب الخونة الذين يتربصون بالجهاد وقادته، والقصاص منهم؛ فما كان الأعداء ليعرفوا مقر اجتماع القادة وموعده إلا بوجود عيون لهم تتجسس على المجاهدين، فإنَّ كشفهم من ضروريات الحفاظ على مسيرة الجهاد وحماية المجاهدين.
- أهمية بناء الصف الثاني من القادة؛ حتى لا تختل مسيرة الأمة، وهذا منهج نبوي كما فعل حبيبنا صلى الله عليه وسلم في مؤتة حين قال لهم : (إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ، فَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ).
- أن الجهاد ماضٍ مهما تكالب الأعداء واشتدت الخطوب، وأن أمتنا أمة ولاَّدة، إذا مات منها قائد خرج فيها قائد يخلفه، ولم تصَب الأمة بمصيبة أعظم من فقد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم، ثم فقدت الأئمة والقادة والخلفاء المهديين ولاتزال شامخة عبر القرون، يُقيض الله لهذا الدين من كل خلف عدوله، (ولَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّة محمد صلى الله عليه وسلم ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ).
اللهم ارحم عبدك عبد القادر الصالح، وارفع درجته، وتقبل شهادته، واخلف أهله وأمته خيرًا.