إن الوعي بأهداف العدو وأساليبه في الحرب النفسيَّة من أهم عناصر المقاومة لهذه الحرب؛ لذلك نجد كل الجيوش تُطالِب كل جندي بأن يكون واعيًا ومُدرِكًا وعارفًا بما يلي؛ حتى لا يخدعه أو يُضلِّله:
• ماذا يدبِّر العدو ضد أمته؟
• ما هدف دعايته؟
• ماذا يريد العدو منك أن تفعله؟
• ما أسلوب الحرب النفسيَّة للعدو، وما طبيعة دعايته؟
وهذا الوعي يجعل المقاتل مستعدًّا استعدادًا نفسيًّا لمواجهة الحرب النفسية، وعدم الاستجابة لها والتأثر بها، وخاصة إذا كان مسلمًا، إضافة إلى الوعي والمعرفة والإيمان القوي والعقيدة الراسخة.
وقد عُني القرآن بكشف أهداف أعداء الإسلام والمسلمين من الكفار والمنافقين، وفضْح أساليبهم ومحاولاتهم للتفريق بين المسلمين، والقضاء على وَحدتهم وأمنهم، ودورهم في التخذيل والتوهين وتثبيط العزائم، ومحاولتهم للتشكيك وزعزعة الثقة في النصر على الأعداء، وأرشد القرآن المسلمين إلى طريق مواجَهة هذه المحاولات ومقاومتها والقضاء عليها، وهذا ما نبيِّنه باختصار فيما يلي:
أ- فضْح محاولات التفرقة ومقاومتها: قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 100]، ثم قال تعالى: ﴿ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ ]آل عمران: 101. [
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [آل عمران: 102، 103].
والقرآن يدعو المسلم إلى الحذر من الأعداء مع تِبيان هؤلاء الأعداء: ﴿ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [المنافقون: 4].
ويُقصَد بهم المنافقون في هذه الآية، وكذلك اليهود من أعداء الله وأعداء المسلمين قال تعالى: ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ [المائدة: 82].
ب- كشْف محاولات التخذيل وتثبيط العزائم: يُقرِّر القرآن الكريم أن الدور الذي يؤدِّيه أعداء الإسلام في التخذيل وتثبيط العزائم وإضعاف الهمم له خطورتُه، إذا انساق في تياره أبناء الأمة، ويوضِّح أنه كلما لقيت دعواتهم آذانًا مصغية، فإنهم يفرحون بذلك ويستبشِرون، وهذا شأنهم في كل عصر.
ومن الأمثلة التي أوردها القرآن في هذا المجال أولئك المنافقون الذين دعوا المسلمين - عندما أمر الرسول عليه السلام بالإعداد لغزوة تبوك - إلى أن يتخلَّوا عن الرسول، ولا ينفِروا في لظى الشمس ووهجِ الحرِّ، فجاءت الآية الكريمة تُحذِّر من اتِّباعهم، وتُنبئهم بأن جهنم أشد حرًّا، وتطلب من الرسول ألا يستعين بهم في غزوة أخرى؛ قال تعالى: ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ ﴾ [التوبة: 81 - 83]، فالقرآن هنا لا يَكشِف محاولات تثبيط العزائم، ويُحذِّر المسلمين من الاستجابة لها فحسب، بل يُقرِّر أيضًا ضرورة تطهير الجيش من أمثال هؤلاء المنافقين؛ لشدة خطرهم عليه.
ج- كشْف محاولات زعزعة الثقة في النصر: ويَكشِف القرآن أيضًا محاولات أعداء الإسلام لزعزعة المسلمين؛ فأورد مثالاً على ذلك أولئك المنافقين الذين أرادوا أن يَنفُثوا سمومهم في أهل المدينة يُشكِّكونهم في وعْد الله ورسوله بالنصر والفتح المبين، فركَّزوا على جانب التوهين والتخذيل والتخويف وإضعاف العزائم؛ ليتركوا الرسول - في غزوة الخندق - وحده مع نفرٍ قليل، وليَرجِعوا إلى بيوتهم متعلِّلين بأنها غير محصَّنة، وكان الخندق خارج المدينة.. قال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (12) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً ﴾ [الأحزاب: 12، 13].