السبت 21 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 23 نوفمبر 2024 م
التطور السياسي في سوريا وآفاقه المستقبلية (4) انعكاس مشاكل التأسيس على تطور الثورة
الجمعة 21 رمضان 1438 هـ الموافق 16 يونيو 2017 م
عدد الزيارات : 17007

 

التطور السياسي في سوريا وآفاقه المستقبلية (4)

انعكاس مشاكل التأسيس على تطور الثورة 

 

السلام عليكم ورحمة الله، أهلاً بكم مشاهدينا الكرم بحلقة جديدة من صناعة الوعي.
شهد العقد الثاني من حكم بشار الأسد قيام الثورة السورية في ألفين وأحد عشر ولم تكن الثورة وليدة الصدفة وإنما كان لها جذور من الآلام والطغيان والظلم منذ عهد أبيه حافظ ومع انطلاق الثورة شهدت سوريا والبلاد العربية تحولات كبيرة أدت إلى تعاطي المجتمع الدولي معها بشكل حذر، بل تعدى الأمر في دعم بعض الدول للأسد في وجه الثورة.
نناقش في حلقة اليوم من برنامج صناعة الوعي انطلاق الثورة السورية والمراحل التي مرت بها وتعاطي المجتمع الدولي معها والطروحات التي بدأت تظهر للحل مع ضيفنا الدكتور بشير زبن العابدين.
عاصم مشوّح: مرحباً بك دكتور.
بشير زين العابدين: أهلاً وسهلاً.
عاصم مشوّح: يعني ربما انتقلنا إلى حكم حافظ الأسد منذ البداية تناولنا شيئاً يسيراً منه، لكن باعتبارنا أننا دلفنا إلى عهد الثورة السورية التي كانت منذ ست سنوات، في عهد بشار ربما نجد أن هناك أسباباً أدت إلى قيام الثورة السورية في ألفين وإحدى عشر، ماهي أهم هذه الأسباب برأيك؟
هل هي مختصة بفترة بشار؟ هل هي مختصة بفترة حافظ الأسد؟ أم هي ترجع إلى  ما قبل ذلك في جذورها ومعطياتها؟
بشير زين العابدين: إذا رجعنا إلى ما قبل ذلك وقد قررنا في حلقات سابقة أن ضعف البناء للكيان الجمهوري ومؤسسات الحكم فيه وما شاب مرحلة الاستقلال من انقلابات متعددة وضعف في الحياة الحزبية و هيمنة العسكر على الحكم فلابد أن نقر أن حافظ الأسد ورث بنية سياسية هشة ووظفها لبناء أركان الحكم الشمولي هذه النقطة الأولى فهو لم يبتدعها إنما ورثها وبدأ في الاستفادة منها فهو عزز الإرث الفرنسي القائم على استخدام العشائرية والطائفية وتسلط العسكر على الجيش وضعف الحياة السياسية وتعزيز اللامركزية التفتيتية لمواجهة الحكم المركزي في دمشق، هذه خمشة عناصر وظفها حافظ الأسد لتشييد مقاليد الحكم الشمولي، الآن حافظ الأسد تولى السلطة عام ألف وتسعمئة وسبعين وبشار تولى الحكم سنة ألفين أي صار عندنا فترة زمنية، المشكلة في بشار أنه لا يملأ كرسي الرئاسة الذي تركه له والده ولا أريد ذكر موضوع الوراثة وما شابه.
عاصم مشوّح: ربما هناك فروق جوهرية بين الشخصيتين.
بشير زين العابدين: في الرؤى في الأسلوب في التعاطي، أشياء كثيرة لا أريد أن تأخذني التفاصيل عن المبادئ لكن سأحدد لك عناصر مهمة جداً بدأت منذ بداية حكم بشار تدريجياً نحو انهيار حكم بشار وبحلول ألفين واثنا عشر بشار لم يعد يحكم سوريا لأن هناك انهيار كامل لحكم بشار بحلول ألفين واثنا عشر حتى يومنا هذا.
أول مسألة فيما يتعلق ببناء السلطة الشمولية لحكم آل الأسد مباشرة بعد حكم بشار هي تآكل بنى الحزبية الإيديولوجية.
عاصم مشوّح: كيف تجلى ذلك؟؟
بشير زين العابدين: يعني فقد حزب البعث كوادره التنظيمية بالكامل، لم يعد يجتمع أبداً، بتولي بشار أصبح الحكم وراثياً وحزب البعث هامشياً، بدأ بشار بعملية قمع لمنتديات الحوار، وبدأ بعملية إعادة محاولة إعادة اخراج المعارضة الخاصة التي داخل إطار الدولة أي يُنشئ هو معارضة خاصة فيه وقمع حركات المعارضة بطريقة أو بأخرى، فقد الحزب الأساس الوحدوي لمكونيه لأن حزب البعث قام على ثلاثي الوحدة الحرية الاشتراكية فلم تعد سورية اشتراكية ولم يعد للحزب أي بعد وحدوي..
عاصم مشوّح: ولم يكن هناك أي حرية.
بشير زين العابدين: نعم، بل لم يعد هناك أي فكر قومي لأن التحالف بين طهران ودمشق تعزز بشكل كبير بعهد بشار أمام مشروع الكيان العروبي إذا صح الاستخدام أو القومي فبالتالي فقد الحزب قيمته ، صار هناك تآكل كبير جداً وأصبح بشار يعتمد أكثر على أخواله وهم آل مخلوف وهم ليسوا من الحزب، كان هناك مشكلة كبيرة جداً بين علي حبيب و أصلان وإلى آخره من الأسماء ومن كبار ضباط أركان الجيش السوري مع آل مخلوف الذين بدأوا يهيمنوا على الحرس الجمهوري، المؤسسة العسكرية التي كانت أساس الارتكاز للنظام والمؤسسة الاقتصادية فيما يسمى ليس القطاع العام ولا الخاص و إنما القطاع شبه الخاص يخضع لآل مخلوف وحلفائهم من شاليش وإلى آخره فتآكلت بنية الحزب بالكامل هذه مسألة، المسألة الثانية السخط المجتمعي، حافظ الأسد في السبعين كان يحكم ست ملايين سوري ، بشار الأسد تولى حكم الجمهورية وهناك اثنان وعشرين مليون سوري، ارتفع مستوى البطالة من احدى عشر بالمئة إلى أربعة وثلاثين بالمئة ، انخفضت سورية بجودة الحياة إلى المستوى السابع والتسعين بالتصنيف العالمي ووصلت إلى المئة والاحدى عشر في الناتج المحلي الإجمالي، وصلت إلى مستوى المئة وأربع وخمسين  بحقوق الانسان قبل الثورة، يعني وصلت البنية المجتمعية إلى مستوى الانهيار الكامل لدى تولي بشار الحكم وهو يقول دائماً "أنا أريد أن أعلي الصرح الذي بناه والدي" لكن لم يعد هناك صرح بناه والدك بل بدأت عملية انهيار كامل ولم تكن قدرات بشار العقلية ولا المؤسسة التي بدأ يدمرها بنفسه قادرة على التأقلم مع هذه المستجدات.
أزيدك في مسألة؛ كان حافظ الأسد يقود ائتلاف عشائري علوي لكن بشار استبعد الائتلاف بالكامل، كم ضابطاً برتبة عماد ولواء تم تصفيتهم لتأمين حكم بشار، سأعد لك أكثر من عشرين منصب سواءً كان قاصف شوكت أو ماهر أو آل مخلوف أو إلى آخره تم تعيينهم في مناصب قيادية واستُبعد الضباط الكبار.
عاصم مشوّح: نستطيع أن نقول أنه قضى على الحرس القديم؟
بشير زين العابدين: لا لم يقض على الحرس القديم وإنما استبعد العشائر الأبعد وقرب منه أبناء عشيرته من حيث ضيق الدائرة التي تحيط به في هذا الحكم، حصلت تحولات إقليمية كبيرة..
عاصم مشوّح: ساعدت على قيام الثورة..
بشير زين العابدين: فقد بشار الملف اللبناني واضطر إلى الخروج..
عاصم مشوّح: أُخرِج وطُرِد طرداً من لبنان.
بشير زين العابدين:  بتسليم أوجلان فقد الملف الكردي، الغزو الأمريكي على العراق وضع سوريا بوضع خطير وأفقدها المتاجرة بمرحلة ما بعد تحرير الكويت أنها شاركت بقوات وإلى آخره، دعم المشروع الفارسي أقصى سوريا تماماً، لاحظ حافظ الأسد من ذكائه أنه لم يكن يخسر الحليف السعودي منذ أن تولى الحكم إلى أن مات مع بعض التوتر في مرحلة أو أخرى، بشار الأسد الذي لا يفهم أي شيء في توازنات السلطة أو التوازنات الإقليمية فأول شيء بدأ فيه أنه هاجم الحكم في السعودية وقطع العلاقة معهم وبالتالي خسر أكبر رافد له في تلك المرحلة.
هنا تحللت البنى التي أشادها حافظ الأسد في الحكم في عهد ابنه بشار.
عاصم مشوّح: بالنظر إلى مواقف الدول الغربية من الثورة السورية ربما نجد أن فكرة التقسيم بدأت تُطرح  بدأ الصوت يرتفع في شأنها وإعادة رسم حدود المنطقة بدأت تظهر بشكل واسع ولعل ما دشن هذا فيما أعلم عاملان: اختراق حزب الله و سايكس بيكو لمساندة النظام وأيضاً المسرحية التي قام بها تنظيم الدولة أو ما يسمى داعش حينما أزال الحدود بين سوريا والعراق ودخل إلى الثورة وفعل فيها ما فعل، الآن هذه بدأت تظهر بشكل جلي وواسع هذا ما أشار إليه الكثير من السياسيين وصناع القرار والأبحاث الغربية حتى أصلاً التصريحات تجاوزت ذلك بكثير وتحدث مسؤولون أمريكيون كبار عن زوال سوريا من على الخريطة.
كيف تقرأ هذه النظرة من قبل الساسة الغربيين إلى الجغرافيا السورية التي هي ربما مهددة بالتقسيم أو ربما الزوال؟
بشير زين العابدين: الغرب الآن وتحديداً في ألفين وثلاثة عشر بدأ يروج لنا إلى مشروعين مهمين نحتاج إلى وقت وجهد وتركيز مهم لاستيعابه في إعادة الإعمار البنيوي للكيان القطري السوري أو الجمهوري، المشروع الأول هو تمكين الأقليات والمشروع الثاني هو التجزئة داخل الحدود، هذان الموضوعان لا يصلحان أن يكونا موضوعا حلقة موجزة في عدة محاور لابد أن يُفرد لهما شيء طويل جداً من حيث النقاش.
تمكين الأقليات من خلال هذا المصطلح وأنا أستخدم مصطلح غربي عندك مثلاً أمريكا في عام ألفين وأربعة بدأت في مشروع ضخم جداً تنفق عليه في كل سنة تقريباً مئة إلى مئة وخمسين مليون دولار في منطقة الشرق الأوسط لتمكين الأقليات وإعادة تأهيلهم من المطالبة بالانفصال وبحقوق الشراكة في مؤسسات الحكم وبإعادة ترسيم السلطة ولا أقول ترسيم الحدود، الآن كل الجيوش اضمحلّت في الجمهوريات والجمهوريات انهارت وبدأت الميليشيات تزدهر، لاحظ الغرابة الشديدة أن الميليشيات كلها طائفية من اليمن للبنان للعراق وإلى آخره ، البنية طائفية بامتياز طيب السلاح من أين يأتي؟؟ التمكين من أين يأتي؟؟
إيران تتولى بإنجاب هذه وأمريكا تتولى عملية الإرضاع والتنشئة، حزب الدعوة العراقي جناحه العسكري، ما يسمى بحزب الله اللبناني، منظمة الثورة الإسلامية، مجموعات الصدد في القوات الخاصة، من الذي مولها ومن الذي دربها ومن الذي سلحها؟؟
عاصم مشوّح: إذاً نستطيع أن نقول أن هذا منذ احتلال العراق؟
بشير زين العابدين: احتلال العراق بفترة ليس مباشرةً، من الذي نسبها إلى الجيش العراقي، من الذي أنشأ حالة الانفصام في الكيانات الجمهورية المنهارة؟
عاصم مشوّح: الآن الجيش العراقي كله عبارة عن ميليشيات طائفية.
بشير زين العابدين: نعم، إعادة الباس الميليشياوية في المؤسسة العسكرية مشروع أمريكي.
عاصم مشوّح: وهذا ما تحدثنا عنه بشأن الجيش السوري..
بشير زين العابدين: اسمح لي أن أخرج عن موضوع الحلقة نسبياً في مسألة مهمة جداً تتعلق بهذه المسألة الآن مثلاً: حزب الله اللبناني في عام ألفين واثنا عشر خطب نصر الله وتكلم عن تحقيق مصالح أمنية للمجتمع الدولي وحماية الكيان اللبناني، فريدرك هوف هو الذي فضح كل العملية وتحدث عن أربع اجتماعات عُقِدت في قبرص بتسهيلات من السفير البريطاني آنذاك جمعت مسؤولين من (سي آي أي) مع عناصر الحزب وكان الاتفاق إنشاء شريط كامل لأن الجيش اللبناني ضعيف وما يستطيع أن يقوم بهذه المهمة وتولى هذه لقوات احتلال القصير وكسر كتائب الفاروق آنذاك وإنشاء حائط صد وإعادة تمكين النظام من القلمون وكان التمويل والتسريح أمريكي وطبعاً أنا لا أدعي وإنما أنقل عن مصادر أمريكية
عاصم مشوّح: إذاً الكثير الآن يكرر أو لعله لا زال يتردد في دور أمريكا السلبي في الثورة السورية.
بشير زين العابدين: أمريكا لها حساباتها هذه مسألة أخرى..
عاصم مشوّح: كأمثلة تدل على دور سلبي للولايات المتحدة في سورية.
بشير زين العابدين: تاريخ الثورة لم يُكتب أخي عاصم، لم يُكتب حتى الآن.
مشروع تمكين الطوائف ومشروع النجباء وزينبيون وفاطميون مشروع أمريكي وليس مشروع روسي.
عاصم مشوّح: دكتور في ظل الثورة السورية الطروحات الغربية التي قُدمت للحل والمتمثلة بالتقسيم كما ذكرنا قبل قليل، دعم الأقليات من خلال الغرب التي هي الولايات المتحدة كما تفضلت، أين دور النخب المثقفة وتقديم النموذج البديل الناضج لتلك المشاريع والمعبر عن تطلعات الشعب السوري؟
بشير زين العابدين: سؤال صعب حقيقةً، لدي قلق من ظاهرتين وهما:
المسألة الأولى: إغراق قوى الثورة في تعزيز حروب الوكالة بلً من حرب تحرر وتحرير وهذه مسألة مخيفة ومقلقة جداً.
المسألة الثانية: هي غياب النخب وهي إجابة على سؤالك، القوى السياسية رجعت إلى حالة العبثية في مرحلة ما قبل آل الأسد ومرحلة إلى ما قبل حكم البعث، رجعوا إلى صراع الكراسي وصراع الاستحواذ والنفوذ والاستحواذ على القوى التي تؤيد تمويل قوى الثورة، الحصول على موارد للكيانات التي أنشأوها خارج سوريا، بدلاً من أن تقوم النخب بمراجعة إعادة مشروع السياسي للكيان الجمهوري الذي وُلِد مشوهاً وعانى من خروقات بنيوية خطيرة جداً بدأوا في حالة ضعف البنى السياسية وضعف الأمل الحزبي والصراعات الداخلية.
عاصم مشوّح: إذاً المشكلة ليست توارث أخطاء أو تكرار أخطاء يبدو أن المشكلة جينية.
بشير زين العابدين: ليست ذلك لن أكون متشائم لهذه الدرجة لكن عدم نضج الأحزاب السورية ظاهرة ولا أبرئ منها أي حزب سوري قائم.
عاصم مشوّح: خلال مئة عام التي سردنا شيئاً منها خلال هذه الحلقات الأخطاء نفسها تكرر.
بشير زين العابدين: للمعلومات فقط لا يوجد حزب سوري عمره مئة عام، الحزب الشيوعي نشأ في عام ألف وتسعمئة واثنين وثلاثين، الاخوان أيام مصطفى سباعي تحديداً عام ألف وتسعمئة وستة وثلاثي نشأ الفرع السوري للتنظيم، حزب البعث تقريباً في عام ألف وتسعمئة وسبعة وأربعين، الحزب القومي وحزب الشعب في عام ألف وتسعمئة وخمسة وأربعين مع مفهوم الاستقلال وإلى آخره، ليس لدينا تجربة عمرها مئة سنة حتى لا نذهب بعيداً.
عاصم مشوّح: نحن نتحدث باعتبار تاريخ سوريا الذي نستعرضه في هذه الحلقات تقريباً قرن من الزمان والأخطاء التي ذكرتها على مر هذه العقود كلها تقريباً تشابه بعضها، نحن الآن في إطار ربما نسميه الحصيلة النهائية لهذه التجربة الطويلة، نفس الأخطاء بعد كل هذه العقود الطويلة تتكرر يهني هذا شيء ملفت جداً للنظر حقيقة.
بشير زين العابدين: نعم ملفت جداً للنظر حقيقةً.
عاصم مشوّح: الآن أنت ذكرت أن الثورة السورية كشفت عن خلل بنيوي في النظام الجمهوري الناتج عن مرتكزاته الخاطئة، ألا ترى أن الحراك الثوري يعاني من نفس المشكلة؟؟
بشير زين العابدين: ربما تطرقنا إلى هذه النقطة في السؤال وإلى تعليقك القيم قبل قليل ونعم هناك مشكلة وستجد نفس المؤثرات في مرحلة الاستقلال في عهد الانقلابات في عهد الوحدة والانفصال في عهد البعث وإلى يومنا هذا، هناك مشكلة انفصام بين السياسي والعسكري داخل قوى الثورة هل هذا صحيح أم لا؟
كل فرد يعيّر الثاني بمنظومة مصطلحية تخوينية وبعض الأحيان تصل بعض الأحزاب المعاصرة الثورية المعارضة إلى المفهوم الاستئصالي يعني مثله مثل حافظ وبشار الأسد ما يختلف فقط أنه يدعي أنه من المعارضة.
الابتعاد عن الشعب والمطالب الشعبية والنزوع نحو الأدلجة المفرطة خارج الإطار السوري ظاهرة لا نستطيع أن نتفاداها، ضعف البناء الإيديولوجي، الكيانات تتحرك بدون إيديولوجية يعني هي كيانات وظيفية وليست كيانات مؤدلجة، ما هي لأحزاب الآن؟ هل تستطيع أن تستذكر حزب يقوم على بنية إيديولوجية من أحزاب المعارضة، كلها على أساس وظيفي لا أريد أن أظلمها يمكن كل واحد عنده تأصيله النظري لنفسه، لكن هل هناك نظرية طاغية أو تأصيل لمحاولة إعادة إعمار الكيان السياسي والمؤسسي والحزبي والعمل السياسي تماماً كما نتكلم عن إعادة إعمار البلاد وإعادة إعمار اقتصاد البلاد، من الذي سيقوم بإعادة الإعمار إذ أنتم عبثيين وتتلاعبون ولا تملكون أي رؤية تأصيلية لا حزبية ولا ممارسة ولا تؤمنوا حتى بكيان الدولة لتنخرطوا فيه من حيث المبدأ، هذه مشكلة كبيرة فعلاً.
عاصم مشوّح: هل ترى أن كل المعارضة بكل أطيافها تعاني من هذه الإشكالية؟ أم أن هناك أصوات مميزة؟
بشير زين العابدين: أخاف من التعميم لكن أقول أنني لا أعلم أن هناك حراك سياسي ناضج أو حراك ثوري ناضج، قم (تد جور) في كتابه (وايمن ريبر) لماذا تتمرد أو تثور الشعوب وقام ثيدوث كوفكول بكتاب ضخم جداً بمراجعة جميع الثورات الناجحة وتوصل إلى نتيجة مهمة، فحواها أن الثورة هي ثلاثة مراحل:
مرحلة السخط العارم الشعبي غير المنظم، كلنا منزعجين، لا عمل لا حريات لا حياة كريمة وإلى آخره وبالتالي تخرج الناس للشوارع وهي المرحلة الأولى: السخط المجتمعي السائر في كل الاتجاهات.
المرحلة الثانية: هي انخراط قوى الثورة في تنظيمات مثل مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب السياسية ومراكز الفكر والفصائل العسكرية، تبدأ تتشكل هذه القوى في إطار منظم، نجاح الثورة ليس مرهون بسقوط الحاكم، فلن تنجح الثورة إذا سقط بشار الأسد، تنجح الثورة عندما يستطيع الكيان الثوري أن يصل إلى مستوى النظام من حيث التطور البنيوي و الهيكلي و الإيديولوجي ثم يتفوق عليه فيقضي عليه.
عاصم مشوّح: يعني باختصار نستطيع أن نقول أنه قادر على قيادة الدولة.
بشير زين العابدين: نعم، أن يتطور بنيوياً بحيث أن يكسب ثقة الشعب ودول الجوار وثقة الشرعية الدولية وقبل ذلك ثقه بنفسه أن يكون بنيوياً قادر على أن يقد بديل ناضج عن النظام الذي ثار عليه.
عاصم مشوّح: المرحلة الثالثة بالنسبة للثورات أم أنك اكتفيت بذكر مرحلتين؟
بشير زين العابدين: لا المرحلة الثالثة هي القدرة على الوصول لمستوى النظام والتغلب عليه وهذه هي مرحلة نصر الثورة.
عاصم مشوًح: تقريباً الثورة السورية مرت بالمرحلتين الأولى والثانية.
بشير زين العابدين: نعم وهي تراوح في مكانها صار لها أربع سنين غير قادرة على أن تصل لمستوى، ليس هناك رهان على الشرعية، لم يستوعبوا أهمية الشرعية الدولية والمحلية والشعبية في مقاومة النظام بل هم مشغولون جداً فب صراعات كراسي وتمثيل من أن يصلوا إلى مستوى منافسة النظام.
عاصم مشوّح: لم يبق لدي إلا دقيقة من هذه الحلقة، أريد أن أعود مرة أخرى إلى التقسيم باعتبار أن الصوت فيه عالي، تلمح الدول الغربية بمشاريع التقسيم وإعادة رسم حدود المنطقة من جديد، ألا ترى أن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى، هل سيكمل المشوار باتجاه نفس الهدف الذي وصل إليه سابقاً سايكس بيكو؟
بشير زين العابدين:  التاريخ لا يعيد نفسه بل هذه نظرية من النظريات المرجوحة في التاريخ هناك عدة مدارس للعودة إلى التاريخ أبرزها نظرية العودة إلى التاريخ وهي أن هناك أحداث تتكرر وقف دورة زمنية محددة، تتغير الظروف تتغير الملابسات تتغير الأحداث، أنا رهنت نفسي بمقارنات غير ملزمة سأكمل الخطأ وليس أيضاً أكرر التجربة، ومصيبة إذا كررت الخطأ والتجربة مرة أخرى، نظرية العودة التاريخية ليست الحل في نظرتنا للواقع ربما المدرسة الواقعية تمثل لنا نمط أكثر نضجاً في تحليل الوقائع دون أن نغفل التاريخ كي لا يكون الكلام خطأً، نحن الآن لا نتكلم عن تقسيم، هو أول من أشعل الفتنة(كي سنجر) عندما ألقى محاضرة قال فيها بعام ألفين وثلاثة عشر على ما أذكر قال:" إن انتصار السنة كارثة وبقاء النظام العلوي كارثة نظام بشار الأسد بالتحديد كارثة، الصورة التي أريد أن أراها مجموعة كيانات داخل النظام السوري "
هو يعطي التعليمات لأنه يعتبر نفسه المنظّر الإيديولوجي للخارجية الأمريكية، يعني يريد تكرار التجربة العراقية واللبنانية في الواقع السوري التي تقوم على أمرين:
نظام الترويكا (السلطة المركزية) يعني رئيس الدولة من طائفة ورئيس البرلمان من طائفة ورئيس الحكومة من طائفة، هو يريد حكم مستقل للأكراد وللعلويين للسلطة في دمشق وحلب إذا صح الاستخدام بطريقة أو بأخرى فنحن نتكلم عن مشروع جديد ليس إعادة رسم الحدود وإنما مشروع التجزئة داخل الحدود.
عاصم مشوّح: أشكرك دكتور زين العابدين والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام نلتقيكم إن شاء الله في حلقة مقبلة من برنامج صناعة الوعي.
إلى ذلك الحين أترككم في حفظ الله ورعايته والسلام عليكم ورحمة الله.