الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعدُ:
فقد صدر كتيب (صلاة المسلم) بطبعته الأولى قبل سنوات عديدة ليلبي الحاجة إلى تعليم الناس أمور دينهم، بطريقة ميسرة ولغة في متناول الجميع، وقد طبع ووزع في المناطق المحررة وبلدان اللجوء.
واليوم نقدم للقارئ الطبعة الثانية بعد إجراء العديد مِن الإضافات والتحسينات، فقد اعتنى بها تدقيقًا ومراجعة وإضافة الشيخ محمد بلال غنام، وحرَّر العديد من مسائلها د. عمار العيسى، وعمل على مراجعتها وضبط العديد من ألفاظها وصياغاتها أخي الشيخ جهاد خيتي، فشكر الله لهم جميعًا، وشكر لكل من تقدم بنصح أو ملحوظة أو اقتراح أسهم في تطوير هذه الطبعة، وقد أشرت لأهم تحريراتهم وإضافاتهم في الهامش.
ولا بدّ مِن التذكير بأنّ العديد مِن قضايا هذا الكتيب معدودةٌ مِن مسائل الاجتهاد التي لأهل العلم فيها أكثر مِن قول، ولـما كان المخاطَبون بهذا الكتاب لا ينتمون إلى مدرسة فقهية معينة، ولا إلى مذهبٍ واحدٍ مِن المذاهب الأربعة المعتبرة مع كونه موجّهًا ابتداء إلى عامة الناس وصغار طلبة العلم فقد سار الكتيب على اختيار ما عليه فريقٌ مِن أهل العلم، مع الإشارة باختصار إلى وجود قولٍ آخرَ فيها عند الحاجة، وكان منهج الاختيار مبنيًا على قواعد شرعية مِن قوة الدليل ومراعاة أحوال الناس ومصالحهم، مع اعتبار الاحتياط وملاحظة مذهب جمهور العلماء والبعد عن الأقوال الشاذة والضعيفة، ومِن المقرر أنه لا بأس للمسلم أن يأخذ بقول مَن يثق به مِن أهل العلم والدين، ولا بأس لطلاب العلم أن يتخيّروا مِن أقوال العلماء المعتبرين، والفقهاء المجتهدين ما يغلب على ظنهم أنه الأقرب للصواب، ما داموا متقيّدين بالقواعد والضوابط المعتبرة التي قرّرها أهل العلم في هذا الشأن.
ومِن المهم نشر فقه الاختلاف بين المسلمين، وإشاعة ثقافة تعدّد أقوال العلماء في المسائل الفرعية، وتقرير أنَّ اختلاف الإمام مع المأمومين في بعض هذه المسائل لا يمنع من صلاتهم معاً، ولا يؤثر على صحتها.
قال ابن تيمية في صلاة أهل المذاهب الأربعة بعضهم خلف بعض مع اختلافهم في هذه الأمور: "تجوز صلاة بعضهم خلف بعض كما كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان ومَن بعدهم مِن الأئمة الأربعة يصلي بعضُهم خلف بعض مع تنازعهم في هذه المسائل المذكورة وغيرها. ولم يقل أحدٌ من السلف: إنه لا يصلي بعضُهم خلف بعض، ومَن أنكر ذلك فهو مبتدعٌ ضالٌّ مخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها.
وقد كان الصحابة والتابعون ومَن بعدهم: منهم مَن يقرأ البسملة ومنهم مَن لا يقرؤها، ومنهم مَن يجهر بها ومنهم من لا يجهر بها، وكان منهم مَن يقنت في الفجر ومنهم من لا يقنت، ومنهم من يتوضأ مِن الحجامة والرعاف والقيء، ومنهم من لا يتوضأ من ذلك، ومنهم من يتوضأ من مسّ الذَّكر ومسّ النساء بشهوة، ومنهم من لا يتوضأ من ذلك، ومنهم من يتوضأ من القهقهة في صلاته ومنهم من لا يتوضأ من ذلك، ومنهم من يتوضأ من أكل لحم الإبل ومنهم من لا يتوضأ من ذلك، ومع هذا فكان بعضُهم يصلي خلف بعض: مثل ما كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرهم يصلون خلفَ أئمة أهل المدينة مِن المالكية وإن كانوا لا يقرءون البسملة لا سرًا ولا جهرًا، وصلى أبو يوسف خلف الرشيد وقد احتجم وأفتاه مالكٌ بأنه لا يتوضأ، فصلى خلفه أبو يوسف ولم يُعد.
وكان أحمد بن حنبل يرى الوضوء مِن الحجامة والرّعاف فقيل له: فإن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضأ. تصلي خلفه؟ فقال: كيف لا أصلي خلف سعيد بن المسيب ومالك؟!".
نسأله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يهدينا لأحسن الأقوال والأعمال والأخلاق، إنه على كل شيء قدير،،
والحمد لله رب العالمين.
__________________________________________
يمكنكم تحميل نسخة عالية الجودة من هنا
** لا يحقّ طباعة الكتب دون الحصول على موافقة خطية من هيئة الشام الإسلامية