حمص تستقبل وفد المراقبين بطلب الحماية الدولية و"الأسد" يستقبله بتواصل العنف
* لم يغير وصول المراقبين العرب إلى مدينة حمص أي شيء على الأرض.. فالمدينة التي استقبلت المراقبين بمظاهرة حاشدة ضمت نحو 70 ألف متظاهر هتف محتجوها "نريد الحماية الدولية"، فالمدينة لا تزال تعيش الحصار، وتواصل عمليات القتل، وتفاقم الوضع المأساوي فيها، وأن الأمن السوري مستمر في استهداف المتظاهرين بالرصاص الحي، قبل وبعد زيارة المراقبين التي استمرت ساعات شاهدوا فيها الجثث ملقاة على الثرى قبل أن ينسحبوا عائدين إلى دمشق.
ـ ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن 35 شخصًا على الأقل قتلوا في أماكن متفرقة من سوريا بينهم 6 في حمص في اليوم الأول للوفد في حمص.
ـ تواصل القصف من قبل القوات السورية في حي" بابا عمرو".
ـ إلقاء قوات الأمن السورية القبض على آلاف الأشخاص في إطار حملتها على الانتفاضة المناهضة للرئيس "الأسد" والمستمرة منذ تسعة أشهر.
1ـ زيارة حمص(2):
* استهل وفد بعثة المراقبين العرب جهوده في سوريا بزيارة حمص لمدة ساعة واحدة بسيارات استأجرها تحمل علم الجامعة العربية، برفقة الأمن السوري الذي ترك البعثة عند باب المدينة، وارتدى فريق البعثة سترة مميزة وكابا للرأس عليهما شعار الجامعة العربية، وقد التقى أعضاء الوفد المكون من 12 شخصية ممثلين لـ12 دولة عربية بأعداد كبيرة من المواطنين والمتظاهرين وأسر الشهداء، وحتى من جيش سوريا الحر، وأوضحت مصادر إعلامية:
ـ تفقد وفد المراقبين العرب الأوضاع في محافظة حمص التي تعرضت أحياء منها للقصف والحصار خلال اليومين الماضيين لقمع الاحتجاجات المتصاعدة داخل مدن المحافظة؛ حيث توجه وفد المراقبين إلى حي باب السباع حيث "قاموا بتقييم الأضرار والتقاء أقرباء شهداء وبعض المخطوفين.
ـ سجل المراقبون شهادات الجميع بحرية تامة وفق نصوص البروتوكول، فيما بقي بعض أعضاء بعثة الجامعة في غرفة عمليات بدمشق لمتابعة سير عمل البعثة الميدانية، كما تتابع غرفة عمليات بجامعة الدول العربية بالقاهرة سير العمل، ومن المقرر أن تبدأ بعثة الجامعة زيارة مناطق أخرى في درعا وإدلب.
ـ إبلاغ السلطات السورية يتم قبل ساعات قليلة، على أن تقوم بتوفير الحماية وفق المادة الخامسة في نص البروتوكول، ويشمل ذلك ترك البعثة على أبواب كل مدينة للتأكيد على عدم التدخل في عمل وفد الجامعة.
ـ قبيل وصول المراقبين إلى حمص، انسحبت دبابات تابعة للجيش السوري من حي بابا عمرو الواقع في مدينة حمص (وسط) كما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان.
ـ بالتزامن مع زيارة وفد المراقبين لحمص تظاهر نحو 70 ألف شخص وحاولوا الدخول إلى ساحة كبيرة في المدينة كما تظاهر 30 ألفًا آخرين في حي الخالدية لفضح جرائم النظام.
· تندرج مهمة البعثة في إطار خطة وضعتها الجامعة العربية للخروج من الأزمة وتنص على وقف العنف والإفراج عن المعتقلين وانسحاب الجيش من المدن وحرية تنقل المراقبين العرب والصحفيين في كافة أنحاء البلاد.
2ـ تصريحات "الدابي" (3):
* أعرب رئيس البعثة "الدابي" عن تفاؤله بسير عمل البعثة، موضحًا أن مهمة بعثته المراقبة وليست للتفتيش أو تقصي الحقائق، ونفى وجود اسم مستشار محجوب بين وفد المراقبين، واعتبر هذا الكلام فبركة إعلامية، مضيفًا:
ـ سأرسل تقريرًا إلى الجامعة العربية بعد زيارة حمص، ولن نعطي الإعلام أي تفاصيل عن تقارير المراقبة (للأوضاع في سوريا) بل نرسلها إلى الجامعة مباشرة.
ـ نحن بعثة تكتب ما نراه بأعيننا وما نسمعه بآذاننا إلى الجامعة العربية بكل شفافية حتى لا يكون هناك أي التباس في اتخاذ القرار، سواء لمصلحة أو ضد (أي طرف) من أطراف الأزمة السورية.
ـ فريق المراقبين إلى حمص ضم ما لا يقل عن عشرة أشخاص وهم من دول عربية عدة، للوقوف على ما يجري في المدينة.
ـ حتى الآن الموقف هادئ، والأمور مبشرة، وأنا متفائل بأن نمشي (نخطو) خطوات إيجابية إلى أمام.
ـ مسؤولية الحماية سورية حكومية، أما المعدات والآليات فهي من مسؤوليات الجامعة العربية. والآن لدي من المعدات ما يمكنني من البداية وسنوسع العمل عند وصول معدات جديدة تساعد المراقبين في أداء عملهم.
3ـ "الدابي" في سطور(4):
ـ يمتلك السفير في وزارة الخارجية السودانية الفريق "محمد أحمد مصطفى الدابي" (63 عامًا) الذي عينته الجامعة العربية يوم 20 ديسمبر 2011، رئيسًا لبعثة مراقبيها في سوريا، خبرة عسكرية وأمنية ودبلوماسية اكتسبها خلال مسيرة مهنية امتدت أكثر من أربعين عامًا في بلده السودان.
ـ من مواليد فبراير العام 1948، في مدينة "بربر" بولاية نهر النيل شمال العاصمة (الخرطوم).
ـ التحق في العام 1969 بالجيش السوداني ضابطًا برتبة ملازم.
ـ تدرج في الرتب العسكرية وصولاً إلى رتبة فريق.
ـ تولى إدارة الاستخبارات العسكرية للجيش السوداني في 30 يونيو 1989 (وهو اليوم الذي انقلب فيه (الرئيس الحالي) عمر البشير على الحكومة في السودان آنذاك).
ـ في 21 أغسطس العام 1995، ترك العمل في الاستخبارات العسكرية.
ـ تقلد بعد ذلك منصب مدير الأمن الخارجي بجهاز الأمن السوداني في يوليو 1995 حتى نوفمبر 1996.
ـ بعد ذلك تم تعيينه في منصب نائب رئيس أركان الجيش السوداني للعمليات الحربية.
ـ بقي في هذا المنصب حتى فبراير 1999 وهي فترة تزامنت مع بعض أشرس المواجهات في الحرب الأهلية بين شمال وجنوب السودان.
ـ في العام 1999، غادر الخدمة العسكرية.
ـ بين شهري فبراير وأغسطس من العام 1999، عمل الدابي ممثلاً لرئيس الجمهورية لولايات دارفور مسؤولاً عن الأمن بها مع تفويضه صلاحيات رئيس الجمهورية قبل اندلاع التمرد في الإقليم العام 2003.
ـ سفير السودان لدى قطر (1999 ـ 2004).
ـ عاد بعد ذلك إلى السودان حيث عين مساعدًا لممثل رئيس الجمهورية في دارفور. وكان ممثل رئيس الجمهورية لدارفور حينها "عبدالرحيم محمد حسين" وزير الدفاع السوداني الحالي الذي أصدر مدعي المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه.
ـ بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1591) في العام 2005، الذي فرض عقوبات على عدد من المسؤولين السودانيين بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في دارفور وعلى رأسهم الرئيس السوداني "عمر البشير"، عين الدابي "منسقًا وطنيًا" للحملة السودانية المناهضة لهذا القرار.
ـ في العام 2007، تولى "الدابي" منصب مفوض الترتيبات الأمنية لدارفور عقب توقيع الحكومة السودانية اتفاق سلام أبوجا مع حركة تحرير السودان جناح "مني مناوي" إحدى حركات دارفور المتمردة.
ـ سفير في وزارة الخارجية السودانية، أغسطس 2011.
ـ في 20 ديسمبر 2011، عينته الجامعة العربية رئيسًا لفريق المراقبين الذين سيزورن سوريا في إطار الخطة العربية لحل الأزمة السورية، وهي أول مهمة من نوعها منذ تأسيس الجامعة العربية في العام 1945.
1ـ طلب الحماية الدولية(5):
* أكد "هيثم المالح"عضو المكتب التنفيذي، في المجلس الوطني السوري أن النظام السوري رفض المبادرة العربية والبروتوكول على أرض الواقع، داعيًا الجامعة العربية إلى إحالة الملف السوري إلى مجلس الأمن، واصفًا موقف المجتمع الدولي بأنه مكتوف اليدين، مشددًا على ضرورة القيام بإجراءات حاسمة وخطوات سريعة لوقف شلال الدم في سوريا، موضحًا:
ـ لا يوجد سبيل لمنع النظام المجرم من انتهاك حقوق شعبه سوى أن يقوم مجلس الأمن بإصدار قرار تحت البند السابع بوقف العمليات الحربية في سوريا، ومن ثم إحالة الملف إلى محكمة الجنايات الدولية لإصدار مذكرات توقيف بحق هؤلاء المجرمين.
ـ استمرار سياسة القمع والترويع وانتهاك الحرمات، إضافة إلى عجز الجامعة العربية، سيدفع إلى تدويل الأزمة السورية، منوهًا بأن الشعب السوري واقع تحت حصار النظام الإجرامي منذ 10 أشهر.
2ـ طلب إقامة منطقة عازلة(6):
* طالب المعارضون السوريون مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإصدار قرار بشأن إنشاء منطقة عازلة في سوريا، حيث ترددت أنباء عن مقتل العشرات من المدنيين، في حمص في نفس اليوم الذي زار فيه مراقبو الجامعة العربية المدينة. وقال "خالد خوجه" ممثل المجلس الوطني السوري في تركيا إن النظام السوري يحاول إثارة حرب أهلية في سوريا، وإن أفضل طريقة فعالة لتجنب هذه الحرب الأهلية هي إنشاء منطقة عازلة وممر بشري من خلال قرار من مجلس الأمن.
1ـ قراءة في زيارة الوفد العربي لحمص(7):
ـ بدأ مراقبو الجامعة العربية مهمتهم الصعبة في سوريا بجولة في مدينة حمص المشتعلة، والتي استقبلتهم بتظاهرة حاشدة مناهضة للنظام ضمت نحو 70 ألف شخص، وغداة سقوط 34 قتيلاً برصاص القوات السورية، كما ذكر ناشطون.
ـ زيارة حمص ستقدم لوفد المراقبين دون شك رؤية أولية لما يحدث على الأرض، وقد تم بث شريط فيديو على موقع يوتيوب ظهر فيه عدد من المراقبين العرب في حمص وسط تجمع من سكان المدينة يحاولون إقناعهم بالتوجه إلى الحي الذي يسكنون فيه ليروا بأم العين ما يحصل، في حين قالت قناة "الدنيا" المؤيدة للنظام أن وفد مراقبي الجامعة العربية توجه إلى حي باب السباع، حيث "قام بتقييم الأضرار التي سببتها المجموعات الإرهابية والتقوا أقرباء شهداء وشخصًا خطفته" هذه المجموعات من قبل. ويتضح من تضارب هذه الرؤى أن كل فريق يسعى لكسب فريق الجامعة العربية لجانبه، في حين أن الحقائق على الأرض كفيلة وحدها بحسم موقف المراقبين مما يحدث.
ـ وجود فريق المراقبين في سوريا لا يعني أن الجامعة العربية تقف موقف المتفرج، أو بعيدة عما يحدث، أو تركه لتستغله جهة ما، وفي هذا السياق جرى اتصال هاتفي يوم 26/12/2011 أمس بين الشيخ "حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى" رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، رئيس اللجنة العربية المعنية بالأزمة السورية، والسيد "نبيل العربي" الأمين العام لجامعة الدول العربية، وتم خلال الاتصال متابعة سير مهمة لجنة المراقبين وتطورات الوضع المتردي هناك خاصة فى ضوء استخدام القوة المفرطة من جانب السلطات السورية ضد المدنيين وبشكل وحشي، مما أدى إلى سقوط مزيد من الضحايا المدنيين، وتم الاتفاق خلال الاتصال على مواصلة متابعة سير عمل المراقبين العرب واتخاذ الخطوات التالية بعد تقييم نتائج مهمتهم وتبعاً لتطورات الموقف.
2ـ الوفد العربي يعطي الفرصة والوقت لـ"الأسد" ليقتل شعبه(8):
ـ نخدع أنفسنا، والسوريين، عندما نردد في وسائل إعلامنا عبارة وفد المراقبين العرب؛ فهم ليسوا كذلك؛ بل إنهم وفد المتفرجين العرب، الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا يمكن أن يرجى من زيارتهم إلى سوريا شيء يذكر، غير إعطاء الفرص للنظام الأسدي لينكل بالشعب الأعزل.
ـ فمنذ وصول وفد المتفرجين العرب إلى سوريا وعدد القتلى السوريين على يد آلة القتل الأسدية في ازدياد، ومعاناة السوريين في تصاعد، وكذب النظام الأسدي لا ينتهي. وأكبر كذبة هي مسرحية التفجيرات الهزلية بدمشق التي نسبت لتنظيم القاعدة تارة، ولحركة الإخوان المسلمين السورية تارة أخرى. لذا فإن وفد المتفرجين العرب، ومع الاحترام لكل أعضائه، ليس له قيمة تذكر؛ فحمص تحت حصار دامٍ، وقمع لم يقم به حتى الإسرائيليون بحق الفلسطينيين، أو غيرهم من العرب؛ ففي حرب لبنان 2006، مثلا، هب العالم لإيقاف الآلة العسكرية الإسرائيلية، ونجح، خلال أشهر قليلة لم تتجاوز الثلاثة أشهر، كما هب العالم لإيقاف آلة الحرب الإسرائيلية بغزة، وأوقفت في فترة محدودة، بينما نجد أن قوات "بشار الأسد" تعربد بحق السوريين لمدة قاربت عشرة أشهر، أو أكثر، هذا ناهيك عن تدمير المساجد، وهدم المنازل، وقتل الشيوخ والنساء والأطفال، وبشكل لم تفعله حتى إسرائيل بحق الفلسطينيين، أو أي من العرب. فهل يمكن بعد ذلك كله الوثوق بوفد المتفرجين العرب، أو حتى بالجامعة العربية نفسها؟ الإجابة بكل بساطة هي: لا!
ـ سبق وأن قال الشيخ "حمد بن جاسم" إن سوريا على مشارف نهاية الطريق، ثم قال إنها تقترب من التدويل، وقبل ذلك كله قال بن جاسم لـ"الأسد" إنه لا مجال للف والدوران، إلا أن تصريحات قطر لم تكن إلا كلامًا لا يسمن ولا يغني من جوع، وعكس ما تم حيال ليبيا، بل أقل من الموقف القطري تجاه اليمن، و"علي عبدالله صالح"؛ حيث انسحبت قطر من المبادرة الخليجية لأن "صالح" كان قد سوف وماطل فيها، قبل أن يوقع في السعودية. اليوم نجد النظام الأسدي في سوريا يسوِّف، ويماطل، ويكذب، ويقتل، ويعيث في الأرض فسادًا، ولا موقف قطريًا واضحًا، وليس القصد هنا تسجيل نقاط سياسية تجاه الدوحة، بل لأن قطر هي من يترأس اللجنة العربية المعنية في سوريا، كما لا نلمس موقفًا عربيًا واضحًا أيضًا، عدا عن لعبة المتفرجين العرب، الذين لم يبدؤوا زيارتهم إلى سوريا بمدينة حمص التي تئن تحت قصف المدافع الأسدية، هذا ناهيك عن باقي المناطق السورية الأخرى التي تعربد بها آلة القتل الأسدية، بل دشنوا رحلة الفرجة بدمشق، وزيارة التفجيرات المهزلة.
ـ وعليه.. فإذا لم يتحرك العرب لنقل الملف السوري إلى مجلس الأمن، أو إعلان فشلهم، وفشل المبادرة العربية الفاشلة أصلاً، فإنهم ليسوا إلا طرفًا مشاركًا بمعاناة العزل السوريين، وسببًا لما ستؤول إليه الأمور بسوريا؛ فالساكت عن الحق شيطان أخرس، والجامعة، ووفدها في سوريا، ليسوا إلا متفرجين، وسببا في إطالة عمر الأزمة السورية؛ حيث يمنحون النظام الأسدي فرصة تلو الأخرى لقتل السوريين العزل.
3ـ مظاهر الانقسام الإقليمي بصدد الأزمة السورية(9):
ـ لا يمثل المحيط الإقليمي لسوريا سوى امتداد للوضع القائم فيها اليوم، إذ هو بالمختصر الشديد منقسم ومتناقض كما هو الوضع في سوريا، منقسم ومتناقض بين النظام والحراك الشعبي، وهو وضع قائم منذ انطلاق حركة الاحتجاج والتظاهر في أواسط مارس الماضي، وهو سوف يستمر؛ سواء انتصرت الثورة في سوريا، وأسقطت النظام الحاكم، أو استطاع النظام إخضاع الثورة وإعادة إحكام قبضته على البلاد، وهو احتمال يبدو خارج أغلب التقديرات.
ـ الحديث عن المحيط الإقليمي لا يعني بالضرورة المحيط المجاور لسوريا بكياناته الخمسة، بل هو أبعد من ذلك إلى الكيانات الإقليمية، التي تتأثر وتؤثر في الواقع السوري، وفي هذا تندرج تركيا والعراق وإيران ودول الخليج العربية إضافة إلى مصر ولبنان وفلسطين وإسرائيل، وكلها أطراف سوف تتأثر بما سيؤول إليه الوضع السوري من نتائج، وهي في المرحلة الراهنة ذات تأثيرات مباشرة وغير مباشرة فيه.
ـ أساس الانقسام الإقليمي حيال الوضع السوري يستند إلى عوامل أيديولوجية وأخرى سياسية، وهذا ينطبق على الدول والجماعات السياسية والتنظيمات الأهلية والاجتماعية، كما ينطبق على مواقف شخصيات وفعاليات سياسية واقتصادية واجتماعية ذات تأثير في المنطقة، وفيها جميعا من يستند في موقفه السوري إلى بعد أيديولوجي وربما سياسي، بل إن البعض يجمع في خلفية موقفه السوري كلاً من الأيديولوجي والسياسي في آن معًا، على نحو ما تفعل الأغلبية الفلسطينية، حيث ترى في سوريا حاضنة أيديولوجية وسياسية للقضية الفلسطينية.
ـ أبرز نماذج الانقسام الإقليمي في الموضوع السوري يتمثل في النقاط التالية:
· الاصطفاف الإيراني مع "حزب الله" اللبناني، وقد انضم العراق إلى هذا الاصطفاف مؤخرًا وقوفًا إلى جانب نظام دمشق بصورة حاسمة، وأساس الموقف سياسي فيه خليط من الأيديولوجيا الدينية والطائفية، يعود إلى توافقات الموقف السياسي بين الإيرانيين و"حزب الله" مع نظام دمشق، وخاصة فيما يتعلق بموضوع الصراع العربي ـ الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، لكن الاختلاط الأيديولوجي مع السياسي صار أكثر وضوحًا بعد انضمام العراق إلى هذه الكتلة، وقد عارضت سلطته في أوقات سابقة سياسات دمشق ومواقفها؛ ليس في موضوعات الداخل العراقي، بل فيما يتصل بالعراق من مواقف إقليمية ودولية، غير أن ضغوطات إيران على القيادات العراقية، دفعت الأخيرة إلى خيارات جديدة في موقفها السوري.
· موقف تركيا، جارة سوريا في الشمال، التي تقاربت مع موقف الأكثرية العربية، ولا سيما الدول الخليجية، وكان جوهر الموقف حض النظام السوري على المضي في معالجة سياسية للأزمة الراهنة ووقف المعالجات الأمنية/ العسكرية بما تتركه من آثار مأساوية على الشعب السوري. وعلى الرغم من أن أساس الموقف سياسي بما لهذه المجموعة من مواقف ومصالح مشتركة مع سوريا والنظام الحاكم فيها كانت تكرست في أوقات سابقة، فإن إشارات ذات أبعاد أيديولوجية اختلطت فيها الآيديولوجيا الدينية/ الطائفية والقومية في مواقف الأتراك والعرب مع الموقف السياسي، مما أعطى لهذا النموذج طابعه في معارضة سياسات النظام السوري والاقتراب أكثر إلى جانب الثورة السورية.
· الموقف الإسرائيلي الذي أحاطه القلق في بداية الأحداث، وأساس القلق أن أي تبدلات في طبيعة وتوجهات النظام السوري، يمكن أن تقود إلى انقلاب في الأوضاع العسكرية والسياسية المستقرة على جبهة الجولان بين إسرائيل وسوريا، ويؤدي إلى عدم استقرار في الوضع الإقليمي كله، غير أن التطورات التالية أثبتت عجز النظام عن حسم صراعه مع الحراك الشعبي من خلال الخيارات الأمنية/ العسكرية، مما جعل الإسرائيليين أقل حرصًا على استمرار نظام ضعيف، لا يملك قوة حسم صراع داخلي، غير أن هذا الموقف لم يكن ليترك أثرًا في الموقف من مطالب السوريين في الحرية والكرامة وصولاً إلى تغيير النظام، وهي أهداف تعارضها إسرائيل بصورة حاسمة في تأثيرها الداخلي، لأن تحقيقها يمكن أن يوفر أساسًا أفضل لدور العرب والسوريين، خاصة في الصراع مع إسرائيل، وتغيير أسس ومستويات الصراع العربي ـ الإسرائيلي.
· الموقف اللبناني شديد التعقيد والتشابك، ذلك أن موقف الدولة اللبنانية أقرب إلى حياد يصب في خانة خدمة النظام الحاكم في دمشق، وهو أمر يتناسب وحساسيات الانقسام اللبناني، ليس داخل الفئة الحاكمة فقط، وإنما بسبب الانقسام الحاد بين الحكم الذي يديره حزب الله وأنصاره من "8 آذار" واقفين إلى جانب النظام والمعارضة التي يتزعمها تيار المستقبل ومعه أنصاره من "14 آذار"، وهم الأقرب إلى حركة التظاهر والاحتجاج وثورة السوريين من أجل الحرية والكرامة، ويمد هذا الوضع حضوره إلى أوساط النخبة اللبنانية، ومنها الذين لا ينخرطون في أطر الموالاة والمعارضة في لبنان.
ـ انقسام المحيط الإقليمي في موقفه حيال الوضع السوري له امتدادات دولية، وهو كما امتداداته بين عوامل تؤخر حسم الصراع هناك، غير أنه لا يمكن القول إن هذا الاستمرار سوف يتواصل في ضوء ما تشهده سوريا من تطورات، وثمة معطيات كثيرة، تؤشر إلى تبدلات في توازنات المحيط الإقليمي للثورة في سوريا.
4ـ دلالات مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن حول سوريا(10):
ـ بادرت روسيا إلى اقتراح مشروع قرار في مجلس الأمن حول سوريا يدعو الجميع إلى وقف العنف بكل أشكاله، من دون الإشارة إلى عقوبات تُفرض على نظام الرئيس "بشار الأسد".
ـ فاجأ القرار المراقبين، وأعلنت الولايات المتحدة على لسان وزيرة خارجيتها "هيلاري كلينتون"، استعدادَها لمناقشة الاقتراح الروسي، رغم الخلاف عليه وتباين الآراء حوله.
ـ مشروع القرار يؤشر إلى الرغبة الروسية في أداء دور أكبر في الشرق الأوسط، فالورقة الروسية تدعو عمليًا إلى وقف العنف ليس في سوريا فحسب، بل في المنطقة كلها، في وقت يُعِدّ الغرب خطوات تصعيدية إزاء إيران التي يربطها حلف راسخ بالنظام السوري، من شأنها أن تشرع الأبواب في المنطقة على حرب مفتوحة إذا شن هجوم على إيران ومنشآتها النووية.
ـ المشروع الروسي في مجلس الأمن:
· ينفس الضغط على سوريا، ويطرد تاليًا شبحَ الحرب من المنطقة كلها، وهو المرآة للرغبة الروسية في المشاركة الفعّالة في حل الأزمة الإيرانية.
· ليس خطوة روسية يتيمة، فسفن أسطول المحيط الهادئ الروسي تتجه نحو سواحل الصومال، وقطع الأسطول الروسي الشمالي تتجه إلى البحر المتوسط، وإلى القاعدة العسكرية في مدينة طرطوس السورية. الخطوات الروسية هذه قد تحرك عجلة الحل، في وقت تدعم المساعي الروسية الصين، وهو دعم لا يستهان بأهميته.
· يلوي ذراع "بشار الأسد"، ولا يصب في مصلحته، كما يشير أحد المحللين، فهو يدعو النظام إلى وقف العنف ولا يُلزِم المعارضة أي خطوات في مقابل الإحجام عن القمع.
ـ المعارضة السورية مقتنعة بأنه إذا سحب النظام قواته من المدن ستتوقف أعمال العنف، لأن المعارضين يضطرون إلى إطلاق النار ردًا على مصادر النيران، فحين أخلت القوات السورية مدينة حماة، وفق المعارضة، نُظمت تظاهرة كبيرة جمعت نحو 600 ألف من دون وقوع أي حادثة عنف، ولم يهاجم أحد التظاهرات الداعمة للرئيس "الأسد".
ـ يرى بعض المحللين أن الغرب لم يعدْ متحمسًا لقلب نظام "الأسد" بواسطة المعارضة ودول خليجية، مع ترجيحهم ألا يؤدي فتور حماسة الغرب إلى وقف الاحتجاجات السورية.
ـ أهداف المعارضة راديكالية، وهي إخراج "الأسد" من الحكم، لذا لا يبدو أن المشروع الروسي قابل للحياة إلا إذا وافق "الأسد" على التنحي عن الحكم إثر استفتاء شعبي، ويفترض بروسيا، إذا أرادت تعزيز موقعها في الشرق الأوسط، ألاّ تكتفي باقتراح مشروع قرار في مجلس الأمن وإرسال بعض السفن إلى المنطقة، بل أن تصوغ سياسة شاملة وثابتة.
(1) الشرق الأوسط، القدس العربي، الحياة، الخليج الإماراتية، رويترز، إيلاف، أسوشيتد برس انترناشونال، وكالة الأنباء الفرنسية، 28/12/2011.
(2) الشرق الأوسط، الخليج الإماراتية، إيلاف، رويترز، 28/12/2011.
(3) الحياة، 28/12/2011.
(4) الوسط البحرينية، 23/12/2011.
(5) بوابة الأهرام، أسوشيتد برس انترناشونال، 28/12/2011.
(6) رويترز، إيلاف، الشرق الأوسط، 28/12/2011.
(7) رأي الشرق القطرية، 28/12/2011.
(8) طارق الحميد، الشرق الأوسط، 28/12/2011.
(9) فايز سارة، الشرق الأوسط، 28/12/2011.
(10) قنسطنتين فولكوف، الحياة، 21/12/2011.
قالت صحيفة الجارديان (28/12/2011) أن المحتجين السوريين خرجوا في مظاهرة كبيرة في عدد من الأحياء السورية وذلك بعد شعورهم بالاطمئنان لوجود بعثة المراقبين العرب، ولقد أصروا على أن يرى المراقبين حجم الدمار الذي لحق ببعض أحياء مدينة حمص، في حين صرح المجلس الوطني السوري المعارض بان المراقبين يتحركون في نطاقٍ محدود، فرصاص قناصة الأمن السوري منع المراقبين من الوصول إلى احد مساجد المدينة والذي يوجد به جثث عددٍ من القتلى لم يتمكن الأهالي من دفنهم، بما يطرح التساؤلات عن حرية البعثة العربية في التحرك وأثر ذلك على مصداقيتها.
تناولت صحيفة الدايلي تليجراف (28/12/2011) الشأن السوري وقالت انه لم يصدر أي موقف من جانب الحكومة السورية حتى الآن إزاء الانتهاكات المستمرة للمحتجين رغم تواجد بعثة المراقبين العرب في مدينة حمص، وأن ذلك أضعف صورتها أمام إصرار المحتجين على التظاهر ورغبتهم في مقابلة البعثة العربية لإيضاح وإيصال الحقائق لها، حيث خرج عشرات الآلاف منهم وهم مرددين هتافات ضد الأسد في شوارع المدينة مع وقع الرصاص، وذلك رغم أن المبادرة العربية علاوة على مراقبتها للأوضاع أن تقوم بأنها المظاهر المسلحة في المدن السورية وفتح باب الحوار بين الحكومة والمعارضة لكن مهمة المراقبين تقتصر الآن على تقديم التوصية للجامعة العربية حول الخطوة التالية والتي تشمل إمكانية اقتراح زيادة العقوبات على الحكومة السورية وإمكانية تحويل الملف إلى مجلس الأمن وهو ما يطالب به المجلس الوطني المعارض.
بعثة المراقبين العرب في حمص
كتب "جان بيير بيران" في صحيفة ليبراسيون (28/12/2011)، قائلاً إن النظام السوري يلعب لعبة أتقنها في لبنان، وهي خلط الأوراق وإحداث نوع من الفوضى الخلاقة حتى يصعب فهم ما يحدث، بما يصب في مصلحة النظام، الذي سيقدم نفسه في هذه الحالة، على أنه هو الوحيد القادر على ضبط الأمور. ويشككك الكاتب في مصداقية رئيس بعثة المراقبين العرب الفريق أول السوداني "محمد أحمد مصطفى الدابي"، نظراً للعلاقات الوثيقة التي تربط بين نظامي دمشق، والخرطوم، بالإضافة إلى عدم جدارة السودان بهه المهمة –وفق الكاتب- لأن رئيسه مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي، لارتكابه جرائم حرب في دارفور. ويضيف الكاتب أنه لا يتوقع أن تنجح البعثة في تحقيق أهدافها، وأداء مهمتهما.
النظام السوري يسعى لتحويل مهمة المراقبين العرب إلى لجنة تحقيق
يرى "عبد الله اسكندر" في صحيفة الحياة اللندنية (28/12/2011) أن النظام السوري يسعى لتحويل مهمة بعثة المراقبين العرب إلى مجرد لجنة تحقيق شكلية فقط، لا تغير في الواقع السوري شيئاً. ويقول الكاتب إن بعثة المراقبين العرب تواجه عدة مشكلات قد يضعها النظام السوري، ويفرغها بالتالي من مضمونها، وعن أهدافها. فالنظام –وفق الكاتب- يسعى لتحويل مهمة المراقبين من هدفهم بمراقبة مدى التزام النظام بتطبيق المبادرة العربية إلى لجنة تحقيق في تفجيري دمشق. كما يسعى النظام إلى تحويل المراقبين إلى شهود على الأحداث الجارية، يستند إليهم كل من النظام والمعارضة من اجل تأكيد روايته، وهو ما سيدخل المراقبين في متاهات التحقيق والشهادة على هذا الطرف أو ذاك، ويحيدون عن مهمتهم من مراقبة الواقع على الميدان إلى ميدان الصراع السياسي، الذي تجيد دمشق المناورة والمراوغة فيه.