تقرير إعلامي يومي يتضمن أهم الأخبار والتحليلات التي يتم جمعها من الصحافة العربية والأجنبية، ولا يعبر عن رأي الهيئة أو مواقفها تجاه الأحداث
تواصل وتفاقم الأزمة السورية بخرق "الأسد" مهمة "عنان".. رؤى الكتاب والمفكرين
* تفاقمت الأزمة السورية تصعيديًا إلى الأسوأ، نتيجة استمرار الرئيس السوري "بشار الأسد" في وعوده الواهية للمندوبين والمبعوثين العرب والدوليين بوقف إطلاق النار ضد المحتجين السوريين وسحب قواته وشبيحته من المدن السورية، فرغم قبوله خطة المبعوث الأممي ـ العربي لسوريا "كوفي عنان" بوقف إطلاق النار، إلا أن قواته كعادتها تواصل عمليات القتل ضد السوريين العزل، وفي هذا السياق قيم الكتاب والمفكرين تفاقم الأزمة على النحو التالي:
ـ يعتمد النظام السوري في إدارته للأزمة السياسية الداخلية على كسب الوقت واللعب على الخلافات الدولية والاعتقاد في استمرار انقسام المعارضة والتخويف من وجود عناصر لتنظيم القاعدة في سوريا، إلا أن هذه الاستراتيجية غير قادة على تخفيف الضغوط عليه أو مساعدته على الإمساك بزمام الأمور.
ـ يطرح تعامل النظام السوري مع خطط تسوية الأزمة الداخلية ومبادراتها، سواء كانت عربية أو دولية، تساؤلاً مهمًا حول منطلقات إدارته لهذه الأزمة ومدى قدرته على الاعتماد على هذه المنطلقات في مواجهة الضغوط. وبشكل عام، يمكن القول إن نظام "بشار الأسد" يعتمد في إدارته الأزمة الداخلية منذ بدايتها على العديد من المنطلقات الأساسية، مثل:
ـ يتساءل العالم حول موقف النظام السوري الحقيقي من مهمة "عنان"، فلا يوجد سؤال آخر على لسان المراقبين والمهتمين ومواطنين عاديين في العالم، غير السؤال التالي: هل حقًا سيوقف النظام حلاً أمنيًا تصاعد عنفه إلى أن بلغ درجة التدمير الشامل لمناطق واسعة من سوريا، وأخذ أكثر فأكثر شكل انتقام منظم، منهجي ومخطط، طاول الشعب في مختلف المناطق؟
ـ وعد النظام "كوفي عنان" بوقف إطلاق النار، لكنه كثفه خلال الأسبوعين الماضيين إلى الحد الذي أثار شكوك العالم في صدق وعوده. فهل صحيح أنه سيوقفه وسيعيد الجيش إلى ثكناته؟.. لا أعتقد شخصيًا أن هذا صحيح أو أنه سيحدث فعلاً، لكن النظام وضع بديلين سيعتمد أحدهما في المستقبل القريب:
ـ أولهما يقوم على المنطق التالي: لقد أوقعنا قدرًا من الخراب في مناطق الاحتجاج يكفي لردع المواطنين السوريين من جهة، ولإشغالهم بإعادة إعمار مستلزمات وجودهم الحياتية التي تم تدميرها من جهة أخرى. لذلك، ستكون قوى وأسلحة أجهزة الأمن ومن سيرتدون ملابس مدنية من أفراد الجيش المنسحب من المدن كافية لإبقاء هؤلاء تحت ضغط آني وشديد يكفي لوقف حراكهم وتمردهم، عندئذ سيتحقق هدف الحملة الأمنية: تقويض مقومات وجود السكان أو من يبقى منهم حيًا، ووقف المظاهرات الشعبية الكثيفة، التي نجحت طيلة نيف وعام في إقامة توازن عجز عن كسره، جسده بقاء المتظاهرين في الشارع، وها هو يحاول كسره عن طريق إخراج أعداد كبيرة جدا منه!.. بهذه الحسابات، سيسحب قسمًا من الأسلحة الثقيلة من قلب المدن ومناطق الصراع، التي ستبقى في مداها المجدي، لكونها ستوضع في أماكن قريبة منها، سيبلغ "عنان" ومراقبه أنها معسكراتها الأصلية التي كانت دومًا. بذلك، سيكون ممكنًا استعمالها من جديد عند الضرورة، في حال اتسع التمرد من جديد وصار من الصعب احتواؤه بقوى الأمن والشبيحة، ويرجح أن تنجح قوى القمع في تغطية البلاد وشل حركة المواطنين بواسطة بنادقها الرشاشة، حسب ما حدث في معظم الحالات إلى الآن. إذا حدث هذا، أمكن إبلاغ "كوفي عنان" بأن النظام ينفذ مهمته، بينما يبقى الوضع تحت السيطرة وتتم تهدئته، بعد أن تكفلت الحملات الأمنية بسحق كتلة بشرية هائلة من المتظاهرين أخرجت من الحراك، فلا شيء يمنع أعداد القوى الأمنية الكبيرة وأسلحتها من السيطرة على الناس وردعهم إن نجحوا في الوصول إلى الشارع، بمعونة العساكر والجيش إن كانت هناك حاجة إلى ذلك.
ـ لن يتقيد النظام بهذا البديل، لأنه سيجد نفسه من جديد أمام الحركة الشعبية، كما تؤكد أدلة كثيرة أهمها استمرار المظاهرات والاحتجاجات في المناطق التي احتلها النظام وروعها ودمر مقومات وجود المواطنين فيها!.. إن تجدد الحراك فلن يكون هناك وقف لإطلاق النار، وسيقتصر الأمر على تعديل طريقة تنفيذ الحل الأمني: وسيعتمد النظام حلاً أمنيًا يقوم على إطلاق النار بشكل جديد.
ـ هناك سيناريو آخر، يأخذ في الاعتبار أن النظام يركز في هجومه الراهن على الجيش الحر وقواعده الاجتماعية ومصادر تعبئته، واعتقاده أنه يحقق تقدما جديا خلال القضاء على تشكيلاته الرئيسة في مختلف مناطق انتشارها، وأن من غير الجائز توقفه الآن، لأن ذلك سيمكن الجيش الحر من إعادة تنظيم وحداته وتطوير سلاحه. في هذا الحال لن يتوقف إطلاق النار أيضًا، بل سيتسع وسيستمر ويتصاعد.
ـ في الحالتين، يستبعد أن ينفذ النظام تعهده تجاه "عنان"، وسيبذل جهدًا إضافيًا لإفشال مهمته بعد أن أفشل في الماضي المبادرة العربية ومحاولات المعارضة إيجاد حل سياسي للأزمة. ما الذي سيحدث بعد إعلان النظام رفض الالتزام بوقف إطلاق النار؟.. هل سيذهب "عنان" مرة أخرى إلى مجلس الأمن، لرفع سقف التفاهم الأمريكي ـ الروسي على خطوات دولية مشتركة بصدد المسألة السورية؟.. هذا الاحتمال هو الأرجح، ولعله مما سيعزز دور "عنان" فيه قيام المعارضة السورية باتخاذ موقف داعم لمهمته، وموقف آخر يغري الروس بتصعيد تفاهمهم مع بقية العالم، وممارسة ضغوط على النظام كي لا يورطهم في حرب أهلية ستزداد ضراوة بينه وبين شعبه، لا بد أن تشارك فيها ذات يوم قوى إقليمية، بعد أن أعلن خاتمي أن إيران لن تسمح بهزيمة الأسد، وهدد الملا أحمد خاتمي بإحراق الخليج إن هو سلح المعارضة السورية؟
ـ ستكون الفترة القليلة القادمة نقطة افتراق حقيقية في تطور الأزمة السورية، وستبين ما إذا كانت ستتم السيطرة عليها أم أنها ستذهب إلى مرحلة جديدة لن تكون خطيرة على سوريا وحدها، وإنما على العرب والعالم في آن معا!
ـ لم تكن خيبة الأمل مفاجئة من تعاطي النظام السوري مع خطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية "كوفي عنان" للتوصل إلى تسوية توقف مسلسل القتل ونزيف الدم الذي يخلف يوميًا عشرات الضحايا الأبرياء.
ـ النظام السوري يجيد فن المناورة، لذلك قدم في البداية مؤشرات وبوادر حسن نية لاستدراج المجتمع الدولي دون ضمانات للالتزام بما تنص عليه خطة "عنان"، لذلك من الضروري التنبه إلى مخاطر الانزلاق نحو متاهات لا تقدم ولا تؤخر في سبيل حل الأزمة السورية، ولعل خريطة الطريق التي أعلنتها قطر في مؤتمر أصدقاء سوريا الأخير بإسطنبول من خمس نقاط هي أفضل مخرج للخروج من هذا المأزق، بما في ذلك ضرورة إرسال قوات عربية أممية مشتركة إلى سوريا لحفظ السلام، وإقامة مناطق آمنة على الأراضي السورية لتوفير الحماية وتقديم الدعم للشعب السوري.
ـ مؤشرات التوتر تبدو أقوى من بوادر التهدئة التي تسعى خطة "عنان" إليها وتدعمها الجامعة العربية، مما يعني رسميًا إفشال النظام لهذه الخطة، واتجاه المعارضة للتصعيد في سبيل نيل حقوقها المشروعة، فقد قال السيد "برهان غليون" رئيس المجلس الانتقالي السوري إنه لا يمكن للمجلس الوطني بوصفه الممثل الشرعي للشعب السوري أن يقبل بان يحول النظام مبادرة "عنان" إلى رخصة جديدة للقتل، كما أعلنت القيادة المشتركة للجيش السوري الحر في الداخل أنها تمهل النظام السوري مهلة 48 ساعة لوقف القصف وسحب الآليات تحت طائلة استئناف العمليات الهجومية ضد قواته.
ـ كل ذلك يشير إلى مزيد من التصعيد ستشهده الساحة السورية خلال الأيام القادمة، ضحيته الشعب البريء، المتطلع للحرية، فهل سيواصل المجتمع الدولي صمته وتفرجه؟
ـ الانقسام حول الوضع في سوريا يتسع بدل من أن يتوحد، رغم الموقف السعودي والقطري الصريح في إدانة النظام ورموزه والمطالبة بدعم المعارضة وحتى تسليحها، إلا أن المواقف المساندة المترددة والمتجاهلة للوضع والمتفرجة على مشهد القتل والدمار اليومي من قبل دول خليجية وعربية خرج بعضها من رحم الديكتاتورية وعلى رأسها العراق الذي استضاف القمة العربية الأخيرة وعمق الخيبة من استمرارها ووجودها وشرعيتها كمظلة تجمع الدول العربية والتي يعيش معظمها أوضاعا مزرية ومتردية ومصنفة عالميا كدول فاشلة.
ـ الوضع في سوريا يزداد تعقيدًا ويستعصى على إيجاد تسويات مقبولة. لا المواقف الدولية قادرة أن توقف العنف وآخرها مهمة "كوفي عنان" المبعوث المشترك للأمم المتحدة، ولا مبادرات وتحركات وبعثة مراقبي جامعة الدول العربية.. فالنظام يستمر في القتل وسفك الدماء بلا هوادة أو تراجع أو استسلام وهو مسنود من أطراف دولية وإقليمية وعربية ومدعوم ماديًا وعسكريًا واقتصاديًا من إيران والعراق وروسيا والفيتو الصيني.
ـ لماذا لم يقع النظام كما حدث في تونس ومصر من الداخل أو في ليبيا من الداخل والخارج صحيفة "التايمز" البريطانية ذكرت أن "بشار الأسد" استفاد من أخطاء المعارضة السورية المنقسمة ومن الموقف الدولي المتخبط، فمن ناحية المقاومة المسلحة. فإن الجيش الحر مكون من منشقين عن النظام ممن لا يملكون الأسلحة والعتاد والقيادة الموحدة كما أن محاولات النظام للدفع بعسكرة الانتفاضة أدت إلى أحداث بلبلة في أوساط المتظاهرين الذين لم يكن كل واحد منهم مستعدا لحمل السلاح والدخول في مواجهة معه. أما بالنسبة للمعارضة فقد نجح النظام في تقسيمها، فهناك من طالب وبعبارات غامضة بإصلاح النظام وهناك طرف ثان رفع شعار إنهاء حكم عائلة "الأسد" وطرف ثالث رفض إنهاء الانتفاضة بدون تغيير للنظام بشكل كامل وليس الإطاحة بعائلة "الأسد".
ـ نتيجة لذلك نجح "الأسد" في استغلال الانقسام وقام بزرع ما يعرف بـ "الغواصات" داخلها وهم رجال النظام ممن دخلوا المعارضة واخذوا يتحدثون باسمها ويظهرون أنهم معارضون للأسد ويسبون نظامه، مما أدى إلى حرف المعارضة عن أهدافها وتأكيد انقسامها كما أن الموقف الدولي من النظام كان عاملا من عوامل استمراره ولمدة عام على الرغم من المطالب برحيل الأسد.
ـ على الصعيد الخارجي والدولي فالمواقف متشتتة وغامضة وغير متحمسة فلا يوجد الكثير في سوريا لكي يحارب المجتمع الدولي من أجله وخصوصًا في ظل غياب عنصر مادي فاعل كالنفط والغاز لتسديد فاتورة التدخل العسكري كما حدث في الكويت والعراق وليبيا. تقرير صحيفة "التايمز" البريطانية يشير إلى أن الموقف الأمريكي الذي كان داعمًا في بدايته لثورات الشوارع العربية ظل غامضًا في سورية. الرئيس الأمريكي قال على "الأسد" الرحيل ولم يحدد إلى أين يذهب فباستثناء إيران فالأسد ليس هناك مكان يرحل إليه كما حدث مع العقيد "القذافي"، ومن هنا لم يجد أمامه سوى القتال وتدمير المدن مثل حمص وحماة وإدلب وجسر الشغور ودرعا واتباع سياسة "الأرض المحروقة".
ـ وتنبع أخطاء أوباما من أخطاء الأمم المتحدة التي لم تكن قادرة على تقديم موقف متماسك، وخطة "عنان" لوقف إطلاق النار وحل الأزمة انتهت بتحويل الموضوع إلى أزمة إنسانية يرتبط حلها بالحفاظ على الوضع القائم والسماح للخبراء وعمال الإغاثة بتوفير الإعانات للمناطق المنكوبة. ومن أخطاء الأمم المتحدة وأمريكا عدم قدرتهما على فهم المطالب الروسية وبالتالي تطمينها خاصة في ما يتعلق بقاعدتها العسكرية في "طرطوس"، كما يشير التحليل إلى أن موسكو تخشى الآن من التحالف الأمريكي الإخواني، حيث يسيطر الإسلاميون الآن على تونس ومصر والمغرب وليبيا. ويرتبط موقف روسيا بالدعم الذي قدمه الإسلاميون للحرب في الشيشان.
ـ مهمة "عنان" ليست سهلة، فهي لا تنحصر في وقف العنف وإنما في إنتاج حل سياسي عبر التوصل إلى اتفاق بين الأطراف على مرحلة انتقالية تتيح التغيير السلمي المنشود للسلطة. المعضلة الأساسية أمام "عنان"، هي أن النظام لا يعترف بالمعارضة؛ حيث يصنفها إما في إطار (العصابات المسلحة ـ الجيش السوري الحر) أو المعارضة العميلة للأجندات الخارجية (المجلس الوطني).
ـ في المقابل ترفض المعارضة الحوار مع النظام وتقول إنه فقد شرعيته ومصداقيته بعد كل القتل الذي حصل، وان كل همه هو إعادة إنتاج نفسه والبقاء في السلطة، وفي العمق تراهن المعارضة على الزمن لدفع النظام إلى الانهيار من خلال تصعيد الحراك الشعبي واستنزافه اقتصاديًا وعسكريًا وأمنيًا واجتماعيًا وعزله إقليميًا ودوليًا، وهذا أمر يكشف من جهة عن غياب الثقة الكاملة بين الجانبين، ومن جهة ثانية عن رهان كل طرف على عامل الوقت وأوراقه للنيل من الأخر وإجباره على القبول بأجندته، والنظام السوري ينطلق في قناعته هذه من استراتيجية المزدوجة، والتي تقوم على دعامتين:
ـ على المستوى الإقليمي، ثمة أزمة ثقة مختلفة، فالدول المنخرطة في عملية تغيير النظام السوري (دول الخليج العربي ـ تركيا) لا تثق بالنظام وترى أن تعاطيه مع خطة عنان هو من باب تمرير الوقت، فيما النظام نفسه يرى أن هذه الدول غير معنية بحل سياسي للأزمة بل أن هدفها الأول والأخير هو التخلص منه، عنفًا أو سلمًا.
ـ ما سبق لا يعني أن مهمة "عنان" مستحيلة بل تبدو على شكل فرصة ممكنة، فالنظام السوري يدرك أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء وأن بعد كل ما حصل لا يمكن إدارة البلاد بالشكل القديم، وأن البحث عن مخرج سياسي في النهاية هو الحل، وعليه وافق على مبادرة "عنان" بغض النظر عن النوايا، ومن هنا يبدو أن التحدي أمام المبعوث الأممي بعد حصوله على موافقة النظام السوري على خطته والدعم الروسي والصيني لها يكمن في كيفية إقناع المعارضة بأن أسلوبها الرافض للحوار هي جزء من الأزمة وليس الحل وضرورة إعطاء فرصة للحوار بدلا من العسكرة، كما أن مهمته المزدوجة هنا تكمن في كيفية إيجاد آلية للحوار بين الطرفين لكسر غياب الثقة في المرحلة الأولى، ومثل هذا الأمر لا يمكن دون آليات واضحة ومحددة، فضلاً عن توفر ضمانات دولية لتنفيذ بنود خطته بمواكبة إقليمية ودولية مباشرة.
ـ دون شك مهمة "عنان" تبدو مفصلية في تحديد مسار الأزمة السورية، سواء نحو التسوية المنشودة أو الصدام والانزلاق نحو الهاوية، ولعل قضية سحب الجيش من المدن ووقف عمليات العسكرية مقابل وقف الجيش الحر عملياته، تشكل المحك الحقيقي لمعرفة النوايا وإلى أين ستسير الأزمة في المرحلة المقبلة.
ـ من يتبع من، الهلال الشيعي وفيتو روسيا والصين، هذين القطبين غير المتوازنين، كانا متنافرين يومًا، والآن المصالح المتنوعة تجمعهما على ساحات الثورة الشبابية وفي أروقة الصراع الدولي، والتي تدفع، هي الثورة السورية، وبدماء الشهداء.
ـ أثبتت الثورات الحالية تغييرًا في مقولة كانت دارجة وهي أنه ليست فقط العلاقات السياسية غير دائمة بل المصالح الاقتصادية أيضًا. السلطة السورية سوف تزول آجلاً أم عاجلاً وهي مرتبطة بأكثره مع مدى التغيير في مواقف روسيا والصين، بعد التأكيد على مصالحهما، فلا المالكي وتصريحاته الأخيرة ولا نصر الله الثوري الدائم يستطيعون تغيير الجدلية الآتية، والحتمية التي اندرجت فيها مصير سوريا.
ـ حدد وزير خارجية سوريا "وليد المعلم" موعده مع وزير خارجية روسيا "سرجي لافروف" قبل أن تبدأ خطة "كوفي عنان" والدبلوماسية تجري على سوية التسول أمام روسيا والصين، للحفاظ على الفيتو، وبه الحفاظ على الأسد وحاشيته، والمتوقع بأن الخطة ستنتهي ثالثة في أروقة مجلس الأمن، والجميع يدركون بأن السلطة السورية سوف لن توفي بوعدها، وسوف لن تنفذ أي بند من الخطة، رغم التضخيم الإعلامي له، والتأكيد المتواصل على التمسك بكل ما ورد فيه امتصاص للدبلوماسية العالمية، واستغلال لعامل الزمن الذي تحاور عليه السلطة كثيراً مع أصدقائها.
ـ الاقتناع بأن السلطة السورية سوف تعارض عمليًا تنفيذ أي خطة مطروحة لوضع الحلول للمجتمع السوري كمجتمع له قيمه الإنسانية وله ثقله ومفاهيمه، لذلك، فلا خطة "كوفي عنان" ولا الخطط السلمية المتوقعة طرحها في القادم من الزمن كالتي سبقتها من مجلس الأمن والجامعة العربية سترى لوجودها ركيزة أو تأييدًا منطقيًا على الساحة النظرية والعملية، وكل ما يجري حتى اللحظة هي خسارة للثورة، سقوط المزيد من الشهداء في ساحات الوطن، وتمديد متعمد لعمر السلطة. والذين يعاندون التدخل الخارجي وتحت الذرائع والأمثلة المختلفة يرجحون بشكل أو آخر كفة السلطة، ويثبتون دعائم الإجرام فيه ويعطونه الثقة بأنه في أعماله هذه سوف لن يكون هناك من رادع قوي خاصة والدعم للجيش السوري الحر لا يزال في أروقة النقاشات والتداول الدولي.
ـ تبحث الآن السلطة السورية في تمديد خطة "كوفي عنان" تحت بنود متنوعة وبمساعدة روسيا، وهذه واحدة من نقاط التسول التي سيطرحها "وليد المعلم" على وزير خارجية روسيا "سرجي لافروف" سيحاولون تأويل البنود حسب منطقهم، سوف لن يكون هناك سحب للقوات، خاصة من المناطق الساخنة، حتى ولو افترضنا بسحبها للقوات الثقيلة، فإن السلطة السورية ستضع شروط التظاهر والمسيرات السلمية بالتمسك بالدستور، أي الحصول على رخص قبل التجمع وفي أعداد محددة ومناطق معينة.
ـ ستصل سوريا إلى النتيجة التي تطلبها القوى الدولية وبعض الدول العربية وبعض أطراف المعارضة الخارجية والداخلية كهيئة التنسيق، وهي تطبيق البرنامج اليمني على سوريا، حصانة كاملة لآل الأسد، والإبقاء على رموز السلطة في الحكم، والنظام سيبقى قائمًا يواجه الثورة تحت واجهة ديمقراطية مشوهة، سيبدؤون ببناء سلطة مشتركة من الانتهازيين الذين يحسبون على المعارضة والبعض من رموز السلطة الحالية، والثوار سيبقون هناك يصارعون جبهتين متحدتين في سلطة واحدة مغطاة بديمقراطية مهترئة، وما يمكن مطالبة المعارضة السورية به هو:
ـ النظام السوري يريد اجتثاث المعارضة من جذورها وفرض سلطته على جميع أنحاء البلاد بالقوة ومهما بلغ عدد الضحايا، والمعارضة تريد إسقاطه سواء بتدخل عسكري خارجي أو ثورة مسلحة أو الاثنين معًا، وكل ما يقال عن التزام الجانبين بخطة المبعوث الدولي هو مجرد تضليل.
ـ يقول المبعوث الأممي إن السلطات السورية سحبت قواتها من مدن لتعيد تمركزها في أخرى، ويطالب بالتريث وتمديد المهلة إلى يوم لو لزم الأمر، ولكنه يرفض في الوقت نفسه القول أن العنف يجب ان يتوقف من دون شروط مسبقة في إشارة إلى طلب السلطات السورية بتطبيق جزئي وإدخال تعديلات على نقاط المبادرة الست.
ـ الإدارة الأمريكية ومعها دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة حكمت على مبادرة "كوفي عنان" بالفشل، وقالت إن نظام دمشق لم يحترم تعهداته، أي الانسحاب من المدن ووقف أعمال القتل، وطالبت مجلس الأمن الدولي بتقييم الوضع على هذا الأساس والتدخل لوضع حد لأعمال العنف.
ـ المملكة العربية السعودية هدأت تجاه الأزمة السورية أو في العلن على الأقل، وتراجعت بشكل ملحوظ عن حماسها الذي عبر عنه بوضوح وزير خارجيتها "سعود الفيصل" الذي انسحب على غير العادة من اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، وأكد أن بلاده ستسلح المعارضة السورية للدفاع عن الأبرياء الذين يقتلهم النظام، وأيدتها دولة قطر دون تحفظ.
ـ التراجع السعودي ربما يكون راجعًا إلى حسابات دقيقة في ظل الظرف الحرج الذي تمر به المنطقة فمن يطالب بتسليح معارضة الآخرين يعطي شرعية لمن يتربصون لتسليح معارضته وإذا لم تكن هناك معارضة في الوقت الحالي فقد تجد من ينشئها في المستقبل.
ـ وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" كان أول من التقط طرف الخيط، واتهم السعودية بدعم الإرهاب وتسليحه، وبادرت المحطات السورية إلى استضافة معارضين سعوديين كان محرمًا عليهم الظهور فيها أيام شهر العسل السوري السعودي الذي امتد لعقود.. اللافت أن الكثيرين يتحدثون عن انهيار مبادرة كوفي عنان قبل أن تدخل حيز التنفيذ، ولكن لم يتطرق أحد إلى احتمالات نجاحها وهي اخطر من احتمالات فشلها بكثير.
ـ روسيا التي ساندت النظام السوري بقوة عسكريا وسياسيا، هي الدولة الوحيدة المؤهلة لكي تلعب دورا حاسمًا لإيجاد مخرج من هذه الأزمة التي تهدد بتفجير المنطقة بأسرها، تستطيع روسيا، لو أرادت، أن تصيغ مبادرة مقبولة من المجتمع الدولي، ويتم فرضها على النظام والمعارضة معا، والدول العربية التي تدعم الأخيرة خاصة.
ـ مبادرة عنان فاشلة، بل ميتة قبل أن تبدأ، ولا بديل عن مبادرة روسية، وإلا فإننا مقدمون على كارثة كبرى، ربما يذهب ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء، وعلينا إلا ننسى ما حدث في الجزائر، والنظام السوري يتصرف بعقلية انتحارية، وقد يأخذ معه الكثيرين إلى هاوية بلا قرار، سواء إذا نجا أو لم ينج.
ـ تساءل الكاتب حول كيفية أن يعقل أو يجوز أن تعترف الدول المشاركة في مؤتمر اسطنبول، بالمجلس الوطني السوري ممثلاً شرعيًا للشعب السوري، مع بقاء سفارات بعض منها مفتوحة في دمشق؟ أفلا يقتضي الموقف الجديد الذي اتخذته هذه الدول، أن يتطابق مضمون القرار الذي وافقت عليه والتزمته في شأن الاعتراف بشرعية المجلس الوطني السوري وبتمثيله الشعب السوري، مع قرارها السيادي الذي يتعلق بالاعتراف بالنظام الحاكم الذي يقتل شعبه بوحشية بشعة وهمجية ضارية؟ لأن بقاء سفارات هذه الدول مفتوحة في دمشق، هو إقرار منها بالأمر الواقع وتأكيد اعترافها بالنظام. وهذا قرار سيادي.
ـ إن بقاء سفارات بعض الدول التي شاركت في مؤتمر اسطنبول مفتوحة في دمشق، ينطوي على تناقض لا مبرر له. وإذا كانت السياسة تتطلب أحياناً الوقوع في التعارض في المواقف والتناقض في القرارات، نزولاً على الضرورات واستسلاماً للضغوط، ففي الحالة السورية التي بلغت درجة عالية من المأسوية، لا يجوز بأي حال من الأحوال، التصرف بما يتنافى والالتزام بالقوانين الدولية، وبمبادئ حقوق الإنسان، وبالقيم الأخلاقية والتعاليم الدينية التي تمنع التغاضي عن الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية، وعدم اتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب إزاء من يرتكبون تلك الجرائم البشعة. وهو الأمر الذي يتطلب قدراً كبيراً من الشجاعة السياسية للخروج من هذا المأزق الذي توجد فيه الدول التي لا تزال تقيم علاقات دبلوماسية عادية مع نظام دمشق الخارج عن القانون الدولي والمتحدّي للشرعية الدولية.
ـ إن قطع العلاقات مع النظام الطائفي الاستبدادي الجاثم على صدر الشعب السوري المنتفض على الطغاة المجرمين الذين يمعنون فيه عذاباً يومياً قتلاً وتعذيباً وتدميراً وتخريباً وتجويعاً وامتهاناً للكرامة، هو أقل ما يجب أن تقوم به دول العالم أجمع، لحصار الفئة المجرمة في دمشق في أضيق الدوائر، تمهيداً لتخليها عن الحكم والفرار بجلدها إذا استطاعت إلى ذلك سبيلاً. فلو سارعت الدول التي اجتمعت في مؤتمر أصدقاء سورية جميعاً، إلى إغلاق سفاراتها وسحب سفرائها وتعليق علاقاتها مع دمشق، لكان في ذلك التمهيد لإسقاط هذا النظام الطائفي القمعي الذي لا يزال يتحدى المجتمع الدولي، ويمتنع عن تنفيذ النقط الست في الخطة التي طرحها كوفي عنان مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
ـ قد بدا واضحًا حتى الآن أن هذا النظام لن يذعن للإرادة الدولية، ولن يرعوي عن غيّه، ولن يكف عن ممارسة القتل والتعذيب والتهجير في شكل يومي، ضارباً عرض الحائط بكل المبادئ الدولية والقيم الإنسانية والنداءات الموجهة إليه من دول العالم لوقف الحرب التي يشهرها ضد شعبه المطالب بالحريّة والكرامة والعدالة
وسيظل هذا النظام يراوغ ويحاول كسب الوقت، ما لم تتضافر جهـود المجتمع الدولي في عمل مشترك تحت غطاء الأمم المتحدة لإسقاطه، حتى يقيم الشعب السوري الأسس القوية لدولته المدنـيـة الديمقراطية التـعدديـة التي تحتكم إلى القانـون وتخضع لدستور توافقي تجتمع حوله كل مكونات الشعب السوري، لا فرق بين معتقداتها ومذاهبها وأعراقها.
ـ الصور التي أعلنت عنها الولايات المتحدة أنها التقطتها للدبابات المحيطة بإدلب تعطي تصورات واستنتاجات كثيرة، تستخدمها الإدارة الأميركية لإثبات عدم التزام النظام في سوريا بالمبادرات السلمية، وهو جهد يعكس حالة الفشل في اتخاذ قرارات لا أظن أن المعارضين السوريين يعولون عليها بعد مرور نحو ثلاثة عشر شهرا على الأحداث.
متابعة المجابهة الساخنة المستمرة بين الجيش النظامي والمؤسسات الأمنية من جانب، و«الجيش الحر» والجماعات المسلحة الأخرى، التي لم تعلن عن نفسها، من جانب آخر تتطلب جهدا استخباراتيًا واسعًا ودقيقًا ونشطًا جدًا، لأن المجابهة تمتد من الحافات الشمالية لسوريا إلى أقصى الجنوب، ومن الحدود العراقية شرقا إلى البحر المتوسط غربا. وهذا يتطلب توجيه عدة أقمار صناعية في يوم واحد وليس الانتقال من محور إلى آخر، لأن جبهة الاستطلاع لقمر واحد تبقى محددة برقعة محدودة لكل مهمة. وبما أن مدينة إدلب حظي متابعوها بيومي استطلاع متعاقبين، فإن المناطق الأخرى التي لا تقع ضمن خط الاستطلاع تتطلب متابعتها توجيه جهد مماثل، ولاسيما أن التقييم الأميركي لقدرة الدفاع الجوي السوري، التي تحدث عنها رئيس الأركان الأميركي، تحتم التحفظ في إرسال طائرات استطلاع إلى مناطق تقع ضمن نطاق الدفاعات الجوية السورية.
ـ منطقة الشرق الأوسط عمومًا، وسوريا تحديدًا، أصبحت موضع الاهتمام الرئيسي لجهد الاستطلاع، وتسخير جهد الاستطلاع بكثافة لا يبنى إلا لخدمة اهتمامات عليا ترتبط باهتمامات القائد العام للقوات المسلحة رئيس الدولة. لكن، هل يعني هذا الكثير؟ الجواب الذي أقتنع به هو: لا. فأميركا بعد حربي العراق وأفغانستان أصبحت قواعد اتخاذ قرارات المشاركة في عمليات قتالية أكثر تعقيدا من أي وقت مضى، فضلا عن ما يرتبط بمجابهة تهديدات الأمن الوطني المباشرة. وقد لا حظنا في حرب إسقاط القذافي سياسة أميركية متخبطة ومترددة للغاية، ولولا الدوران البريطاني والفرنسي لكان القذافي اليوم رئيسًا.
ـ قيادات عربية ـ خليجية الفاعلة على قلتها لم تعد تلتزم بالخطوط الأميركية، وهو تحول كبير في فلسفة اتخاذ القرارات يستند إلى تنامي القدرات الذاتية، استطلعت أميركا أم لم تستطلع.
ـ عقدت مجموعة أصدقاء الشعب السوري، مؤتمرها الدولي في العاصمة التركية، وفي ختامه أعلنت تأييدها ودعمها لخطة الموفد الأممي والعربي "كوفي عنان" إلى دمشق، لإنهاء الأزمة في سوريا، وذلك باستعادة السلم والأمن، ثم التقدم خطوة نحو المصالحة الوطنية، والتحضير لمؤتمر وطني جامع بين كافة الأطراف لإجراء استفتاء شعبي حول "دستور ديمقراطي".
ـ عقب انتهاء مؤتمر أصدقاء سوريا، قال وزير الخارجية الفرنسي بكلمات قليلة وصريحة إنه يشك شكاً يبلغ درجة اليقين في أن "الأسد" لن يتراجع عن خطته القاضية بسحق وإبادة معارضيه، وإن موافقته على مبادرة عنان مجرد مناورة سياسية لكسب الوقت ووضع المجتمع الدولي أمام أمر واقع.
ـ هناك تشكيك في التزام "الأسد" بما اتفق عليه مع "عنان"، ومعرفة طبيعة المستبدين تؤكد أنه عندما يملكون السلطة والقوة يصلون إلى مرحلةٍ تصور لهم أنفسهم فيها أنهم وحدهم الذين يملكون الحكمة والمعرفة بمصالح الشعوب والأوطان دون بقية البشر. هذا هو الوهم المرضي الذي خلق الطغاة.
ـ رغم غضب المجتمع الدولي من نظام الأسد وتعاطفه مع الشعب السوري، فحاكم دمشق سيمضي في طريقه المرسوم حتى ولو وصل الأمر إلى تدخل المجتمع الدولي عسكريًا في سوريا. ففي ذهن الأسد والمحيطين به أنهم يخوضون معركتهم الأخيرة مع معارضيهم، وهي معركة سيتحقق لهم فيها النصر وسيرغمون العالم على قبول الأمر الواقع، ولا يتذكرون مصائر أمثالهم من الطغاة المصابين بذلك الوهم، ولا يتعظون بأحدث التجارب المأساوية لبلدان الدكتاتوريات، والتي شهدوا مصارعها عن قرب في الزمان والمكان.
(1) نشرة أخبار الساعة، العدد (4821)، 11/4/2012.
(2) ميشيل كيلو، الشرق الأوسط، 11/4/2012.
(3) رأي الشرق القطرية، 11/4/2012.
(4) خالد الجابر، الشرق القطرية، 11/4/2012.
(5) خورشيد دلي، إيلاف، 10/4/2012.
(6) محمود عباس، إيلاف، 11/4/2012.
(7) عبد الباري عطوان، القدس العربي، 11/4/2012.
(8) عبدالعزيز التويجري، الحياة، 11/4/2012.
(9) وفيق السامرائي، الشرق الوسط، 11/4/2012.
(10) عبد الله عبيد حسن، الإتحاد الإماراتية، 11/4/2012.