السبت 21 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 23 نوفمبر 2024 م
التقرير الإعلامي الثامن والستون 23-24 آذار/مارس 2012
الأحد 2 جمادى الأول 1433 هـ الموافق 25 مارس 2012 م
عدد الزيارات : 2594
التقرير الإعلامي الثامن والستون 23-24 آذار/مارس 2012
أولاًـ تتابعات تطورات الأزمة(1)
ثانيًاـ الخلافات الروسية ـ العربية والخليجية
ثالثاًـ رؤى الكتاب والمفكرين

تواصل تعقيد الأزمة السورية بين أطرافها المحلية والإقليمية والدولية.. التطورات والتقييمات

* يظل العنوان الرئيسي المسيطر الذي تندرج تحته الأزمة السورية منذ بدء الاحتجاجات قبل 12 شهرًا، هو "التعقيد" على كافة الأصعدة المحلية (النظام والمعارضة) والإقليمية (إيران من ناحية وتركيا والدول العربية والخليجية من ناحية أخرى) والدولية (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا من ناحية والصين وروسيا من ناحية أخرى)، وانطلاقًا من ذلك تتواصل التطورات الميدانية جراء إطلاق قوات "الأسد" النار على المدنيين العزل بطريقة مخالفة للقانون الدولي الإنساني، والتطورات السياسية، ومنها تمديد مجلس حقوق الإنسان الأممي مهمة المحققين، وزيارة "عنان" المرتقبة لبكين وموسكو، وتأكيد "هيومن رايتس ووتش "انتهاج النظام سياسة منظمة في ارتكاب الانتهاكات، والعقوبات الأوروبية الإضافية على "الأسد" وعائلته.. الخ، هذا بينما نشبت أزمة بين روسيا والدول العربية على خلفية تصريحات وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" بشأن المخاوف من ضغوط في المنطقة لإقامة نظام "سني" في حال سقط النظام السوري الحالي، بالتزامن مع بروز إشكالية المعارضة الكبرى ألا وهي فقدان  الجيش الحر للذخيرة.

أولاًـ تتابعات تطورات الأزمة(1)

1ـ ميدانيًا:
ـ قتل 34 سوريا في عدة معارك اندلعت بين جيش "الأسد" ومقاتلي الجيش الحر في ريف دمشق وحمص إدلب ودرعا؛ بينهم 12 قتلوا في قصف مدفعي لمدينة سيرمين بريف إدلب.
ـ اشتعلت عدة مدن سورية بعشرات المظاهرات المنددة بنظام الأسد والمطالبة برحيله فيما أطلق عليه ناشطون اسم "جمعة يا دمشق قادمون"، ففي دمشق، خرجت تظاهرات في حيي الميدان والتضامن، وتظاهر أكثر من ألف شخص في حي كفرسوسة واجهتهم قوات الأمن بإطلاق الرصاص ما أسفر عن جرح 8أشخاص.
2ـ سياسيًا:
أـ تمديد مجلس حقوق الإنسان الأممي مهمة المحققين بسوريا(2):
* أدان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ـ الذي يضم 47 دولة ـ الانتهاكات الواسعة المتصاعدة بشدة التي ترتكبها القوات السورية، ومدد مهمة لجنة التحقيق التي توثق "الجرائم ضد الإنسانية" بما فها جرائم التعذيب والإعدام إلى سبتمبر، وصدق المجلس على قرار طرحته الدنمارك باسم الاتحاد الأوروبي يمدد التفويض الممنوح للجنة التحقيق حتى الدورة التي تعقد في سبتمبر.. ووافقت على القرار41 دولة واعترضت عليه ثلاث دول هي روسيا والصين وكوبا وامتنعت اثنتان عن التصويت ولم تشارك دولة واحدة هي الفلبين، وأوضح مندوب الدنمارك "شتيفن شميت":
ـ "هذا القرار يركز على محاسبة انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها السلطات السورية".
ـ التصويت يعكس تزايد الوحدة الدولية بشأن سوريا، والعزلة المتزايدة للدول الثلاث التي وقفت وحدها لتعارض القرار.

  •  يدعو قرار مجلس حقوق الإنسان المحققين إلى وضع خريطة بيانية للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، منذ مارس 2011، وتحديثها بصفة مستمرة لتحوي تقييمًا لحجم الخسائر في الأرواح، وأوضح المجلس مسبقًا أن هناك أدلة موثوقة ومتماسكة على قيام القوات الحكومة السورية بالقصف المدفعي لمناطق سكنية، بناء على أوامر من السلطات التي تتضمن ضباطا برتب رفيعة.

ب ـ زيارة "عنان" المرتقبة لبكين وموسكو (3):
* يزور "عنان" نهاية الأسبوع الجاري موسكو وبكين لبحث الأزمة السورية مع المسؤولين الروس والصينيين، ويلتقي في موسكو وزير الخارجية "سيرجي لافروف" والرئيس "فلاديمير بوتين" بينما مازال برنامج المباحثات مع السلطات في بكين قيد الإعداد.

  •  عرقلت روسيا والصين الحليفان لدمشق صدور قرارين في مجلس الأمن الدولي يدينان القمع في سوريا الذي أسفر عن سقوط أكثر من تسعة آلاف قتيل منذ بدء الحركة الاحتجاجية قبل عام بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. لكن موسكو وبكين صوتتا مؤخرًا على بيان في الأمم المتحدة يدعو إلى إنهاء العنف ويناشد الرئيس السوري "الأسد" والمعارضين "التطبيق الفوري" لخطة "عنان".

ج ـ تأكيد "هيومن رايتس ووتش"انتهاج "الأسد" سياسة منظمة في ارتكاب الانتهاكات(4):
* أكدت مصادر ميدانية في بلدة القصير الحدودية، أن المعلومات التي كشف عنها تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن انتهاكات خطيرة ترتكبها القوات الحكومية في المنطقة المحاذية للحدود الشمالية اللبنانية، "صحيحة"، مشيرة إلى أن ما كشفه التقرير ليس إلا جزءًا يسيرًا مما تقوم به القوات السورية خلال حملاتها العسكرية المتكررة على المنطقة، مضمون التقرير:
ـ هناك 18 شاهدًا من القصير، منهم صحفي فرنسي أقام في المدينة من 8 إلى 15 مارس الجاري، عن قصف عشوائي نفذته قوات الأمن، وهجمات استهدفت السكان الفارين، وقناصة أطلقوا النار على المواطنين.
ـ أبرزت روايات الشهود، تطابقًا بين ما يحدث في القصير والتكتيكات التي استخدمتها القوات الحكومية في إدلب وحمص، والتي قامت المنظمة  بتوثيقها، وهو ما يدل على انتهاج سياسة منظمة في ارتكاب الانتهاكات.
ـ هناك قصف مكثف استهدف مناطق سكنية، قناصة يطلقون النار على المواطنين في الشوارع، وهجمات استهدفت السكان الفارين.
ـ المدينة تعيش وضعًا إنسانيًا كارثيًا شمل نقصًا في الغذاء والمياه، وانقطاع الاتصالات، وغيابًا شبه تام للمساعدات الطبية.
ـ بعد أن فرضت قوات الأسد حصارًا دمويًا على حمص، تعيد استخدام نفس الأساليب الوحشية في القصير. وبعد رؤية الدمار الذي لحق بحمص، يتعين على الحكومة الروسية التوقف عن بيع الأسلحة للحكومة السورية، وتفادي المزيد من التورط في انتهاكات حقوق الإنسان.
ـ شهود القصير أكدوا أن الهجمات التي تنفذها قوات الأمن السورية، بما في ذلك الاعتداء على المتظاهرين، وتدمير ممتلكات المواطنين، وشن غارات على المنازل، وعمليات القنص، قائمة منذ عدة أشهر، ولكن الجيش بدأ قصفه المكثف على المناطق السكانية منذ فترة تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر فقط.
د ـ العقوبات الأوروبية الإضافية على "الأسد" وعائلته (5):
* خلال اجتماعًا لهم في بروكسل، اعتمد وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي حزمة عقوبات إضافية من التدابير القسرية ضد دمشق، تشمل عدة أشخاص، من بينهم "أسماء الأخرس" زوجة الرئيس "بشار الأسد"، ووالدته "أنيسة مخلوف"، وشقيقته وشقيقة زوجته، وأصول سوريين آخرين وفرضوا عليهم حظرًا للسفر إلى أوروبا، كما حظروا على الشركات الأوروبية الدخول في مشاريع أعمال مع شركتي نفط سوريتين، وذلك في توسيع جديد لدائرة العقوبات المفروضة على النظام السوري بسبب استمراره في قمع المحتجين السوريين، وبعد ان يتم نشر تفاصيلها كاملة في الجريدة الرسمية للاتحاد، ستصبح سارية المفعول، وهي الثالثة عشرة من نوعها منذ عام واحد، وأوضحت مصادر دبلوماسية:
ـ "أسماء الأسد"، وهي بريطانية المولد، ستمنع من دخول جميع الدول الأعضاء في الاتحاد، دون بريطانيا، فقرار الحظر سيجبر جميع الدول الأعضاء بالاتحاد على رفض دخول "أسماء" إلى أراضيها، حتى بجواز سفرها البريطاني.
ـ لكن رد وزير الخارجية البريطاني "ويليام هيغ" عقب صدور القرار، بأنه لا يمكن منع "أسماء الأسد" من السفر إلى بريطانيا، لكن من غير المرجح أن تقوم بهذه الرحلة في ظل الظروف الحالية، فللمواطنين البريطانيين حق دخول المملكة المتحدة.

  •  ارتفع بذلك عدد الأفراد والجهات الذين أصدر الاتحاد الأوروبي عقوبات بحقهم إلى 126 شخصًا و41 هيئة، لكن قرار منع "أسماء الأسد" من السفر إلى أوروبا قد لا يكون من السهل تطبيقه قانونيًا نظرًا لأنها تحمل أيضًا الجنسية البريطانية منذ مولدها في لندن عام 1975.

هـ ـ النداء الأممي لجمع 84 مليون دولار لإغاثة اللاجئين(6):
* أطلقت الأمم المتحدة، دعوة لجمع 84 مليون دولار من المجتمع الدولي لمساعدة اللاجئين السوريين في الأردن ولبنان وتركيا والعراق، وأعلنت المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة في بيان لها:
ـ وضعت المفوضية برنامج عمل مشترك بقيادتها تسهم فيه سبع وكالات للأمم المتحدة و27 منظمة غير حكومية وحكومات من أجل تقييم حاجات اللاجئين، وترمي الخطة إلى دعم أكثر من مئة ألف لاجئ سوري طوال الأشهر الستة المقبلة، ولا تشمل الحاجات داخل سوريا.
ـ في الأردن سجلت المفوضية العليا أكثر من ستة آلاف لاجئ منذ مارس ،2011 فيما ينتظر 2500 تسجيلهم، ويتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى حد كبير.
ـ لجأ إلى لبنان نحو 16 ألف سوري من بينهم ثمانية آلاف في الشمال، وفي تركيا أحصت السلطات نحو 17 ألف لاجئ سوري وأنشأت استجابة لهذا الدفق ثمانية مخيمات في كيليس. أما في العراق فعدد اللاجئين غير معروف، لكن المفوضية العليا تقدم لهم المساعدة بالتعاون مع السلطات المحلية، وفي سوريا تواصل المفوضية وشركاؤها مساعدة نحو 110 آلاف شخص.

ثانيًاـ الخلافات الروسية ـ العربية والخليجية

1ـ وصف "الزياني" تصريحات "لافروف" بـ"غير الموفقة":
* اعتبر الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور "عبد اللطيف الزياني" التصريحات الأخيرة لوزير خارجية روسيا "سيرجي لافروف"، بشأن الأزمة السورية غير موفقة، كما أنها لا تنسجم وروح الاتفاق الذي جرى بين روسيا والدول العربية في اجتماع مجلسها الوزاري الأخير، موضحًا(7):
ـ كيف يعتبر "لافروف" إغلاق دول المجلس سفاراتها في دمشق يعود لأسباب غير مفهومة، في ضوء شبه إجماع عالمي على إدانة الجرائم الوحشية التي يقترفها النظام في حق الشعب السوري في كل أرجاء سوريا، علاوة على المسؤولية الأخلاقية والإنسانية لدول المجلس تجاه الانتهاكات الممنهجة لحقوق المواطنين السوريين.
ـ العالم أجمع شهد أن جوهر الأحداث الأليمة في سوريا هو إرادة وطنية للشعب السوري لإقامة نظام سياسي ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان، ويكفل المساواة بين كل المواطنين السوريين بما يتنافى تمامًا مع وضعها في إطار طائفي وبما لا يتفق على الإطلاق مع التحذير من حكم قادم لأحد مكونات الشعب السوري على حساب مكوناته الأخرى.
ـ دول المجلس بوصفها أعضاء في جامعة الدول العربية دعمت ولا تزال تدعم مهمة "عنان" في سوريا باعتباره مبعوثًا مشتركًا للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
ـ  ضرورة الوقف الكامل والفوري من قبل النظام السوري للاستخدام الكثيف لآلة القتل ضد شعبه في سبيل الترتيب لعملية انتقال سلمي للسلطة في هذا البلد الشقيق.
2ـ الضجة العربية حول تصريحات "لافروف" عن "حكم السنة" في سوريا (8):
* هاجمت أغلب القوى العربية والإقليمية تصريحات وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف" بشأن المخاوف من ضغوط في المنطقة لإقامة نظام سني في حال سقط النظام السوري الحالي، وفي حين أشارت بعض القوى السياسية والدينية إلى جهل "لافروف" بطبيعة دور الأقليات في العالم العربي، أعربت أغلب الآراء عن شديد استنكارها لـ"دس الأنف" الروسي في الشؤون الداخلية أو العرقية بالمنطقة.. فيما التمس البعض العذر للارتباك الروسي، الذي يأتي خشية فقدان آخر معاقل روسيا في العالم العربي المعاصر، كالتالي:
أـ الرد اللبناني:
(1) علق رئيس هيئة علماء الصحوة الإسلامية (السلفية) الشيخ "زكريا المصري" على كلام "لافروف"، فرأى فيه تهويلاً على الناس لتخويفهم من أهل السنة، من أجل إيجاد المبررات السياسية لتثبيت نظام "الأسد" المجرم والقاتل في الحكم، مؤكدًا أن "لافروف" يجمع بكلامه بين العداء الروسي الشيوعي التاريخي للإسلام والمسلمين وأهل السنة بشكل خاص، وبين مصالحه السياسية مع النظام العلوي المستمد عقيدته من الفكر الشيوعي الملحد، مشددًا على أن أهل السنة هم الأكثر قبولاً للتعايش مع الآخرين، لأنهم أهل الانفتاح ويستمدون شرعهم من القرآن الكريم الذي يقول "وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل".
(2) اعتبر عضو كتلة القوات اللبنانية النائب "أنطوان زهرا" أن ما أدلى به "لافروف" هو محاولة تخويف من أن البديل عن نظام آل "الأسد" الذي يدّعي العلمانية، هو نظام إسلامي، بمعنى أن ذلك يخالف مطالب الشعب السوري بالحرية والتنوع والديمقراطية، مذكرًا بأن الثورة السورية انطلقت من شعارات وهتافات تقول "واحد واحد واحد، الشعب السوري واحد"، ولذلك، فإن أفكار التخويف من البديل ما هي إلا أسلوب من أساليب الدفاع عن هذا النظام وإعطائه مبررات الاستمرار، لكن هذا لن يفيد لأن الشعب السوري حسم خياراته تجاه هذا النظام القمعي.
وبعد التجربة اللبنانية رغم صعوبتها، وبعد وثيقة الأزهر الأخيرة والشهيرة، ومع كلام الإسلام المعتدل، فإن الشرق الأوسط يذهب باتجاه الاعتدال وقبول الناس لبعضهم بعضا، ولن يكون هناك مجال لغلبة فئة على أخرى.
ب ـ الرد المصري:
(1) قال "مهدي عاكف" المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، إن الأمر ليس بجديد على روسيا، وإن السفير الروسي بالقاهرة عندما قام بزيارة لمكتب الإرشاد مؤخرًا حاول تغيير موقف الجماعة من الوضع في سوريا واستمالته نحو تأييد النظام، وهو ما رفضته الجماعة، مضيفًا أن المرشد الحالي الدكتور "محمد بديع" حمل روسيا مسؤولية إراقة النظام السوري لدماء الأبرياء من السوريين.
(2) قال الدكتور "طارق الزمر" المتحدث الرسمي باسم مجلس شورى الجماعة الإسلامية في مصر، إنه ليس من حق روسيا ولا غيرها تحديد الملة الأصلح لحكم سوريا من غيرها، سواء كانت الشيعية أم السنية، مشيرًا إلى أن الشعب السوري هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في اختيار قادته ونظام الحكم الذي يحكمه، فالمخاوف من انهيار نظام الرئيس السوري بشار الأسد ووصول السنة إلى الحكم هي تفسير سطحي وساذج للأمور، مؤكدًا أن سوريا في الأصل يسودها المنهج السني السلفي، الذي يضع قواعد صارمة في التعامل مع الواقع المعاصر ولن يميز حيال الأقليات هناك حال وصوله للحكم.
ففي حديث سابق للمرشد الأعلى الإيراني الراحل "آية الله الخميني" قبل عودته إلى إيران عام 1979، قال فيه إن مشروعه للعالم الإسلامي هو أن يحكم السنة في الدول التي بها أغلبية سنية، وأن يحكم الشيعة في الدول التي فيها أغلبية شيعية.
ج ـ الرد العراقي:
* أكد النائب البرلماني عن القائمة العراقية "حامد المطلك" أن الأمر المستغرب هو أن تدس روسيا نفسها حتى في المشاكل الطائفية أو العرقية في المنطقة، من منطلق الخوف من إقامة نظام سني في سوريا، وبالتالي تبرير الوقوف مع النظام خوفًا كما تقول على المسيحيين أو الدروز أو العلويين أو غيرهم، فالمسيحيين وسواهم من الأقليات كانوا يعيشون بين العرب منذ آلاف السنيين كمواطنين من الدرجة الأولى، ولهم أدوارهم المعروفة في التاريخ العربي والإسلامي، وهنا تنبغي الإشارة إلى أن المصالح الروسية والغربية في المنطقة تتلاقى مع الأهداف الكلية لتمزيق المنطقة، وبالتالي فإن كل طرف من هؤلاء يريد أن يبرر تدخله تحت هذه الذريعة أو تلك.
د ـ الرد التونسي:
* قال "عبد المجيد الحبيبي" رئيس المكتب السياسي لحزب التحرير (تيار إسلامي ينادي بالخلافة)، إن الوضع في سوريا بالخصوص أعقد بكثير مما يلوح على الخارطة السياسية الحالية، فهي عقدة المسبحة (حجر الزاوية) بين تركيا والعراق وإيران، معتبرًا أن المسألة تتعدى تقسيم السوريين إلى أقلية شيعية وأكثرية سنية، وأن الصراع الحقيقي يتمثل في مجموعة المبادئ التي يحملها الغرب ممثلاً في أوروبا وأميركا وإدارة الصراع مع روسيا التي تتقاسم في نهاية المطاف المبادئ نفسها مع الدول الغربية.
هـ ـ الرد المغربي:
* انتقد "عبد الصمد فتحي" رئيس الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة تصريحات "لافروف"، وقال إن موقفه ينطلق من تحليل غير موضوعي وغير سليم عندما ينظر إلى القضية في بعدها الطائفي بدلاً من وضعها في إطار شمولي يراعي مصلحة البلاد، ويتجاوز كل النعرات من أجل تحقيق الديمقراطية وإعطاء الكلمة للشعب، أيضًا موقفه مجرد محاولة للالتواء على حقيقة الأمر، والتغطية على موقف الحرج الذي توجد فيه روسيا بسبب تمسكها بنظام "الأسد" رغم الدماء التي تسفك يوميا والأرواح التي تزهق على يد النظام.

ثالثاًـ رؤى الكتاب والمفكرين

1 ـ التوافق الدولي الإنساني حول سوريا(10):
* في ظل تدهور الوضع الإنساني، نتيجة للأزمة السياسية والأمنية المستمرة في سوريا منذ أكثر من عام، ظهرت على السطح خلال الفترة الأخيرة ملامح توافق دولي تتزايد مساحته حول خطورة هذا الوضع من ناحية، وأهميّة التعامل الفاعل معه من ناحية أخرى، إضافة إلى أهمية وجود موقف دولي داعم للمبادرات والنشاطات والتحرّكات التي تقوم بها المنظّمات والهيئات الدولية الإنسانية، التي تحاول العمل على الأرض السورية، وتواجه الكثير من المشكلات والعقبات والصعوبات، وفي هذا الإطار يمكن توضيح العديد من الملاحظات حول هذا الأمر، كالآتي:
ـ توجد مسؤولية أخلاقيّة تقع علي عاتق المجتمع الدولي بشأن تعاطيه مع الأزمة في سوريا، وهي مسؤولية التعامل مع الجانب الإنساني من هذه الأزمة، خاصّة في ما يتعلق بالجرحى واللاجئين الذين تتزايد أعدادهم بشكل واضح، وفق تقارير المنظمات المعنية، وهذا يحتاج إلى توافق دولي لإنجاز مهمتين أساسيتين وعاجلتين؛ وهما:

  •   المهمة الأولى: هي ممارسة الضغط على الحكومة السورية لتسهيل عمل الهيئات الإنسانية على الأرض، وضمان وصولها إلى المناطق التي تحتاج إلى مساعدتها، وهنا تأتي أهمية الموقف الذي صدر عن روسيا مؤخراً، لأنه يمثل عامل ضغط قوي على دمشق بالنظر إلى أنه أظهر وحدة نسبية في الموقف الدولي فيما يتعلق بالجانب الإنساني على الرغم من الخلافات حول الجوانب السياسية.
  •   المهمة الثانية: هي تقديم الدعم المباشر إلى الجهات العاملة في المجال الإنساني حتى يمكنها القيام بدورها، وإلى الدول التي ينزح إليها اللاجئون السوريون، حيث إن تفاقم المشكلة مع مرور الوقت يقتضي المزيد من التعاون الدولي للتعامل معها، ومعالجة أبعادها وتداعياتها المختلفة، لأن الأمر أكبر من قدرة دولة أو عدد من الدول والمنظمات الدولية على التعامل الفاعل معه.

ـ التزايد في مساحة التوافق الدولي حول الأزمة الإنسانية في سوريا، ينطوي على إشارات ومعانٍ إيجابية على أكثر من مستوى، لان استمرار الخلاف حول التعامل السياسي مع الوضع، يجعل "مجلس الأمن" الدولي غير قادر على اتخاذ مواقف حاسمة منه، مما يساهم في استمرار الأزمة وتصاعدها، ومن ثم تفاقم نتائجها الإنسانية، وزيادة معاناة السوريين.
ـ الاتفاق على خطورة الوضع الإنساني وأهمية التعامل معه، قد يكون مقدمة لتحقيق التفاهم حول مقاربة سياسية دولية موحدة للمأزق الذي تعيشه سوريا تصب في مصلحة الشعب السوري، وتسهم في إنهاء معاناته وطي صفحة الاضطراب وعدم الاستقرار التي تعيشها البلاد منذ شهر مارس من العام الماضي، لأن المجتمع الدولي كله يتحمل مسؤولية العمل من أجل حل هذه الأزمة العميقة بالغة الخطورة.
2ـ مطالبة المجتمع الدولي بمزيد من العزلة ضد "الأسد" (11):
* في كل يوم يمر تزداد عزلة نظام البعث الحاكم في سوريا وتضيق دائرة الخناق على الرئيس "بشار الأسد" والمقربين والمحيطين به من العائلة والنظام، في حين لا يتراجع الشعب السوري الصامد في وجه القمع وقصف دبابات النظام عن مطالبه المشروعة في التغيير، حيث تتسع دائرة المظاهرات وتقترب في كل ساعة من مركز النظام في دمشق، وفي هذا الصدد:
ـ شهد يوم ( 23/3/2012) خطوات جديدة في اتجاه فرض مزيد من  العزلة على السلطات السورية، وأبرزها:

  •   فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات جديدة على مقربين من "الأسد" شملت 12 شخصًا بينهم زوجته "أسماء" ووالدته وشقيقته وشقيقة زوجته بسبب اشتراكهم في القمع أو دعمهم للنظام.
  •   اصدر مجلس حقوق الإنسان قرارًا يدين الانتهاكات الخطيرة والمنهجية المتصاعدة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية مثل الاعتقال التعسفي والاستخدام المفرط للقوة، والهجمات ضد المدنيين في المدن والقرى والانتهاكات الواسعة لحقوق الأطفال من قبل السلطات، والعنف الجنسي، مشيرًا في قراره إلى تقرير لجنة التحقيق التي شكلها في سوريا وورد فيه أدلة موثوق بها حول مسئولية أفراد من بينهم قادة عسكريون ومسئولون في أعلى مستويات الحكومة عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وغيرها من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.

ـ المجتمع الدولي الذي توحد خلف جهود "كوفي عنان" المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية، مطالب بمزيد من الحزم للضغط على نظام "الأسد" لإجباره على الالتزام بالتنفيذ الفوري لبنود الخطة التي طرحها "عنان" والتي تدعو للوقف الفوري للعنف وسحب الجيش والدبابات والآليات العسكرية من المدن والبلدات المحاصرة في أنحاء سوريا بهدف وقف حملة الإبادة الدموية الجارية حاليا.
ـ مر ما يقرب من يومان أو ثلاثة على البيان الرئاسي الذي اعتمده مجلس الأمن بكامله أي بالإجماع، بما في ذلك روسيا والصين، دون إن يرى السوريون أي مؤشرات على الأرض فيما يتعلق بنوايا النظام للتجاوب مع هذا الإجماع الدولي، فالشعب السوري يريد أن يرى أفعالا على ارض الواقع، لا أقوالا.. بيد أن المؤشرات حتى الآن، تقول إنه لا يوجد شيء جديد  يلوح في الأفق فيما يتصل باحترام الإرادة الشعبية وتطلعات الشعب، ولجم هذا النظام المستمر في سفك الدماء وارتكاب المذابح.
3 ـ قراءة في البيان الرئاسي الأخير بصدد الأزمة(12):
* في أطار الجهود التي يقوم بها "كوفي عنان" المبعوث العربي الأممي لحل الأزمة في سوريا، تأتي زيارته إلى موسكو. وهذه الزيارة ستكشف إلى حد بعيد التدخل السافر لروسيا في الشأن الداخلي السوري، وهو ما سيجعل "عنان" قادراً على تنفيذ الخطوات التي تتبع عادة إصدار "البيان الرئاسي لمجلس الأمن"، وبهذا الشأن يمكن توضيح الآتي:
أ ـ مضمون البيان الرئاسي:
ـ هذا البيان له سبع مهام أساسية، وهي:

  •   أن يكون مكملاً لقرار صادر من المجلس.
  •   يوظفه المجلس لتنفيذ مشروع قرار يجرى الإعداد له.
  •   مراجعة مشروع القرار الذي يجري الإعداد له من خلال خطوات تطبيق توصيات البيان الرئاسي.
  •   التأكيد على قرارات وتوصيات سبق اتخاذها.
  •   تذكير الدول بالتزاماتها نحو أحكام القرارات والتوصيات السابقة.
  •   توثيق عدم امتثال الدولة المعنية (والمعنية هنا سوريا) بما تضمنه البيان الرئاسي في التوصيات.
  •   وضع الشروط اللازمة لإصدار قرار من مجلس الأمن يكون ملزماً هذه المرة.

ـ على ضوء هذه المهام السبع تفهم بنود البيان الرئاسي الست الذي صدر لمعالجة الشأن السوري، وهي تنص على:

  •   الالتزام بالعمل مع عنان.
  •   التزام السلطة والمعارضة بوقف القتال تحت إشراف الأمم المتحدة.
  •   وقف النظام السوري حركات القوات المسلحة التابعة له وسحب الأسلحة وعدم استعمال الأسلحة الثقيلة والبدء في الانسحاب العسكري من خلال آلية تحت إشراف الفريق الأممي برئاسة عنان.
  •   بدء الإفراج عن المعتقلين السياسيين والمحتجزين بصورة تعسفية.
  •   احترام حرية التجمع والتظاهر.
  •   ضمان حرية التنقل للصحفيين في جميع أنحاء سوريا والسماح لدخولهم أراضيها.

ـ هذه البنود سبق أن رفضها وعرقل تنفيذها نظام بشار الأسد بمساعدة روسيا وإيران والصين، فإن المتوقع أن تستمر هذه الممانعة وأن تتواصل المساندة الروسية.
ب ـ أهمية البيان:
ـ البيان الرئاسي وهو الثاني في الأهمية في ترتيب إجراءات مجلس الأمن، ويأتي قبل إصدار القرار الملزم من المجلس.
ـ هذا البيان الرئاسي يوضح للرأي العام العالمي حقيقة ما يحدث ويدرج توصياته وقراراته التي فشل في التوصل إليها بشكل ملزم بسبب العراقيل التي تثيرها الدول ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن ـ خاصة روسياـ بشأن الملف السوري.
ـ التدرج في الموقف الروسي والصيني يؤكد أيضا أهمية هذا البيان. فالموافقة الروسية والصينية على بيان مجلس الأمن بعد استخدامهما الفيتو مرتين، باتت تفرض على رأس النظام السوري أن يحسب حساباً لما هو جديد في الموقف الروسي، بعد أن كان اعتمد على دفاعه عنه خلال الأشهر الماضية. وهو جديد سيظهر تباعاً وبالتدرج في موسكو، نتيجة عوامل عدة أخذت تظهر في تصريحات وزير الخارجية سيرغي لافروف في الأيام الماضية، وهي عوامل يمكن تعدادها كالآتي:

  •   استخدام لافروف عبارة تأخر النظام في خطواته وارتكابه أخطاء بموازاة مواصلة انتقاد المجموعات المسلحة مرات عدة، يعود إلى اقتناع موسكو بأن فريق الرئيس "الأسد" تمادى في لعبة كسب الوقت التي يستخدمها من أجل مواصلة الحل الأمني الذي ينتج المزيد من القتل، في وقت يُتهم الجانب الروسي بتغطية هذه اللعبة، وهو لم يعد يحتمل اتهام موسكو بتغطية المزيد من القتل.
  •   موسكو عادت، مع صدور بيان مجلس الأمن، إلى التنسيق الوثيق مع واشنطن حول الأزمة السورية، إلى درجة فاجأت حتى بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة. حتى أنها كانت مستعدة للتوافق على قرار يصدر عن مجلس الأمن وليس بيانًا رئاسيًا فقط.
  •   القيادة الروسية منزعجة من تراجع علاقتها بدول الخليج العربي، لاسيما السعودية، نتيجة استخدامها الفيتو ضد مشروع قرار مجلس الأمن بتبني المبادرة العربية حول الأزمة السورية، وهي لا تريد لهذه العلاقة أن تتدهور.
  •   موسكو ستبقى تردد أن تنحي الأسد يجب ألا يكون شرطًا للحل، لكن بعض الدوائر في موسكو، أخذت تسأل: هل يمكن الأسد أن يبقى في الحكم بعد سقوط أكثر من 10 آلاف قتيل؟ وفي وقت يعتمل داخل دوائر القرار الروسي سجال بين توجهين في هذا الصدد، فإن التيار الداعي إلى مواصلة دعم بقاء الرئيس الأسد يقابله تيار يقول إن هذه المسألة ليست من اختصاصات روسيا، بل هي، قانوناً، من اختصاص السوريين أنفسهم.

4ـ قراءة تحليلية في تصريحات "لافروف" الأخيرة ودلالاتها الطائفية (13):
* لا تزال روسيا تبدي موقفا يزداد تعنتا في الدفاع عن ماكينة القتل النظامية التي تجري في سوريا، ولا تزال تسير على ذات السياسة التي اتبعتها منذ بدء الأزمة؛ دعم غير محدود لـ "الأسد" ونظامه سياسيا في كافة المحافل الدولية، مع دعم لوجيستي على الأرض، بما يشمله ذلك من تسليح وتدريب لعناصر النظام وكوادره العسكرية والأمنية. فمؤخرا جاءت تصريحات وزير الخارجية الروسي "لافروف"، لتدشن مفهوم الطائفية، إذ صرح بأنه "مع سقوط "الأسد" ستتحرك دول بالمنطقة لوضع نظام سني بسوريا" كما تحدث عن أن الأسرة العالمية يمكن أن تتدخل فقط في النزاعات بين الدول حين يكون المقصود وقوع عدوان وحين تهاجم بلاد بلادًا أخرى، وفيما يلي رؤية تحليلية لهذه التصريحات:
أ ـ  الطائفية في تصريحات " لافروف" :
ـ لقد دخلت المفردات الطائفية في المنطقة على خطاب "لافروف" السياسي، فمنذ اندلاع الثورة السورية العام الماضي لم يتحدث احد، على مستوى الثورة، أو العرب، بلغة طائفية، فلم يقل أحدا بان الهدف هو إسقاط العلويين، أو المسيحيين، أو غيرهم، بل أن زعيم الدروز "وليد جنبلاط" كان قلبًا وقالبًا مع الثورة السورية، وبذلك فإن حديث الوزير "لافروف" يعد أول حديث يشرع للطائفية بسوريا والمنطقة بهذا الشكل.
ـ هذه التصريحات تثير التساؤل حول مستقبل الأقليات السورية كالمسيحيين وهناك أقلية أخرى كالأكراد والعلويين وكذلك الدروز، فضلاً عن تأثير ذلك علي الطوائف في الدول المجاورة مثل لبنان تلك الدولة متعددة الطوائف والأقليات القومية، إضافة إلي العراق الذي سيتأثر بهذه العمليات، حيث يهيمن في العراق الآن الشيعة في كافة المناصب القيادية.
ب ـ  مستقبل الأقليات السورية بعد التصريحات:
* بتصريحات "لافروف" التي تعد أول حديث يشرع للطائفية بسوريا والمنطقة. فان السؤال ألان هو: ما الذي ستفعله الأقليات بسوريا؟ هل تصدق تصريحات "لافروف"، وتكرر خطأ:

  •   "شيعة العرا" بعشرينات القرن الماضي، يوم أعلنوا رفضهم التعامل مع الملك "فيصل" بحجة أنه ممثل للمستعمر الإنجليزي
  •   "سنة العراق" يوم قاطعوا العملية السياسية بعد "صدام حسين" على اعتبار أنها امتداد للمستعمر الأمريكي؟
  •    "مسيحيي لبنان" يوم صدقوا الوهم الأميركي والغربي القائل حينها، عبر تسريبات، بان تهميش مسيحيي لبنان غير مقبول، فقرر حينها المسيحيين مقاطعة الانتخابات النيابية بعد اتفاق الطائف، فحرموا أنفسهم قرابة عشرين عاما من المشاركة بالحكم؟

ـ يستوجب علي الأقليات السورية أن تستفيد من الأخطاء والتجارب التاريخية، فمن لا يقوم بذلك يعتبر هو العدو الحقيقي لنفسه. والأمر الأخر الذي يجب أن تتنبه له الأقليات السورية هو أن من يضيع اللحظة يخسر المعركة، والمرحلة، وقد يكلف ذلك عقود من الزمان.
ـ أفضل ما تفعله أقليات سوريا اليوم هو أن تحسم أمرها وتنظم للثورة، وتكون شريكة حقيقية فيها، وتساهم في رسم مساراها، بدلا من أن تكون تابعة لأي متغير سياسي بسوريا. فلا يمكن أن تتذرع الأقليات السورية اليوم بخوفها من الغد، وتطلب ضمانات تطمئنها، بينما تقتل الأقلية وينكل بها اشر تنكيل، فهذا أمر لا يستقيم أطلاقا.
ـ فأفضل ما يحمي الأقليات السورية، بكل أنواعها، بل قل سوريا كلها، وطن ونسيج، هو المشاركة بالثورة، ووضع أسسها، ورسم مستقبلها، من اجل الوصول إلى سوريا الحلم، وليس الانسياق خلف أوهام "لافروف"، آو أكاذيب "الأسد".
ـ المهم اليوم أن تتنبه الأقليات السورية إلى أنها باتت ضحية "الأسد" مرتين؛

  •   الأولى: حين أصبحت رهينته وكأنها توافق على قمع الأغلبية.
  •   الثانية: حين صدقت كذبة انه حامي الأقلية، فلو تذكرت الأقلية السورية من كان المستفيد من اغتيال "مسيحي لبنان"، ومن كان خلف استهداف "مسيحي العراق" ـ وهي القاعدة التي كانت تتسلل للعراق عبر الحدود السورية، وتحت أعين النظام الأسدي ـ فحينها ستعرف الأقليات السورية أنها ضحية "الأسد"، وأنه ليس حامي الأقليات أبدا!

ج ـ  تقييم تصريحات "لافروف":
ـ حديث لافروف يشي بأن مواقف روسيا التي يقود دبلوماسيتها تستحضر في مواقفها وقراراتها الأبعاد الطائفية في المنطقة، وهو وعي مطلوب لمن أراد التعامل مع المنطقة بكافة أبعادها. فالحديث الطائفي مقيت دائما، والطائفية خطر محدق في المنطقة بأسرها، وهذا معطى واقعي يجب أخذه بالاعتبار عند النظر لكافة جوانب الأزمات الكبرى والصغرى في المنطقة لا للخضوع للمنطق الطائفي بل لتجنبه عبر الوعي به وإدراكه.
ـ "لافروف" بهذه التصريحات يتناقض، حين ينحاز لطائفة ضد أخرى، ويفقد توازنه حين يخشى على أقلية هنا ولا يخشى عليها هناك، وكذلك حين يخشى من أكثرية هنا ولا يخشى منها هناك، حيث انه تحدث عن:

  •   خشية من قيام نظام سني في سوريا ونسي أن السنة بالمنطق الطائفي هم الأكثرية من الشعب السوري، وأنهم محكومون من أقلية عائلية تسعى لاستجلاب دعم طائفة واحدة ضد بقية الطوائف.
  •   لبنان وطوائفه وأقلياته نسي أن النظام الأسدي الحالي والسابق هو أكبر من فتك بطوائف لبنان وأقلياته، إن بالتدخل العسكري المباشر وإن بالتفجيرات والاغتيالات وممارسة الضغوط حد الإذلال والتهديد تجاه رموز الطوائف اللبنانية بأكثريتها وأقلياتها. فنظام الدولة الهش والضعيف في لبنان تمت صياغته على يد النظام الأسدي الذي يدافع هو عنه الآن.
  •   العراق حيث يهيمن الشيعة في كافة المناصب القيادية» لم يبد قلقا مماثلا لما يجري في سوريا، ونسي الخشية من طغيان الأكثرية على الأقلية.

ـ إصرار "لافروف" على الحديث الطائفي يأتي تبعا لسياسة النظام الأسدي التي لا تزال تسعى منذ بدء الأزمة من أجل تحويلها لنزاعات طائفية تأكل الأخضر واليابس، و هو حين يتحدث عن دعم بعض دول المنطقة للسنة في سوريا يتجاهل بذلك الشعب السوري نفسه بكافة طوائفه الذي وعلى الرغم من كل ما يمارسه نظام "الأسد" ضده من جرائم، فهو لا يزال متشبثا بحريته واستقلاله، فالدم الجاري على تراب سوريا تختلط فيه جميع الطوائف.
ـ حديث لافروف عن أن الأسرة العالمية يمكن أن تتدخل فقط في النزاعات بين الدول حين يكون المقصود وقوع عدوان وحين تهاجم بلاد بلادا أخرى، يؤكد علي مبدأ المعايير المزدوجة، فلماذا يتناسى لافروف المواقف والقرارات الدولية السابقة عندما جاء الحديث عن نظام الأسد؟ ألا يعتبر لافروف أن مقتل ما يزيد على أحد عشر ألفا من المواطنين السوريين جريمة جديرة بالتدخل الدولي عبر محكمة جنائية دولية خاصة بسوريا، فقد نسي "لافروف" أن مجلس الأمن سبق له التدخل في:

  •   رواندا بعد جرائم الإبادة الجماعية، وأنشأ محكمة جنائية دولية خاصة برواندا.
  •   يوغوسلافيا السابقة بعد المجازر الكبرى التي ارتكبت هناك وأنشأ محكمة جنائية دولية خاصة بها.

ـ حديث "لافروف" عن وجود لـ "تنظيم القاعدة" في سوريا، يدلل علي تجاهل روسيا أن من فتح أبواب البلاد لتنظيم "القاعدة" قبل سنوات هو نظام "الأسد" نفسه، حيث استخدمه بالتنسيق مع إيران لضرب استقرار العراق خلال الوجود الأميركي هناك، وبالتالي فإن كان ثمة وجود حقيقي لـهذا التنظيم في هذا الوقت، فإن بذرته الأساسية تمت زراعتها ورعايتها على يد نظام "الأسد" نفسه.
5 ـ روسيا تريد بديلاً عن "الأسد" تطمئن إليه(14):
أ ـ أبعاد الموقف الروسي:
ـ تعارض روسيا إسقاط النظام في سوريا قبل أن يصير هناك اتفاق على النظام البديل، وهو نظام تريده أن يكون معتدلاً لتطمئن إليه إن لم يكن صديقاً لها كالنظام الحالي ويحافظ على مصالح الجميع ومستعد للسير في تحقيق سلام شامل في المنطقة ينهي النزاع المزمن بين العرب والفلسطينيين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.
ـ وفي هذا الإطار قامت روسيا بالاتفاق مع دول عربية وغربية علي معالجة الأزمة السورية على أساس أن لا بحث في تنحي الرئيس "الأسد" ولا تحديد مهلة لذلك قبل أن يتحقق وقف تام لإطلاق النار، وتمكين المنظمات الإنسانية من إيصال مساعداتها في كل المناطق، وينسحب الجيش من المدن إلى ثكنة، ويتم إطلاق المعتقلين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم شاركوا في التظاهرات المناهضة للنظام السوري.
ب ـ أسباب الموقف الروسي:
* يرجع اتخاذ روسيا هذا الموقف إلي المخاوف الناتجة من الآتي:
ـ الحكم البديل أي مرحلة ما بعد سقوط النظام السوري، فموسكو تعارض إسقاط النظام وحمل الرئيس "الأسد" على التنحي قبل حدوث اتفاق بين المعارضين السوريين على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم على أن يتم انتقال السلطة بسلاسة ومن دون مشاكل وتوترات كما هو حاصل في غير دولة من الدول العربية التي اتفقت فيها المعارضة بتنوعها على إسقاط النظام والحكام ولم يتفقوا حتى الآن على البديل مثل ليبيا واليمن.
ـ التخوف من تكرار السيناريو العراقي، والخطأ الذي ارتكبته الولايات المتحدة الأميركية عندما أسقطت نظام "صدام حسين" وفككت الجيش قبل أن يتم التوصل إلى اتفاق على البديل.
ـ أن تسود في سوريا بعد سقوط النظام وتنحي الرئيس الأسد فوضى عارمة، في ظل انقسام المعارضة وعدم توحدها في موضوع النظام البديل وفي من يخلف الحكم الحالي، فقد يستولي عليه الإسلاميون الأصوليون فتصبح الأقليات في خطر، لا بل يصبح الأمن القومي بالذات في روسيا في خطر. فإذا ما نشط هؤلاء الإسلاميون داخل دول في روسيا الاتحادية فتنتقل أعمال العنف إليها فيسبب ذلك مزيداً من التدهور في الأوضاع الاقتصادية والمالية وتتوقف حركة الاستثمار التي تخلق فرصاً جديدة للعمل لتحد من تزايد معدلات البطالة ونسبة الفقر والعوز وهو ما يستغله الأصوليون ويوظفونه ضد كل حكم معتدل.
6 ـ عام على الثورة .. قراءة في المحصلة الميدانية(15):
* مر عام على ثورة الحرية والكرامة في سوريا، والمحصلة الميدانية التي نجمت عن مواجهاتها تكمن في إيراد الملاحظات الآتية:
(الأولى) اتساع نطاق التظاهرات لتشمل معظم المحافظات بما فيها قرى نائية لم تكن حاضرة في وعي السوريين من قبل، وتزايد مشاركة المواطنين باضطراد، ونشوء حالة تضامنية بين المحافظات عبر ترديد الهتافات التي تعلن التضامن مع المدن التي تتعرض للقصف والحصار والتنكيل. وكذلك تنظيم عمليات المواجهة بحيث تشتمل على إغاثة المدن والأحياء والبلدات المتضررة وتوفير مستشفيات ميدانية لإسعاف الجرحى لتلافي وقوع الجرحى بأيدي قوات النظام الذين قاموا بقتل وتعذيب الجرحى في المستشفيات.
(الثانية) رفض النظام فكرة الإصلاح، وتبنيه، من اليوم الأول للثورة، للخيار الأمني الذي تحول مع صمود الثورة واتساع نطاقها إلى خيار عسكري حربي، واستثماره للتحركات السياسية والدبلوماسية، وبخاصة الفيتو الروسي - الصيني، واستغلالها في تصعيد عمليات القتل والتنكيل بالمواطنين والمدن والبلدات والقرى.
(الثالثة) عمل النظام على تقطيع أوصال البلاد والمدن الكبيرة ليمنع حصول تظاهرات مليونية تبرز ضعف شعبيته وتآكل شرعيته، وقد نجح إلى حد كبير في تحقيق هدفه عبر استخدام القوة المفرطة وكل أصناف الأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة.
(الرابعة) النزوح الواسع من المدن والبلدات التي تتعرض للقصف والتنكيل حيث نزح من حمص وحماة إدلب وأريافها وبعض بلدات ريف دمشق آلاف المواطنين وتحولوا إلى مشردين في دول الجوار (تركيا، الأردن، لبنان) وفي مدن دمشق وحلب في شكل خاص، يبحثون عمن يساعدهم على تأمين سكن ومأكل.
(الخامسة) توسع النظام في استخدام الأسلحة الثقيلة: دبابات، صواريخ، مدافع، ميدان طائرات هيلوكبتر والطائرات من دون طيار التي زودته بها إيران وروسيا للرصد وتحديد الأهداف استخدمت في حمص وحماة إدلب ودير الزور وريف دمشق (الزبداني ومضايا ورنكوس وسقبا وحمورية ويبرود) ودرعا وريفها وريف حلب (إعزاز، الاتارب).
(السادسة) بروز ظاهرة الانشقاق عن الجيش النظامي وبدء تشكل كتائب عسكرية تحت اسم الجيش السوري الحر والذي كسب تأييد الثوار وتحول إلى مركز جذب للمتطوعين من المدنيين وازدياد المراهنة عليه وعلى دوره في الدفاع عن المواطنين العزل ولجم وحشية النظام.
(السابعة) ميل المواطنين للدفاع عن النفس وبروز ظاهرة التسلح في شكل واسع نتيجة يأس المواطنين من حل سياسي والخطر الداهم والمتصاعد على حياتهم وأسرهم.
(الثامنة) حصول قطيعة عميقة بين الشعب والنظام بحيث غدا التفاهم بين الجانبين مستحيلاً، وهذا قطع الطريق على فكرة الحوار بين المعارضة والنظام.
(التاسعة) حالة إحباط في الشارع سببها تراخي المجتمع الدولي والنتائج الهزيلة التــي صدرت عن مؤتمر "أصدقاء الشعب السوري" الأول الذي عقد في تونس.
(العاشرة) انزياح مواقف الشعب السوري عامة و أهالي دمشق خاصة وميلهم إلى جانب الثورة والذي بدأ من خلال الاهتمام بالأحداث وهيمنتها على حديثهم اليومي مع ميل لتصديق رواية المعارضة، وتطور ليأخذ شكل دعم إغاثي ومالي لينتقل إلى المشاركة في التظاهرات المناوئة للنظام ومقاطعة المسيرات الموالية له.
(الأخيرة) تراجع شعبية النظام كما يظهر من تراجع أعداد المشاركين في المسيرات الموالية حيث تناقص العدد كثيراً ولم تعد السلطة تستطيع حشد الآلاف كما كانت تفعل في بداية الثورة.
7ـ  التحولات في الثورة السورية(16) :
* هناك العديد من التحولات التي طرأت علي الثورة السورية في الآونة الأخيرة، حيث تعالت الأصوات المطالبة بتسليح المعارضة وتواترت الصيحات المطالبة بتسليح "الجيش الوطني الحر" بالأخص، وصارت أخباره في الدفاع عن بعض المناطق تحتل الحيز الأكبر من الاهتمام، وأيضاً المعارك العسكرية والعمليات الهجومية ضد بعض الحواجز الأمنية، ويمكن توضيح أسباب هذا التحول كالآتي:
ـ إصرار السلطة الحاكمة على إنكار مطالب الشعب السوري: بل وإظهارهم كأدوات تآمريه وطائفية، مما يعني أن الحل الوحيد للتعامل مع هذه المؤامرة هو القمع العنيف والمعمم واستخدام أشنع الممارسات الاستفزازية لشحن الغرائز والانفعالات وردود الفعل الثأرية، لإجبار الناس على تهميش الحقل السياسي والتخلي عن السلمية لمصلحة منطق القوة والغلبة، كي تسوغ لنفسها خيار العنف وتشرعن القهر والقمع بذريعة مواجهة الإرهاب وعصاباته المسلحة وبدعوى الحفاظ على الأمن وحماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم.
ـ تراجع النهج السلمي للثورة تحت وطأة الخسائر الفادحة: التي تكبدها المدنيين طيلة عشرة شهور من دون أن يقطفوا ثمارًا مستحقة لقاء رهانهم على هذا النهج والذي لم يوصلهم إلى نتائج ذات مغذى في تغيير المشهد اليومي الرتيب، وترجع أسباب هذا التراجع إلي الآتي:

  •   إقحام الجيش في إنجاز التغيير أسوة بما حصل في تونس ومصر، حيث بادر النظام إلى زجه في المواجهة وتوريط بعض كتائبه في قمع المحتجين، فتبدلت شعارات المتظاهرين التي حاولت استمالة الجيش، إلى هتافات تدين دوره القمعي، ما مهد الطريق لنشوء "الجيش السوري الحر" كإطار جديد يضم الضباط والجنود المنشقين أو الفارين الذين وقفوا مع الحراك الشعبي ورفضوا إطلاق الرصاص على أهلهم.
  •   عدم حدوث تحول لقطاعات مهمة من المجتمع لا تزال خائفة ومحجمة عن الانخراط في عملية التغيير، فضلا عن مخاوف بعض الأقليات من فوز الإسلاميين وتحسبها من مظاهر التضييق المرافقة لهذا النوع من الحكومات، التي تحاول عادة فرض أسلوب حياتها وثقافتها على المجتمع، وتهدد هوية هذه الأقليات وحقوقها وطرق عيشها.
  •   التغيرات التي حصلت في القيادات الميدانية للثورة، وقد طاول القتل والاعتقال والتهجير عدداً غير قليل من الكوادر القديمة التي عرفت بنزعتها السلمية وتولت تنظيم الاحتجاجات في مراحلها الأولى، لتتقدم الصفوف عناصر أقل عمراً وتجربة، وأكثر حماسة للتفاعل مع النتائج التي حققها اللجوء إلى السلاح أو التهديد باستخدامه.
  •   واقع المعارضة السورية التي لم تستطع كسب ثقة الناس وطمأنة الرأي العام، والتي لا تزال ضعيفة التأثير في الحراك الشعبي ومقصرة في إبداع أشكال وخطط من النضال السلمي كفيلة بتبديل المشهد والتوازنات القائمة،
  •   فشل الرهان على دور النضال السياسي السلمي في جلب دعم خارجي عربي أو أممي قادر على التدخل لوقف العنف والقمع المعمم وفرض مسارات سياسية لمعالجة الأوضاع المتفاقمة. خاصة في ظل فشل المبادرة العربية وبعثة المراقبين، وعجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار لحماية المدنيين بسب الفيتو الروسي، فضلاً عن النتائج الهزيلة التي توصل إليها مؤتمر "أصدقاء الشعب السوري" الذي عقد في تونس، الأمر الذي أفقد المحتجين صبرهم وهز ثقتهم بجدوى البحث عن داعم لهم.

8 ـ قراءة في أسباب تصعيد النظام السوري(17) : 
* هذا النظام بدأ يزداد وحشية يوما تلو الآخر، من خلال المجازر الفظيعة المتتالية التي تظهر تباعا على وسائل الإعلام، هذا التمادي بالقتل والدمار لا يمكن تفسيره إلا بالآتي:
ـ إدراك نظام "الأسد" أن المجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها إسرائيل مطمئنة لنظامه المألوف على مدى عشرات السنين. وإدراكه أن التصريحات المتناقضة التي تطلقها الإدارة الأمريكية بين فترة وأخرى ما هي إلا تصريحات وبيانات لا تتجاوز الاستهلاك الإعلامي المضلِل لحقيقة موقفها الخفي من الثورة السورية وتداعياتها المستقبلية على إسرائيل.
ـ تدرك الإدارة الأمريكية أن الغاية الأسمى هي أمن إسرائيل أولاً وأخيرًا. وبالتالي لا يمكنها أن تتخذ خطوة واحدة إلا ضمن هذه الغاية، وهذا يفسر حقيقة التردد الدولي الواضح في دعم وتسليح الجيش السوري الحر بحجج واهية لا وجود لها وهي الحرب الأهلية المزعومة، الأمر الذي أسفر عنه زيادة تعنت النظام بارتكابه مزيداً من الجرائم الوحشية بحق الشعب السوري.
ـ الدعم الإيراني غير المحدود والذي يأتي من خلال الحدود العراقية أو عن طريق البحر وسفن إيران العسكرية التي تمر من أمام سواحل فلسطين المحتلة، وهو ما بدا جلياً عندما قامت إيران بإرسال بارجتين حربيتين إلى سورية لتمر من أمام سواحل فلسطين المحتلة. ويبقى الشعب السوري وحيدا أمام كل هذا التواطؤ الدولي، وتبقى سوريا رغم كل هذا الألم على أمل انتصار الثورة وإحداث التغيير المنشود.
9ـ  الوضع في سوريا يحتم على "الأسد" التنحي(18) :
* الأوضاع التي تمر بها سوريا تحتم علي نظام "الأسد" التنحي والتخلي عن حلوله الأمنية التي أزهقت العديد من الأرواح، حيث إن:
ـ هناك حوالي عشرة آلاف شخص فقدوا أرواحهم برصاص النهج الأمني الذي يستمر النظام في إتباعه، وأصبحت محافظة "حمص" رمزا إلى تجاهل النظام الذي لقيمة حياة الإنسان.
ـ الوضع في سوريا أكثر تعقيدًا مما كان في ليبيا، ففي الأخيرة كانت هناك مطالب واضحة من المعارضة موحدة لتدخل دولي إلى جانب الدعم واسع النطاق  من الجامعة العربية للقيام بعملية عسكرية وتفويض من مجلس الأمن للعمل. أما في سوريا فلا يوجد أي شرط من هذه الشروط. فضلا عن التخوف من مخاطر  التدخل العسكري الذي سيزيد الوضع سوءًا ويفضي إلى نتائج مفرطة بالنسبة لسوريا وجيرانها، مما يعني مزيدًا من المعاناة.
ـ  لا توجد حلول بسيطة للازمة في سوريا، لكن هذا لا يعني الوقوف سلبيًا تجاه ما يحدث بل يجب الاستمرار في فعل كل ما هو ممكن لتأييد الشعب السوري، من خلال:

  •   العمل علي تفعيل كافة الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية من اجل فرض مزيدًا من الضغوط علي النظام
  •   تصعيد الأمور علي النظام السوري ومساعده المعارضة السورية على الاتحاد واستقرار الآراء على مستقبل سياسي لسوريا تحت شروط سورية.
  •   العمل علي توثيق أعمال التنكيل التي ينفذها النظام لضمان محاكمة المسؤولين عن هذه الجرائم، ويجب أن يعلم أولئك المسؤولون أنهم سيتحملون نتائج أعمالهم ذات يوم.

ـ الأوضاع السورية تثبت أن العنف لن ينتصر أبدا، فالأسد فقد شرعيته ولا يستطيع الاستمرار في حكم سوريا، ومن ثم فعلي النظام التنحي لضمان حوار حقيقي في مسألة انتقال السلطة.
10ـ هل يصلح السيناريو اليمني لسوريا ؟ (19) :
* مع تساقط مزيداً الشهداء، يثار التساؤل حول السيناريو اليمني لانتقال السلطة وهل يصلح في سوريا أم لا. يمكن الإجابة علي هذا التساؤل كالآتي:
ـ السيناريو اليمني لا يجب أن يتكرر في سوريا، فأعداد الشهداء في اليمن اقل بكثير منهم في سورية ومن الخطأ أن يشعر الأشقاء بأن من ارتكب الجرائم البشعة في حق المدنيين ما يزال حرا طليقا يمارس السياسة.
ـ السيناريو اليمني لا يمكن أن يتكرر في سوريا فيظل الرئيس رئيسًا وأن وضع غيره على كرسي الحكم، ليظل يحكم عبر أبنائه وأقاربه وحزبه، ليظل حزب البعث هو الحاكم الفعلي بعد رحيل الرئيس ويدعي بعدها بأنه معارض للحكم بينما الرئيس الجديد ما يزال ينتمي لنفس الحزب.
ـ لا يمكن أن يتكرر السيناريو اليمني في سورية ليتنحى الرئيس عبر انتخابات(هزلية) ليأتي الرئيس الجديد كظل للرئيس القديم ،لا يمكن أن يتخذ خطوات تتناسب مع ما تستحقه المرحلة.
ـ لا يمكن للسيناريو اليمني أن يتكرر في سورية فيمنح العالم حصانة للأسد وأقاربه وكل من عملوا معه ليهنأ برغد العيش وقد نهبوا خزينة الدولة وقتلوا خيرات الشباب ودمروا اقتصاد البلاد ليكون بعد ذلك في نظر البعض الزعيم الذي لولاه لما تم التداول السلمي للسلطة. خاصة بعد المجازر شبه اليومية والاعتداءات الواسعة علي مختلف المدن السورية من قبل قواته الأمنية وغيرها من الممارسات اللاإنسانية التي يمارسها النظام ضد الشعب السوري.
11ـ  سوريا إلى أين؟ (20) : 
* عام كامل مضى على الثورة السورية، بشهدائها العشرة آلاف وأضعافهم من الجرحى والمعاقين والمعتقلين والمهجرين، من دون أن يتبدى في الأفق ضوء يبشر بنهاية الأزمة وكل الاحتمالات تنبئ باستمرار الأزمة، ويرجع ذلك للأسباب الآتية:
أ ـ عدم تغير ميزان القوي في الداخل السوري:
* فميزان القوى لم يعرف تغيرا ملحوظًا منذ أن بدأت الاحتجاجات في درعا في (15/3/ 2011) مطالبة بالحرية والعدالة .
ـ فالنظام لا يزال يتمسك بالحل الأمني ويمتلك الكثير من مكامن القوة والتماسك والمعارضة لا تزال بعيدة عن التوحد في جبهة واحدة تمتلك قدراً كافياً من المصداقية كبديل عن النظام في حال انهياره، والحركة الشعبية لا تقدم مؤشرات حقيقية عن تهافتها رغم الخسائر البشرية الجسيمة التي تحل بها .
ب ـ فشل الحلول الدبلوماسية الإقليمية والدولية:
* فهذه الحلول تتساقط الواحدة تلو الأخرى، فالجامعة العربية سحبت مراقبيها بعد أن ثبت عجزهم عن إحداث أي فرق في مجرى الأحداث، ومجلس الأمن عاجز عن استصدار أي قرار وسط اتهامات متبادلة بين أعضائه الدائمين.
ـ الحراك الدبلوماسي الأخير المتمثل بمهمة "كوفي عنان" كمبعوث للأمم المتحدة والجامعة العربية معاً لا يبدو أنه سيفضي إلى تسوية سياسية بين النظام المدعوم من إيران والصين وروسيا الذي يرفض أي حل يتضمن رحيل الرئيس "الأسد"، والمعارضة، المدعومة من دول عربية وغربية مؤثرة، ترفض مجرد الحوار مع هذا الأخير.
ج ـ استبعاد التدخل العسكري:
* فالتدخل العسكري الخارجي  يبقى مستبعدًا، في ظل الفيتو الروسي الصيني، لأسباب كثيرة منها الاختلافات الكبيرة من الناحية الجيوبوليتيكية والجيواستراتيجية بين الحالتين الليبية التي لم تكن متشابكة مع جيرانها أو مؤثرة فيهم والسورية التي يختلط وضعها الطائفي والسياسي والعسكري مع جيرانها، ناهيك عن أسباب عسكرية صرف وأخرى سياسية تخضع لحسابات انتخابية داخلية في دول غربية على أبواب انتخابات رئاسية، من دون أن ننسى الارتدادات الإقليمية العصية على التوقع  في وقت تعيش فيه المنطقة توترًا شديدًا على خلفية  تهديدات   “إسرائيلية” بتسديد ضربة عسكرية  لإيران.
د ـ  الحسابات والمصالح الغربية:
(1) عدم رغبة إسرائيل في رحيل "الأسد":
ـ إسرائيل لا ترغب برحيل الأسد، برغم العداء العلني، لأنه:

  •   يوفر لها الأمن على الحدود في الجولان المحتل.
  •   التخوف من المجهول أي الفوضى أو نظام إسلامي يناصبها عداءً دينياً وإيديولوجياً، وإما نظام قد يعمد إلى تحريك ملف الجولان النائم منذ عقود

ـ وبذلك فإن الحرب الإسرائيلية على إيران قد تخطف الأنظار عن الحراك الشعبي السوري ما يوفر فرصة للنظام لإخماده بأكثر الطرق عنفاً، كما فعل "فلاديمير بوتين"  بـ "غروزني" في الشيشان كجزء من الحرب الأمريكية على الإرهاب غداة تفجيرات 11 /9/ 2001.
(2)  الحسابات الروسية:
ـ روسيا هي التي تملك ورقة الحل في سوريا، حيث  تدافع عن مصالحها وليس عن النظام السوري. وهي تستمر مدعمة لنظام "الأسد" لحسابات عديدة وأسباب أهمها:

  •   الافتقار إلى جهة سورية قادرة على الحلول محل النظام الحالي.
  •   الافتقار إلي ضمانات حول المستقبل والسياسة الخارجية للنظام الجديد.
  •   افتقار المجلس الوطني، رغم استحواذه على اعتراف دول عديدة بشرعية تمثيله للشعب السوري، إلى المقومات التي تجعل منه جسماً واحداً متماسكاً ذا جذور صلبة في الواقع السوري.

هـ ـ رغبة بعض الدول بتسليح المعارضة:
ـ هناك دول إقليمية باتت مقتنعة بتسليح المعارضة والجيش السوري الحر، بيد أن هذا الحل قد يكون مقدمة لحرب أهلية نعرف كيف تبدأ ونجهل أين تنتهي.
ـ فالمعارضة، مهما تسلحت، لن يكون بمقدورها تغيير ميزان القوى إلى درجة قلب النظام بالقوة، والنتيجة هي الفوضى المسلحة على الطريقة اللبنانية التي دامت خمسة عشر عامًا مع مخاطر انتشار العنف الطائفي  في كل المنطقة ونمو جماعات إرهابية خارج السيطرة، وهذا ما يخشاه الجميع ولا يريده أحد ما خلا الدولة العبرية.
(1) الشرق القطرية، الشرق الأوسط، الخليج الإماراتية، رويترز، اسوشييتد برس، وكالة الأنباء الفرنسية، وكالة الأنباء الألمانية، 24/3/2012.
(2) الشرق القطرية، الشرق الأوسط، رويترز، الخليج الإماراتية، القدس العربي، 24/3/2012.
(3) الشرق القطرية، الشرق الأوسط، وكالة الأنباء الفرنسية، 23/3/2012.
(4) الشرق الأوسط، 23/3/2012.
(5) الشرق الأوسط، وكالة الأنباء الكويتية، الخليج الإماراتية، الحياة، 24/3/2012.
(6) الخليج الإماراتية، الحياة، 24/3/2012.
(7) الخليج الإماراتية، 24/3/2012.
(8) الشرق الأوسط، 24/3/2012.
(9) وكالة الأنباء الفرنسية، الشرق الأوسط، 24/3/2012.
(10) نشرة أخبار الساعة، العدد 4807،22/3/2012.
(11) رأي الشرق، 24/3/2012.
(12) جاسر عبد العزيز الجاسر، الجزيرة السعودية ـ وليد شقير، الحياة، 24/3/2012.
(13) طارق الحميد ـ عبد الله بن بجاد العتيبي، الشرق الأوسط ، تركي عبد الله السديري، الرياض السعودية، 24/3/2012.
(14) إميل خوري، النهار اللبنانية، 23/3/2012.
(15) علي العبد الله ، الحياة،24/3/2012.
(16) أكرم البني، الحياة، 24/3/2012.
(17) حسان الرواد، القدس العربي، 22/3/2012.
(18) يديعوت، 22/3/2012.
(19) ريا أحمـد،القدس العربي،23/3/2012.
(20) غسان العزي، إيلاف، 24/3/2012.