تقرير أسبوعي تعدّه وحدة الرّصد بالمكتب السياسي في هيئة الشام الإسلامية، يتضمن معلومات مفصلة عن التطورات العسكرية والمواقف الدولية من الأحداث الجارية في سوريا، ويعتمد على تقارير عسكرية غربية، ودراسات مراكز الفكر، وغيرها من المواد التي لا تنشر في وسائل الإعلام.
على إثر تسرب أنباء انعقاد مفاوضات سرية بين الإيرانيين والأمريكان أفضت إلى تخفيف اللهجة الأمريكية تجاه سوريا مقابل تعاون طهران في برنامجها النووي؛ شعرت بعض الدول العربية بالغضب من تلك الأنباء التي تزامنت مع المفاوضات الروسية-الإسرائيلية حول ضرورة الإبقاء على نظام بشار أسد؛ وبدأت تتحدث هذه الدول علناً عن ضرورة تسليح الجيش الحر، وقامت باستضافة عدد من الناشطين في هذا المجال بهدف دراسة سبل تأمين الإمدادات التي تحافظ على توازن الجيش الحر في مواجهته مع الجيش النظامي.
ويبدو أن هذه التحركات قد أثارت حفيظة واشنطن التي لا ترغب في تقوية الجيش الحر، ولا في توسيع عملياته، بل تراهن على خيارات أخرى لا يكون للأغلبية السنية فيها دور عسكري، وقد بادرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون إلى التحذير من مغبة تسليح مقاتلي الجيش الحر دون ضوابط، وتحدثت مصادر أمريكية عسكرية عن إمكانية اللجوء إلى بدائل أخرى لتغيير موازين القوى على الأرض منها التشويش على اتصالات الجيش النظامي وتيسير اتصالات الجيش الحر، وأكدت مصادر في 15 مارس 2012 وجود اتصالات مع كل من سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع بهذا الخصوص.
وفي غضون الأيام الماضية تم الكشف عن وجود اتصالات مباشرة بين الرئيس الأمريكي أوباما والإسرائيلي نتنياهو تتعلق بآليات احتواء خطر الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل في سوريا، وقد عرض أوباما على نتنياهو الوساطة بينه وبين الأتراك لمعالجة القضايا العالقة بينهما، وضرورة التنسيق بينهما لمواجهة المهددات المشتركة.
وكشفت المصادر نفسها عن قيام ثلاث قنوات اتصال غير مباشر بين الإدارة الأمريكية والإيرانيين للتفاوض حول الملف النووي، حيث عمدت الإدارة الأمريكية إلى التخفيف من لهجتها تجاه النظام السوري للتأكيد على جدية الحوار، وللتعبير عن تفهمها للحساسيات الإيرانية، وتتمثل قنوات الاتصال غير المباشر فيما يلي:
1- الحكومة العراقية في بغداد: حيث أجرى السفير الأمريكي جيفري دانيفار اتصالات غير مباشرة مع الإيرانيين عبر الحكومة العراقية، لكنها اقتصرت على توضيح وجهات النظر، والتقدم بمبادرات إيجابية، وتوصيل رسائل الإدارة الأمريكية، وتنقل بعض المصادر ضلوع جلال طلباني في هذه الاتصالات.
2- الحكومة التركية: يتعرض القادة الأتراك لانتقادات شديدة بسبب تعارض مواقفهم مع تصريحاتهم تجاه سوريا، خاصة وأن الأتراك قد أثبتوا بأنهم لا يرغبون في تصعيد الموقف مع السوريين على الرغم مما يرتكبه النظام من انتهاكات، ويؤكد مطلعون أن السبب في ذلك هو رغبة الأتراك في عدم فقدان دورهم كوسيط إستراتيجي بين الولايات المتحدة وإيران حيث تمكنوا طوال الفترة الماضية من المحافظة على علاقاتهم الديبلوماسية مع الطرفين، وقيام رئيس وزراء تركيا ووزير خارجيته بتوصيل الرسائل بين طهران وواشنطن.
3- حكومة النمسا: والتي تستضيف اجتماعات وكالة الطاقة الذرية، وتنعقد على هامشها اجتماعات أخرى ترعاها أطراف رسمية بهدف تخفيف الاحتقان بين الدول الغربية وطهران، ويتم من خلالها بذل الجهود للتوصل إلى حل سلمي للأزمة، ويبدو أن الملف السوري قد طرح عدة مرات في أروقة مقر الوكالة بفيينا.
وتؤكد المصادر أن هذه الاتصالات قد أسفرت عن قيام الولايات المتحدة بتخفيف لهجتها تجاه سوريا، والتصريح بمعارضة التدخل عسكري، ورفض تسليح الجيش الحر، وذلك لكسب تعاون الإيرانيين في الملف النووي.
كشفت مصادر أمنية مطلعة أن الولايات المتحدة قد عملت بالتنسيق مع بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وتركيا، ودول حليفة أخرى لتأمين وصول الصليب الأحمر إلى المناطق المتضررة في سوريا، وتؤكد المصادر أن هذه العملية تمثل المحاولة الأولى لتنفيذ فكرة "الممرات الآمنة"، وهي أول ملامح التدخل الخارجي إلى سوريا.
لكن الأمر الأكثر حساسية، والذي لم يعلن عنه بعد، هو أن الدول التي شاركت في علميات الإنقاذ المحدودة، كانت تخطط لتأمين غطاء جوي للصليب الأحمر، واستهداف القوات السورية في حالة التعرض لها، وقد هددت هذه القوات السوريين بعواقب وخيمة في حال التعرض لقوافل الإغاثة، وأمام هذا الضغط اختارت الحكومة السورية التعاون مع هذه الدول لأنها أدركت جدية تهديداتهم بخلاف الكلام الذي يطلق للاستهلاك الإعلامي، وخاصة من قبل الأتراك.
وعلى الصعيد نفسه؛ سربت الإدارة الأمريكية تفاصيل مخططات عرضت عليها من قبل حلفائها لتدخل خارجي في سوريا وفق الخطوات التالية:
1- اتفقت الدول الحليفة (تركيا وأوروبا) على تحديد منطقة شمالي وشمال غربي البلاد تقدر بنحو ربع المساحة الكلية لسوريا (185 كم2) كمنطقة آمنة، بهدف حماية ربع سكان سوريا (نحو 5 ونصف مليون)، وذلك من خلال تأمين مظلة جوية لهم.
2- يتم تنفيذ العملية من خلال الجو، ولن تدخل أي قوات أجنبية الأراضي السورية، بل تشترك الطائرات التركية والفرنسية والإيطالية والبريطانية في تسيير طلعات جوية لتأمين تلك المنطقة، وتنطلق من قواعد عسكرية في "إنجيرليك" و"دياربكر" بتركيا، والقاعدة الجوية التابعة لسلاح الجو الملكي البريطاني في قبرص.
3- عرضت فرنسا تقديم دعم جوي من خلال حاملة الطائرات التابعة لها "شارل دي غول"، شريطة التعاون الاستخباراتي مع الأسطول السادس الأمريكي شرقي المتوسط.
4- تمتد المنطقة الآمنة من مدينة "طرطوس" على الحدود الشمالية الغربية مع تركيا، وتشمل منطقة جبل الزاوية، وإدلب، وحماة، وحمص، والمناطق الريفية المتصلة بها.
5- يتم التأكد من وضع الحدود الفاصلة للمنطقة الآمنة بعيداً عن الدفاعات الجوية السورية، والقواعد العسكرية التابعة لها، وسيتم قصف أي محاولة للجيش السوري بالدخول إلى المناطق الآمنة من الجو.
6- يتم تشكيل إدارة محلية سورية في المناطق الآمنة، تدعمها الدول الغربية التي تؤمن لهم الطعام والدواء والاحتياجات الأخرى للمدنيين.
7- لا تهدف هذه الحملة إلى إسقاط نظام بشار أسد، أو استهدف قواته العسكرية في المناطق التي تبقى تحت سلطته.
وتؤكد المصادر أن الفرنسيين قاموا برفع تلك الخطة إلى الإدارة الأمريكية بعد إتمام التفاصيل الدقيقة مع الدول الحليفة، ثم أحالها الرئيس أوباما إلى البيت الأبيض لدراستها في غضون أسبوع، وإفادته بإمكانية تنفيذها دون وقوع ردود أفعل سلبية من قبل الدول الداعمة لدمشق.
لكن المفاجأة الكبيرة كانت إعلان أوباما عدم رغبته في الاستمرار في تلك المخططات، حيث بلغته تحذيرات من البنتاغون بإمكانية وقوع ردود أفعال غير متوقعة من قبل حلفاء دمشق.
وأشارت تسريبات مؤكدة أن الأتراك قد لعبوا دوراً في ثني الإدارة الأمريكية عن تبني مشروع تنفيذ الممرات الآمنة، وألمحوا إلى عدم قدرتهم على التعاون مع القوى الغربية، مما يمكن أن يفشل الحملة برمتها، ويبدو أن الطرفين: التركي والأمريكي قد اقتنعوا بحدلية إسرائيلية تتضمن تقديم مغريات لإيران في التخلي عن برنامجها النووي وتجنيب المنطقة حرباً شاملة، وذلك من خلال تهدئة الأوضاع في سوريا، وعدم العمل على الإطاحة بنظام بشار أسد في سوريا.
وعلى الصعيد نفسه سربت وسائل الإعلام البريطانية معلومات محرجة للأتراك، تتحدث عن استخدام سوريا أراض تركية لنقل الأسلحة القادمة من إيران، وتعاون شركات تركية مع "المركز السوري للأبحاث والدراسات العلمية" الذي يقوم بتصنيع المصفحات والذخيرة الحية للجيش وقوات الشرطة، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد حظرت التعاون مع هذا المركز منذ عام 2004 لصلاته مع كوريا الشمالية، ووضعه الاتحاد الأوروبي ضمن قائمته للهيئات والشخصيات السورية التي يحظر التعاون معها.
وتؤكد المصادر أن تركيا استمرت في تقديم المعدات الضرورية لهذا المركز الذي يوفر للقوات السورية ما تحتاجه من ذخيرة حية، إذ قامت شركتان تركيتان بتزويده بالمواد اللازمة له لإنتاج الذخيرة والصواريخ.
وعلى الرغم من نفي الأتراك تلك المعلومات؛ إلا أنه بات من الواضح أن الأتراك والإسرائيليين والأمريكيين لا يريدون سقوط نظام دمشق، خاصة في ظل غياب بديل عسكري ناضج يمكن أن يحفظ الأمن الداخلي للبلاد ويحمي حدودها مع الدول المجاورة.
وفي المقابل تراهن هذه الدول الثلاث على إمكانية الترتيب لانقلاب عسكري يطيح ببشار والمقربين منه، ويبقي النظام العلوي الحاكم، وقد قامت اتصالات بالفعل مع ضباط علويين كبار، لكنهم اشترطوا عدم تغيير التوازنات العسكرية القائمة، وحذروهم من مغبة تسليح كتائب الجيش الحر.
إلا أنه لا بد من التأكيد على وجود أطراف عديدة في تركيا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية تتبنى دعم العارضة المسلحة وتسليح الجيش الحر، لكن هذه الأصوات لا تجد قبولاً في أروقة اتخاذ القرار السياسي في واشنطن وأنقرة.
نقل عن مصدر في قصر الرئاسة الفرنسية قوله إن مؤتمر "أصدقاء سوريا" في تونس كان مزدوجاً، إذ إنه بموازاة الاجتماع الرسمي (الذي لم يحقق نجاحاً يذكر) اجتمع رؤساء أجهزة استخبارات دول غربية وعربية وتداولوا كيفية الإطاحة بنظام بشار بوسائل مغايرة للدبلوماسية.
في هذه الأثناء؛ كثّفت أجهزة الاستخبارات الغربية نشاطاتها في المنطقة؛ حيث كشف الجنرال الأمريكي جيمس كلابر عن وجود فرقة خاصة يتكون أعضاؤها من خبراء في وزارة الدفاع الأمريكية وجهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية لتعقب الأسلحة الكيميائية والبيولوجية في سوريا، وأكد عضو لجنة التحقيق تشارلز دويلفر، أن الاستخبارات الأمريكية تسعى في الوقت الحالي إلى تحديد مواقع تخزين هذه الأسلحة بهدف منع وصولها إلى أيدي المتشددين أو استخدامها من قبل النظام السوري في حالة تدهور الأوضاع.
وأكد مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للأمن الدولي ومنع الانتشار النووي توم كنتريمان أن الولايات المتحدة قد رصدت جميع مخازن أسلحة الدمار الشامل في سوريا، وتعمل على تأمينها في القريب العاجل كما أمنت منظومات الصواريخ الليبية بعد سقوط نظام القذافي.
وتعمل الإدارة الأمريكية مع الأردن بصفة خاصة للسيطرة على هذه الأسلحة ومنع انتشارها، حيث زار وفد عسكري أردني البنتاغون والتقى بوزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا لمناقشة هذه المسألة، وصرحت مصدر أمريكي رفيع أن القوات الخاصة الأردنية تتلقى تدريبات مكثفة لتأمين 12 موقع سوري لإنتاج وتطوير أسلحة الدمار الشامل.
وفي المقابل؛ تحدثت مصادر أمنية عن قيام الروس بتطوير 3 محطات استخباراتية تابعة لها في سوريا بهدف تعزيز قدرتها على الرصد والاستطلاع، حيث قامت يتطوير قاعدتها الجديدة في جبل الحارة جنوب دمشق، وتزويدها بتقنيات اتصالات تساعد على مراقبة تحركات الأسطول الأمريكي السادس شرقي المتوسط.
ومن المثير للاهتمام ما ورد من تقارير حول تواجد عناصر من الاستخبارات العسكرية الروسية في بابا عمرو عقب اجتياحها من قبل الجيش النظامي، والتقاط عينات لصواريخ مضادة للدروع استخدمها الجيش الحر قبل انسحابه، وتم إرسال هذه العينات لفحصها في مختبرات بموسكو لمعرفة طبيعة الأسلحة التي يستخدمها المعارضون.
وتشير المصادر إلى أن المعلومات الاستخباراتية الروسية هي التي أدت إلى مقتل الصحفيين الأوروبيين؛ حيث كان الصحفيون الأوروبيون الخمسة قد نجحوا في التسلل إلى حمص، وأسسوا مركزاً إعلامياً سرياً في بابا عمرو، واستخدموا من خلاله موجات لا يمكن التقاطها من قبل السوريين.