تقرير أسبوعي تعدّه وحدة الرّصد بالمكتب السياسي في هيئة الشام الإسلامية، يتضمن معلومات مفصلة عن التطورات العسكرية والمواقف الدولية من الأحداث الجارية في سوريا، ويعتمد على تقارير عسكرية غربية، ودراسات مراكز الفكر، وغيرها من المواد التي لا تنشر في وسائل الإعلام.
شهدت الأيام القليلة الماضية تحولاً في المواقف الدولية إثر إعلان كتيبة الفاروق التابعة للجيش الحر إلقاء القبض على عسكريين إيرانيين تابعين للحرس الثوري، وعرضها لقطات فيديو لأسر ضباط علويين، وبث مشاهد تظهر سيطرة كتائب الجيش الحر على مجموعة من الدبابات والمدرعات.
إلا أن الظاهرة الأخطر تمثلت في انتشار "المناطق المحررة" في البلاد؛ مما رسخ القناعة لدى واشنطن وموسكو أن سوريا قد أصبحت بالفعل "دولة ساقطة" (failed state)، وبأن الخطر الأكبر الذي بات يتهدد أمن المنطقة هو اعتراف العسكريين الإيرانيين المعتقلين بأماكن وجود الأنظمة الصاروخية الإيرانية، أو كشف الضباط السوريين المعتقلين (أو المنشقين) عن أماكن تواجد الأسلحة الروسية المتطورة في المناطق التي فقد الجيش السوري سيطرته عليها.
وأدى ذلك إلى إذكاء الصراع الاستخباراتي داخل الأراضي السورية خلال الأسبوعين الماضيين، وكان التقرير الاستراتيجي السابق للهيئة قد انفرد بتأكيد وجود فرقة استخباراتية أمريكية تسعى إلى تأمين المواقع الصاروخية السورية في حالة سقوط النظام.
وفي 8 فبراير 2012؛ أكدت مصادر مطلعة دخول قوات غربية خاصة إلى الأراضي السورية.
وتشير المصادر إلى أن هذه القوات لا تشارك كتائب الجيش الحر في معاركه ضد النظام؛ إلا أنها تعمل على تقديم الدعم اللوجستي وتوفير المعلومات لدولها حول القدرات الصاروخية وإمكانية وصولها إلى "حزب الله" أو أي مجموعات مسلحة أخرى في المنطقة، وقد أسست هذه القوة أربع مراكز لها في شمال البلاد وشرقها.
وتعتقد الاستخبارات السورية أن الفرق الغربية الخاصة تقوم بعملياتها الاستطلاعية في كل من الخالدية وبابا عمرو، وباب الدريب، والرستن.
وبناء على تلك المعلومات أرسل الجيش السوري الفرقة المدرعة (40) إلى حمص، لدعم فرقة المشاة (90) بقيادة اللواء زهير أسد (ابن عم بشار أسد) الذي فقد العديد من قواته بين أسير وقتيل على يد كتيبة الفاروق.
كما أصدر القصر الجمهوري أوامر صارمة للفرقة المدرعة (40) بدك باب عمرو والخالدية وتسويتها بالأرض إن تطلب الأمر لتحرير الضباط العلويين الأسرى، والكشف عن أي وجود غربي في المنطقة.
وتتزامن هذه الإجراءات مع إعلان تركيا نيتها القيام بمبادرة جديدة لحل الأزمة السورية، ومغادرة أحمد داود أوغلو لمقابلة الرئيس الأمريكي في رسالة لم يكشف عن مضمونها بعد.
وكرد فعل على تلك الأنباء؛ وضعت موسكو قواتها الخاصة (Spetsnaz) في قواعدها بالبحر الأسود على أهبة الاستعداد للتحرك في الوقت المناسب بهدف الدفاع عن النظام السوري في دمشق وتأمين عدم وقوع الأسلحة الروسية المتطورة في يد الجيش الحر.
وبعيداً عن التكهنات بفحوى رسالة لافروف خلال زيارته إلى دمشق يوم الثلاثاء 7 فبراير، إلا أن هدف رئيس الاستخبارات الروسية ميخائيل فرادكوف كان واضحاً، حيث استهل جلسته مع بشار أسد بسؤاله: "متى ستدعوني لتناول الغداء في حمص؟"، وذلك في إشارة إلى استعداد روسيا لتقديم الدعم الاستخباراتي واللوجستي لمساعدة القوات لخاصة التابعة للجيش السوري في عملياتها القتالية بالمدينة المنكوبة.
وكان بشار الأسد قد أقحم فرقاً من القوات الخاصة في العمليات الأخيرة بحمص لتحرير الرهائن الإيرانيين والأسرى من ضباط طائفته، وبالإضافة إلى فرق المظليين؛ فإن القوات الخاصة تتضمن: مجموعة فوج دبابات، وأربع ألوية مشاة، ولواءين مضادين للدبابات، ولوائي مدفعية، وعشرة ألوية مستقلة محمولة بالطائرات.
لكن الفرقة الأهم والأكثر ارتباطاً بزيارة لافروف وفرادكوف؛ هي فرقة الصاعقة التابعة للجيش السوري، والتي تتلقى كامل تدريباتها من قبل القوات الخاصة الروسية (Spetsnaz)، ومن مهامها: عمليات تحرير الرهائن، والتعامل مع حالات الاختطاف، والقيام بالمهمات الخاصة والاستطلاع، ويعتقد أنها تحتوي في صفوفها على عدد من المحترفين من ألمانيا الشرقية سابقاً، وبعض اليهود المعارضين لإسرائيل إضافة إلى بعض عناصر النخبة من الدروز والشركس الذين يكلفون بعمليات خاصة لديها، وذلك كرد على عمليات خطف ضباط علويين واحتجاز الخبراء الإيرانيين كرهائن لدى كتائب الجيش الحر.
ويخشى الروس من أن وقوع هؤلاء في الأسر سيحدث اختلالاً كبيراً في التوازنات الإقليمية، ويهدد بإمكانية تسريب هؤلاء معلومات خطيرة حول المصانع السرية لصواريخ (Scud)، ومخازن صواريخ "حزب الله" السرية في سوريا، فضلاً عن إمكانية وقوع هذه المناطق تحت سيطرة الجيش الحر.
وتؤكد مصادر أمنية نشرت في 8 فبراير 2012 أن حديث الوفد الروسي مع بشار الأسد تركز على مناقشة المعلومات المتعلقة بتواجد قوات خاصة غربية للاستطلاع حول أماكن تواجد الأسلحة الصاروخية (Yakhont) التي أرسلتها موسكو إلى دمشق مؤخراً، وحرص رئيس الاستخبارات الروسية على معرفة تفاصيل أماكنها، ودراسة وسائل تأمينها من قبل القوات الروسية الخاصة.
وبعيداً عن مظاهر الحفاوة والترحيب التي تلقاها الوفد الروسي؛ إلا أن التسريبات تؤكد أن لافروف كان غاضباً من سوء إدارة بشار للأوضاع، ومن تعريض روسيا للإحراج الدولي، وعجزه عن فرض السيطرة على المناطق الساخنة.
وبخلاف ما أعلنه لافروف عن نية بشار إجراء إصلاحات سياسية؛ فقد تركز الحديث بين الطرفين حول الأوضاع الميدانية، وكيفية إسهام القوات الخاصة الروسية في الحملة الأخيرة التي يدعي بشار أنها ستكون الأخيرة على معاقل الثوار في حمص وإدلب وحوران وريف دمشق.
وكانت مصادر أمنية إسرائيلية تحدثت قبل يومين عن تنامي مشاعر القلق لدى قيادة الجيش الإسرائيلي من انتقال أسلحة متطورة ومنظومات صاروخية من الأراضي السورية إلى "حزب الله" في لبنان، وخاصة منها مضادات الطائرات الروسية (S-125) التي يمكن أن تعيق عمليات الطيران العسكري الإسرائيلي، إضافة إلى بعض الأسلحة الكيميائية التي يمكن أن تزود بها صواريخ (Scud).
مع تعالي الأصوات المناهضة للحرب في أمريكا، وتكرر دعوات السياسيين والعسكريين إلى ضرورة احتواء الخلاف مع إيران بالطرق السلمية؛ فإن الرئيس الأمريكي قد أكد رغبته في العمل على إضعاف إيران بالوسائل الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية.
وتؤكد المصادر أن الإدارة الأمريكية تعتبر أن الأحداث في سوريا تقدم فرصة مهمة لإضعاف النظام الإيراني، حيث تسعى الإدارة الأمريكية إلى تفكيك المنظومة الأمنية الإيرانية الخارجية من خلال إسقاط النظام السوري، مما يفقد طهران أقوى حليف عسكري لها في المنطقة، ويسهم في عزلتها الدولية ، ويجرد "حزب الله" أهم قنوات دعمه وتمويله.
وكرد على تلك الاستراتيجية الأمريكية حرصت إيران أن تنسق مناوراتها العسكرية الجديدة التي ابتدأتها 6 فبراير 2012، بالتزامن بالتنسيق مع حملة الجيش السوري على حمص وإدلب والزبداني وحوران، وأكدت المصادر أن نظامي طهران ودمشق قد نسقا لبدء المناورات الإيرانية وعمليات الجيش السوري بالتزامن كرسالة واضحة بأن محورهما لا يزال فاعلاً، وذلك في مقابل امتناع الولايات المتحدة وحلفاءها عم تقديم الدعم العسكري للجيش الحر.
وكرد على دعوة بعض السياسيين الأمريكيين بتسليح المعارضة السورية؛ أكد الناطق باسم البيت الأبيض "جاي كارني" في 8 فبراير 2012 أن الإدارة الأمريكية لا تفكر في تسليح الجيش السوري لأن مثل هذه الإجراء سيزيد العنف في سوريا، مشيراً إلى أن الإدارة الأمريكية تركز على بحث وسائل تقديم الدعم الإنساني للشعب السوري.
وتشير المصادر أن بشار أسد يدفع عن نفسه تهم سوء إدارة الأزمة في بلاده من خلال تضخيم دور الاستخبارات الغربية في تأجيج الموقف العسكري شمال البلاد وشرقيها، وبأنه يشعر بالرضا من التحركات الإيرانية والروسية، حيث إنه بات يعتقد أن المخرج الوحيد له من الأزمة الداخلية في بلاده هو أقلمتها، ولذلك فإنه قد اجتمع في الأسبوع الماضي مع كبار مسؤولي الفروع الخارجية في أجهزة الأمن، وأوعز إليهم التحرك لافتعال أزمات في مناطق مختلفة من الدول العربية المناوءة له، وما لبث أن خرجت مظاهرات لمعارضين شيعة في بعض الدول الخليجية تهتف لبشار.
وأكدت مصادر أمنية يوم الأحد 5 فبراير أن الاستخبارات السورية قد جهزت فرق اغتيالات خاصة تستهدف أهم الداعمين للحملات ضده في بعض الدول العربية، وقد نجحت الأجهزة الأمنية لهذه الدول في الكشف عن خلايا تعمل لصالح نظام دمشق، إلا أنها لا ترغب في الإعلان عن ذلك في الوقت الحالي، لكن التسريبات تشير إلى قيام الاستخبارات السورية بتجهيز سيارات لعمليات تفخيخ وتفجير عن بعد، وتزويد المعارضين بمواد متفجرة ضبطت بحوزتهم، وتحويل مبالغ نقدية إلى قادة جماعات معارضة في الدول التي تتهمها دمشق بتمويل ودعم الجيش الحر في عملياته ضدها.
يأتي ذلك التصعيد على خليفة تزايد القلق الإيراني من المناورات العسكرية الإسرائيلية التي تعتبر الأكبر منذ خمسة عشر عاماً، شملت تدريب مقاتلين من الجيش النظامي ومن فرق الاحتياط على تأمين المدن والطرق الحيوية والبنية التحتية في حالة التعرض لقصف صاروخي، إضافة إلى تدريب نحو ألف مظلي على التغلغل في أراض معادية، وذلك بهدف استعراض قدرتها على منع أي عمل عسكري قبل البدء فيه.
وبالتزامن مع البدء في عمليات الجيش السوري في حمص، ومناورات الجيش الإيراني في الخليج العربي كشفت الولايات المتحدة عن البدء في مناورات عسكرية هي الأكبر منذ عشر سنوات يوم الاثنين 6 فبراير 2012، وتشمل تدريب عشرين ألف مقاتل على: "تأمين أراضي دولة حليفة ضد قوة معادية تسعى إلى غزوها وإغلاق المعابر المائية الموصلة إليها"! ويشارك في هذه المناورات مقاتلون من فرنسا وبريطانيا وإيطالي وهولندا وأستراليا ونيوزيلندا، وتنتهي في 14 فبراير.
يأتي ذلك في ظل قيام العديد من الدول العربية بوضع قواتها في حالة طوارئ كاملة، وإجراء مناورات سرية لتأمين المنشآت النفطية والمرافق الحيوية، ونصب بطاريات باتريوت (PAC-3)، في حين ترابط في مياه الخليج العربي وبحر العرب لأول مرة منذ احتلال العراق عام 2003: ثلاث حاملات طائرات أمريكية، وحاملة طائرات فرنسية، ومجموعة سفن حربية وغواصات نووية، وكشفت الأنباء أن الأمريكيون يركزون تواجدهم بصورة ملحوظة في جزيرتي "سوقطرة" و"مصيره" ببحر العرب.