عاش غريباً ومات غريباً.. عبد القادر بن بدران الدُّومي
هو الإمام العلّامة المحقّق، وأحد أعيان علماء المسلمين في القرن الرابع عشر الهجري، الشيخ عبد القادر بن أحمد، فقيه أصولي حنبلي، لقّب بابن بدران، نسبةً إلى بدران السّعديّ الجدّ الأكبر للأسرة، وهو حجازي الأصل من بني سعد.
ولد ابن بدران في أسرة صالحةٍ تقيّة، سنة 1280هـ، وقيل: 1265ﻫ، وذلك ببلدة دوما، التي تقع بريف دمشق.
مرّت مسيرة ابن بدران في طلب العلم، عبر ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: ببلدته دوما، حيث ألحق في صغره بكتّاب الشيخ عدنان بن محمّد عدس في جامع المسيد، حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة.
المرحلة الثّانية: ببلدته دوما كذلك، عند بلوغه سنّ الرشد، حيث انتقل إلى الجامع الكبير، وتلقّى العلم فيه على يد جده الشيخ مصطفى بدران وكان ضريراً، ثم على يد شيخه الشيخ محمد بن عثمان الحنبلي، المشهور بخطيب دوما (ت 1308هـ)، فقرأ عليه كتاب مختصر الإفادات للعلاّمة البلبانيّ الحنبليّ، وتأثر بأسلوبه وطريقته.
المرحلة الثالثة: مرحلة الرّحلة في طلب العلم، حيث انتقل إلى دمشق، حاطّاً رحاله بدار الحديث الأشرفيّة، التي كان يقيم فيها محدث الشام بدر الدّين الحسنيّ، فاتّصل به، وأخذ عنه، ومدحه، وأثنى عليه.
من مشايخه:
ابتدأ طلب العلم في بلدته دوما على يد مشايخها، ابتداءً بجدّه الشيخ مصطفى بدران، ثم على يد شيخه الشيخ محمد بن عثمان الحنبلي، المشهور بخطيب دوما، ثم انتقل إلى دمشق، فطلب العلم على يد محدّث الشّام محمد بدر الدين الحسني، وتلقّى في هذه الدار كذلك عن شيخ الشام، ورئيس علمائها الشيخ المحدث سليم بن ياسين العطار، كما درس علوم اللغة العربية على يد الشيخ طاهر الجزائري، أحد كبار علماء الشام ومصلحيها.
ثم أكبّ على الكتب ينهل من معينها في كلّ الفنون والعلوم، فبرع في سائر العلوم العقليّة والأدبيّة والرياضيّة، وتبحّر في الفقه والنّحو، بيد أنّه أولى عناية خاصّة لعلم أصول الفقه، فكان رحمه الله علمًا من الأعلام، عينّ مفتياً للحنابلة، ومدرساً بالجامع الأموي.
حياته العلميّة والعمليّة:
أبرز تلاميذه:
من تلاميذه العلّامة الأديب الشّاعر محمّد سليم الجنديّ، والشّاعر الأديب محمّد محمود البزم، وفخري بن محمود الباروديّ ومنيف بن راشد اليوسف، والعلّامة الشّيخ محمّد صالح العقّاد الشّافعيّ والعلّامة الشّيخ محمّد أحمد دهمان، وهو من أخصّ تلاميذ ابن بدران، والمؤرخ خير الدين الزركلي ، صاحب كتاب الأعلام.
صفاته وثناء العلماء عليه:
قال العلّامة خير الدّين الزّركليّ : "فقيهٌ أصوليٌّ حنبليٌّ، عارفٌ بالأدب والتّاريخ . . . حسن المحاضرة، كارهًا للمظاهر، قانعًا بالكفاف، لا يعنى بملبسٍ أو بمأكلٍ، يصبغ لحيته بالحنّاء، ضعف بصره قبل الكهولة، وفلج في أعوامه الأخيرة، ولِيَ إفتاء الحنابلة".
وقال العلّامة الشّيخ عبد اللّه بن خلفٍ بن دحيان الحنبليّ: "العلّامة الشّيخ عبد القادر بن أحمد بدران، مدرّس الجامع الأمويّ، وشيخ الحنابلة في البلاد السوريّة، ومحدّث الشّام، وأحد أعضاء الرّئاسة العلميّة بدمشق".
شكواه من أهل زمانه:
ابتلي ابن بدران من أهل زمانه ابتداءً من أهل بلدته دوما، الّتي أخرجه أهلها منها بعد أن عاد إليها من سفره إلى أوربّا والمغرب.
وعن أسباب إخراجه من دوما، يذكر فخريّ الباروديّ في "مذكّراته" عن ابن بدران أنّه كان "لا يهاب أحدًا، فوقعت مرّةً مشادّةٌ بينه وبين رئيس بلديّة دوما صالح طه، وتبادلا الهجاء، وعلى الإثر استصدر طه من الوالي أمرًا بإبعاد الشّيخ بدران عن دوما، فانتقل إلى دمشق"، وكان هذا النفي لمدّة سنتين.
كما أنّ ابن بدران اشتكى من الجهلة المتعالمين في زمانه فقال : "وممّا ابتدع في زماننا أنّهم يجمعون أهل العمائم، فينتخبون مفتيًا، ويحصرون الفتوى فيه، فكثيرًا ما ينال هذا المنصب الجاهل الغمر الّذي لو عرضت عليه عبارة بعض كتب الفروع ما عرف لها قبيلاً من دبيرٍ، فنسأل اللّه حسن العافية"، وقال يصف حال العلم في زمانه أنّه أصبح: "جداول بلا ماءٍ وخلافًا بلا ثمرٍ، وعمائم كالأبراج، وأكماماً كالأخراج، والعلم عند اللّه تعالى"
شعره:
كان شاعرًا وأديبًا وعالمًا بليغًا، وقد شمل شعر ابن بدران فنون الشّعر كلّها؛ كالمديح والغزل والوصف والرّثاء والهجاء والحكمة والمراسلات، وغيرها. كما نرى فيه جمال صنعة الشّعر من توريةٍ وجناسٍ وطباقٍ وتشطيرٍ وتخميسٍ وتطريزٍ وموشّحاتٍ وتضمينٍ وإجازاتٍ، وغير ذلك.
وممّا يدلّ على عنايته بالشعر أنّه ألّف كتابًا أسماه: (المنهل الصّافي في شرح الكافي في العروض والقوافي)
مكتبته:
يقول الشيخ نور الدين طالب الدوميّ: "امتلك ابن بدران مكتبةً علميّةً جيّدةً، تضمّ نفائس المخطوطات، وخاصّةً في المذهب الحنبليّ، ورث بعضها عن جدّه لأمّه الشّيخ الفقيه أحمد بن مصطفى بن حسينٍ النّعسان
وبعضها الآخر تملّكه لنفسه، أو وهب له. ثمّ إنّه لمّا حصلت له تلك الفتنة المظلمة في بلده، وهاج عليه جهلة الخلق، واستعدوا على مكتبته، فأحرقوا ما وجدوه فيها ـ كما حدّثني بذلك بعض كبار السّنّ في دوما، ولذلك حقّ له أن يصمهم بالحمر المستنفرة، ويصبّ جام غضبه عليهم في ديباجة كتابه (المنادمة). وما بقي معه من مكتبته احتمله إلى دمشق، وأودعه غرفته إلى آخر حياته، ثمّ إنّ مكتبته بعد وفاته قد صارت لعدّة أشخاصٍ، منهم: الشّيخ عبد الغنيّ بن إبراهيم الدّرّة الدّوميّ، وكان بعضها من نصيب الأستاذ شامل الشاهين، منها خمسةٌ من مؤلّفات ابن بدران بخطّه، ومنهم الأستاذ محمّد بن سعيدٍ العمانيّ الحنبليّ.
مؤلّفاته:
جادت قريحة العلّامة ابن بدران بمؤلّفاتٍ جليلةٍ، ومصنّفاتٍ مفيدةٍ، بلغت قرابة الخمسين مصنّفاً، من أبرزها:
1- إيضاح المعالم من شرح العلّامة ابن النّاظم ، وهو شرحٌ على ألفيّة ابن مالكٍ في النّحو .يقع في ثلاثة أجزاء ٍ.
2- جواهر الأفكار ومعادن الأسرار في تفسير كلام العزيز الجبّار.
3- حاشيةٌ على أخصر المختصرات للبلبانيّ.
4- حاشيةٌ على شرح منتهى الإرادات . يقع في جزأين.
5- حاشية الرّوض المربع شرح زاد المستقنع.
6- ديوان تسلية اللّبيب عن ذكرى حبيبٍ . مخطوطٌ.
7- ذيل على طبقات الحنابلة لابن الجوزيّ ذكره ناشر الكواكب الدّرّيّة في فهرس مؤلّفات ابن بدران المذكورة على طرّة الكتاب.
8- سبيل الرّشاد إلى حقيقة الوعظ والإرشاد .في جزأين
9- شرح سنن النّسائيّ.
10- شرح نونيّة ابن القيّم
11- المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبلٍ.
12- موارد الأفهام على سلسبيل عمدة الأحكام. في مجلّدين.
13- نزهة الخاطر العاطر شرح روضة النّاظر وجنّة المناظر لابن قدامة.
عزوبته:
والعلّامة ابن بدران من العلماء العزّاب، يقول الأستاذ أدهم آل الجنديّ إنّه "آثر العزوبة في حياته ليتفرّغ لطلب العلم والتّدريس".
مرضه ووفاته:
عاش المرحلة الأخيرة من حياته، في غرفة متواضعةٍ، ملحقة بإحدى مدارس الأوقاف، فأصيب بداء الفالج، ونقل إلى المستشفى التي مكث فيها نحو ستّة أشهرٍ ثمّ خرج، ليصاب بعدها بضعفٍ في بصره من كثرة الكتابة، إلى أن وافاه الأجل المحتوم بمدينة دمشق، في شهر ربيعٍ الثّاني من عام 1346هـ الموافق 25 /9/ 1927م، وذلك في مستشفى الغرباء، ودفن في مقبرة الباب الصّغير بدمشق.
نقلا عن موقع نور سورية-بتصرف