هذه العودة لنظام الأسد إلى الحضن العربي
كثرت الخطوات التي قام بها مسؤولون في بعض الأنظمة العربية حيال نظام الأسد، سواء من خلال لقاءات نظرائهم في هذا النظام، على هامش لقاءات دولية وإقليمية، أم من خلال زيارات وفود غير رسمية إلى دمشق، وسوى ذلك. ولعل أبرز الخطوات، التي تسارعت في الأيام القليلة الماضية، الزيارة التي قام بها الرئيس السوداني عمر البشير، المطلوب من محكمة الجنايات الدولية، إلى دمشق، والمحاصر اليوم من ثورة شعب بلاده. وبعدها أعادت دولة الإمارات فتح سفارتها في دمشق، تلتها زيارة علنية قام بها رئيس جهاز المخابرات العامة علي مملوك إلى القاهرة، وهو الذي أصدر القضاء الفرنسي مذكرة توقيف دولية ضده، على خلفية ارتكابه جرائم تعذيب وجرائم ضد الإنسانية، ثم جرى أخيرا الكشف عن زيارة مرتقبة للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز خلال شهر يناير/ كانون الثاني الجاري.
وتدخل هذه الخطوات في نطاق عملية ممنهجة، تقودها بعض الأنظمة العربية، لإعادة تطبيع العلاقات العربية مع نظام الأسد، على الرغم من كل المجازر والانتهاكات التي ارتكبها هذا النظام بحق غالبية السوريين، وفي وقت يقود فيه النظام البوتيني (نسبة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) حملة إعادة تأهيل هذا النظام دولياً وعربياً، بعد أن خاضت قواته إلى جانب قوات وميليشيات نظام الملالي، القابع في طهران، حرباً ضد الفصائل السورية المعارضة، وضد الحاضنة الشعبية للثورة السورية، وأفضت إلى السيطرة على أغلب المناطق التي كانت تخضع للمعارضة السورية، وذلك من أجل تثبيت نظام الأسد داخلياً، وإبقائه جاثماً على صدور السوريين سنوات أخرى طويلة وثقيلة.
وإن كانت محاولات تأهيل النظام قد فشلت دولياً، في ظل إصرار دولٍ غربية على ضرورة القيام بخطوات جادة في اتجاه الحل السياسي، فإنها تأخذ طريقها إلى التحقق عربياً، من خلال اتخاذ خطوات تفضي إلى إعادة نظام الأسد إلى الحضن العربي، ممثلاً بجامعة الدول العربية، المنظمة المشلولة والهزيلة منذ لحظة ولادتها، بما يعني إعادة مقعده المجمّد في الجامعة، ودعوته إلى حضور القمة العربية المقبلة المزمع عقدها في تونس نهاية مارس/ آذار المقبل، وذريعة ذلك هي منافسة نفوذ كل من نظام الملالي الإيراني والنفوذ التركي في سورية.
وينسى أصحاب دعوات إعادة الأسد إلى الحضن العربي أنه هو من أدار ظهره لجامعة الدول العربية ومقرّراتها، وضرب مبادرتها عرض الحائط والتي كانت تطالبه بوقف كل أعمال العنف وحماية المدنيين، والإفراج عن المعتقلين، وإخلاء المدن والأحياء السكنية من جميع المظاهر المسلحة، وفتح المجال أمام منظمات جامعة الدول العربية المعنية ووسائل الإعلام العربية والدولية للتنقل بحرية في جميع أنحاء سورية. كما لم يستجب النظام لكل الدعوات والمناشدات الدولية بوقف قتل السوريين، وبالتالي لم يغير النظام ممارساته الدموية الإجرامية طوال السنوات الثماني الماضية، بل استقدم المليشيات الإيرانية الطائفية، وباع البلد لنظامي بوتين وإيران اللذين باتا اليوم قوتي احتلال لسورية.
وترتفع الأصوات المطالبة بعودة نظام الأسد إلى الحضن العربي في كل من مصر والبحرين ولبنان والعراق والجزائر والأردن وسواها، ضاربة عرض الحائط مخرجات القمة العربية الرابعة والعشرين في الدوحة التي أقرّت حق السوريين في الدفاع عن النفس في مواجهة المجازر اليومية لنظام الأسد، وأعطت مقعد سورية للمعارضة، في خطوةٍ أعطت الانطباع بتكريس القطيعة العربية مع هذا النظام، وكانت الأهم من تعليق عضوية النظام في 12 أكتوبر/ تشرين الثاني 2011، لكن ذلك لم يحدث تماماً، إذ على الرغم من مقرّراتها، لم تقف معظم الأنظمة العربية مع ثورة الشعب، بسبب طبيعة تكوين هذه الأنظمة وسياساتها وممارساتها، حيث وجدت نفسها مضطرة في بداية الثورة، وتحت ضغط المجتمع الدولي، إلى تجميد عضوية نظام الأسد في جامعة الدول العربية، فاتخذ بعضها خطواتٍ شكليةً ضد نظام الأسد، مثل سحب السفراء وإغلاق السفارات، لكنها لم تُحدث قطيعةً معه، بل كانت تتحيّن الفرص كي توصل ما انقطع معه، إلى أن وصل بها الحال إلى دعوته إلى العودة إلى الحضن العربي البائس.
ولا ينسى السوريون الدور السلبي والمخرّب الذي لعبته بعض الأنظمة العربية في الثورة، وخصوصا في الجانب العسكري، حين استغلت حاجة الفصائل العسكرية المعارضة للدعم، كي توجهها وفق أجنداتها وصراعاتها، وراحت أجهزة استخباراتها تلعب دورها في توجيه معارك فصائل المعارضة السورية وإدارتها، بل وأوعزت إليها كي تسلم مناطق سيطرتها للروس والنظام.
وإن كانت الذريعة الواهية لأصحاب دعوات إعادة نظام الأسد إلى الحضن العربي تتلطى خلف مقولة إن المقاطعة العربية له أفضت إلى تغلغل نظام الملالي الإيراني وتركيا في سورية، كي يبرّروا إعادة العلاقات العربية معه، بغية تخليصه من النفوذين أو الحدّ منهما، فإن هذه ذريعة زائفة المعنى والمبنى، فأصحاب هذه الدعوات لم يفعلوا شيئاً في الحدّ من سيطرة نظام الملالي الإيراني الفعلية والعلنية على كل من لبنان والعراق، حيث يتفاخر أمين عام مليشيات حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، بتبعيته لولي نظام الملالي، ويمنع لبنان حتى من تشكيل حكومةٍ لا يرضى عنها هذا النظام ونظام الأسد الإجرامي، وكذلك الأمر في العراق الذي تسيطر عليه قوى شيعية تخدم أجندة نظام إيران، فضلاً عن وجود عسكري لهذا النظام في العراق، تحت مسمى مستشارين عسكريين وسوى ذلك. كما أن تغلغله ونفوذه في سورية كان تحت لافتة الدفاع عن نظام الأسد، وهذا ليس جديداً، بل يعود إلى أيام حكم الطاغية الأسد الأب، وبالتالي أي عودة لنظام الأسد الإجرامي إلى الحضن العربي؟ خصوصا أنه لم يتغير بتاتاً، بل تغول كثيراً في دماء السوريين طوال السنوات الثماني الأخيرة. لذلك يتجسّد الأمر في أن هناك من الأنظمة العربية من يريد التعبير علنا عن وقوفه ضد إرادة غالبية الشعب السوري، وضد دماء مئات آلاف السوريين، ومكافأة النظام على تشريد أكثر من نصف سكان سورية، وعلى جرائم الحرب وجرائم التعذيب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها ضد السوريين.
نقلا عن العربي الجديد