الخير كله في الشباب
إن كل أمة من الأمم تمتلك الكثير من المقدرات والموارد الاقتصادية والبشرية التي تساعدها على تقدمها وارتقائها، إلا أن أغلى هذه الموارد وأكثرها أهمية هي فئة الشباب، فعلى عاتقهم تقوم النهضة ويرسم المستقبل، وإذا أردتم أن تعرفوا مصير أمة من الأمم فانظروا إلى حال شبابها كيف يفكرون وماذا يعملون وبم يحلمون.
من أجل ذلك وصى النبي صلى الله عليه وسلم بالشباب ووجه لهم الكثير من النصائح التي تقومهم وتهذبهم لكي يكونوا صالحين مصلحين، ومنتجين في أسرهم ومجتمعهم وأمتهم، وزرع في نفوسهم الثقة ومنحهم المسؤولية وبوأهم مناصب قيادية مهمة، كما فعل مع جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة. قال صلى الله عليه وسلم " أوصيكم بالشباب خيرا فإنهم أرق أفئدة".
ومما يدل على ثقة النبي صلى الله عليه وسلم بعنصر الشباب استعماله عتاب بن أسيد على مكة لما سار إلى حنين، وتولية أسامة بن زيد جيشا كبيرا يضم كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وغيرهما، ولم تكن هذه التولية إلا بعد تربية حكيمة وتوجيه وتدريب لفئة الشباب على يديه صلى عليه وسلم، فعندما أراد إرسال الشاب معاذ رضي الله عنه بدعوة التوحيد إلى اليمن رسم له طريق الدعوة، وخط له الخطوط الأساسية لمهمته ليسير عليها.
كما وجه النبي صلى الله عليه وسلم الشباب إلى اغتنام هذه المرحلة من حياتهم، وأخبرنا أننا سنسأل عن العمر كله، ثم عن مرحلة الشباب بشكل خاص، وعن الصحة والقوة، وهي مقترنة بمرحلة الشباب، وعن العلم الذي تعلمناه، وزمن طلبه يكون في مرحلة الشباب، فإن أوائل العمر زمن الطلب وآخره كلال الحواس كما يقول ابن الجوزي.
وكذلك بيّن القرآن الكريم أهمية العنصر الشبابي، وأشار إلى دورهم في التبليغ والدعوة، فأصحاب الكهف كانوا فتية {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} وإبراهيم عليه السلام كان شابا يحمل دعوة التوحيد ويضحي من أجلها ويقارع أهل الباطل بالحجة {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: "ما بعثَ اللهُ نبيا إلا شابا، ولا أوتي العلمَ عالمٌ إلا شابا".
وإذا تصفحنا تاريخنا الإسلامي واستعرضنا منجزاته الحضارية وجدنا الشباب حاضرا في ميادين مختلفة، يدفعه العنفوان والطموح، وقد كانوا هم الأسرع إلى قبول الحق ونصرته ومقارعة الباطل بثبات وإيمان، وعلى يديهم ظهر الدين وقوي وانتشر في مشارق الأرض ومغاربها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " لقد بعثني الله بالحنفية السمحة فحالفني الشباب وخالفني الشيوخ". وهذا ما رأيناه في الثورة السورية، فقد وقفت فئة الشباب قبل غيرها في وجه الظلم والطغيان على الرغم من الحصار المفروض عليهم وأعين الأجهزة الأمنية التي تراقبهم، وواجهوا تحديات كبيرة إيمانا منهم برسالتهم وهدفهم في تحرير بلادهم من استبداد عاشه أجدادهم وآباؤهم.