الشعب السوري يلحق بركب الربيع العربي
لم يتخلف الشعب السوري عن ركب "الربيع العربي" رغم أن النظام الذي يحكم سوريا من أربعة عقود، كان أحد أشد الأنظمة العربية إجراماً واستبداداً. فما إن دوّت صرخة الشاب التونسي محمد البوعزيزي في تونس، معبرة عن مدى تأزم الوضع بين المجتمعات العربية من جهة وحكوماتها من جهة أخرى، حتى وجدت هذه الصرخة صداها في مصر وليبيا واليمن وسوريا، وتشوفت الشعوب العربية لربيع تسترد فيه حريتها.
فهرب زين العابدين بن علي من تونس، وتنحى مبارك في مصر، وقُتل القذافي في ليبيا، وتنازل علي عبد الله صالح في اليمن، أما السوريون فكانوا على موعد مع ملحمة بطولية تتجلى فيها عظمة نضالهم.
أوائل شهر آذار/ مارس من عام 2011 أُعجب عدد من أطفال درعا بصرخات الحرية التي شاهدوها على شاشات التلفاز في بعض البلدان العربية، فخطوا عباراتهم على جدران مدرستهم "الشعب يريد إسقاط النظام"، فاعتقلتهم قوات الأمن، وزجتهم وراء القضبان، وحينما طالب أهاليهم بهم أهانهم محافظ درعا فيصل كلثوم والعميد عاطف نجيب رئيس فرع الأمن السياسي.
وفي هذه الأثناء كان هناك حراك نخبوي في دمشق يتحضر للتحرك، انطلقت مظاهرته الأولى في 15 آذار/مارس 2011 في سوق الحميدية تنادي بـ"الله، سورية، حرية وبس" و "الشعب السوري ما بينذل" و "حرية حرية".
وفي اليوم التالي اعتصم عشرات من ذوي المعتقلين السياسيين أمام وزارة الداخلية بدمشق مطالبين بإطلاقهم، لكن الأمن فرق الاعتصام واعتقل العشرات من المشاركين، وهذا ما حدث في اليوم التالي أيضا وبمشاركة أهالي أبناء الأطفال المعتقلين في درعا.
وفي 18 آذار/مارس، وبعد ثلاثة أيام من مظاهرة دمشق، كانت درعا ودمشق وحمص وبانياس على موعد مع شرارة أكبر، حيث انطلقت المظاهرات الشعبية السلمية تنادي بالحرية، فتصدت لها قوات الأمن بالرصاص، وارتقى أوائل شهداء الثورة السورية في درعا، وهم: أيهم الحريري، حسام عياش، مؤمن المسالمة، محمد الجوابرة.
ثم أتت جمعة (الكرامة) في 25 آذار/مارس 2011 لتكون كلمتي (حرية وكرامة) راية للسوريين في هذه الثورة، تعبر عن مطالبهم وأهدافهم.
أما درعا فقد حاصرها الجيش والأمن لاحقا، فيما اعتصم المئات من أهلها في المسجد العمري، إضافة للجرحى والمصابين ممن أصيبوا خلال المظاهرات، حيث خاف الأهالي من إرسال أبنائهم للمشفى الوطني في درعا، حيث تقبع مصيدة نظام الأسد للجرحى.
وكان للشيخ أحمد الصياصنة – خطيب الجامع العمري – دور كبير في تثبيت الناس والوقوف معهم، وصار الشيخ الضرير من رموز الثورة السورية.
وفي منتصف الليل، توجهت قوات الأمن إلى المسجد واقتحمته وقتلت وجرحت العديد من المدنيين، وأساءت إلى المسجد وحرمته، ثم وضع الأمن الأسلحة في المسجد وصورها على أن المعتصمين في المسجد هم عصابات مسلحة.
وهكذا توالى انخراط البلدات والمدن السورية في الحراك الشعبي السلمي المطالب بالتغيير والحرية والكرامة، فخرج بشار الأسد في الثلاثين من شهر آذار في أول خطاب له بعد انطلاق الثورة السورية متحدثاً عن مؤامرات خارجية، وأصدر عدة قرارات حاول من خلالها تهدئة الأمور، منها قرار يمنح الجنسية السورية لمئات الآلاف من الأكراد، بعد حرمانهم من الجنسية لعقود طويلة، كما أعلن عن رفع حالة الطوارئ – شكلياً – في الوقت الذي وجه فيه قطعا من الجيش لتخرج من ثكناتها بعتادها الثقيل وتتوجه إلى المدن والبلدات السورية، ولتنطلق عمليات الاقتحام والقصف والقتل.
ومع أن عدد القتلى المدنيين على يد قوات الأمن تجاوز المئة شهيد من درعا في أول أسبوعين من الثورة السورية، واقترب من الألف شهيد في الشهر الثاني من الثورة السورية، معظمهم من درعا ودوما واللاذقية وحمص، إلا أن هذا لم يكسر عزيمة السوريين، حيث تصاعد الحراك الشعبي وامتد إلى دمشق ودوما واللاذقية وبانياس ومدن وبلدات حوران، وجامعتي دمشق وحلب، كما خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين وسط مدينة حماة ومدينة معرة النعمان، وتبعتهم عشرات الآلاف في مدينة دير الزور شرق سوريا، حتى اجتمع مئات الآلاف من المتظاهرين في ساحة العاصي بحماة بعد أقل من أربعة أشهر من انطلاق الثورة السورية.
ومع ازدياد عمليات الاقتحام والاعتقال والقتل على يد قوات الأمن والجيش للمتظاهرين العزل، توالت الانشقاقات من أفراد الجيش الذين امتنعوا عن إطلاق النار على شعبهم، وكان أول ضابط ينشق عن الجيش هو المقدم – حسين هرموش – الذي أعلن انشقاقه في التاسع من شهر حزيران لعام 2011 وذكر أن سبب انشقاقه هو: "تعرض المدنيين للقتل الجماعي من قبل قوات النظام وأمنه وشبيحته، وتوريط ضباط وصف ضباط وأفراد الجيش الأسدي بمداهمة المدن والقرى الآمنة".
ثم أعلن الهرموش في اليوم التالي عن تشكيل حركة الضباط الأحرار التي كانت نواة الجيش السوري الحر، وقاد عملية عسكرية ضد قوات الأمن والشبيحة التي أتت لاقتحام مدينة جسر الشغور شمال سوريا، ولتنطلق بعدها العمليات العسكرية من الضباط والمجندين المنشقين بمشاركة الثوار دفاعاً عن القرى والبلدات التي تقتحمها قوات الأمن والجيش.
أما على الصعيد السياسي فقد قامت كل من السعودية والكويت والبحرين في التاسع من شهر آب/أغسطس 2011 بسحب سفرائها من دمشق، منددة بشدة بممارسات نظام الأسد في قتل المدنيين، في حين أصدرت الجامعة العربية أول بيان لها حول الأحداث السورية تعبر فيه عن قلقها، وتطالب بوقف العنف في البلاد.
ثم أتبعت الجامعة العربية بيانها هذا بمبادرة تضمنت عدة بنود، تدعو فيها نظام الأسد إلى الحوار مع المعارضة السورية على قاعدة الندية والتكافؤ، وإيقاف كافة أشكال العنف، وتعويض المتضررين، والاستعجال في انتقال سوريا إلى نظام تعددي، كما علقت الجامعة العربية عضوية نظام الأسد فيها، ودعت المعارضة السورية لحضور جلسة في مقر الجامعة العربية بالقاهرة حول "المرحلة الانتقالية".
وكانت حينها أبرز الأجسام السياسية التي شكلتها المعارضة آنذاك هي (هيئة التنسيق الوطنية) و (المجلس الوطني السوري).
وعلى الصعيد الغربي، وبعد مرور حوالي خمسة أشهر وارتقاء 2,500 شهيد تقريباً، طالبت كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي وأمريكا بتنحي الأسد مؤكدة على أنه "فقد كامل شرعيته".
أما مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فقد شكل في اجتماع استثنائي 22 آب/أغسطس 2011 لجنة تحقيق دولية مستقلة، وعُهد إليها بولاية التحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان منذ آذار/مارس 2011 في الجمهورية العربية السورية، وقابلت بعثة مجلس حقوق الإنسان عدداً من المتظاهرين في اعتصام ساحة العاصي في حمص، وفور مغادرتهم قامت قوات الأمن والشبيحة بتفريق المتظاهرين بالقوة المفرطة ما أسفر عن مقتل 6 متظاهرين، أما لجنة التحقيق الدولية فبقيت مستمرة لتاريخ كتابة هذا المقال، أي بعد سبع سنوات، وأصدرت اللجنة منذ بداية عملها وحتى الآن أكثر من عشرين تقريرا والعديد من التحديثات الدورية، عرضت فيها انتهاكات حقوق الإنسانة المرتكبة في أنحاء البلد، واعتمدت هذه التقارير على أكثر من 6,000 شاهد وضحية، وأكثر من ألف مقابلة، دون أن يستطيع كل هذا أن يزيل الأسد من كرسيه، بل إن نظام الأسد رفض دخول لجنة تحقيق دولية شكلها مجلس الأمن بقرار منتصف شهر أيلول من عام 2011.
وفي هذه الأثناء استمر نظام الأسد في الاعتداء على السوريين، حيث اقتحمت قوات الأمن مسجد الرفاعي بدمشق واعتدت على إمامه الشيخ أسامة الرفاعي، ومع تصاعد أعداد المتظاهرين في مختلف انحاء البلاد، زادت وحشية الأسد وقواته، حيث حاصرت قوات الجيش مدينة حماة في شهر تموز، وقصفتها وقطعت عنها الكهرباء والماء والاتصالات، وارتكبت فيها عدة مجازر راح ضحيتها المئات من المدنيين، وخُتم عام 2011 بأكثر من 6,000 شهيد موثق، وآلاف المعتقلين، وتركزت أغلب المجازر الكبيرة في درعا وحماة وجسر الشغور وكفر عويد ودير الزور وكنصفرة والحولة. وهكذا اضطر السوريون إلى تنوع حراكهم بين الحراك السلمي والعمل المسلح لحماية أنفسهم وأعراضهم من اقتحامات الأمن والشبيحة التي تفننت في أساليب القتل وانتهاك الأعراض، حيث قالت منظمة هيومن رايتس ووتش " إن قرار بعض المتظاهرين والمنشقين عن الجيش بأن يسلحوا أنفسهم ويردوا على إطلاق النار بمثله على قوات الأمن، يُظهر أن الخطة التي تبنتها السلطات السورية أدت لحدوث تصعيد خطير في مستوى العنف، وتلقي الضوء على الحاجة لوقف فوري لاستخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين السلميين، وإلا انزلقت البلاد إلى نزاع أكثر دموية."
المراجع:
موقع مجلس حقوق الإنسان
موقع منظمة هيومن رايتس ووتش
لجان التنسيق المحلية
شبكة شام الإخبارية
Bbc
الجزيرة نت
زمان الوصل
مركز كارنيغي للشرق الأوسط
المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام
فرانس 24
قاعدة بيانات شهداء الثورة السورية