فرصة التغيير الحقيقي بعد ثماني سنوات من الثورة
كيف نعالج أخطاء الممارسة ونتعامل مع تحديات المرحلة المقبلة؟
نجح الحراك الثوري، في تحقيق إنجازات ميدانية وسياسية وشعبية كبيرة، خلال السنوات السبعة الماضية، لكنه مر بعد ذلك بمرحلة احتباس عرقلت تطور العمل الثوري، ومن أبرز ملامح هذه المرحلة:
- ضعف الأداء السياسي للقوى التي تمثل الثورة، وقيام التمثيل في مؤسساتها على المحاصصة، وليس على أساس الكفاءة والاحتراف، إضافة إلى تداخل الصلاحيات والأعمال بينها، واستشراء الخلافات داخل هذه الكيانات، والخلط بين التمثيل السياسي ومقتضيات العمل الإداري.
- ضعف أداء الفصائل وانشغالها بالخلافات الداخلية، واندلاع الصراعات فيما بينها، وارتهانها بالقرار والدعم الخارجيين، وتفشي نزعات الأدلجة والغلو في صفوف بعضها بدلاً من اهتمامهم بتعزيز الاحترافية وتحسين الأداء.
- ضعف العمل الشعبي نتيجة ما تعرضت له القوى الشعبية من قمع وفوضى أمنية في المناطق المحررة، إضافة للتشريد والتهجير القسري نتيجة مجازر نظام الأسد، و دور الدعم الخارجي لترجيح كفة تيارات على أخرى في العمل الشعبي ومنظمات المجتمع المدني.
أسفرت هذه العوامل عن مجموعة من الظواهر السلبية أبرزها:
أ- ركون الفصائل إلى المحافظة على مكتسباتها، بدلاً من محاولة التقدم في مناطق النظام، وتوجهها إلى إدارة المناطق المحررة، بدلاً من الاعتماد على القوى المدنية.
ب- ركون القوى السياسية للتعاطي مع المشروع السياسي الروسي لشرعنة الأسد، عبر دستور جديد، مقابل ضعف المواقف الدولية، وتماهي الوساطة الأممية مع الطرح الروسي.
ت- انتقال المشهد السياسي من ثورة تقوم على أساس الصراع بين السلطة والمعارضة، إلى معركة إقليمية ودولية متعددة الأقطاب.
ولمعالجة مظاهر التراجع في الأداء الثوري، لا بد من اتخاذ الخطوات التالية:
1-تعزيز العمل الاحترافي في المجالات السياسية والإدارية، تمهيداً للمرحلة المقبلة:
للتعامل مع معادلة الصراع السوري متداخل الأطراف؛ يجب أن تعمل قوى الثورة كلاعب أساسي يحوز العديد من مصادر القوة حيث إنه: يمتلك الأرض، ويحوز الهوية، ويستحوذ على زمام المبادرة، ويتعين على قادتها تنمية ملكاتهم في: فنون إدارة الصراع، والتغلب على خلافاتهم الداخلية، وإعادة فرز الأولويات، وتوظيف خلافات الأطراف المتنازعة لتعزيز مكاسب الثورة.
2-الانخراط الفعلي في آليات المعالجة: من خلال تحديد اتجاهات الأزمة ومساراتها الجديدة، وتحديد أنماط الصراع المرتقبة في طورها الجديد، ومنع القوى الخارجية من تحويل مسار الصراع والاستفادة من زخمه لتعزيز مكاسبها، وهو أمر منافٍ لمصالح السوريين وللأهداف التي قامت عليها ثورتهم.
3-تجنب تحويل الاختلاف بين مدارس التحليل ومناهج معالجة الأزمات إلى صراعات رديفة بين قوى الثورة والمعارضة، فمن الواضح أن اختلاف الرؤى بين بعض قوى الثورة حول تفسير المشهد السوري وآليات التعامل معه قد أفرز صراعات رديفة تكاد تعصف ببعض مؤسسات الثورة.
4- التوصل إلى الحد الأدنى من المبادئ التي يمكن لسائر قوى الثورة أن تعمل تحت مظلتها، ويمكن أن تشمل: إسقاط النظام بكافة رموزه، وتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، وإنشاء شرعية رديفة وجسد سياسي بديل، والمحافظة على وحدة البلاد وتعزيز هويتها الوطنية، وإعادة تشكيل أجهزة الأمن والجيش.
5- المبادرة إلى رسم خارطة للمشهد الجديد؛ تشمل كافة مكونات معادلة الصراع بأطرافه المحلية والإقليمية والدولية، وتحديد موقع قوى الثورة في الوضع الحالي من جهة، والتموضع المأمول من جهة ثانية، والسبل المتاحة للوصول إلى مستوى التكافؤ والقدرة على اتخاذ القرار المستقل.
6- تحديد نمط التعامل مع مختلف القوى في المرحلة، وفق "سلم إدارة العلاقات" يهدف إلى تحويل قوى الثورة من مجرد "أدوات" يتم استخدامها من قبل القوى الفاعلة إلى أطراف فاعلة ومؤثرة.
ولا يمكن تحقيق تلك الأهداف إلا من خلال العودة إلى الحاضنة الثورية، وتحقيق التمثيل الشعبي، والعمل على تطوير مؤسسات الثورة ورفدها بالخبرات اللازمة لوضع استراتيجية شاملة يمكن من خلالها إدارة فنون الصراع باحترافية وكفاءة والتعامل مع كافة الأطراف بمستوى الندية واستقلالية القرار.