الثلاثاء 8 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 10 ديسمبر 2024 م
المرأة السورية عنصر فاعل في الحراك الثوري وعملية التغيير
الخميس 23 رمضان 1439 هـ الموافق 7 يونيو 2018 م
عدد الزيارات : 4740

 

المرأة السورية عنصر فاعل في الحراك الثوري وعملية التغيير

 

 

كان للمرأة المسلمة عبر التاريخ دور كبير في مقارعة الظلم والطغيان، والعمل على نهضة المجتمع ورقيه، وكانت تنشط عند الخطوب والملمات، ليظهر دورها الإيجابي وقيمة أعمالها الكبيرة، وإذا ما قرأنا تاريخنا القديم وجدنا أنَّ هناك الكثير من النساء اللواتي اشتهرن بالتفوق والريادة، وتميزن برجاحة العقل، وحسن التدبير، وإتقان العمل، وما زالت أمثلة العطاء والعمل متجددة نلمس آثارها في المجتمع كلّ يوم.

وفي عصرنا الحاضر وجدت المرأة المسلمة في الثورة السورية فرصة لتعيد مكانتها في المجتمع بعد أن سلبها النظام إياها وعمل على تشويهها، فقدمت نموذجًا فريدًا للمرأة المسلمة الصابرة، وأثبتت قدرتها على العمل المجتمعي والدعوي والتربوي والسياسي أيضًا، وكانت سندًا للرجل تبثّ فيه روح الإصرار والعزيمة، تدفع أخاها وزوجها وابنها إلى القتال بنفس واثقة من النصر، وربما استقبلتهم شهداء محتسبة راضية بقدر الله، وقد صارت المرأة في أحيانٍ كثيرة هي الأب والأم في الوقت نفسه بعد فقدان زوجها، فأُلقيت على عاتقها أحمال كثيرة، ونزلت إلى العمل لتعيل أسرتها وتهيئ لهم الحياة الكريمة، وهي لا تزال حتى اليوم في مضمار العمل والعطاء والتضحية، لا يثنيها عن ذلك شيء.

تتناول مجلة نور الشام في ملف عددها الثاني والخمسين جهود المرأة في الثورة السورية ونضالها وكفاحها إلى جانب الرجل، وتستعرض جانبًا من أعمالها المختلفة في أكثر من ميدان، وتقف على عوائق العمل النسائي ومستقبل المرأة في سورية.

 

شرارة البداية والحراك السلمي

عانت المرأة السورية في ظل نظام البعث ما عاناه الرجل من ظلم وتهميش واستبداد، ولذلك لم تتأخر عن المشاركة في الثورة وتقديم كلّ ما يلزم لنصرتها،فسارعتإلى مكانها الطبيعي، وعملت في مجالات عديدة، وضحَّت بمالها ووقتها ودمها في سبيل قضيتها، فمنذ انطلاقة الثورة قادت مظاهرات الحراك السلمي، وشاركت فيها، ورفعت صوتها في وجه الظلم، وأثبتت ثقلها في عملية التغيير والتحرر من الاستبداد، تذكر الباحثة الأستاذة (ضياء الشامي) لنور الشام أن المرأة شاركت في  الثورة السورية منذ بدايتها في الفترة السلمية، وكانت تتصدى للأمن، وتحاول تخليص الشباب من أيديهم، وتشارك في تحضير الأمور اللوجستية كاللافتات والأقنعة والمنشورات وغير ذلك. ومع بداية المرحلة الدموية بدأت النساء تتدرب على الإسعافات الأولية، وتُجري الإسعافات للمتظاهرين، وكانت تنقل الأدوية للثوار في ريف دمشق وحمص ومواقع الاشتباكات والقصف. كما عملت المرأة في تلك الفترة في المجال الإغاثي فكانت تنقل الملابس والمواد الغذائية للعائلات النازحة والمهجّرة والناشطين الملاحَقين، وتطبخ الطعام لهم، هذا في مدينتَيْ دمشق وحلب، أما في الريف فكان عملها مختلفًا نوعًا ما، فمثلا كانت النساء تخرج للمظاهرة في داريا وريف دمشق مع أن طبيعة هذه المناطق محافِظة. لقد عملت المرأة في الريف ودخلت بقوة على الرغم من أن تقاليد المجتمع لا تتقبل هذا، فخروج نساء بانياس في مظاهرة للمطالبة بالمعتقلين كان شيئًا كبيرًا، وخروج نساء داريا والمعضمية بلباسهن المحتشم كان أمرًا لم تعهده هذه المناطق، ولكن كان مقبولًا، وكانت النساء تخرج بحماية الرجال وموافقتهم.
وعن طبيعة المرحلة السلمية تقول الكاتبة السورية ومديرة التخطيط في مؤسسة قيم الثقافية (إيمان محمد): "كانت فترة المظاهرات السلمية فترة تتطلب شجاعة وكسرًا لحاجز الخوف في مواجهة النظام والرصاص الحي أو الغاز المسيل للدموع، لكن النساء لم تتردد في الالتحاق بالمظاهرات التي كانت تتنقل سريعًا من حيٍّ إلى آخر والتي تتطلب الحذر والانتباه ومهارات الركض والاختباء. بعد ذلك بدأت النساء تخطط لمظاهرات نسائية كانت تظهر بين المدن والقرى، وتوصل صوتها الثائر بقوة على الرغم من التحديات والصعوبات، فكانت المرأة تخطط للمظاهرات وتكتب اللافتات وتدعو النساء للانضمام، وتوثق بالتصوير، وتتواصل مع الجهات الإعلامية والإنسانية، وتصدر البيانات التي تواكب كل حدث، وكان لها منبر متكامل مع الثوار يسدّ ثغرًا كبيرًا ويدفع عجلة الثورة إلى الأمام".

وتضيف (ضياء الشامي) متحدثة عن نشاطات المرأة في الفترة السليمة من الثورة:"كانت النساء تعمل في المطابخ الميدانية للثوار، وبعضهنَّ انخرطن في العمل الطبي، وبعضهنَّ حاولن أن يقمنَ بالتكافل، كأن تكون هناك عائلة معتقل فيحاولن كفالة عائلة، أو يزرنَ أمّ شهيد ويتودّدنَ إليها ويواسينها.  بالإضافة إلى أن المرأة شاركت أيام السلمية بدور إعلامي كبير، فلم تكن تخلو التنسيقيات من سيّدة أو اثنتين، وكثير من المقاطع صوّرت بكاميرات مخفيّة عن طريق النساء مثال على ذلك المقاطع التي تظهر الشبيحة يضربون المتظاهرين، واقتحامات الجوامع، والمظاهر المسلحة، والإضرابات. وفي بدايات الثورة كانت هناك ناطقات إعلاميات يخرجن على القنوات بأسماء صريحة ومستعارة، فالمرأة شاركت في جميع المجالات المتاحة في ذلك الوقت، وأثبتت جدارة وحضورًا".

المرأة المعتقلة اضطهاد مستمر في سجون النظام

لم يتوقف إجرام النظام السوري على الرجل، بل تعداه إلى المرأة، ضاربًا عُرض الحائط بقدسية المرأة في المجتمع السوري وحرمتها، فكان يعتدي على الأطفال والنساء في صورة يتجرد فيها من كل معاني الإنسانية والرجولة، ويعود بأفعاله إلى عصر وحشي يضطهد المرأة ويستغل ضعفها ويعتقلها ويعذبها، وقد وثَّقت الشبكة السوريَّة لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر بتاريخ 9 آذار من العام الحالي أنَّه خلال الفترة ما بين انطلاق الثورة السوريَّة في آذار من عام 2011 وإلى فترة صدور التقرير يوجد ما لا يقل عن 8113 امرأة لا يزلن قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية للنظام السوري، فما الغاية التي تقف وراء هذه الأفعال الهمجية بحق المرأة؟ تقول إيمان محمد: "إن الغاية من اعتقال النساء بشكل عام لا تختلف كثيرًا عن الغاية من اعتقال شباب الثورة، فكل امرأة عملت في المجال الطبي أو الإغاثي أو التعليمي أو الإنساني باتت هدفًا لاعتقال النظام، إضافة لحدوث اعتقالات للنساء بهدف الضغط على المعتقلين في السجون لإجبارهم على الاعتراف، وكذلك لكسر إرادة الشعب بالضغط عليه عبر اعتقال النساء والفتيات حتى بدون تهم واضحة، أو خطفهن للمبادلة عليهن أو لقبض الأموال".

وتنبه (ضياء الشامي)إلىأن هذه الأرقام تشير إلى عدد النساء اللواتي مازلن تحت الاعتقال، وهذا الرقم هو الموثق، أما الرقم الحقيقي فقد يبلغ عشرة أضعاف هذا الرقم، فموضوع اعتقال النساء حساس جدا في المجتمع، وكثير من العائلات تعتبر اعتقال المرأة اتهاماً لشرفها وشرف العائلة، فتفضل إخفاء خبر اعتقال الفتاة، فيقولون تزوجت إلى خارج البلد أو ذهبت إلى أقربائها في مكان آخر، هذا الرقم لا يذكر عدد الحالات التي اعتقلت فيها المرأة وخرجت، فالعدد 8113 يشير إلى اللواتي ما زلن مختفيات ومعتقلات ولا يعرف مصيرهن، فهناك آلاف الحالات التي دخلت المعتقلات وخرجت.

وتضيف(ضياء الشامي): "الهدف من الاعتقال كسر كرامة المجتمع، فموضوع النساء له حساسية كبيرة في المجتمع السوري، فكان النظام يلجأ إلى اعتقال النساء من دون سبب لكي يسلم الشاب المطلوب نفسه وتعود أخته أو أمه، أو يستعملونها وسيلة ليضغطوا عليه وينتزعوا اعترافات إضافية أو ليجبروه أن يصور فيديوهات يعترف فيها بجرائم لم يرتكبها. والمشكلة أننا لم نعد أمام اعتقال إناث، بل أمام اعتقال عائلات كاملة فيها الأطفال والنساء والرجال، وبهذه الحالة أصبحت النساء عند النظام كنزًا سواء كنَّ مطلوبات ومذنبات أو غير ذلك، لأنه بدأ بعمليات التبادل والتفاوض، فهو أدرك حرص الثوار على تحرير الأسيرات، وبدأ الاعتقال العشوائي وبالذات للنساء اللواتي لهن صلة قرابة مع أحد من الفصائل أو ينتمين إلى عائلة معروفة في مكان معين، فكان يعتقلهن ليفاوض عليهن في حال أسر الثوار ضابطًا لدى النظام، وعلى الأغلب كان يفاوض عليهن ليخرج أسر غير السوريين من حزب الله أو الميليشيات، لأنه غير مهتم بجنوده، سواء أسروا أو قتلوا.

 وعن انعكاس تلك التضحيات على حياة المعتقلات ترى إيمان محمد أن هذا يحتاج دعمًا إيجابيًّا كبيرًا من أسرهنّ ومن المجتمع أيضًا، فمن الضروري تقدير تلك التضحيات ومراعاة الحالة النفسية والأذى الذي تعرضن له، والعمل على ترميم الصدوع التي عانين منها في الزنزانات، ومحاولة خلق بيئة متفهمة واعية تقودهن لمتابعة الحياة بسلام، ومساعدتهن لينتجن ويستثمرن تلك التجربة الصعبة، لتكون من سبل القوة الذاتية والقدرة على مواجهة أي صعاب لاحقة في الحياة، وتقدير هذه الفئة واجب كل إنسان حر.

 

المرأة والعمل السياسي

ولم تقتصر مشاركة المرأة في أعمال المظاهرات فحسب، بل أصبحت تتابع الشؤون السياسية، وتعطي رأيها وتشارك فيها، وباتت صاحبة رأي رزين في هذا المجال على الرغم من بُعد الشعب السوري عن السياسة بسبب احتكار النظام لها وحكمه الاستبدادي، فما حدود مشاركة المرأة في العمل السياسي؟، تجيب الأستاذة (ضياء الشامي) عن هذا السؤال بقولها: "مع بداية الثورة أصبح هناك وعي سياسي لدى الناس، وبالذات الشباب الذين هم قادة العمل المدني، وبعد فترة صارت هناك منظمات مجتمع مدني، وتوعية سياسية للرجال والنساء، وأصبحت هناك حاجة إلى مشاركة المرأة في العمل السياسي، لكن المشكلة في هذه الفترة أن أغلب النساء بقينَ بعيدات عن هذا المجال بحجّة عدم حبّ السياسة وعدم فهمها، وبأنّ الوضع السياسي في سورية معقد جدًّا، وأن لديهنَّ أعمالًا أولى منها، فكان هناك تخوف، لأنهن يعتقدن أن كلّ من يدخل في السياسة يتسخ، فابتعدن عن السياسة خوفًا من الأذى الذي يلحق السياسيين في المجتمع، فهم دائمًا موضع اتهام وتكذيب وتشكيك بنزاهتهم، والشعب عنده مشكلة بتقبل الرأي السياسي، فدائما هناك هجوم، وبالذات على النساء، يهاجمون السياسيين ويحاسبونهم على خطأ في عملهم السياسي قد يكون مبررًا، وعندما يتجهون إلى النساء السياسيات يكونون أكثر قسوة، فلا تُحاسَب المرأة التي اشتغلت في السياسة فيُقال أنتِ أخطأتِ، بل يتهمونها في شرفها وعائلتها ويطلقون الشتائم، وهذا ما جعل النساء تنفر".

وعن اهتمام المنظمات التي تعنى بشؤون المرأة بالعمل السياسي واستجابة المرأة السورية لها تضيف (ضياء الشامي):

"مع الدعم القادم إلى المنظمات المخصص للتثقيف النسائي والتوعية السياسية صارت هناك دورات واهتمام بهذا الشق، وبدأ الاهتمام يبرز في الداخل ودول اللجوء، ولكن لا نستطيع أن نقيس هل هذا الاهتمام بالموضوع السياسي ناتج عن وعيهنّ بأهمية هذا الموضوع، أو لأنها الموضة الدارجة، أو لأن البرامج هكذا تأتي حاليًّا، أو لأن المرأة إذا دخلت هذا المجال يمكن أن تجد فرصة عمل وتحقق منفعة. حتى الآن ما زال اهتمام النساء بالسياسة ضعيفًا عمومًا، ولكن لا ننكر أن هناك شريحة بدأت تتطلع إلى أهمية العمل السياسي وضرورة المشاركة فيه، وللأسف هذه الفئة التي لديها رغبة بتعلم السياسة بعيدًا عن الأجندات وبعيدًا عن البرامج التي تقدمها الأمم المتحدة والتي توجه العمل السياسي للمرأة بتوجيه معين ينادي بالعلمانية مثلا، هذه الفئة لا تجد بيئة حاضنة، وأعرف الكثير من الشابات المستعدات بأن يحضرن دورات سياسية ومحاضرات، ولكن حتى الآن لا يوجد منظمة لها برنامج تدريبي وعمل بعيد عن الأجندات؛ بحيث تستطيع تأهيل هذه الكوادر، ولنفرض وجود برنامج يؤهل الكوادر، إلا أنها ستظل مهمشة، لأن موضوع العمل السياسي تدفع إليه دول، والذين تصدروا للواجهة السياسة وخاصة من النساء لم يتصدرن عن كفاءة أو خبرة وتجربة، ولكن أغلبهن دُفعنَ من جهات معينة، ولذلك نجد أن عدد السياسيات من خلفية إسلامية قليل جدًّا، ولا أحد يهتم بدفع المرأة المحافظة التي تعبر عن عدد كبير من النساء السوريات".

 

المرأة في ميادين العمل المختلفة

انتقلت الثورة إلى مرحلة العمل العسكري إلا أن المرأة لم تتوقف عن العمل من أجل قضيتها، بل أظهرت شجاعة كبيرة وصبرًا عاليًا وتأقلمًا سريعًا مع المتغيرات، وقد رأينا أعدادًا كبيرة من الرجال استشهدوا أو أصيبوا بإصابات بالغة أقعدتهم عن طلب الرزق، فوجدت المرأة السورية نفسها من دون مُعيل مما اضطرها إلى النزول إلى ميدان العمل الذي يناسبها، لتصبح المعيلة لأسرتها، تقول (ضياء الشامي):"أثرت ظروف الثورة على المجتمع كلّه، وكان تأثيرها على النساء أوضح، لأن آثار الحروب تظهر على الفئات الهشّة كالنساء والأطفال، وربما معاناة النساء ليست واضحة. لقد تغير مفهوم الحياة عند المرأة فجأة، فتغيرت حياتها الآمنة الروتينية المستقرة، إذ وجدت نفسها في ظروف حصار، ممنوعة من الأساسيات، تتعرض للقصف بشكل يومي، وتتعرض للجوع، وترى أولادها مصابين ولا تستطيع مداواتهم، وربما استشهد زوجها أو اعتُقل أو أصبح عاجزًا عن إعالة الأسرة، فاضطرت إلى النزول لمساعدته، وهذا يمكن أن يحدث حتى لو لم يكن مصابًا، فسوء الأوضاع الاقتصادية جعل العائلة لا يكفيها معيل واحد، بل إن بعض العائلات اضطرت إلى نزول الأطفال والنساء للعمل لتأمين مستلزمات الحياة، فالنساء اشتغلت كثيرًا من الأعمال غير السهلة، وكان طلب المساعدات من الجمعيات صعبًا نفسيًّا على المرأة السورية.ولكن نستطيع القول إن وضع المرأة في المناطق المحررة أخف وطأة من وضعها وهي لاجئة في دول الجوار، ففي المناطق المحررة كلفة الحياة أقل، وهناك دور للجمعيات وحالة من التكافل الاجتماعي".

وتشير السيدة (مريم أبو الهوس) مديرة المركز النسائي لهيئة الشام الإسلامية في إدلبإلى أن المرأة في الداخل السوري عملت بما يتناسب مع طبيعتها الأنثوية، فعملت خياطة ومعلمة، وعملت في مجال الأشغال اليدوية المختلفة، وفي جمع المحصول الزراعي..، وهذا العمل الصعب سبب لها مشقة وتعبًا، فهي تعود مرهقة بعد ساعات طويلة من العمل.

وتضيف أن بعض النساء في تركيا عملت في المعامل والمراكز التجارية، وهذا يتنافى مع طبيعتها الأنثوية، فضلا عن ساعات العمل الطويلة.

ومع استمرار القصف الهمجي العشوائي من قبل النظام وحلفائه على المناطق المحررة نزح الكثيرون ممَّن كانوا يعلمون في القطاع الصحي من أطباء وصيادلة وممرضين إلى خارج البلد في وقت كانت الثورة في أمس الحاجة إليهم، لكن المرأة السورية لم تقف مكتوفة الأيدي، فعملت بعض النساء على سدّ ذلك الفراغ الطبي الذي حدث، وأسهمت في تشكيل نقاط طبية ومشاف ميدانية وعملت فيها، وتحدثت (ضياء الشامي)بأن الإقبال على العمل الطبي كان كبيرًا من قبل النساء اللواتي لديهنَّ معرفة بهذا المجال، وتضيف: "أذكر في بعض القرى كانت هناك طبيبة نسائية واحدة تقدم خدماتها لحوالي 1000 سيدة، وتعمل في ثلاث قرى، هذا الأمر اضطر بعض السيدات إلى الاتجاه إلى هذا المجال، لأن هناك حاجة إلى التمريض والإسعافات الأولية، غير ذلك هذا العمل يمكن أن يؤمن لها دخلًا، ورأينا بعض النساء الصغيرات اتجهن إلى دورات الطبابة والإسعافات الأولية، وبدأن يعملن في المشافي الميدانية".

وتشير الأستاذة (ضياء الشامي)أيضًا إلى أن النساء لم تلتفت إلى العمل الطبي فقط، بل اتجهت إلى عمل الدفاع المدني، ففي درعا مثلا رغم خصوصية المجتمع، هناك فريق دفاع مدني مكون من النساء يقوم بدورات توعية، ومهمته الخروج مع أعمال الإنقاذ، وتقديم المساعدة إذا كانت هناك امرأة تحت الأنقاض أو هناك من تحتاج إلى مساعدة تتعلق بالنساء، كما أن هناك فريق دفاع مدني من النساء في حلب وإدلب.

 

في مجالات التربية والتعليم والثقافة

حملت المرأة السورية قضية التربية والتعليم في بيتها ومجتمعها على الرغم من ظروف الحرب القاسية، لأنها على يقين بأهمية التربية ودورها الأساسي في إعداد الجيل القادم إيمانيًّا وعقليًّا وسلوكيًّا ونفسيًّا، فهي التي تغرس في الأطفال العقائد والمبادئ والقيم التي تحكم علاقاتهم في مجتمعهم مستقبلا، ولذلك وجدت المرأة السورية نفسها مسؤولة عن جزء كبير من مستقبل الأبناء، تقول (إيمان محمد): "نحن في مرحلة تحتاج إلى تأكيد أهمية الجهود التربوية التعليمية، وإعادة العمل على بناء العقول بوعي ورشد، وهنا لابد من إفساح المجال للمرأة كي تقوم بدورها في العمل التربوي، فكما ننشد في الثورة عمومًا وجود قيادات فاعلة حكيمة تنهض بالواقع، فالحاجة أكبر لقيادات نسائية في جميع المجالات وبالأخص في المجال التعليمي التربوي، وأن تصل لأكبر شريحة ممكنة من الناس لتضع بصمة مهمة في وطن يحتاج الكثير. ونسبة مشاركة المرأة في المؤسسات التعليمية والتربوية كبيرة توازي نسبة وجود الرجل، وقد تتفوق عليهم أحيانًا، ولكن المهم هنا هو الإعداد الحقيقي للمرأة والرجل والعمل على حضور نوعي أكثر من العمل على الانتشار العددي".

وعن تقييم العمل التربوي الذي تقوم به المرأة السورية في الوقت الراهن تضيف (إيمان محمد): "كل جهد تعليمي وتربوي تقوم به المرأة السورية في الداخل والخارج تستحق عليه التقدير، قياسًا بالعوامل الصعبة والتحديات والعوائق التي تواجهها، فالنساء اللواتي كافحن تحت قصف الطيران، وعلّمن الأطفال في الملاجئ، والنساء اللواتي لقنَّ الأطفال معاني الصبر والتضحية والإيمان، واللواتي عزمن ألا يتوقفن عن التعليم والتربية في ظل الجوع والحصار، واللواتي كنَّ منذ سنوات وحتى اليوم يحاولن أن تستمر الحياة وألا تتوقف، ومررن بحالات الشعور بالعجز والقهر، على الرغم من ذلك كان إصرارهنّ على المواصلة كبيرًا، لست أدري أيّ تقييم يمكن أن أقدمه، بل هو التقدير والاحترام، ولكن من ناحية أخرى هناك حاجة إلى المزيد من الجهود في الإعداد العلمي والفكري الواعي للمحافظة على الجودة والاستمرارية والتطوير".

 

كما عنت المرأة والفتيات السوريات في المناطق المحررة بشؤون العلم والثقافة، فعلى الرغم من مفارقة كثير من الإناث لتعليمهن الأكاديمي وانخراطهن بالثورة، إلا أنهن أسهمن في ترقية أنفسهنَّ ذاتيَّا في مجالات علميَّة وثقافية متنوعة وشكلَّن بذلك وزنًا معرفيًّا كبيرًا، تقول (إيمان محمد):"عملت الفتيات في المناطق المحاصرة على زيادة العلم والوعي عبر الدورات التدريبية المتاحة، وحضور المحاضرات، وقراءة الكتب الورقية أو الإلكترونية ومناقشتها، وفي مرحلة لاحقة استطاع الثوار في تلك المناطق افتتاح معاهد خاصة للذكور والإناث فكان الانضمام إليها مبشرًا رغم أنه يعني البدء من الصفر لكثيرات، كما أنه كان هناك اهتمام بالتعليم عن بعد عبر بعض المشاريع النوعية التي اهتمت في هذا المجال فكانت تربط الطلاب بأكاديميات وجامعات ومعاهد في الخارج ليكون التعليم عبر الإنترنت هو الحل، وقد جمعت الطالبات بين التعليم والعمل في مجالات تعليمية وتربوية ونفسية ودعوية وطبية وسياسية فجمعت بين العلم والتجربة ضمن ظروف صعبة للغاية فكان للنجاح طعم مختلف، واليوم وبعد حملة التهجير ومعاناته هناك أبواب جامعات في المناطق المحررة تُفتح، ووعود بتسهيل التعليم أو المنح المقدمة من الحكومة التركية مما يدعو للتفاؤل بإمكانية عودة فئة الخريجين الجامعيين وفئة الدراسات العليا لسورية - ذكورًا وإناثًا، وهذا يعني الكثير إن تحقق.

وقد كانت هناك مؤسسات ثقافية عديدة اهتمت بالمرأة ومدت يد المساعدة لها، منها مؤسسة قيم الثقافية التي تأسست في الوعر عام 2013م، وواصلت عملها مع حملة التهجير، وكان اهتمامها منصبًّا على زيادة الوعي الثقافي، وتقديم الدورات والمحاضرات للنساء، تقول (إيمان محمد) مديرة التخطيط في مؤسسة قيم الثقافية:" قامت مؤسسة قيم بتأمين منح تعليمية عبر مشروع البيان للتعليم عن بعد، فقدمت لطالبات البكالوريوس والماجستير فرصًا للتعليم في جامعات خارج سورية، إضافة للحصول على دبلومات نوعية في المجالات التي كان الواقع يحتاج إليها سواء في المجال الإداري أو النفسي أو التربوي. وبعد التهجير كانت المرأة والمحافظة على قوتها الذاتية الداخلية من ضمن ما عمل عليه الكادر النسائي في مؤسسة قيم، فقدمت جلسات في الدمج المجتمعي، والدعم النفسي الاجتماعي، كما عقدت ندوات ومحاضرات حول دور المرأة السياسي والتربوي والاجتماعي، وقدمت سلسلة من الدورات التعليمية التي نقلت شريحة من النساء المهجرات ليصبحن مؤثرات وفاعلات، وقد خصصت أيضًا جلسات لأمهات الأيتام لتحفيزهن على الاهتمام بذواتهن وبأطفالهن، والعمل قائم ومستمر على مشاريع جديدة ترتقي بعقل المرأة وشخصيتها".

 

المرأة والعمل المجتمعي

أدركت المرأة السورية دورها الاجتماعي ومسؤوليتها في النهوض بالمجتمع، فعملت على صقل خبراتها وتعزيز أدائها ودورها الأسري والمجتمعي، لتلعب دورًا رياديًّا في الثورة، وليكون لها دور إيجابي في المجالات التنموية ولتواجه صعوبات الحياة، وقد كانت هناك عدة مؤسسات تهتم بشؤون المرأة وعملها المجتمعي إلا أنها ما زالت بحاجة إلى المزيد من البرامج والعمل، تقول (ضياء الشامي):

"إذا أردنا الحديث عن منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال شؤون المرأة فسنجد أنها متفاوتة من حيث المستوى بشكل كبير، فيمكن أن نجد منظمة تقدم بإمكانيات صغيرة برامج نوعية وتحقق أثرًا، ويمكن أن نجد منظمة كبيرة ولكن برامجها لا تقدم شيئًا، فالمنظمات متفاوتة في الأثر لأسباب منها ضعف التمويل. بعض النساء استطاعت أن تحقق وجودًا ودورًا كبيرًا في قيادة العمل المجتمعي وتأثيرًا في الداخل والخارج من دون دعم، أو من دون شكل مؤسساتي.

 ما زال دور المرأة في العمل المجتمعي قليلًا جدًّا في الداخل السوري ، محصورًا بمنظمات معنية بالنساء ومفروض عليها قيود لها علاقة بالحرب وفكر المجتمع، ومن فترة بدأت النساء تشارك بشكل أكبر في الحياة العامة ، فصرنا نرى نساء تقدم للانتخابات في المجلس المحلي وتشارك في الترشيحات، لكن في الداخل وضع المرأة صعب لأننا لا نعيش في مجتمع طبيعي، بل نعيش مجتمع طوارئ، ولذلك فإن دور المرأة المجتمعي كان أوضح في دول اللجوء وبالذات في تركيا، إذ أصبح هناك منظمات نسائية كبيرة، وطبعًا هذه المنظمات المختلفة تتلقى برامج عملها من جهة التمويل، يعني أحيانًا تبقى المرأة أسيرة لهذه المنظمة والجهة التي تمولها، فقد يكون للمؤسسة موضوع أو برامج مفيدة نابعة من الواقع والاحتياجات، ولكن الدعم موجه للتمكين السياسي، فتضطر المرأة، لضمان استمرار المنظمة أن تتوجه إلى هذا الدعم وتغيير نمط برنامجها، وأحيانا يرهن الداعم عمل المنظمة المجتمعي سواء للرجال أو النساء حسب توجهه، وهذا العمل مشاكله كبيرة، ويحتاج إلى الكثير من الدراسة والبحث".

عن احتياجات المرأة وتلبية المنظمات والجمعيات النسائية لها وتفاعل المرأة معها تضيف (ضياء الشامي): "إن المنظمات المتحررة من سيطرة الدعم قليلة جدًّا وأثرها ضعيف، نظرًا للاحتياجات الكبيرة عند النساء، فإذا أخذنا عدد النساء في تركيا فهناك حوالي مليون وأربعمئة ألف سيدة تقريبًا، والنساء متفاوتات بالدرجة التعليمية والوضع والاحتياجات، والملاحظ من دراسات أجرتها أكثر من جمعية أنه هناك نسبة متعلمات جامعيات كبيرة، بالذات في دول اللجوء، ولكن للأسف ما زلن مهمشات، ولم يتم تفعيلهن ودمجهن في المجتمع الجديد، لا في المجتمع السوري بالغربة، ولا في المجتمع التركي، وللأسف أحيانًا عندما تنزح المرأة  إلى مكان ثان أو مجتمع جديد في دول اللجوء تأخذ معها عقلية كانت تعيش فيها، وتحاول تأطير نفسها فيها وإن كانت غير متناسبة مع المجتمع الجديد، يعني تنقل معها نفس العادات والتقاليد والأفكار مع أنها في مجتمع جديد منفتح فيه فرص أكبر، فلا تستطيع التجاوب، وهذا قد يكون له إيجابيات وسلبيات".

 

عوائق العمل النسائي ومستقبله

لا تخلو الأعمال التي يقدمها السوريون في الداخل السوري من المعوقات والمشاكل بسبب الظروف الاستثنائية الصعبة التي يعمل فيها الجميع، ولذلك يواجه العمل النسائي مشاكل عديدة، ترى الأستاذة (ضياء الشامي) أن من أبرزها الفردية،إذ تقول: "هناك فردية من قبل أشخاص وفردية من قبل جمعيات، فلا وجود لعمل منظم مشترك، هناك محاولات لعمل تشبيك، ولكنها كلها تراعي الشأن السياسي، فلا أحد يهتم بموضوع العمل الجماعي المشترك الذي له أثر مباشر على الحاضنة النسائية.

وتضيف (ضياء الشامي): "من العوائق أيضًا نقص الدعم، مما يجعل المؤسسات وبرامجها ضعيفة، وأحيانًا تجبر المؤسسة على الاتجاه بحسب الموضة، فهذه المنظمات ليست مستقلة القرار، عددها قليل جدًا بالنسبة إلى الاحتياجات، ولا رؤيا استراتيجية لديها، تعمل على توزيع معونات كفالة أيتام وتوزيع ملابس، حتى إذا أرادت أن تقدم دورات أو تأهيلًا للنساء تكون ضعيفة، مثل دورة خياطة أو حلاقة أشغال يدوية بسيطة، قد تكون هذه الدورات مناسبة لشريحة معينة من النساء ولكن يصرف عليها مبالغ كبيرة، هذه الدورات لا تمكن المرأة اقتصاديًّا إن كان هذا هدفها، فالبرامج سطحية ضعيفة الأثر غير مدروسة محدودة ومكررة، وكل المنظمات تقوم بنفس البرنامج. ومن العوائق أيضًاأن فكرة الرقابة والتقييم غائبة عن المنظمات السورية والنسائية، يعني لا أحد يقوم بتقرير احتياجات إلا إذا كان يعمل في منظمة أجنبية، فالبرنامج في أحيان كثيرة لا يأتي من احتياجات المرأة، ولا توقيت مناسب لها، حتى نوعيتها وجودتها ليست جيدة وليست جذابة، ولا تستطيع استقطاب شرائح وشخصيات جديدة، وإضافة إلى ذلك هي محدودة جغرافياً، المنظمة تحصر نشاطاتها في مكان محدد، فنجد أحياء صار لديها تخمة في البرامج وغيرها لا يوجد فيها أحد".

وتذكر السيدة مريم أبو الهوس جملة من العوائق التي تواجه العمل النسائي منهاالوضع الأمني غير المستقر الذي ينعكس على جميع الأعمال بشكل عام،إضافة إلى نقص الكوادر المتخصصة،وانخفاض مستوى الوعي لدى الأهل، وعدم وجود دورات ودعم للعمل الإسلامي المهني والتعليمي الخاص بالنساء.

وعن دور المرأة السورية في المرحلة المستقبليةتضيف (مريم أبو الهوس):يتمثل دور المرأة في هذه المرحلة بالنهضة واستكمال بناء القيم والرقي الثقافي والفكري، فدور المرأة عظيم جدًّا إن أحسنت القيام به وعملت على تنشئة الجيل تنشئة صالحة، كما يظهر دورها في نشر الوعي من خلال الدورات التوعوية عن دور المرأة المسلمةفي بيتها ومجتمعها.

 أما (ضياء الشامي)فترى أن "أمام المجتمع السوري الكثير من التحديات، فالمجتمع اليوم محتل الوطن مجزأ مهجر قسريًّا فاقد للحقوق، فقد الحلم بالعيش كريمًا، لديه إحساس بالإحباط والخيانة والانهزامية، فنحن لدينا وطن مدمر، إضافة إلى ذلك هيئة المجتمع تغيرت واختلت، إضافة إلى عدد كبير من الأطفال والنساء، وعدد قليل من الشباب، مقابل زيادة شريحة كبار السن وشريحة أصحاب الأمراض والإعاقات الحركية. فالفئة الحية غابت، وهنا أمام النساء فرصة وواجب، عندهن مسؤوليات تجاه الوطن، وغير مقبول أن تعود المرأة تعيش حياتها كما كانت، فهناك مسؤوليات أكبر سواء كانت في الداخل أو الخارج، ومن مسؤولياتها أن تربي أولادها على القضية والثورة والتاريخ الذي عاشته، وعلى التضحيات التي قُدّمت مهما كانت النتائج، هناك مرحلة ذهبية عيشت في سورية يجب أن تخلد وتحفر في أذهان الأطفال إلى جانب الثورة، يجب أن يعرف الجيل القادم لماذا قامت الثورة، وأن يعرف أشخاصها وتضحياتهم وأخطاءها وإيجابياتها، وما الجريمة التي ارتكبت بحق الشعب السوري، ليبقى الطفل يعيش القضية، وأن يشعر بهمِّ وطنه وأن يفكر بعودته إليه وإصلاحه.
فهنا للمرأة دور داخل الأسرة وخارجها، يجب أن تؤدي واجبها الاجتماعي وأن يكون لها دور، وأن يكون صوتها مسموعًا، وهذه المسؤوليات ليست فقط على المرأة ، فللرجال والمجتمع دور كبير، يجب أن يدرك الجميع أن الوضع قد تغيّر، وأننا أمام مرحلة جديدة تحتاج إلى استعدادات، وبعض الأفكار تحتاج إلى تغيير وبعضها إلى مراجعات، وبعض المبادرات يجب أن نقدم لها الدعم، وفي نفس الوقت علينا أن نحافظ على هوية المجتمع ، هويتنا الإسلامية والسورية، بهذا الشكل الاجتماعي نتحرك لنكون أكثر فاعلية.

في حين تقول إيمان محمد:"على قدر ما نغرس ونسقي ونُعنى، سنحصد ونقطف ثمرًا، وعلى قدر عملنا تكون النتيجة، والأمر يتوقف هنا على مسألتين الأولى: إيمان المرأة بذاتها وبأهمية دورها كمحرك رئيسي وفاعل ومكمل للرجل في واقع يحتاج كل جهد ممكن للنهوض به. والثانية: إيمان المؤسسات العاملة والمهتمة وحاملة القضية والهم بضرورة تفعيل دور المرأة وبناء مجتمع رشيد قائم على الوعي والبناء العلمي والإيماني والتربوي، لنا حق بأن نحلم في مستقبل مشرق، يأخذ كل إنسان فيه دوره وحقه المشروع، ويؤدي واجباته بكل صدق ونزاهة وإخلاص. ولنا، ونحن نحلم، أن نبدأ بالتخطيط والعمل والتواصل الفعّال بين كل الذين يؤمنون بأهمية إنعاش هذه الأرض التي خضبتها دماء الشهداء من أجل مستقبل أجمل لجيل قادم، بقي أن نجتهد ونتعلم من أخطائنا ونتابع العمل لنجد المرأة والمجتمع ككل في المكانة التي تستحق".