لماذا ثار السوريون على حافظ الأسد؟
بعد انقلاب عام 1963 الذي نفذته لجنة عسكرية مكونة من ثلاثة ضباط نصيريين (حافظ الأسد، صلاح جديد، محمد عمران)، بدا واضحاً أنَّ صداماً بدء يتسع مع المجتمع السوري، حيث عمد حزب البعث إلى تغييرات كبيرة، شملت عدة جوانب، منها:
1- الجانب العسكري: حيث سرَّحت اللجنة العسكرية الانقلابية آلاف الضباط السنة، وجنّدت مكانهم آلاف الشباب العلويين في صفوف الجيش، وعلّق على ذلك د. منيف الرزاز، الأمين العام للقيادة القومية لحزب البعث "بدأت روائح التكتل الطائفي المقصود تفوح، وبدأ الحديث عنها، أول الأمر همساً، ثم بدأت الأصوات بالارتفاع حين ظهرت بوادر مادية تسند هذا الاتهام". كما ذكر الكاتب مطاع الصفدي في كتابه (حزب البعث): "إن التسريحات بالمئات استهدفت جميع الضباط من أبناء المدن الكبرى، ومن (السنيين) خاصة حتى فرغت أسلحة كاملة من ضباطها الرئيسيين، كسلاحي الطيران والبحرية، وكذلك الآليات، وكذلك اعتمدت نفس الخطة حيال صف الضباط والجنود، حتى أصبح من المتعارف عليه أن ألوية كاملة، بأركان حربها وصف ضباطها وجنودها، وقْف على العلويين". ثم جاءت بعدها نكسة حزيران وتصدر القيادات غير المؤهلة، وهذا ما قاله أكرم الحوراني في مذكراته: "لقد استمر إصرار انقلابيي الثامن من آذار من العسكريين على استراتيجية تصفية الجيش السوري إلى ما قبل حرب حزيران 1967م، بسبب التكالب على السلطة تحت مختلف الذرائع، وبحجة تبني حرب التحرير الشعبية، مما أضعف قدرة الجيش السوري على القتال".
2- الجانب الاقتصادي: أصدر حزب البعث منذ توليه السلطة مرسوم تأميم تسبّب بإضرار هائل بالقاعدة الاقتصادية المدارة من الملاك السنة، وشمل التأميم مئات آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، وكبرى الشركات الصناعية، وفي المقابل وُظِّف الآلاف من العلويين في الشركات المؤممة ومُنحوا الكثير من الأراضي على حساب الملّاك الأصليين.
3- الجانب الحقوقي والديمقراطي: أصدر الانقلابيون القرار رقم 4 بتاريخ 13/03/1963م، الذي نص على إلغاء أهم 17 صحيفة ومطبوعة في البلاد، تلاه بتاريخ 25 من ذات الشهر قانون آخر عاقب 30 صحفياً بعقوبة (العزل المدني)، ومنعهم من مزاولة المهنة، وحرمهم من حقوقهم المدنية كالتوظيف والترشح للانتخابات والانتخاب، وذلك بدعوى إساءتهم لإيمان الشعب العربي في سورية بالقومية العربية.
4- الجانب الإعلامي: بدأت السلطة البعثية منذ استلامها الحكم في انقلاب 1963 م مهاجمة الإسلام وثوابته عبر الوسائل الإعلامية، حيث كتب إبراهيم خلاص في مجلة جيش الشعب يقول: ( إن الله والرأسمالية والإقطاع أصبحت دمى محنطة في متحف التاريخ .. ) ، كما كتب زكي الأرسوزي موضوعاً ورد فيه قوله ( أسـطورة آدم .. ) ، وكانت الأغنية البعثية تقول ( ميراج طيارك هرب ، مهزوم من نسر العرب ، والميج طارت واعتلت بالجو تتحدى القدر ).
ثم لما انقلب حافظ أسد على رفاقه، واستولى على الحكم، بدأ يمهد لحكمه الديكتاتوري العلماني بدستور دائم لسورية – كما سماه -، وهنا اشتعل حراك شعبي طلابي نخبوي في مواجهة الدستور الجديد وما احتواه من تعديات على ثوابت المجتمع، اُعتبرت مقدمة لإنهاء قانون الأحوال الشخصية الإسلامي، وغاب عن الدستور ذكر دين رئيس الدولة، كما غاب عنه جعل الإسلام مصدراً أو أحد مصادر التشريع، وركزت السلطات الثلاث (القضائية، التشريعية، التنفيذية) بيد الرئيس، فكان واضحاً للمجتمع بمختلف مكوناته أن حافظ الأسد يعد سوريا لتكون دولة ديكتاتورية لم يعرفها السوريون من قبل.
وحتى يتفادى حافظ الأسد رفض المجتمع السني الواسع له، استخدم أحمد كفتارو وعينه مفتياً للجمهورية، بعد أن فشل الأسد في التقرب من الشيخ حسن حبنكة الميداني وأخيه، وبقية شيوخ دمشق الذين رفضوا أن يتعاملوا مع حافظ الأسد لما عرفوا عنه من مكائده.
وكفتارو الذي أعطى الشرعية الدينية لحافظ الأسد أسس بعد ذلك برعاية الأسد عام 1974 م مجمع "أبو النور الإسلامي" الذي قام بدور استيعاب العلماء والخطباء، وعُين بعد ذلك في مرحلة لاحقة وزراء أوقاف يدينون بالولاء لكفتارو، وكذلك كان الوضع في تعيين الخطباء.
وعودة لموضوع تفاعل العلماء مع دستور حافظ الأسد في بداية حكمه، فقد رأى العلماء ضرورة التحرك العاجل، فأصدر علماء حماة بيانا باسم (جمعية العلماء) حثوا فيه الخطباء أن يشيروا إلى خطر الدستور بشكله المطروح على المنابر، وفعلاً استجاب الخطباء، وتحركت فئات أخرى كالاشتراكيين والناصريين، وأعلنوا إضراباً عاماً، حتى تصاعدت الأحداث وخرج أهل حماة بمظاهرات ضخمة، هتف فيها الطلاب: (لا دراسة ولا تدريس حتى يسلم الرئيس)، ثم أصدر عشرات العلماء من حلب وحماة وحمص ودمشق، منهم الشيخ محمد النبهان من حلب والشيخ خالد الشقفة من حماة والشيخ عبد الكريم والرفاعي والشيخ حسن حبنكة الميداني من دمشق، أصدروا بياناً وضحوا فيه موقفهم من مخالفات الدستور.
فحاول حافظ الأسد إرضاء الإسلاميين بأن طلب من مجلس الشعب المؤقت أن ينص في الدستور على أن دين رئيس الدولة الإسلام، ثم تبعها باعتقالات لعدد من المشايخ الذين كان لهم دور في تحريك الشارع، واستمر سجن بعضهم أشهراً، فيما استمر اعتقال البعض عدة سنوات.
وهكذا وجد السوريون أنفسهم أمام سلطة انقلابية ترسخ حكم الفرد، وتحارب ثوابت المجتمع، وتسعى لفرض العلمانية، وتضع البلاد في قبضة عسكرية ديكتاتورية، وتسعى إلى سحب البساط في مؤسسات الدولة من يد الأكثرية إلى يد الأقلية، فلم يجد السوريون بداً من التحرك الشعبي ضد السلطة.
المراجع:
1- هذت تجربتي وهذه شهادتي: سعيد حوى.
2- إياد شربجي – أورينت نت.
3- المركز السوري للأخبار والدراسات.
4- خالد الأحمد – رابطة خطباء الشام.