الأحد 22 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 24 نوفمبر 2024 م
من آداب الدعوة
الثلاثاء 30 ذو القعدة 1438 هـ الموافق 22 أغسطس 2017 م
عدد الزيارات : 2708

 

من آداب الدعوة


أول واجبات المرء تجاه قرابته دعوتهم إلى الله، وطلب الخير لهم، وهذا بالإضافة إلى أنّه واجب شرعي هو أيضاً استجابة لنداء الفطرة السليمة التي تميل إلى حصول الخير للقريب، ولقد جمع النبيّ صلى الله عليه وسلم قرابته عندما نزل عليه: {وأنذر عشيرتك الأقربين} -الشعراء 214 - وكان مما قال لهم: "يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النّار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النّار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النّار، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً، غير أنّ لي رحماً سأبُّلُها بِبلالها" يعني سأصلها (مسلم2543)  
ولقد رأينا وسمعنا عن كثيرين يدعون أقرباءهم ولا يجدون عندهم أذناً صاغية، بل ربما وجدوا صدوداً واستهزاءً، بينما نجدهم يستمعون للآخرين، ويتأثرون بهم، ولو كانوا أقل حجة وبياناً. 
وهذه عشر نقاط نستخلصها من كتاب ربنا سبحانه حين قصّ لنا قصة إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في دعوته لوالده في سورة مريم، حيث قال: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَاأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 41 - 45].
النقطة الأولى: على الداعي أولاً أن ينتبه لسلوك نفسه وأن يتحلى بالفضائل ليكون ذلك بوابة يعبر منها لقلوب الآخرين، بحيث يكون قدوة صالحة لهم، وخصوصاً الأقارب، فهم يرون منه مالا يراه غيرهم، ويعرفونه في جده وهزله، ويعلمون عنه الصغيرة والكبيرة، وانظر كيف قدّم لنا سبحانه في بدء قصة إبراهيم مع أبيه بذكر صفته العلية، فقال: {واذكر في الكتاب إبراهيم إنّه كان صديقاً نبياً}.
النقطة الثانية: تحبب إلى من تدعوه، فإذا كانت بينك وبينه روابط قرابة أو وشائج صلة فذكره بها، واجعلها المنطلق في دعوتك له، وانظر كم مرة ذكّر سيدنا إبراهيم عليه السلام والده برابطة القرابة بينهما، فأنت تراه يقول له: يا أبت يا أبت.
النقطة الثالثة: لا تفرض على الآخر ما تظن أنه الحق فرضاً، ولو كان مَن أمامك طفلاً صغيراً، بل عرّفه أولاً به عن طريق الحجج والبراهين، وانظر إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام فهو لم يطلب من والده ترك عبادة الأصنام بداية، بل بين له بالأدلة العقلية أنها لا تستحق العبادة قال: {يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً}
النقطة الرابعة: كن عالماً بما تدعو إليه حتى تملك القدرة على الإقناع، وكم من داعٍ جاهل نفّر وضلل من حيث أراد الدعوة إلى الخير، وانظر كيف ذكّر إبراهيم والده بما أنعمه الله عليه من العلم فقال: {يا أبت إني قد جاءني من العلم مالم يأتك}.
النقطة الخامسة: بيِّن للمدعو عاقبة ونتيجة ما تدعوه إليه من الخير في الدنيا والآخرة، فقد قال إبراهيم عليه السلام لأبيه: {فاتبعني أهدك صراطاً سوياً}.
النقطة السادسة: بيِّن للمدعو نتيجة الإعراض وخطره عليه في الدنيا والآخرة، وخطر الاستمرار والتمادي في الباطل فقد قال إبراهيم عليه السلام: {يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصياً} يعني ما تفعله من عبادة الأصنام هو طاعة للشيطان، والشيطان عصى ربه، وهو من الهالكين فلا تكن ممن يهلك معه.
النقطة السابعة: أظهر شفقتك وخوفك على من تدعوهم، واترك كل ما يمكن أن يجعلهم يظنون أنك إنما تدعوهم ابتغاء مصلحة أو عرض دنيوي.
النقطة الثامنة: اصبر على الصد والإعراض، واصبر على الأذى قولاً وفعلاً، يقول تعالى: {وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} تحلّم في مواجهة سفاهة السفهاء وأذاهم، وهنا ردّ إبراهيم عليه السلام على تهديد والده بالرجم والطرد: {سلام عليك}.
النقطة التاسعة: لا تنس الدعاء بالهداية لمن تدعوهم، تضرع إلى الله أن يهديهم، فهو مقلب القلوب، وهنا لم ينسَ إبراهيم عليه السلام الدعاء لوالده وهو في هذا الموقف فقال له: {سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفياً} -أي عودني أن يستجيب لدعائي-
النقطة العاشرة: إذا وصلت إلى نقطة تخشى معها فتنة من تدعوهم أكثر، كأن زادوا في تماديهم بسبب دعوتك، أو خفت على نفسك الفتنة فاعتزلهم، أو توقف عن دعوتهم حتى تجد لك سبيلاً آخر، قال إبراهيم عليه السلام: {وأعتزلكم وما تدعون من دون الله عسى ألا أكون بدعاء ربي شقياً}.
وأخيراً ليس بالضرورة أن يستجيب لك من تدعوه، لكن دعوته واجب عليك، تؤدي به أمر الله، وتبرئ ذمتك يوم القيامة، فأنت أولاً وأخيراً ترجو فضل الله عليك ورضاه عنك، ولابد أن يكرمك ربك بما تستحق، قال تعالى: {فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلاً جعلنا نبياً ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق علياً}.