محددات علاقة المسلم مع ربه كما يصوغها القرآن والسنة
المصدر الرئيس لثقافة المسلم هو الوحي بصورتيه (القرآن والسنة)، وقد حدد الوحي علاقة المسلم مع ربه سبحانه ومع مخلوقات الله وبيّنها بياناً تفصيلياً، فحدد علاقة المسلم مع ربه، ومع نبيه عليه الصلاة والسلام، ومع عباد الله المؤمنين على اختلاف درجات قربهم من الإنسان (أخ، والد، ولد، زوج، صديق، جار، الخ) ضمن محددات واضحة.
المؤمن يَقِظٌ: أول ما يطلبه الإسلام من المسلم أن يكون مؤمناً يقظ القلب، منفتح البصيرة، متنبهاً إلى بديع صنع الله في الكون: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. 191 آل عمران
المسلم مطيع أمر ربه: المسلمُ الصادقُ يطيعُ اللهَ في أمره كلِّه ولو خالف هواه، بل مَحَكُّ الإيمانِ موافقةُ الشرع عند مخالفة الهوى، روي عن رسول الله صلى الله عليه سلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به».
المسلم راضٍ بقضاء الله وقدره: فالإيمان بالقضاء والقدر من أركان الإيمان، وما يجري على المؤمن من سراء أو ضراء فهو خير له: «إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له».
المسلم أوَّاب: فإذا غشيت المؤمنَ غفلةٌ أو وقع في تقصير سرعان ما يتذكر ويتنبه وينخلع من زلته ويستغفر، {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}. 201 الأعراف
هَمُّ المسلم مرضاةُ ربه: في كل أعماله، ولو أسخط هذا الناسَ، فيزن المسلم أعماله بميزان رضا الله، فما أرضى ربه فعله، وما لا أعرض عنه، «من التمس رضاء الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس».
المسلم مؤد للفرائض والأركان:
مقيم للصلوات الخمس: فهي عماد الدين؛ من أقامها أقامه ومن تركها هدمه، وأفضل الأعمال «الصلاة على وقتها»، وهي صلة بين العبد وربه، ويستمد منها المسلم تقواه، وتغسل ذنوبه: «.. فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا». ويشهد الجماعة في المسجد: ويحرص عليها ما استطاع، فهي أفضل من صلاته منفرداً ببضعة وعشرين درجة، وكل خطوة إلى المسجد يُرفع بها درجةً وتحط عنه خطيئة، وهَمَّ النبيُ صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت من يتخلف عنها، والصبح والعشاء أعظم أجراً.
ويصلي السنن الرواتب والنوافل: فالإكثار منها يدني العبد من ربه، ويرفعه إلى مقام حب الله له، فيحبه أهل السماء والأرض، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من القيام حتى تتفطر قدماه، ولما سألته عائشة قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً». ويُحْسِنُ أداء الصلاة: فيؤديها بشروطها وأركانها وسننها وآدابها، مع حضور ذهنه وقلبه، ولا ينفتل منها على عجل، بل يستغفر ويدعو ربه أن يرزقه خيري الدارين، «وجعلت قرة عيني في الصلاة».
يؤدي زكاة ماله: فهي فريضة مالية تعبدية، فلا يتهاون في إخراجها، فهي أخت الصلاة وقرينتها في كتاب الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}.
يصوم شهر رمضان ويقوم ليله: إيماناً واحتساباً، ويحفظ جوارحه عن كل معصية تخدش صومه «فلا يرفث ولا يصخب» ويستحضر أن ثواب الصوم أعظم من أن يتصوره خيال «إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به». وكان صلى الله عليه وسلم يجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره، وفي العشر الأخير منه خاصة، ويتحرى ليلة القدر، ويأمر بالسحور «تسحروا فإن في السحور بركة».
ويصوم النافلة: كيوم عرفة الذي «يكفر سنتين» وعاشوراء الذي «يكفر سنة» وست من شوال والأيام البيض التي هي «كصيام الدهر».
يحج بيت الله الحرام ويعتمر: وذلك بعد أن يتعلم أحكامهما، ويدرس عنهما كل صغيرة وكبيرة ليؤدي العبادة صحيحة تامةً، ويرجع من حجه كيوم ولدته أمه، والعمرة في رمضان «تعدل حجة».
المسلم يتمثل معنى العبودية لله: فما أوجَدَنَا اللهُ إلا لعبادته، وتتمثل العبادة في كل حركات العبد الإيجابية لبناء هذا الكون وتحقيق كلمة الله في الأرض وتطبيق منهجه في الحياة {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}. 56 الذاريات
يكثر من تلاوة القرآن: بتدبر وخشوع، يخلو إلى ربه فيتلو كلامه وتتسرب معانيه في نفسه فتزكيها، وتنمي عقله، وتخالط قلبه فتزيده إيماناً وطمأنينة {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد 28، والقرآن «يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة».
ملخص من كتاب (شخصية المسلم كما يصوغها الإسلام في الكتاب والسنة) للدكتور علي الهاشمي.