قد يتساءل كثيرون: وهل الأم بحاجة إلى فن ما دامت تستطيع إطعام طفلها وتنظيفه؟!!
فأقول: على رسلكم أيها السائلون!... فإن القضية المادية من الحياة قد أتقنتها الأنثى من الحيوان أكثر من المرأة في غالب الأحيان، فهي تقوم - بفضل غريزتها التي منحها الله إياها – بإطعام فرخها والعناية به وتدريبه على ممارسة الحياة بصورة تدريجية، فكم رأينا عصفورة تعلم فرخها الصغير على الطيران من غصن إلى غصن قريب، ثم هي تطيل له المسافة من شجرة إلى أخرى، وتنهره إذا قصر حتى يجيد مهارة الطيران... وهذا ما لا نجده عند كثير من الأمهات اللائي يربين أطفالهن على الميوعة والدلال؛ ما يجعلهم ينشؤون ضعفاء اتكاليين طوال حياتهم.
وهكذا.. فالأمومة فن تتضاءل أمامه بقية الفنون الأخرى بسبب أهميته وصعوبته، فإن الفنان من المصورين مكلف بتقليد الطبيعة ووضع مثال جامد بالألوان التي لا تتغير طبيعتها ولا طبيعة النموذج المراد محاكاته...
بينما الطفل يمتلك نفسية عجيبة دائمة التطور والتبدل، فتربيته تحتاج إلى متابعة مستمرة؛ لأن الطفل نفس بشرية دائمة التقلب ومتعددة المطالب، لذا فهي تحتاج دوما إلى تقويم مستمر ورعاية واعية وحكيمة...
ومن هنا كان فن الأمومة أخطر بكثير من غيره من الفنون، لأن مسؤولية تربية الأطفال وتنشئتهم كبيرة ومهمة ليس بإمكان كل مرب أن يجيدها، ففهم حياة الطفل والعوامل التي تحكم عملية نموه من أهم ما يجب أن تعرفه كل أم، ولن يتيسر لأي أم فهم ماهية ما يفعله الطفل إلا في ضوء معرفتها للقوى المختلفة لدى الطفل التي تدفعه لأن يعبر عنها بأشكال مختلفة من السلوك. وتصرفات الأطفال كلها إشارات ورسائل يريدون عن طريقها إبلاغ الآباء والأمهات شيئا لا يستطيعون التعبير عنه بالكلمات... ولكي تتجاوب الأم مع حاجات طفلها عليها أن تبحث عن الرسالة المخبأة وراء هذه الإشارة، وهذا يتطلب منها استخدام كل ذرة من ذكائها وصبرها وعبقريتها لتدخل إلى عقل الطفل وعالمه الخاص، وعلى أساس الاستنتاجات التي تستخلصها الأم تستطيع أن تتصرف في تلبية الحاجات بحس مرهف وفن من فنون الأمومة المنقطع النظير...
ويؤسفني جدا أن أقول: إن فن الأمومة غير متوفر لدى أغلب أمهاتنا اللواتي قد درسن المعارف والمعلومات التقليدية الكثير، عدا ما يتعلق بأطفال اليوم وأمهات المستقبل الذين تتوقف عليهم حياتنا، بل حياة ومستقبل أمتنا كلها!!
فيا أيتها الأم: أنت الروضة والمدرسة والجامعة... بحضنك ينمو الطفل ويرضع حب الأسرة، وبتوجيهاتك تغرس فيه المبادئ والقيم... وكل ذلك يحتاج منك أيتها الأم إلى دراسة جيدة وموثوقة لأصول التربية ومبادئ علم النفس من مصادر موثوقة، وعدم الاكتفاء بعواطف وغرائز الأبوين وميولهما التقليدية.
إن الطفولة أيتها الأم هي صانعة المستقبل، لهذا فالعناية بها من أهم الأسس التي تضمن لنا جيلا ناجحا منفتحا وصالحا، ولا يأتي ذلك إلا من خلال شخصية أم فنانة ليست بالمائعة ولا بالطاغية المسيطرة، بل الذكية المفكرة، والراعية المدبرة التي تعرف تبعتها وتقدر خطورتها...
فيا أيتها الأم: إن طفلك الذي تربين قطعة فنية رائعة يمثل بصماتك المنقوشة على شخصيته، وهو أثرك الخالد، وأية غفلة منك تجعله شيطانا مريدا، وأية عناية منك تصيره بطلا عظيما، فانظري ماذا أنت فاعلة يا أختاه..
وأملي بك كبير أيتها الأم بعد أن عرفت عظم المسؤولية أن تبادري لتخصيص وقت من أوقاتك لدراسة فن الأمومة، وعلى الأقل بالقدر الذي تضيعيه على العناية بالزينة، لتخرجي لنا جيلا عظيما نفخر به ونعتمد عليه في تسلم أعباء الأمة ورسالة الحياة.