شاعر سوري، عضو مؤسس في رابطة (أدباء الشام).. تغرب عن وطنه قسراً.. لكن حنينه إلى سورية لم ينقطع، بل كان يبثه سيلا متواصلا في قصائده، ما زال يحتفظ بصورة والده وقصاصات من قصائده، فهو لم يره لأكثر من عشرين سنة بعد أن فرق بينهما نظام الإرهاب الأسدي.. عاش معاناة الغربة واحتسبها في سبيل الله.. ومضى يجاهد بكلمته بعزم وقاد، وحرف لا يعرف اليأس.
المولد والنشأة:
ولد الشاعر: فيصل بن محمد بن محمود الحجي عام 1353هـ / 1935م في بلدة (قارة) التابعة لمحافظة دمشق، وقارة بلدة صغيرة في القلمون صيفها جميل وشتاؤها قارس، نشأ فيها شاعرنا المنحدر من عائلة الحجي المعروفة من الأشراف والتي تعود في أصولها إلى الحجاز، وقد كان والده شاعراً وأحد تلاميذ الشيخ عبد القادر القصاب، وأحد المجاهدين في معركة ميسلون، وكان أحد كبار البلدة مختاراً لعدة أعوام، وكان معمراً حيث ناهز 100 عام، وقد خاض تجارب وأحداث تاريخية كثيرة، وكان محباً للعلم والأدب والدين مناهضاً للظلم وحكم الفرنسيين وما جاء بعدهم أيضاً.
هاجر والده محمد وجده محمود إلى الأرجنتين، حيث تزوج الوالد بـ (أنيتي) وهي امرأة نصرانية من الأرجنتين، أسلمت وغيرت اسمها إلى (أنيسة)، وحجت مع زوجها، الذي توفي عام 2003م عن عمر يناهز 103 أعوام، ثم توفيت بعده بسنتين رحمهم الله أجمعين.
التحصيل العلمي:
درس الشاعر فيصل الحجي الابتدائية في قارة حتى الصف الخامس، وكان من أساتذته فيها: فوزي الفتوى من حماة، وكان له فضل كبير عليه؛ حيث حبب إليه العلم والمعرفة، ومن أساتذته في تلك المرحلة من حياته العلمية: الشيخ محمد سليم الرفاعي، والأستاذ سعيد قدور.
قدم الامتحان في مدينة النبك، ونجح بتفوق، وبسبب تفوقه أعطي منحة مجانية، فقُبل طالباً داخلياً ودرس المرحلة المتوسطة في ثانوية القلمون، ثم عمل في قسم البرق والهاتف في مدينة دمشق. وفي سنة 1955م أدى الخدمة العسكرية لمدة سنتين حيث تسرح من الخدمة عام 1957م.
حصل –رحمه الله- على الثانوية العامة "دراسة حرة" أثناء الخدمة العسكرية، ثم دخل كلية الشريعة في جامعة دمشق، فحصل منها على شهادة الليسانس في الشريعة الإسلامية، بعد أن نهل العلم على أيدي العلماء فيها أمثال عميدها آنذاك الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله، وكان يحضر صلاة الجمعة في مسجد الجامعة في دمشق حيث يلقي الخطبة الشيخ علي الطنطاوي، وعصام العطار، وسعيد الطنطاوي. وكان من أساتذته في الجامعة: العلامة محمد أديب الصالح، والدكتور فتحي الدريني، والدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، والدكتور: نور الدين عتر، والدكتور وهبة الزحيلي .. وغيرهم.
كما حصل على شهادة الإجازة في اللغة العربية من كلية الآداب في جامعة دمشق، وكذلك حصل على شهادة الدبلوم العامة في التربية من كلية التربية في جامعة دمشق أيضا.
تزوج من ابنة عمته (أم أنس) من بيت صبح من قارة عام 1963م، التي كانت خير رفيق له في الدعوة والتربية، فكان لها أثرها التربوي الكبير في أوساط النساء والفتيات، وقاست معه – صابرة محتسبة - آلام مطاردة النظام الطائفي ومن ثم الغربة والشتات إلى أن توفاه الله.
حياته العملية:
عمل موظفاً في قسم البرق التابع لمديرية الهاتف الآلي في دمشق من عام 1954 إلى عام 1962م، ثم عمل مدرساً في المدارس الثانوية في منبج لمدة سنة ونصف بداية من عام 1963م، وفي هذه الأثناء رزق بولده "أنس"، ثم انتقل للتدريس في مدينة حلب وبقي عدة سنوات، انتقل بعدها إلى الثانوية الصناعية في دمشق، ثم انتقل للتدريس في ثانوية قارة في ريف دمشق لمدة 7 سنوات، ثم نقل إلى وظيفة مدنية.
ونتيجة ملاحقته من قبل النظام الطائفي أثناء أحداث عام 1980م سافر إلى الكويت، وعمل إماماً وخطيباً في مساجدها، وبعد ذلك ذهب إلى الحج، وتعرف على بعض العلماء هناك، فانتقل للعمل في المملكة العربية السعودية، حيث عمل مدرساً في المعاهد العلمية التابعة لجامعة الإمام محمد ابن سعود الإسلامية من عام 1401 / 1981م إلى عام 1419-1999م، وأخيراً انتقل للعمل في مدارس (الروّاد الأهلية) في الرياض حتى عام 1435هـ حيث أحيل إلى التقاعد.
إصداراته الشعرية:
- الإصدارات المطبوعة:
أولاً: مسرحية شعرية بعنوان: (ظمأ الأجيال إلى سير الأبطال).
ثانياً: ديوان (فارس لا يترجل).
ثالثاً: ديوان: (دموع الرجال).
رابعاً: ديوان: (قصائد معلم).
- إصدارات في طريقها للنشر:
ترك الراحل ثروة شعرية غير مطبوعة تفوق كميتها ما طُبع منها، وكان يعد للنشر المجموعات التالية:
أولا: ملحمة الصحوة الإسلامية (من شعر التفعيلة).
ثانياً: ديوان: (الكلمة الطيبة).
ثالثاً: ديوان: (في حديقة الحيوان).
كذلك شارك في الكثير من الأمسيات الشعرية، ونشر كثيرا من القصائد في المجلات: كالمجلة العربية، والبيان، والمجتمع، والدعوة السعودية، والأسرة.. وغيرها.
نماذج من شعره:
يقول –رحمه الله- في قصيدته: "الجيش الوطنيُّ السوريُّ الـحُـرّ":
جـيـشـُـنـا حُـرٌّ وجـيـشُ الـظـلـم ِ عَـبـدُ ** فـمتى يــرحـلُ عــنـّـا الـمُـسْتبـِدُّ ؟
هَــمـٌّــنـا حُـــرّيّـة ٌ قـد وُئِـدتْ ** قـد تــولـّـى وأدَهـا الـخـصْــــمُ الألـدُّ
قـد رمــاهـا عــربـيٌّ جــاحِـدٌ ** ومِـن الـخـــلـفِ يــهـوديٌّ يَـــمُـدُّ
يـا شـبـابَ الـجـيـل ِ يـا زهـرَ الـرُّبــا ** يـا ضِــيـاءَ الـفـجـر ِ لا يَـثــنِـــيـهِ حَـدُّ
قـد نـهـضــتــم قـبـلَ أن نـوقــظـَـكـم ** أو يـصـيـحَ الـنـاسُ: قـومـوا واستـعـدُّوا
وأعَــدْتـُـم بـالــنـدى آمـالـــنـا ** ونـَــداكـم تـضـحـــيــــــــاتٌ لا تـُـحَــدُّ
وفي قصيدته: "في محراب الكرسي" يسخر من الطاغية قائلا على لسانه:
دُمْ في العُلا يا سيِّدي الْكُرسي
أفْديك بالْغالي. عَدا نفسي
أفديك بالأوطان ِ قاطِبَة
أفْدِيكَ بالدِّينار ِ وَالفَلْس
أفْديكَ بالأقْصى وبالْقُدُس
ما قِيمَة ُالأقْصى مع الْقُدْس؟
قد كان يَحْمِلُني بلا مَلَل
لو شاء أحْمِلُهُ عَلى رأسي
أنا لَسْتُ أنْسَى يَوْمَ عانَقَنِي
كالأُمِّ .. يُنْقِذُنِي مِنَ الْبُؤس
ثم يرد عليه مخاطبا أمته:
يا أمَّتي هُبِّي بنا.. وَدَعِي
عَهْدَ الْخَنا وَالعَجْزِ واليَأس
وخُذِي القَرارَ مِنَ الشِّرارِ فقدْ
سَرَقُوه في إغْفاءَةِ الْحِسِّ
أيْنَ العَمالِقَة ُ الأُلى رَحَلُوا
حَتى لَعَقْنا الذّلَّ في الْكَأسِ؟
يا مُسْلِمُون خُذوا بِسُنَّتِهم
وَتَرَفَّعُوا عن زائلِ الرِّجْسِ
قد حُطِّمّتْ أوْثانُ أُمَّتِنا
فَمَتى تَزولُ عِبادةُ الكُرْسي؟!
وفاته:
انتقل إلى رحمة الله فجر يوم الأحد 19 ربيع الأول 1438 للهجرة الموافق 18 كانون الأول عام 2016م، وهو نائم على فراشه لا يشكو من علة، وقد كان - رحمه الله - نعم المربي الفاضل والناصح والمهتم بقضايا الأمة الإسلامية مناهضاً للظلم - خصوصاً في سوريا - حيث خرج منها مضطهداً لأنه يقول كلمة الحق في وجوه الظلمة أعداء الدين، رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله خيراً على ما قدم لأمته وأسكنه فسيح جناته.