الثلاثاء 1 جمادى الآخر 1446 هـ الموافق 3 ديسمبر 2024 م
في جعبتي حكاية
الأربعاء 20 ربيع الآخر 1438 هـ الموافق 18 يناير 2017 م
عدد الزيارات :

 

في جعبتي حكاية


بعد أن خرج موسى عليه السلام مع زوجته راجعًا من مدينَ إلى مصر بعد غياب طويل .. ضلّ موسى الطّريقَ، ولم يعرِف من أين يذهبُ، فكأنَّ طولَ الفترةِ التي قضاها، وكأنَّ الغربةَ جعلتهُ ينسى طريقَهُ، فلم يعرف إلى أين يتجه، وقد أظلمتِ الدُّنيا، فأخذ يسير يميناً ثمَّ يساراً لا يجدُ ما يعينُهُ على الاستمرار في السّيرِ، واللهُ -يا أحبائي- لم ينسه هنا أيضا، وكانَ في مكانٍ يسمّى طورَ سيناءَ، رأى من بعيدٍ نارًا تشتعلُ، الأمرُ غريبٌ! نارٌ ولا أحَدَ حولها. قال لزوجتِهِ: انتظري، سأذهب إلى مكانِ النّارِ لأعودَ من هناكَ بعودٍ مشتعِلٍ ينيرُ طريقنا أو أسأل إن وجدتُ أحداً في ذلك المكان. ذهب إلى النّارِ، إلى مكانِ النُّورِ فعلًا، لكنّه لم ير أحدًا، فمن سيسألُ؟ لكنّه ما إن وصلَ حتّى سمعَ كلامًا لم يسمع مثلهُ من قبل، ليس بكلامِ بشرٍ ولا يشبِهُ كلامَ الإنسانِ، استغرب من أينَ يأتي الصوتُ، خافَ وارتعبَ وارتجفَ، فجاءه الصّوتُ ثانيةً: يا موسى لا تخف. من الذي يتكلّمُ يا تُرى؟ لقد كان المتكلم هو الله جلّ وعلا. وموسى كما قلتُ لكم هو كليمُ الله، وقد عرفتُم ذلك في بدايةِ القصّةِ، وسِرُّ هذا اللَّقب أنَّ الله قد كلَّمَهُ دون واسطة.
ثمَّ سألهُ الله عمّا يحمله بيمينِهِ، فقالَ موسى: هي عصايَ، أتوكأ عليها -يعني أستعينُ بها في المشي-، وأهُشُّ بها على غنمي -أي أُنزلُ للغنمِ ورقَ الشّجرِ لتأكله-، وليَ فيها مآرب أخرى -أي أعمل بها أشياء أخرى-.
ثمّ أمر الله موسى أن يلقيَ عصاه، فألقاها فإذا هي حيّةٌ تسعى. صارت ثعباناً مخيفاً ذا منظرٍ مرعبٍ، وحجمٍ ضخمٍ. خافَ موسى وابتعدَ عنه هاربًا، فجاءه الأمرُ ثانيةً: لا تخف، إنّ ما تراهُ حقٌ، إنّها المعجزةُ، وليست هي وحدها، بل معها معجزةٌ ثانية؛ أدخل يدكَ في جيبِكَ، ثُمّ أخرِجها. فأدخلها موسى-عليه السّلامُ- ثم أخرجها فخرجت بيضاءَ يشعُّ منها النُّور. هاتان معجزتان لا يمكن للنّبيّ أن يخاف منهما، فالعصا تنقلبُ إلى حيّةٍ كبيرةٍ -بإذنِ الله- ،و اليدُ تصبحُ متلألئةً بيضاءَ -بإذن الله-. وصارَ موسى -عليه السّلامُ- رسولَ ربِّ العالمينَ إلى بني إسرائيل. وهو الآنَ في طريقِ عودته إلى مصرَ، إلى فرعونَ، ومعجزةُ العصا ومعجزةُ اليد أعطاهما الله تعالى لموسى-عليه السّلامُ- ليكونا عونا له في الدّعوةِ إلى الله .
من الذي سيحتاجُ إلى الدّعوةِ أوّلًا؟ إنّهُ فرعَون نفسُهُ. الذي طغى وتجبّرَ وزعمَ أنّهُ هو الربُّ الأعلى.
دعا موسى-عليه السّلامُ- ربّهُ قبلَ أن يَصِلَ فقالَ: يا رب إنّكَ تعرفُ أنني كنتُ في بلدي عند فرعونَ، وأنّهُم الآن يُفتِّشونَ عنّي لأننّي قتلتُ منهُم رجلًا، وأخافُ إن وصلتُ أن يقتلوني، فلا أتمكّن من دعوتِهِم، ودعا موسى-عليه السّلامُ- فقال : "رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدةً من لساني؛ يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرًا من أهلي؛ هارونَ أخي "
وجاءه الجوابُ من ربِّ العالمينَ أن اذهب أنت وأخوك إلى فرعونَ، وقولا له ما أمرتُكُما برفقٍ ولينٍ، ثم ادعواه أن يتركَ الظُّلم ويرفعه عن بني إسرائيل لينجوَ بقومِهِ من العذابِ.
و ما أن وصلَ موسى وهارونَ-عليهما السّلامُ- إلى قصرِ فرعونَ حتّى عرفهما فرعون، وتقدّم الرّسولان إليه وحدّثاهُ برفقٍ وعطف ٍكما أمرهُم الله: يا فرعون، إنٌا رسولا ربّك، بعثنا ربُّ العالمينَ إليكَ كي تخرجَ النّاسَ من هذا الظُّلم وتؤمِنَ أنتَ وقَومَكَ بالذي أُرسِلنا به إليك.
هنا ثارت نفسُ فرعونَ، وأحاط به الغضبُ، وأنكر على موسى وهارونَ -عليهما السّلامُ- قولهما، ودار بينهم هذا الحِوارُ :
فرعونُ (باستكبارٍ): من ربّكُما يا موسى؟
موسى-عليه السّلامُ-: ربنا الذي أعطى كُلَّ شيءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هَدى. 
فرعون: ألم نربِّك عندنا عندما جئتنا رضيعًا ضعيفًا بدلَ أن نأمُرَ بقتلِكَ؟
موسى-عليه السّلامُ-: أولو جئتُكَ بشيءٍ مبينٍ؟ أثبت لكَ بمعجزةٍ ظاهرةٍ ما أدعوك إليهِ .
فرعون: اِئتِ بها إن كنتَ من الصّادقين.
فألقى موسى-عليه السّلامُ- عصاه فوراً أمام عينِ فرعون وأمام أعيُنِ النَّاسِ، فتحوّلت العصا إلى ثعبانٍ ما رأوا مثلَهُ من قبل.
فرعون: هل من معجزةٍ غيرِها يا موسى؟
فأدخلَ موسى -عليه السّلامُ- يده في جيبه وأخرجها بيضاءَ متلألئةً ينتشرُ نورُها.
أصابت الحيرةُ فرعونَ؛ ماذا يفعلُ؟! معجزتانِ باهرتانِ، ماذا سيقولُ للنَّاسِ!
و طلبَ فرعونُ من قومِهِ أن يُعطوُه رأيهم، فجاءَ جوابُهم: اجمع سحرةَ المدينةِ حتّى يرُدّوا على سحر موسى.
وافق موسى-عليه السّلامُ- على أن يُؤتى بالسّحرةِ.
و طلب فرعونُ من الجُنودِ أن يجمعوا كُلَّ السحرة في البلدةِ، و أن يجمعوا أكبرَ عددٍ من النّاسِ في يومٍ اتفقوا عليه .
و جاءَ السّحرةُ يظُنّونَ أنّهُم سيتغلّبونَ على موسى وهارون -عليه السّلامُ-.
فسألوا فرعون :هل لنا أجراً إن نحن غلبنا موسى وهارون في السِّحر؟ أجاب فرعون: نعم، وليس الأجر وحدَهُ بل سأُقرِّبُكُم مِنّي أيضاً.


في العددِ القادِمِ إن شاء الله سنعرفُ ما الذي جرى في هذا الموعدِ المهم بين موسى -عليه السّلامُ- وفرعون وسحرته .