كيف وصل حافظ الأسد إلى السلطة وانقلب على رفاق دربه
وصل حزب البعث العربي الاشتراكي إلى السلطة في سوريا عبر انقلاب عسكري في الثامن من آذار لعام 1963م، بقيادة لجنة عسكرية خماسية أغلبها ضباط نصيرية، وسُرح بعدها مالايقل عن 700 ضابط من كبار ضباط أهل السنة، ومُلئ الفراغ بضباط من الأقليات وخاصة الطائفة النصيرية.
ثم تلاه انقلاب عام 1966م، حيث أطيح برئيس الدولة السني "أمين الحافظ" وأُبعد معارضو "صلاح جديد" ممن قاوموا تحكم الأقليات وتسلطهم، وتم الإجهاز على القيادة القومية للحزب، وأسفر الانقلاب عن تصفية ضباط أهل السنة البارزين، وعن ازدياد تمثيل الأقليات الدينية مرة أخرى.6
وعُين حافظ الأسد وزيراً للدفاع، وجرى على قدم وساق تصفية أهل السنة من أركان الدولة، حتى من ساندوا حزب البعث ممن خدع بالشعارات القومية للحزب.
وفي عام 1967م اندلعت حرب بين الكيان الصهيوني ودول الطوق (مصر – الأردن – سوريا) واستطاعت الصهاينة في هذه الحرب احتلال غزة وسيناء والقدس والضفة الغربية والجولان، وكانت مشاركة الجيش السوري خلال هذه الحرب خجولة في مساندة مصر والأردن، حتى قيل إن هذا كان من أسباب النكبة والخسائر الكبيرة في العتاد والأرواح إضافة للمناطق الجديدة التي سلبتها اسرائيل، كما أذاع وزير الدفاع (حافظ الأسد) خبر سقوط القنيطرة قبل ثلاث ساعات من حصوله.
ثم بدأت الخلافات تظهر بين شركاء الإنقلاب صلاح جديد (الأمين القطري المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي) وحافظ الأسد (وزير الدفاع)، ووصلت إلى ذروتها عندما رفض حافظ الأسد المساندة الجوية للقوات السورية التي تدخلت في الأردن لصالح منظمة التحرير الفلسطينية في حربها مع المملكة الأردنية فيما يعرف بأحداث أيلول الأسود، ما أدى لفشل مهمة القوات السورية، فدعا صلاح جديد إلى مؤتمر طارئ للقيادة القومية في 30 تشرين الأول لمحاسبة وزير الدفاع حافظ الأسد، و أصدر المؤتمر قراره الشهير بضرورة إعفاء حافظ الأسد من منصب وزير الدفاع، فسارع حافظ الأسد بأوامره للجيش باحتلال كافة فروع الحزب، بمساعدة مصطفى طلاس – رئيس الأركان – ورفعت الأسد – شقيق حافظ - الذي كان يرأس قوى الأمن.
واعتُقِل صلاح جديد ورئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي "السني" في 13/10/1970م، وفر كثيرون من أعضاء المؤتمر إلى لبنان تفادياً للاعتقال. وبقي اللواء صلاح جديد في سجن المزة حتى وفاته في 19/ آب/ 1993م، أما نور الدين الأتاسي فقد أطلق سراحه بعد أكثر من عشرين عاماً، قضاها في السجن، وتوفي بعدها بقليل. ولقي العديد من زملاء الكفاح لحافظ الأسد من البعثيين -المدنيين والعسكريين- المعارضين له المصير نفسه. 7
وعين أحمد الحسن الخطيب"السني" رئيسًا للجمهورية مؤقتًا، ثم جرى استفتاء شعبي شكلي في 22 آذار/ مارس 1971 على قائد الانقلاب والذي سمي زوراً ( الحركة التصحيحية )، وزعمت وسائل الإعلام الحكومية مشاركة 95% من الشعب في العملية الاستفتائية التي فاز فيها حافظ الأسد (بأكثرية ساحقة) وصلت إلى 99.2% . 8 ليصبح أول رئيس نصيري لسوريا ولمدة سبع سنوات، تلتها استفتاءات مشابهة في أعوام 1978 و1985 و1992 و1999.
الدولة التي صنعها حافظ الأسد لنفسه :
عيّن حافظ الأسد عام 1973م لجنة لصياغة الدستور، وأُقِرَّ في 12 مارس/آذار بإستفتاءٍ شعبي يشبه استفتاء تسلمه السلطة لعام 1971م.
نصّ الدستور على وجوب كون الرئيس "عربيًا سوريًا"، ونصّب حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع محتكرًا بذلك الحياة السياسية. أما رئيس الجمهورية فتُرَشِحُهُ القيادة القطرية لحزب البعث عن طريق مجلس الشعب للاستفتاء دون وجود أي مرشح آخر، وأعطاه الدستور صلاحيات شبه مطلقة، فهو رئيس السلطة التنفيذيّة وله سلطة إصدار التشريع منفردًا أو حجب تمرير تشريع أقره البرلمان، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء والمعيّن للمحكمة الدستورية العليا والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، وسواها من الصلاحيات كتعيين الموظفين المدنيين والعسكريين واستفتاء الشعب في قضايا تُعد مقررة حتى لو كانت مخالفة للدستور، فضلاً عن كونه منتخبا لمدة سبع سنوات مفتوحة الإعادة والتكرار. كما عدّ الدستور الاقتصاد السوري اشتراكياً يقوم على القطاع العام بشكل أساسي.
احتوى الدستور – شكلياً - على قوانين للحريات والحقوق، بقيت معطلة بسبب القوانين البعثية الفوق دستورية:
• قانون الطوارئ لعام 1963 والذي يحظر التظاهر ويتيح الاعتقال التعسفي والتنصت رغم أنها جميعًا حقوق دستورية.
• قانون حماية الثورة الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم 6 لعام 1965.
• قانون المحاكمات العسكرية رقم 109 لعام 1968، والذي شرّع تقديم المدنيين للمحاكمات العسكرية.
• قانون إحداث محاكم أمن الدولة الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم 47 لعام 1968.
• قانون إعدام كل منتسب أو ينتسب للإخوان المسلمين رقم 49 لعام 1980 على خلفية أحداث الثمانينات.
وهذا الدستور يعد الأسوأ على مدى تاريخ سوريا، إلا أنه كان الأطول، فقد استمر 39 عاماً، وعدل مرتين فقط، كانت الأولى عام 1981م لتغيير العلم، والثانية عام 2000م لتعديل عمر رئيس الجمهورية من 40 سنة إلى 34 سنة ليتيح لبشار الأسد خلافة والده في السلطة.
أما الشعب السوري وحقوقه فلم يعر لها النظام الحاكم أي اهتمام، ولم يلغِ الأحكام العرفية طوال هذه العقود، بل لم يُجرِ أي تعديل بسيط ليحسن من واقع حرياتهم وحقوقهم.
---------------------------------------------------------------
6 ينظر: الصراع على السلطة في سوريا، نيقولاوس فان دام / ص: 83
7 الصراع على السلطة: نيقولاوس فان دام / ص: 112، و (جريدة الراية 14 17 تشرين الثاني / 1970م)، (وجريدة الحياة في 24 شباط / 1994م).
8 Nohlen، Dieter؛ Grotz، Florian؛ Hartmann، Christof (2001). Elections in Asia: A data handbook, Volume I. Oxford University Press.