الخميس 19 جمادى الأول 1446 هـ الموافق 21 نوفمبر 2024 م
سيف الله المسلول خالد بن الوليد
الثلاثاء 8 صفر 1438 هـ الموافق 8 نوفمبر 2016 م
عدد الزيارات :

 

سيف الله المسلول  خالد بن الوليد


شهدت مكة خالد بن الوليد بن المغيرة المخزوميّ وهو فتى، فعرفته من أنبل فتيانها، وأشجع فرسانها، حتى كانت له المنزلةُ الرّفيعة بين رجالات قريش وهو لم يبلغ سنّ الرِّجال، فأتاح له ذلك خبرةً وحنكة في الحياة قلّما تهيّأت لمن كان في سنّه آنذاك .
وعندما أشرق نور الإسلام كان الوليد بن المغيرة -والد خالد- من أشدِّ أهل مكّة محاربةً له واضطهاداً لأتباعه . كان لخالد أخ يقالُ له الوليد، قاتل خالدٌ والوليد مع جيوش المشركين في بدر ضدّ المسلمين، ثمّ أسلم الوليد –رضي الله تعالى عنه- بعد أن وقع في الأسر لما رآه من معاملة المسلمين الحسنة له، وكان فيما بعد السبب في إسلام فارس بني مخزوم ( أخيه خالد –رضي الله تعالى عنه-)، فأصبح رجلًا من رجال الإسلام، عاهد الله على بذل نفسه في سبيل الله .
واخترت لكم من بطولات خالد الكثيرة وبسالته العجيبة موقفاً واحداً من غزوة مؤتة : يحكي الرسول ‘ للمسلمين أحداث تلك المعركة التي خسر فيها المسلمون خيرة أبطالها فيقول: أخذ الرّاية (زيد بن حارثة ) فقاتل بها حتّى قتل، ثم أخذها (جعفر) فقاتل بها حتّى قتل، ثم أخذها ( عبد الله بن رواحة ) فقاتل بها حتّى قتل، ثم أخذ الرّاية سيفٌ من سيوفِ الله ، ففتح الله على يديه.
كان خالد بن الوليد جنديّاً عاديّاً في غزوة مؤتة، وعندما سقط آخر القادة الثلاثة شهيدًا، حمل الرّاية خالد بعد أن رضي به جميع المسلمين قائدًا عليهم .
وضع خالد خطّته المحكمة بذكاءٍ وقام بشرحها للجيش وقسّمهم إلى مجموعاتٍ وأوكل إليهم مهامهم، وكانت خطة خالد ترمي إلى تبديل مواقع المجاهدين ليفاجأ الرّوم بوجوهٍ جديدةٍ لم يألفوها من قبل، وأمر بعض المجموعاتِ بإثارةِ الغبارِ خلف جموع الجيوش ليوهم الرّوم بأن أمداداً جديدة من المقاتلين والعتاد تصل إلى المسلمين، فدبّ الرعب في قلوب الروم، وتمكن خالد –رضي الله تعالى عنه- من النجاة بالجيش الصغير والانسحاب التدريجي دون أن يلحق به الروم  لأنهم ظنوا أن خالدًا يدبر لهم مكيدة ويستدرجهم إليها بانسحابه.
وفعلاً بفضل الله ثم بفضل عبقريّة خالد وفنّه القياديّ نجا الجيش الإسلامي يوم مؤتة من كارثةٍ محقّقةٍ، ولم يزل خالد منذ ذلك اليوم يعرف باللّقب الذي لقبه إياه رسول الله ‘ ( سيف الله المسلول ).
قاتل خالد –رضي الله تعالى عنه- فيما بعد في حروب الردّة، واستطاع كذلك الانتصار على أكبر امبراطوريتين في العالم آنذاك؛ الفرس والروم ، ففتح العراق وفارس والشام، واستبسل في غزوة اليرموك وانتصر على الفرس في خمس عشرة معركة قاد فيها المسلمين ضدّهم .
ومضت السّنوات والذكريات تطوف بخالدٍ –رضي الله تعالى عنه- وهو متألمٌ على فراش المرض، فكان يتذكر تلك الأحداث والمعارك والبطولات، ويتحسر على ميتته على فراشه ويقول : أأشهد ما شهدت من الحروب والمعارك حتى لا يبقى من جسدي موضعٌ إلاّ وفيه أثرُ ضربةٍ بسيف، أو طعنةٍ برمح، أو رميةٍ بسهم، ثم أموت على فراشي هذا كما يموت البعير ؟! فلا نامت أعين الجبناء.